عادت منذ أيام عائلة أمريكية كندية من رحلة استمرت خمس سنوات قضتها في سجون شبكة حقاني الجهادية في أفغانستان. خطفت «حقاني» الزوجين أثناء رحلتهما البرية بين الجبال الأفغانية، وبقدر ما يبدو الأمر غريبًا لم تكن هذه المرة الأولى التي يُختطف فيها سياح في أفغانستان أو غيرها من مناطق النزاع. بحثًا عن الدافع وراء هذا السلوك؛ نشرت مجلة «ذي أتلانتك» تقريرًا حول سبب سفر بعض السياح إلى مناطق النزاع دونًا عن غيرها.
يسرد التقرير في البداية بعض الحوادث الشهيرة لاختطاف السياح. المواطن الياباني كودا دخل العراق عام 2004 – في أوج الحرب الأمريكية على العراق – فاختطفته جماعة مسلحة وقطعت رأسه. طالب بجامعة فيرجينيا يسمى وارمبير ذهب للسياحة في كوريا الشمالية عام 2015 وحكم عليه بالسجن بدعوى سرقته لأحد شعارات البروباجندا الكورية وأصيب بـحالة خضرية، ثم عاد للولايات المتحدة في يونيو (حزيران) العام الحالي، ومات بعد عودته بأسبوع. أما جوشوا فتال وشين بور وسارة شرود فكان حظهم أفضل. يقول ثلاثتهم إنهم كانوا في رحلة برية في كردستان العراق عندما احتجزتهم إيران بتهمة عبور الحدود بشكل غير قانوني. قضوا عامين في السجن ثم أُفرج عنهم.
يشير التقرير أيضًا لكولن راذرفورد الذي سافر إلى أفغانستان عام 2010 واختطفته طالبان، وأفرج عنه بعد ست سنوات بوساطة قطرية. كان المأمول من الاتفاق أن يشمل الإفراج عن الكندي جوشوا بويل وزوجته الأمريكية كايتلان كولمان وأطفالهما. كان الزوجان في رحلة برية في أفغانستان، وكانت كولمان حاملًا منذ بضعة أشهر عندما اختطفتهما شبكة حقاني المؤيدة لطالبان في عام 2012، وتم الإفراج عنهما الأسبوع الجاري مع أطفالهم الثلاثة الذين ولدوا جميعًا في الأسر.
عناوين صحافية يومية حول العنف والصراع السياسي ومختلف المخاطر الأخرى، لكن لم يمثل هذا عائقًا للمسافرين إلى المناطق الساخنة من العالم بحسب التقرير. يضم هذا النوع من السفر عدة مخاطر منها: أنه يشكل عبئًا على حكومات المسافرين إن حدث أمر طارئ، وأيضًا يشجع دولًا مثل كوريا الشمالية ويوفر لها النقد الأجنبي المهم وبعض الشرعية الدولية، كما أنه يعرض العاملين بالسياحة في هذه الدول للخطر ويجعلهم مستهدفين لعلاقتهم بمواطني الغرب.
كارمن جنتايل، مراسل حربي ومؤلف كتاب «Blindsided by The Taliban» (أخذت عيني طالبان)، ويقول جنتايل لـ«ذي أتلانتك» إن العديد من السياح الذين يسافرون لأفغانستان «أكبر سنًا ومهتمون بالتاريخ ويتوقون لبعض المغامرة في سفرهم». ويضيف جنتايل «هناك أشخاص قاموا برحلات شاقة في منغوليا أو مشوا بطول سور الصين العظيم ويبحثون عن مغامرة عظيمة جديدة، ويجب ألا يكون أي من أصدقائهم قد جربها، يريدون أن يكون لهم الفخر الأكبر. هل يوجد مكانٌ للذهاب في مغامرة كهذه سوى في أفغانستان أو منطقة حرب مشتعلة؟».
اقرأ أيضًا: مترجم: في مديح حياة الترحال.. زوجان تركا كل شيء ليعيشا في سفر دائم
في إطار بحثه وراء دوافع المسافرين، يشير التقرير لمجموعة «أنتيمد بوردرز» التي تتخصص في السفر من أجل المغامرة، إذ تنظم سفريات إلى «بعض أكثر مناطق العالم إثارة للاهتمام والأماكن التي يصعب الوصول إليها»، بحسب موقعها. قال جيمس ويلكوكس – أحد مؤسسي المجموعة – في رسالة إلكترونية للصحيفة إنه لا يمكنه الحديث لأنه يرشد مجموعة من أربعة كنديين وأمريكي في أفغانستان. ويقول: «نرشد ما بين 60 إلى 80 شخصًا في أفغانستان كل عام. لا أعلم ما العدد الإجمالي للسياح لكن عددهم قليل، وهو أمر متوقع».
أوصل ويلكوكس الصحيفة بمارتن بارنل، وهو عدّاء كندي خاض ماراثون أفغانستان الذي يقام في باميان، وسافر إلى هذه المدينة الأسطورية مع «أنتيمد بوردرز». خاض بارنل مئات الماراثونات حول العالم، ويجمع المال لقضايا عديدة أثناء سباقاته. يقول بارنل لـ«ذي أتلانتك»: «لم يكن الأمر سياحيًا، كان الأمر من أجل التوعية المجتمعية بالنسبة لي»، وأضاف أن رحلته «لم تكن لمشاهدة القلاع».
يقول بارنل إنه كان يتعافى من جلطة في المخ عام 2015 وقرأ وقتها عن انطلاق ماراثون أفغانستان في بايمان بمشاركة 10 عدّائين، كانت من ضمنهم أول أفغانية تخوض سباق الـ42.2 كيلومترًا، ويصف التحديات التي واجهتها أثناء الركض بأنها كانت حافزًا له. يقول بارنل: «بالنسبة لي كانت التحديات في الجو أو الماء أو التغذية، أما هي فواجهت التعديات اللفظية والفعلية». جعلته هذه القصة يعد نفسه بالجري في ماراثون أفغانستان بعد تعافيه ليدعم العداءات الإناث في البلاد.
يكمل بارنل بالحديث عن قرار السفر فيقول: «بالطبع ستجري في رأسك عدة أسئلة عندما تفكر في أمر كهذا. نسمع في الأخبار دائمًا عن أفغانستان والإرهابيين والتفجيرات (…) لم أعلم أن الأمر ممكن». ويقول إنه قرر السفر بعد «اجتهاد شخصي»، لكنه فضل أن يسافر مع مجموعة بدلًا من أن يسافر وحيدًا.
يمكن للمجموعات أن تعطي إحساسًا بالأمان، لكن أحد جوانب تنظيم السفر في مجموعات هي أخذ الوضع الأمني على الأرض في الحسبان. يضرب التقرير مثالًا بأفغانستان، حيث تسيطر طالبان الآن على أجزاء أكبر مما كانت تسيطر عليها في بداية الغزو الأمريكي في 2001. هناك مناطق واعدة في البلاد منها باميان ووادي بنجشير وحتى كابول في بعض الأحيان، لكن الوصول لهذه الأماكن ليس سهلًا. السفر عن طريق البر خطر – خاصة لمواطني الغرب – لأن الطرق تمر بأماكن خطرة. يقول جنتايل: «الخروج من العاصمة يعد بحثًا عن المشاكل».
لكنه يستدرك قائلًا: «لو لم تكن طالبان وسنون الحرب لكانت أفغانستان جنة سياح المغامرة. مكان مناسب للتجديف، وصعود الجبال، والرحلات البرية. إنها رائعة». ويضيف أن نفس الأمر ينطبق على هايتي – المناسبة لركوب الأمواج – والعراق، المناسبة للتنزه الجبلي وتسلق الجبال. وهي مناطق يعتبرها الغرب مناطق نزاع مشتعلة، إلا أنها أماكن «مثالية» على حد تعبيره. ينتهي التقرير بحديث بارنل الذي يصر على توضيح أنه ليس مدمنًا للأدرينالين مثل بعض السياح الآخرين، حيث يقول: «إن أردت قضاء عطلة أذهب لكوخ في ويلز».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».