إذا كان يرهب أمريكا، أكبر كيان إرهابي، فأنا أؤيده. كل مسلم يجب أن يكون إرهابيًا، الأمر أنه إذا كان يُرهِب إرهابيًا، فهو يتبع الإسلام. *ذاكر نايك

في مدينة جورج تاون عاصمة ولاية بينانج الواقعة شمال ماليزيا، تجمع مئات المتظاهرين المسلمين – جميعهم من الرجال – بعد أداء صلاة الجمعة يوم 20 يوليو (تموز) الماضي، تأييدًا للداعية الإسلامي ذاكر نايك، الذي يحظى بشعبية كبيرة. على عكس أنصاره الذين يرونه عالِمًا مسلمًا، فإن حكومة الهند ترى أنه ينشر خطاب الكراهية، وأنه متورط بغسيل أموال، وتمويل الإرهاب. إضافة إلى ذلك، فإن راماسامي بالانيسامي، نائب رئيس الوزراء بولاية بينانج يريد ترحيل نايك إلى موطنه الهند لتتم محاكمته.

يرى أنصار نايك أنه لم يرتكب أي خطأ، ويرغبون في حماية حقه في الدعوة إلى الإسلام الذي يُعد الديانة الرسمية لماليزيا. ويطالِب أنصاره كذلك بإلقاء القبض على راماسامي بسبب وقوفه أمام الدين والدعوة. وقد دعا راماسامي على مدار سنوات عديدة إلى طرد نايك من ماليزيا، وكان قد تم الهجوم على أحد مكاتبه وإضرام النيران فيها عام 2016، بعد نشره تعليقات ضد نايك على فيسبوك.

لطالما كانت إقامة نايك في ماليزيا مثارًا للجدل، فقد رفضت السلطات الماليزية طلب الهند بتسليم نايك في يناير (كانون الثاني). لكن مع تغير الحكومة الماليزية ووصول «تحالف الأمل» إلى السلطة في انتخابات اعتُبرَت انتصارًا للديمقراطية، يرغب راماسامي وآخرون أن يحترم الائتلاف الحاكم الجديد معاهدة تسليم المجرمين مع الهند.

على الرغم من كونه مطلوبًا في الهند، ومنعه من دخول المملكة المتحدة، إلا إن نايك لا يزال يحظى بإعجاب ملايين المسلمين حول العالم، بما في ذلك ماليزيا. يضع ذلك الحكومة الماليزية في مأزق صعب، وهذا ما ناقشته الكاتبة دارشيني كانداسامي في تقريرها الذي نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.

أشارت الكاتبة إلى إن الحكومة الماليزية تحاول الابتعاد عن السياسات القومية العرقية والدينية التي تبناها رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، الذي يواجه الآن تهمًا بالفساد. لكن في بلد أكثر من 60% من سكانه مسلمين، وحيث تحقق وجهات النظر الأصولية – مثل التي يتبناها نايك – تأثيرًا مقلقًا، فإن التعامل مع الداعية الهندي يعد تحديًا للحكومة.

من هو ذاكر نايك؟

ولد ذاكر عبد الكريم نايك في مومباي عام 1965، وصار طبيبًا، لكنه تحول إلى الدعوة الإسلامية عام 1991، وأسس مؤسسة البحوث الإسلامية «IRF». في عام 2006، أسس نايك قناة السلام وهي بداية شبكة تلفزيونية فضائية غير ربحية باللغة الإنجليزية، والتي زعمت أن عدد مشاهديها تخطّى 200 مليون، لكن ليس هناك إحصاء مستقل يؤيد ذلك.

ذهب نايك إلى ماليزيا لأول مرة عام 2012، واستقر هناك في عاصمتها الإدارية بوتراجايا في عام 2016 عندما بدأت الهند تحقيقاتها. أقام نايك منذ وقت مبكر علاقة وثيقة مع مسئولين حكوميين وفيدراليين سابقين، إضافة إلى قادة دينيين؛ مما مهد الطريق لمنحه إقامة دائمة في عام 2012، وجائزة لمساهمته في تطوير الإسلام في عام 2013، كما عُرض عليه ثلاث جُزر من قِبل رئيس وزراء ولاية تيرينجانو.

في الوقت ذاته، لا يقتصر الدفاع عن نايك على متظاهري بينانج، بل يشمل أيضًا الدكتور محمد عصري زين العابدين مفتي ولاية برليس. لا عجب إذن أن نايك يحظى بالاحترام من قبل عدد كبير من المسلمين المحليين، إذ يقدر مستمعو خطاباته الحية بعشرات الآلاف.

اتهامات بالإرهاب

ألقى ذاكر آلاف المحاضرات حول العالم، معظمها بالإنجليزية، وقد لاقى ثناءً وغضبًا كبيرين لاستشهاده بالعلم، ولاقتباسه من الكتب المقدسة للأديان الأخرى في محاضراته عن الإسلام. يتهمه معارضوه بإساءة تفسير النصوص الدينية، وأن خطابه يحث على الكراهية. يرى البعض أنه يدافع إلى الإرهاب، فقد دافع نايك عن أسامة بن لادن قائلًا «إذا كان يرهب أمريكا، أكبر كيان إرهابي، فأنا أؤيده. كل مسلم يجب أن يكون إرهابيًا، الأمر أنه إذا كان يُرهِب إرهابيًا، فهو يتبع الإسلام».

ازدادت الاتهامات ضد نايك بنشر الإرهاب بعد هجوم إرهابي في دكا عاصمة بنجلاديش في عام 2016، إذ ذكرت إحدى الصحف أن أحد منفذي الهجوم كان قد اقتبس من كلام نايك على صفحته على فيسبوك. بعد ذلك، بدأت وكالة مكافحة الإرهاب بالهند بالتحقيق في تمويل نايك للأنشطة الإرهابية عبر مؤسسة البحوث الإسلامية، والتي تم تقديم مستندات رسمية ضدها وحظرها لمدة خمس سنوات في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

في الوقت ذاته، ينكر ذاكر التهم الموجهة إليه، وقد أدان أعمال الإرهاب وقال إن كلامه اقتطع عن سياقه. يتواصل نايك الآن فقط من خلال ما ينشره عبر فيسبوك، أو من خلال بيانات صحفية يرسلها من خلال محاميه، الذي صرّح بأن موكله لن يتحدث مع الصحفيين. وفي بيان صدر مؤخرًا، قال ذاكر إن الاتهامات بالتحريض على الإرهاب الموجهة إليه تهدف إلى «تشويه صورة الإسلام والمسلمين».

اختبار للحكومة

يمثل شعب الملايو أكثر من نصف سكان ماليزيا، وهم مكلفون قانونًا باتباع الإسلام تحت نظام ماليزيا المعقد للتوازن الوطني والديني. استخدمت الحكومة السابقة، التي كانت تقودها المنظمة الوطنية الموحدة للملايو «UMNO»، الإسلام وتعهدها بتفوق العرق الماليزي أداة سياسية لإبقاء الأعراق الأخرى تحت السيطرة والبقاء في السلطة.

يضع ذلك رئيس الوزراء الجديد مهاتير محمد، الذي ترأس منظمة «UMNO» لمدة 22 عامًا، في موقف بالغ الصعوبة. يعترف مهاتير نفسه بأنه لعب ببطاقة الدين في الماضي لتشويه المنافسين، ومنهم من هم حلفاؤه حاليًا، بأنهم مناهضون للملايو لتحقيق مكاسب سياسية. لكن الحكومة الحالية التي يترأسها وعدت بالتخلي عن السياسات القائمة على العِرق والدين، وهي السمة التي ميزت السياسة الماليزية لأكثر من ستة عقود.

أعطى مهاتير حقيبة وزارة المالية لزعيم حزب العمل الديمقراطي، الذي ينتمي إليه راماسامي وهو أحد الأحزاب المكوِّنة تحالف الأمل، وهو صينيّ العرق. يعد هذا مجرد مثال واحد من بين عدة تعيينات رفيعة المستوى لغير الملايو، وهو ما لاقى تساؤلات واسعة من جانب السياسيين الإسلاميين. لذلك، يبدو أن ترحيل نايك سيتسبب في غضب كبير.

«هذا هو الاختبار الحقيقي للحكومة الجديدة»، هكذا قالت بريدجيت ويلش أستاذة العلوم السياسية بجامعة جون كابوت والخبيرة في السياسة الماليزية. وأضافت ويلش: «لقد جاءت الحكومة الجديدة للحكم في مناخ مختلف، وهم يواجهون مهمة صعبة أشبه بالسير في حقل ألغام، ولا أعتقد أن الحكومة الجديدة ترغب في تفجير تلك القنبلة في وقت مبكر جدًا». وأشارت ويلش إلى أن تسليم نايك إلى الهند يعد مخاطرة من جانب تحالف الأمل، إذ سينظر إلى تلك الخطوة على أنها استسلام، مما يجعل التحالف هدفًا سهلًا للمحافظين اليمينيين المتطرفين الذين يسعون لكسب نفوذ سياسي.

لذلك، رفض مهاتير تسليم نايك في الوقت الحالي، وصرح بأن نايك تحميه إقامته الدائمة ما لم يخرج عن القانون الماليزي. لكن على مهاتير كذلك التعامل مع الانقسامات داخل إدارته، بما في ذلك السياسيين ذوي الأصول الهندية الذين أيدوا ترحيل نايك من قبل لكنهم الآن عليهم اتخاذ نفس موقف الحكومة الفيدرالية، مما يترك راماسامي وحيدًا على ما يبدو.

من بين النقاد أيضًا وايثا مورثي، الناشط في حقوق الهندوس، ووزير الوحدة الوطنية والرفاه الاجتماعي، والذي كان واحدًا من بين 19 مدعيًا في قضية تسعى إلى طرد نايك في عام 2017، لكنها رفضت في فبراير (شباط) الماضي. ومن بين المعارضين كذلك من بين الزعماء الآخرين غوبيند سينغ ديو ، وم. كولاسيجاران ، وكزافييه جاياكومار ، وجميعهم الآن أعضاء كبار في حكومة مهاتير الجديدة.

أولويات للحكومة

على الرغم من ذلك، يعتقد البعض أن الحكومة الجديدة تتوخى الحذر الشديد. تساءل سارافانان موروجان، وهو عضو برلماني هندوسي كان نائب وزير في حكومة نجيب، عن صمت الوزراء الحاليين، الذين انتقدوا حزبه التابع لتحالف الجبهة الوطنية المخلوع لعدم قيامهم بترحيل نايك. وأشار سارافانان إلى أن ماليزيا تستطيع عبور أزمة ترحيل نايك بنجاح، وأن أغلب المسلمين الملايو سيتفهمون قرار الترحيل، مشيرًا إلى أن الماليزيين متسامحون للغاية ويحترمون مختلف الأديان والثقافات، وهي سمة لا يشاركها نايك، بحسب ما ذكر سارافانان.

في الوقت ذاته، أشار سارافانان إلى أن عدم قيام الحكومة بتسليم نايك، يسمح له بنشر خطابه، ولا يعد مبشرًا بالتزام ماليزيا الجديدة بحكم القانون. وأشار مصطفى عز الدين، وهو زميل في معهد دراسات جنوب شرق آسيا في سنغافورة، إلى إمكانية استخدام هذا الموقف باعتباره سابقة دبلوماسية من قبل البلدان الأخرى لرفض طلبات التسليم التي تتقدم بها ماليزيا في المستقبل.

ومع ذلك، قال عبد الواحد جلال نوري، وهو محلل بارز في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في ماليزيا، أن الحكوم تحتاج إلى التعامل مع هذا الأمر باعتباره قضية ثانوية، مشيرًا إلى أنه من المنتظر أن تقوم الحكومة بحل مشاكل أكبر بكثير، مثل استقرار مواردها ومكافحة الفساد.

وقال نوري «يملك ذاكر عددًا كبيرًا من التابعين محليًا وخارجيًا، ماذا تعتقد حدوثه إذا ما قررت ماليزيا تسليمه إلى الهند؟ سوف تستغل المعارضة ذلك». وأشار نوري إلى أن المجتمعات الإسلامية ستتساءل عما يحدث في ماليزيا، وتتضخم القضية وتؤدي من المزيد من عدم الاستقرار. لذلك، بحسب نوري، فإن ترحيل نايك لا يحل أي مشكلة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد