لا شك أن جميع المهتمين بالاقتصاد في العالم، سواء من الأفراد أو الدول، ينتظرون بترقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول اختيار من سيشغل منصب رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، بعد جانيت يلين الرئيسة الحالية للبنك، والتي تنتهي فترة رئاستها في فبراير (شباط) القادم؛ إذ إنّ من المرجح أن يعلن ترامب قراره قبل أن يذهب في جولة إلى آسيا في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، وهو ما أكدته سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض مؤخرًا.

ومع اقتراب قرار ترامب، تتبادر إلى الأذهان أسئلة حول الفترة الجديدة للفيدرالي الأمريكي، من سيكون على رأسه؟ وكيف سيؤثر ترامب على سياسته؟ وكيف سيتعامل الرئيس الجديد مع ملف أسعار الفائدة؟ وغيرها من الأسئلة، التي بالطبع تهم الاقتصاد العالمي ربما بنفس الدرجة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، ولكن ربما يكون للاقتصاد العربية شيء من الخصوصية حول هذا الأمر، إذ إن الاقتصادات العربية هي الحلقة الأضعف في الاقتصاد العالمي؛ لذلك تأثرها بالأحداث يكون في كثير من الأحيان مضاعفًا، فكيف سيتأثر العرب باختيار ترامب للرئيس الفيدرالي الجديد؟

Embed from Getty Images

ماذا تعرف عن مجلس الاحتياطي الاتحادي؟

قبل الحديث عن أي شيء سنتعرف على البنك؛ حتى ندرك لماذا يستحوذ على كل هذا الاهتمام العالمي، ويسمى بمجلس الاحتياطي الاتحادي، أو الاحتياطي الفيدرالي، أو البنك المركزي الأمريكي، وهو المتحكم في أقوى عملة في العالم (الدولار)، إذ يهتز لقراراته الدول والبورصات حول العالم، كما أنه منذ تأسس عام 1913 يعدّ من أكبر المؤسسات المالية وزنًا حول العالم، من حيث القوة، والتأثير من خلال سياساته النقدية المتبعة، وبالرغم من ذلك يعتبر جهة مستقلة (غير حكومية)؛ لأنه ليس من الضروري أن يقر الرئيس الأمريكي أو أي مسؤول حكومي ما يتخذه البنك من قرارات وسياسات، إلا أنه يخضع لمراقبة الكونجرس، ويتوجب على الاحتياطي الاتحادي أن يعمل ضمن الإطار الاقتصادي الذي تحدده الإدارة الأمريكية، وأهداف السياسة المالية التي تعتمدها هذه الإدارة.

وعمومًا، وككل البنوك المركزية، فإن الاحتياطي الفيدرالي مسؤول عن السياسة المالية للولايات المتحدة، واستقرار العملة وسعر صرفها وطباعة النقود والتحكم بمعدل الفائدة على القروض، وكذلك يقوم بوظيفته الإدارية بالجهاز المصرفي؛ كونه بنك البنوك، كما يتبعه 12 بنكًا فيدراليًا في ولايات مختلفة، ومجلس محافظي البنك الذي يضم 7 أعضاء، ويعينهم الرئيس الأمريكي، ويقر تعيينهم مجلس الشيوخ، ويختار منهم رئيس المجلس ونائبه، ويحدد المجلس السياسة المالية للبنك، وأعضاؤه جزء من 12 عضوًا، يشكلون لجنة السوق المفتوحة الاتحادية التي تحدد السيولة النقدية وسياسة الائتمان في الولايات المتحدة.

ويرأس البنك منذ 2014، جانيت يلين، وهي أول امرأة تترأس البنك في تاريخه، ومن المنتظر أن يختار ترامب رئيس جديد خلال الأيام القادمة، وتشير المصادر إلى أن الرئيس الأمريكي لديه قائمة من خمسة مرشحين، هم جاري كوهن، كبير المستشارين الاقتصاديين لترامب، وجون تيلور، استاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد، وجيروم باول، أحد محافظي مجلس الاحتياطي، وكيفن وورش المحافظ السابق بمجلس الاحتياطي، بالإضافة إلى يلين الرئيسة الحالية.

وفي استطلاع لوكالة «رويترز» نشرت نتائجه مؤخرًا، شمل 40 خبيرًا اقتصاديًا، وأجري في الأيام القليلة الماضية، قالت أغلبية ضئيلة إنهم يتوقعون أن يذهب المنصب إلى باول، وهو محام ومصرفي استثماري سابق انضم إلى مجلس محافظي الاحتياطي الاتحادي منذ مايو (أيار) 2012، وأشاروا إلى أن المرشح التالي الأكثر ترجيحًا للفوز بالمنصب هو وورش الذي كان عضوًا بمجلس المحافظين أثناء الأزمة المالية في 2008.

لماذا ستكون الفترة القادمة مختلفة؟

في الواقع يمكن القول بأن هذه الفترة مختلفة عن غيرها؛ بسبب وجود ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، إذ إنه مازال يثير الجدل على المستوى السياسي والاقتصادي، كما أن تركيبة الاحتياطي الفيدرالي لا شك أنها ستكون مرآة لسياساته الاقتصادية التي تثير حتى الآن قلق المستثمرين، إذ يقول هنري بيبودي، مدير صندوق في «إيتون فانس»: «إنه خطر يجب أن نُدركه، لا ينبغي أن ننسى أن السياسة النقدية كانت مستقلة للغاية في الماضي القريب، إلا أن هناك تسللًا غير مسبوق للسياسة، لذلك فالأمر مهم».

ترامب

المخاوف بشأن تركيبة البنك المركزي يجب النظر إليها بعين الاعتبار، فخلال فترة وجيزة سيكون ترامب قادرًا على إجراء خمسة تعيينات في مجلس محافظي البنك المركزي، بما في ذلك استبدال ييلين، وتكمن المخاوف من حيث صعوبة التنبؤ بما سيحدث مستقبلًا، إذ يقول جيم كارون، مدير صندوق في مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار: «من الصعب فعلًا التنبؤ، لأن ترامب لا يُمكن التنبؤ به»، لكن على أية حال يمتلك ترامب فرصة إعادة بناء المؤسسة الاقتصادية البارزة في العالم بحسب رؤيته.

وعلى كلٍّ، يتوقع محللون أن تحدث تغييرات جوهرية داخل أروقة الاحتياطي الفيدرالي في الاثني عشر شهرًا المقبلة، لكن هل سيؤثر ذلك على استقلالية البنك المركزي أم لا؟ هذا الأمر من الصعب أن يجزم به أحد، إلا أن هناك فضولًا بشكل عام لمعرفة شكل البنك التنظيمي بعد تولي رئيسه المرتقب.

وكان ترامب خلال حملته الانتخابية، طالب باستبدال يلين، وبإتاحة الائتمان للشركات الأمريكية، لا سيما الصغيرة منها، كما أن الجمهوريين في الكونجرس منشغلون بالإطاحة بقانون «دود-فرانك» لإصلاح «وول ستريت» وسن قانون محاسبة البنك المركزي، ومن هنا تنصب المخاوف على شكل السياسة النقدية، فهل سيلتزم الفريق الجديد بالمبادئ الاقتصادية وإجراءات السياسة النقدية المعيارية التي ظهرت مع الأربعة رؤساء الآخرين للبنك المركزي ومن بينهم «يلين».

ويبقى السؤال: هل يقوم الفريق الجديد بتحديد قواعد جديدة لرفع الفائدة، وهو الأمر الذي حذرت منه يلين في شهادتها الأخيرة أمام الكونجرس من تبني قاعدة «تايلور» برفع معدل الفائدة وفق إجراءات محددة – وليس وفقًا لمجريات السوق والاقتصاد – إلى ما بين 3.5% و4% مشيرةً إلى أن ذلك سيؤدي إلى تراجع النمو وارتفاع البطالة؛ مما يعني معاناة اقتصادية كبيرة ستضر الجميع.

أسعار الفائدة.. أكبر مخاوف العرب

لا يوجد اقتصاد في الأسواق الناشئة يرغب في أن يرى رفعًا للفائدة الأمريكية، ولكن تتوقع يلين أن البنك المركزي الأمريكي سيواصل رفع الفائدة الأمريكية تدريجيًا مع نمو الاقتصاد وسوق العمل بشكل قوي، وفي ظل ارتفاع الأسعار المدعوم من تحسن الاقتصاد العالمي، وذلك بالرغم من اعترافها بأن التضخم في البلاد منخفض بشكل مدهش، إذ تعتقد أن التضخم سيرتفع خلال العام القادم، وفي حال واصل البنك نفس سياسة يلين، فإن العرب سيكون لهم نصيب كبير من الضرر، وكما ذكرنا أن الأسواق العربية الحلقة الضعيفة عالميًا، لذلك تتلقى الخسائر الأكبر.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، قرر الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة، بواقع 0.25%، لتكون الزيادة الثانية في العام الحالي، والأعلى منذ الأزمة المالية 2008، ليرتفع سعر الفائدة الرئيس بمتوسط من 1% إلى 1.25%، ويعد هذا أعلى مستوى منذ 2008، عندما قرر صانعو السياسات المالية الأمريكية خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاقتراض والإنفاق بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت البلاد، ولكن الآن يواجه متخذو القرارات المالية الأمريكية صعوبات في كيفية تغيير السياسات التي تم انتهاجها عقب الأزمة، وكانت تهدف لتعزيز النشاط الاقتصادي، لكن في الغالب ستكون تركيبة ترامب أكثر شجاعة – أو تهورًا – من حيث تغير السياسات وهو ما يزيد من المخاوف.

وبينما يقول نائب رئيسة الاحتياطي الفيدرالي «ستانلي فيشر» إنه لا يمكن الاستمرار والتسرع في وتيرة الرفع التدريجي لمعدل الفائدة في ظل ضعف معدل التضخم، إذ يرى أنه من الممكن رفع الفائدة 4 مرات بحلول نهاية عام 2018، لكنه وصف محاولات تخفيف الضوابط التنظيمية في القطاع المالية بـ«الخطأ الفادح».

لكن على كل حال لماذا يخشى العرب من رفع الفائدة؟، في الواقع تعني الفائدة المرتفعة وجود دولار قوي، ومع اتجاه أغلب الدول العربية إلى إصدار السندات يعني ذلك ارتفاع تكلفة الديون المتفاقمة في الأساس، إذ تخطط دول مجلس التعاون للاقتراض من خلال السندات الدولية خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى مصر التي تسعى كذلك لطرح ما يقرب من 10 مليارات دولار، وغيرها من الدول العربية التي تعاني عجزًا كبيرًا في الموازنة.

هروب الأموال من الأسواق في وقت هي أكثر احتياجًا إليها، سبب آخر يجعل العرب متخوفين من فكرة زيادة الفائدة الأمريكية، فوفقًا لتحليل صادر عن بنك قطر الوطني (QNB)، تسبب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وتزايد قوة الدولار، في انخفاض تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة في الفترة من عام 2013 وحتى 2016، إذ تضررت التدفقات الرأسمالية إلى الأسواق الناشئة من نوبات متتالية من هروب رؤوس الأموال خلال الفترة من 2013 إلى 2016، حيث انخفضت التدفقات غير المقيمة من 418 مليار دولار أمريكي في عام 2012 إلى 100 مليار دولار أمريكي في عام 2016.

جانب آخر من الضرر ربما لا يتم تناوله كثيرًا، تأثير سياسة الاحتياطي الفيدرالي على أسعار السلع الأساسية، وبالرغم من تراجع أسعار السلع الأساسية لسنوات حتى أواخر عام 2016 إلى 2017، إلا أن أسعارها ارتفعت فقط عندما أظهر البنك الاحتياطي الفيدرالي اتجاهه لرفع الفائدة، وأعلن استعداده لتخفيض الميزانية العامة بنحو 4.5 تريليون دولار، وتصدر موجة الارتفاعات المعادن الصناعية، مثل النحاس والتيتانيوم، وعانت أسعار السلع الأساسية – التي ترتبط ارتباطًا عكسيًا بالدولار – من قوة العملة الأمريكية مع أخد الأسواق في الاعتبار زيادة أسعار الفائدة.

لكن كيف يتأثر العرب بهذا الجانب؟ من المعلوم أن أغلب الدول العربية تعتمد بشكل أساس على الاستيراد، وفي ظل زيادة الأسعار يعني مزيد من التكلفة، فبحسب الأرقام فإن العرب سيستوردون أغذية بنحو 53 مليار دولار بحلول 2020، ومع ارتفاع الأسعار سنجد أن فاتورة واردات الغذاء من قبل دول المنطقة ستتفاقم، وهو ما سيجعلها تستنزف الجزء الأكبر من الاحتياطيات.

عمومًا يمكن القول بأن السياسة المعتدلة على أية حال هي الحل، والتي ستجنب الجميع الخسائر، ففي حال اتجه البنك إلى تبني سياسة عدم رفع الفائدة، فإن التضخم الضعيف حتى الآن سيتحول إلى مشكلة أكبر، كما أن الاحتياطي الفيدرالي الضعيف يُمكن أن يُثير مشاكل لأسواق السندات، وحدوث أية مشكلة لهذا السوق سيكون لها أثر مباشر على أموال العرب، وخاصة دول الخليج التي تستثمر عشرات المليارات في سوق السندات الأمريكي.

وتشير التقديرات إلى أن الدول العربية، تستثمر نحو 272.1 مليار دولار في السندات وأذون الخزانة الأمريكية بنهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، ووفقًا لتحليل وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة «الاقتصادية»، فإن 11 دولة عربية تستثمر أموالًا في سندات وأذون الخزانة الأمريكية، تمثل 4.4% من إجمالي الاستثمارات العالمية في هذه السندات، والبالغة 6.17 تريليون دولار، وتستحوذ السعودية على نصيب الأسد، بحصة تبلغ 52.5%، بقيمة استثمارات 142.8 مليار دولار، تمثل 2.3% من استثمارات دول العالم في أداة الدين الأمريكية.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد