سأبني جدارا هائلًا على حدودنا الجنوبية، وبسعر رخيص، وصدقوني، لا يوجد من يقوم بذلك أفضل مني. وسأجعل المكسيك تدفع من أجل ذلك الجدار، وتذكروا كلامي هذا.

هكذا قال الرئيس المنتخب الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، في إحدى خطبه الانتخابية، في السادس من مايو (آيار) 2016، وظن الكثيرون حينها أنها مُجرد كلمات يُروّج بها المرشح الرئاسي لنفسه بين القطاعات التي يظن أنها تُؤيده.

لكن على ما يبدو، يتحول الأمر إلى حقيقة فور وصول ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة؛ إذ أصدر أمرًا تنفيذيًا، الأربعاء الماضي، بالمضي قُدمًا في وضع خطة كاملة لبناء الجدار الحدودي العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ لمنع وصول المهاجرين من أمريكا اللاتينية عبر المكسيك إلى الولايات المتحدة.

ويعكس الأمر الوجود الطاغي المناهض للهجرة داخل البيت الأبيض؛ فإلى جانب ترامب نجد المحامي العام للدولة جيف سيشنز، وكبير المخططين الاستراتيجيين بالبيت الأبيض ستيف بانون، وكبير مستشاريه السياسيين ستيفن ميلر.

كيف هي الحدود بين أمريكا والمكسيك؟ وكيف سيبدو الجدار؟

بعد توقيعه الأمر التنفيذي ببناء الجدار الفاصل مع المكسيك، في 25 يناير (كانون الثاني) 2017، زعم ترامب أن خطوة بناء الجدار ستكون «جيدةً جدًا» بالنسبة للمكسيك، قائلًا «الأمة التي بلا حدود لا تُعتبر دولة»، مُشددًا على أن بلاده ستعود للسيطرة على حدودها بدءًا ببناء الجدار الحدودي.

وتحد المكسيك الولايات المتحدة من الجنوب بدايةً من ولاية تكساس في الشرق، وحتى ولاية كاليفورنيا في الغرب، مرورًا بعدد كبير من التضاريس. ويقابلهم في الجانب المكسيكي خليج المكسيك، ومعبر الحدود في سيودادا خواريز، وتشيواوا وإل باسو، مرورًا بمساحات شاسعة من الصحراء والأماكن المهجورة، ووصولًا إلى سان دييغو تيخوانا، قبل الوصول إلى المحيط الهادي. وجدير بالذكر أن هذه الحدود يعبرها حوالي 763 مليون فرد سنويًا، وبطريقةٍ قانونية وشرعية.

ويبلغ طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك حوالي 1989 ميل، أي ما يعادل 3200 كيلومتر تقريبًا، غير أن ترامب وعد ببناء جدار يصل إلى 1000 ميل، مع العلم أن هناك جدار غير متساوٍ في الطول؛ قصيرٌ في مناطق، وطويلٌ في أخرى، موجود بالفعل بين نوجاليس وحتى نهر كولورادوا، ويُقدَّر طوله لحوالي 700 ميل. مما يعني أنه سيكون هناك حوالي 300 ميل بلا جدار في حالة بناء ما يريده ترامب.

ومع الانتقادات التي واجهها ترامب منذ توليه الرئاسة، والتي زادت بعد إعلانه الأمر التنفيذي ببناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وعد الرئيس الجديد في كلمته في وزارة الأمن الداخلي أنه سيكون رئيسًا للجميع، مؤكدًا أنه سوف يسد الانقسامات بين الأطراف المختلفة، وسيضمد الجروح، وسيقوم بتوحيد البلاد، قائلًا«يمكننا فعل أي شئ معًا، فلا يوجد شيء لا نستطيع عمله كأمريكيين، فالمستقبل لا حدود له».

ماذا قد تستفيد الولايات المتحدة من بناء الجدار؟

قد تكون الأسباب المُعلنة من قبل الولايات المتحدة لبناء الجدار صحيحة، لكنها ليست الوحيدة على أية حال؛ إذ يبدو أن ثمة بُعدًا آخر للجدار الذي يُصر ترامب على بنائه.

وكان ترامب قد أعلن رغبته في بناء الجدار لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين إلى بلاده، الذين يعتبرهم بالضرورة «أشرار»، حين قال «ينبغي علينا طرد جميع الأشرار خارج بلادنا؛ المجرمين، وتجار المخدرات، وأعضاء ورؤساء العصابات؛ فقد ولَّى اليوم الذي يمكنهم فيه البقاء في بلادنا يعيثون فيها فسادًا. ينبغي علينا أن نطردهم، وبسرعة».

وفي مقابلة مع قناة «إيه بي سي نيوز»، أعلن ترامب البدء في بناء الجدار خلال أشهر قليلة، مُوضحًا أن خطته في هذا الصدد «الإمساك بهؤلاء (المهاجرين غير الشرعيين)، وترحيلهم خارج حدود الولايات المتحدة، لتأخذ كل دولة مجرميها»، وفي سبيل ذلك سيُعيّن ترامب خمسة آلاف شرطي إضافي لدوريات الحدود، بالإضافة إلى مضاعفة أفراد شرطة الهجرة والجمارك، وأيضًا إنشاء مكتب للأمن الداخلي خاص بتأهيل ودعم ضحايا جرائم المهاجرين غير الشرعيين.

تجارة المخدرات عبر الأنفاق

السبب المعلن لرغبة ترامب بناء الجدار الحدودي الفاصل مع المكسيك هو منع دخول المهاجرين غير الشرعيين، لكن قد تكون هناك أبعاد اُخرى للموضوع، بخاصة وأن ترامب في الأساس رجل أعمال، وهكذا يبدو أنه يُفكّر.

وتعد سوق تجارة المخدرات بين الولايات المتحدة والمكسيك من أكبر أسواق المخدرات في العالم، وبخاصة في مخدري الكوكايين والماريجوانا، وخلال عشرة أعوام، اكتُشف حوالي 13 نفقًا سريًا بين المكسيك والولايات المتحدة لتهريب المخدرات، تحوي أطنانًا منها، تمهيدًا لتوزيعها في الولايات المتحدة.

وكان ترامب قد ألمح في إحدى مناظرات الحزب الجمهوري، في فبراير (شباط) 2016، إلى قضية الأنفاق الحدودية، وما تمثله من مكسب للمكسيك، بتهريب المخدرات والمهاجرين.

أحد الأنفاق السرية بين المكسيك والولايات المتحدة (المصدر: بي بي سي)

الأبعاد والتكهنات المتاحة الآن هي بناء رغبة ترامب لبناء الجدار لإثبات استطاعته الوفاء بوعوده الانتخابية للأيام المائة الأولى من حكمه، أو ربما لكون الجدار نابعًا عن مناهضته الأصيلة لكل ما هو غير أمريكي أبيض، كذوي الأصول اللاتينية أو ذوي الأصول الإفريقية أو العرب، وغيرهم، وربما ما يُعزز من هذا التكهن أنه لم يعلن حربًا على المخدرات المهربة من المكسيك، ولم يعلن حملات تفتيشية ضد الأنفاق الموجودة بين البلدين على الحدود، والتي يصل طول النفق الواحد فيها إلى حوالي كيلومتر؛ ما يُثير شكوكًا من موقفه من تجارة المخدرات بين البلدين.

ثمة تكهن آخر، وهو احتمال أن يكون إصرار ترامب على بناء الجدار الحدودي، رغبةً منه في إيجاد مبرر مناسب لزيادة نسبة الجمارك على المنتجات المكسيكية، خاصة وأن المكسيك لا تُلقي بالًا أو اهتمامًا بجدار ترامب الذي رهن بناءه بدفع المكسيك لتكاليفه.

ما قد يُعزز من هذا التكهن هو حجم التبادل الاقتصادي الكبير بين البلدين، والذي وصل إلى 583.6 مليار دولار عام 2015، وتبلغ قيمة الواردات من المكسيك للولايات المتحدة حوالي 316.4 مليار دولار؛ مما يعني أنه في حال زيادة نسبة الجمارك حوالي 20% على المنتجات المكسيكية، فإن ذلك يعني زيادة في العوائد الأمريكية، تصل قيمتها إلى أكثر من 63 مليار دولار إضافية لصالح الولايات المتحدة سنويًا.

«سنحافظ على حياة الآلاف والآلاف من البشر، نحن نريد مجتمعات آمنة. وحينما يتعلق الأمر بالأمن العام، فلا يوجد هناك مكان للسياسة؛ لا جمهوريين، لا ديمقراطيين، فقط مواطنين صالحين». – ترامب

ماذا عن الجانب المكسيكي؟

يستمر ترامب في التصريح بأنه على المكسيك دفع تكاليف بناء الجدار الحدودي، وذلك من إعلانه الأول عن نيته بناء الجدار حال فوزه في انتخابات الرئاسة، وذلك في 2015.

ويزعم ترامب أنه سيضغط على المكسيك بسبب وجود عجز في الميزان التجاري بين البلدين قيمته 58 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الجدار سيتكلف ما بين 10 و12 مليار دولار فقط. غير أن صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قالت في وقتٍ سابق إنها أجرت عدة حسابات وتحليلات؛ كشفت عن أن أقل تكلفة للجدار ستكون فيما بين 15 و25 مليار دولار، بالإضافة إلى أنه سيحتاج إلى حوالي 13 عامًا لإتمامه بالشكل الذي يريده ترامب.

وكان ترامب قد علن في وقتٍ سابق أن تكاليف البداية في بناء الجدار، سيتكلفها دافعو الضرائب الأمريكيين، إلى أن تتحمل المكسيك باقي التكاليف، مُشيرًا آنذاك إلى أن المفاوضات مع المكسيك من أجل السداد قريبة نسبيًا.

ومن أجل ذلك، طالب ترامب بتحديد موعدًا للقاء الرئيس المكسيكي «نينيا نيتو»، يوم الخميس الماضي، غير أن الرئيس المكسيكي أعلن عبر صفحته الرسمية على موقع التدوينات القصيرة، «تويتر»، أنه أبلغ البيت الأبيض بعدم نيته الحضور للقاء الرئيس الأمريكي يوم الثلاثاء المقبل كما كان مقررًا، مُؤكدًا استعداد بلاده العمل مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق يُساعد البلدين.

وجاء رفض الرئيس المكسيكي للزيارة بعد أن قال ترامب، إنه من الأفضل أن تلغى الزيارة حال لم تكن لدى المكسيك نية في دفع تكاليف بناء الجدار، وهو ما حدث بالفعل.

عرض التعليقات
تحميل المزيد