لم يكد يبدأ «دونالد ترامب» ولايته الرئاسية بعد رحيل أوباما، حتى انفجرت في وجهه فضيحة سياسية، أربكت الأجهزة الحكومية الأمريكية، وأثارت جدلًا محتدمًا في الرأي العام الأمريكي والدولي.
ويبدو أن ما تخشاه منظومة الحكم في أمريكا، من خلال هذه الفضيحة، هو هشاشة الجدران الأمريكية ضد اختراق الدب الروسي، الذي يسعى جاهدًا للتغلغل داخل أروقة صنع القرار في أمريكا.
فضائح ترامب الجنسية والمالية
نشرت قناة «سي إن إن» الأمريكية وثائق سرية، في صفحتين، تتضمن مزاعم حصول الروس على معلومات بشأن ترامب تثير القلق، وذكرت القناة أن مسؤولين أمريكيين على اضطلاع مباشر بالمسألة، وألحقت المخابرات الأمريكية ملخصًا لهذه المعلومات مع تقرير التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية لـ 2016.
غير أن موقع «buzfeed» تجاوز ما نقلته «سي إن إن» من معلومات عامة، ونشر ملفًا سريًا مكونًا من 35 صفحة، تفيد امتلاك الاستخبارات الروسية دلائل تورط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في «حفلات جنسية منحرفة»، وقالت إدارة الموقع إنها «نشرت التسريبات كاملة لاطلاع الأمريكيين على الاتهامات التي تحوم حول رئيسهم المنتخب ترامب».
وتظهر هذه الوثائق، حسب الموقع، أن هناك مقاطع فيديو لدى الجهاز الاستخباراتي الروسي، تظهر انخراط ترامب في «حفلات جنس منحرفة»، تشمل «تبول عاهرات» أمام ترامب؛ كنوع من الإثارة، وممارسات سادية له.
بالإضافة إلى ذلك، وردت في التسريبات معلومات مالية حساسة متعلقة بثروة ترامب، ومن شأن كشفها أن يعرض الأخير إلى التحقيق.
وكشفت صحيفة «وول ستريت» الأمريكية عن هوية الضابط البريطاني، الذي سرّب هذه المعلومات، وهو «كريستوفر ستيل» (52 عامًا)، وترجح الصحيفة أنه مسؤول استخباراتي، عمل متخفيًا كدبلومسي في روسيا وباريس وفي وزارة الخارجية في لندن، وهو من جمع ملفًا عن امتلاك روسيا معلومات عن فضائح جنسية ومالية لترامب، تنوي استخدامها للابتزاز.
من جانبه نفى ترامب هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا، وقال معلقًا على المعلومات المسربة «كلها أخبار كاذبة وتلفيقات لم تحدث. أشخاصٌ مرضى هم من شكلوا هذا الهراء، إنه عار مطلق»، مضيفًا بأنه «لو تم هذا العمل فعلًا لكان شبيهًا بممارسات النازية في ألمانيا».
وعلى خلفية هذه الاتهامات، هاجم ترامب بشدة قناة «سي إن إن» وموقع «بازفيد»، الذي وصفه بـ«كومة فاشلة من القمامة».
من جانبه، نفى الكرملين حيازة معلومات محرجة حول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، واتهم الاستخبارات الأمريكية بفبركة هذه المزاعم الكاذبة لضرب علاقة ترامب الجيدة مع روسيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف إن «بعض الأشخاص يؤججون هذه الهستيريا، إنها مجرد حملة سياسية مغرضة».
روسيا وتأثيرها على السياسة الأمريكية
في السابع من أكتوبر (تشرين الثاني) 2016، نشر موقع منظمة «ويكيليكس» آلاف الرسائل الإلكترونية من بريد مدير حملة «هيلاري كلينتون»، «دون بودستا»، تظهر خطابات ألقتها مقابل أجر لصالح مؤسسات مالية، ودول بين 2013 و2015، مما دفع ترامب آنذاك إلى تقديمها «كمرتشية غير جديرة بالتصويت لصالحها».
وفي أوج الحملة الانتخابية للحزب الديموقراطي، اضطر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) إلى استدعاء المرشحة الرئاسية، كلينتون، للتحقيق معها فيما يخص التسريبات المتعلقة بها.
وبالرغم من أن «FBI» لم تثبت أية مخالفة قانونية على كلينتون في آخر الأمر، إلا أن تأثير وقع فضيحة التسريبات على الرأي العام الأمريكي، كان له دور كبير في حرمان كلينتون من كثير من الأصوات الناخبة.
وهو ما جعل حينها مدير الحملة الانتخابية، للمرشحة الرئاسية الديمقراطية الخاسرة، «روبي موك»، يتهم روسيا بقرصنة هذه الرسائل لتغيير مسار الانتخابات الأمريكية، التي كان مُرَجحًا أن تفوز بها هيلاري كلينتون وفق استطلاعات الرأي المتواترة، قبل أن تحدث المفاجأة المدوية وفوز ترامب.
وسارت الاستخبارات الأمريكية في هذا الاتجاه، حيث نشرت في السادي من نوفبمر (كانون الثاني) الماضي، تقريرًا يشير إلى أن هدف «حملة التضليل الروسية والقرصنة هو نسف العملية الديموقراطية الأميركية وإضعاف رئاسة محتملة لهيلاري كلينتون وزيادة فرص فوز ترامب».
لتصبح واشنطن بعد هذه الواقعة أكثر توجسًا من تأثير موسكو على السياسىة الأمريكية، من خلال عمليات القرصنة وابتزاز كبار مسؤولي الدولة بواسطة معلومات حساسة مرتبطة بهم.
وفي هذا السياق اعتبر مدير الاستخبارات الأمريكية جيمس كلابر، أن كشف التسريبات المتعلقة بالفضائح الجنسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو إضرار بالأمن القومي، ونفى صحة هذه المعلومات المسربة، مؤكدًا أن «هذه الوثيقة ليست منتجًا للاستخبارات الأميركية. ولا أعتقد أن هذه التسريبات مصدرها قطاع الاستخبارات».
بيد أنه في نفس الوقت، يبدو المسؤولون الأمريكيون أكثر اهتمامًا بهذه التسريبات، إذ وزعت على كبار رجال الدولة وثيقة هذه المعلومات المسربة، التي تزعم امتلاك موسكو معلومات حساسة عن الرئيس ترامب بقصد الابتزاز السياسي، كما نقلت «سي إن إن».
وكان رئيس جهاز المخابرات السابق، «مايكل مور»، قد صرح بأنه اطلع على الملف المسرب كاملًا، قائلًا «تحتوي تلك التسريبات على بعض المعلومات الصحيحة التي سبق لي أن اطلعت عليها، وبعضها خاطئ، مثلما تحتوي على بعض المعلومات المتناقضة وغير المنطقية».
جدران أمريكا تتهاوى أمام الاختراق الروسي
أثار كل من تسريبات كلينتون وترامب، التي تتهم روسيا بالوقوف وراءها، دهشة المراقبين من سهولة التأثير الروسي على السياسة الأمريكية، حيث لعبت هذه التسريبات دورًا هامًا في حسم الانتخابات الأمريكية.
وبالرغم من امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية أقوى مؤسسات أمنية على وجه الأرض وأكثرها فعالية، وهي ممثلة بالأساس في الأخطبوط الضخم لأجهزة الاستخبارات الخارجية، بالإضافة إلى مكتب التحقيقات الفيديرالي، علاوة على قدرات الجيش الأمنية، فإنها فشلت في التصدي للاختراق الروسي للساحة الأمريكية.
لكن هذا التأثير الروسي في الشأن الأمريكي السياسي، لا يعود إلى هشاشة المؤسسات الأمنية أو اختراقها من الداخل، بقدر ما يرتبط بنوع من الأساليب البسيطة وغير المكلفة في التأثير على الدول، بحيث يكفي قرصنة معلومات حساسة عن مسؤولين كبار في الدولة أو مرشحين رئاسيين، واستخدامها بطريقة ابتزازية نحو المصالح المراد تحقيقها، للتأثير السياسي، ولاسيما مع تلهف مكتب التحقيقات ووسائل الإعلام لتلقف الفضائح القانونية.
ويثير دونالد ترامب قلق الاستخبارات الأمريكية من تقربه نحو موسكو، الأمر الذي دفعه إلى اتهام الجهاز بنشر هذه التسريبات، لحثه على التراجع في علاقاته الجيدة مع بوتين، إلا أن جهاز الاستخبارات الأمريكي، كان يملك بالفعل، كما تقول سي إن إن، هذه التسريبات منذ الحملة الانتخابية، ولم تظهر إلى العلن، كما حصل الأمر مع كلينتون.
هذا وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحد من نفوذ اللوبيات الأجنبية في مراكز القرار الأمريكية، من خلال اقتراح مجموعة من القوانين لدى الكونجرس الأمريكي.