في وقت سابق من هذا الشهر (يونيو 2014)، تظاهر نحو 3000 شخص في شوارع إسطنبول في ذكرى مقتل المواطنين الأتراك الثمانية على يد الجيش الإسرائيلي والذين كانوا على متن السفينة مافي مرمرة، والمعروفة باسم أسطول الحرية لإنقاذ غزة، والتي حاولت كسر الحصار البحري الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة في مايو 2010. وقد تسبب الحادث في توتر كبير في العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، وسحبت كل منهما سفيرها لدى الآخر وحتى الآن لم يعودا.
بعد أربع سنوات، أثار اتفاق مصالحة محتمل بين الحليفين السابقين تكهنات حول تطبيع العلاقات بين البلدين. يشمل الاتفاق تعويضات لعائلات ضحايا سفينة مرمرة، وآلية لإلغاء جميع الدعاوى القانونية ضد ضباط الجيش الإسرائيلي المتورطين في الهجوم؛ والموافقة على تسهيل المساعدات المدنية التركية إلى قطاع غزة.
خلال زيارة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مارس 2013، اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وعرض اعتذاره. يجري الآن الاتفاق على التفاصيل الخاصة بدفع التعويضات، حسبما ذكر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، وبينما لم يتم رفع الحصار عن غزة، اتفقت إسرائيل وتركيا على تخفيفه بحيث ستمنح تركيا امتياًزا خاصًا لتقديم المساعدة الإنسانية.
وقد دفعت هذه التطورات المحللين للتساؤل حول الدافع وراء هذا التقارب وما العقبات التي تقف أمامه. هناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في هذه المعادلة، ولكن المخاوف الاقتصادية والاأنية يبدو أن لها الصدارة. فاكتشاف حقول الغاز البحرية قبالة سواحل إسرائيل، والتعاون على بناء خط أنابيب مشترك لجلب الغاز الطبيعي الخام من حقل لافياثان إلى شواطئ تركيا ومن ثم إلى أوروبا، ينظر إليه باعتباره حافزًا. “إن مشروعي خط أنابيب الأناضول، وخط أنابيب البحر الأدرياتيكي اللذين ينقلان الغاز من أذربيجان إلى أوروبا سيوفرا البنية التحتية الرئيسية التي سيكون من السهل نسبيًا لإسرائيل الاستفادة منها” يقول روس ويلسون، السفير الأمريكي السابق لتركيا والعضو في المجلس الأطلسي الآن في مقابلة أجريت معه مؤخرًا.
إن احتياجات الطاقة في تركيا تنمو بسرعة، وتسعى كل من الحكومة والقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال باعتباره ممرًا للطاقة إلى أوروبا. إن تطوير مثل هذا الخط سيزيد من مصادر الغاز لبلد تعتمد الآن على أذربيجان والأكراد العراقيين وإيران وروسيا في الحصول على إمدادات الطاقة. وقد شكلت تكاليف استيراد الطاقة في تركيا النسبة الساحقة من العجز في موازنة تركيا في عام 2012. وبينما توجد خيارات تصدير بديلة لإسرائيل لا تشمل التعاون مع حكومة تدعم حماس علنًا، فإن تمرير خط أنابيب عبر تركيا سيكون الوسيلة الأكثر مباشرة نحو أوروبا.
رغم ذلك، ثمة تحديات عملية وكذلك أيديولوجية كبيرة تواجه بناء خط أنابيب مشترك. مبدئيا، فإن خط أنابيب تحت الماء على الأرجح سيمر عبر المياه القبرصية، وذلك بسبب عدم الاستقرار في سوريا ولبنان، مما يتطلب اتفاقا مع قبرص. إضافة إلى ذلك المشكلة الناجمة عن موقف قبرص الأخير من مصر باعتبارها شريكًا محتملاً في تطوير حقل للغاز.
وعلاوة على ذلك، فإن تكاليف البدء لبناء خط أنابيب مشترك مرتفعة، كما يظل المستوى الفعلي للاحتياطيات من الغاز غير واضح، وكما أكد دان أربل، الزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، قد لا تكون إسرائيل مهتمة بنوع من التعاون في مجال الطاقة مع تركيا حتى يجري تطبيع العلاقات سياسيًا، حتى لو كان بناء خط أنابيب بين البلدين منطقيا من الناحية الاقتصادية. “إذا كنت ستمرر خط أنابيب تحت البحر إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، فإن الخدمات المصرفية لمعظم الصادرات ستجري عبر تركيا، لذا لا بد من التأكد من أن العلاقات معها أكثر سلاسة مما هي عليه الآن”.
بالإضافة إلى قضية الطاقة، فإن تزايد عدم الاستقرار في المنطقة بسبب الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ أربع سنوات وامتدادها إلى البلدان المجاورة دفع كل بلد إلى التركيز الشديد على تهديدات الحرب على المصالح الوطنية، مما قد يحفز استئناف التعاون في المسائل الأمنية، الذي انقطع في أعقاب حادث سفينة مرمرة. إن لدى إسرائيل وتركيا مخاوف جدية بشأن وقوع الأسلحة التقليدية والكيميائية الخاصة بنظام الأسد في أيدي حزب الله أو الجماعات الجهادية، وبسبب تورط إيران في الحرب السورية. وفي خطوة تدل على ذوبان الجليد في العلاقة بين البلدين، أكملت إسرائيل في فبراير عام 2013 تسليم نظام الاستطلاع المحمول جوا إلى تركيا، وهو اتفاق كان قد علق بعد حادث عام 2010. ومن شأن اتفاق المصالحة إعادة فتح المجال الجوي التركي أمام الطائرات الإسرائيلية لإجراء تدريبات على الطيران لمسافات طويلة.
بما أنه من المستبعد عودة التعاون بين إسرائيل وتركيا في النواحي العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية إلى ما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي، فإن واقع الحرب السورية قد يدفع البلدين للتقارب. وكما قال السفير الأمريكي السابق ويلسون، فمع استمرار زيادة سخونة الأوضاع بين سوريا وإيران والعراق، “سعت السلطات التركية مرة أخرى إلى علاقات أوثق مع الولايات المتحدة”. وأشار السيد ويلسون أيضًا إلى رغبة إسرائيل في تخفيف عزلتها الشديدة إقليميًا، وعلى الرغم من التوتر الحالي في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، فإن تركيا تعد أقرب الأصدقاء إلى إسرائيل.
في أفضل الظروف، فإن التعاون بين تركيا وإسرائيل سيظل محاصرًا بالخلاف السياسي الداخلي والخارجي على حد سواء. أشار السيد ويلسون إلى أن حادث سفينة مرمرة لم يكن عابرًا، بل تبع تاريخًا طويلًا من تدهور العلاقات المستمر.
يضاف إلى هذا المزيج التطورات المتصلة بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الجديدة والأسئلة المحيطة بتطلعات تركيا للعب دور أكبر في السياسة الإقليمية، حتى في عملية السلام في الشرق الأوسط. وداخليًا، قد تشكل السياسة الداخلية عاملًا أيضا في عملية التطبيع، ولكن على الأقل في تركيا، فإن قيادة حزب العدالة والتنمية قد يكون لها تحفظات على التصرف بأي شكل من الأشكال بما يهدد القاعدة الشعبية في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في شهر أغسطس.