اعتبرت صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية، في مقال لها للكاتب دانيال دومبي، أن المواقف التركية إزاء الأزمة السورية قد ألهبت بدورها الانقسامات العرقية والطائفية في الداخل التركي خاصة مع الأقلية الكردية. وتمثل الأقليات الكردية خمس التعداد السكاني لتركيا التي تسعى هي الأخرى نحو وضع حد للصراع الكردي في البلاد والذي تسبب في مقتل 40000 شخص خلال ثلاثة عقود.
وأضافت الصحيفة بأن السلطات التركية لا تزال تلاحقها الاتهامات من قبل الأكراد في تركيا بعرقلة الدعم اللازم لبلدة عين العرب أو كوباني السورية الكردية التي تقع على الحدود السورية التركية. وكان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، أو ما يعرف اختصارًا باسم تنظيم “داعش” قد قام بمحاصرة البلدة وهو ما دفع بمئات الآلاف من قاطني عين العرب إلى الفرار من المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن القوات المسلحة التركية تتمركز على مسافة ليست ببعيدة عن بلدة عين العرب، وهو ما ساهم في عرقلة وصول الدعم العسكري للمقاتلين الأكراد عبر الحدود لتعزيز دفاعات المدينة. كما ألمحت الصحيفة في هذا الصدد إلى مواقف تركيا المعارضة لحزب العمال الكردستاني PKK)). فبالرغم من المعارضة التركية لتنظيم داعش، إلا أن المسؤولين في أنقرة، بمن فيهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لا زالوا يساوون بين القوات الكردية التي تدافع عن عين العرب وبين عناصر حزب العمال الذي تم وضعه على قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة. وهو ما عبر عنه أحد أعضاء الحزب الحاكم في تركيا في تغريدة له على تويتر تم حذفها فيما بعد كشفت في طياتها عن تفضيل عضو الحزب الحاكم ونائب رئيس الوزراء السابق لداعش عن حزب العمال الكردستاني بدعوى أن التنظيم الجهادي قتل ولكنه لم يعذب.
وتابعت الصحيفة بقولها أن ثمة انتقادات توجه للحكومة التركية التي اختارت وقبلت، بحسب تلك الانتقادات، أن تفرض داعش سيطرتها على حدودها بدلًا من أن تسيطر عليها عناصر حزب العمال الكردستاني.
ونقلت الصحيفة عن أسلي ايدنتنباس، أحد المعلقين الأتراك البارزين، قولها بأنها تشعر بقلق بالغ إزاء عدم قدرة تركيا على تشكيل سياسة واضحة المعالم، محذرة من مغبة التداعيات الأخيرة في عين العرب والتي قد تفضي إلى عرقلة عملية السلام الكردية. جدير بالذكر أن تحقيق السلام مع الأكراد هي واحدة من أكبر الأولويات المحلية للرئيس التركي أردوغان، كما أن تحسين العلاقات مع حكومة إقليم كردستان الغنية بالنفط في شمال العراق هي واحدة من أهم إنجازاته في السياسة الخارجية.
وشددت الصحيفة على أن معركة كوباني تخطت جميع القضايا الأخرى للأكراد في المنطقة. ونقلت عن هنري باركي، الخبير التركي في جامعة ليهاي في بنسلفانيا، قوله بأن أزمة كوباني تعادل أزمة حلبجة، في إشارة منه إلى مدينة حلبجة العراقية التي تعرضت إلى هجوم بالغاز السام من قبل الرئيس العراقي صدام حسين في عام 1988 ما أسفر عن مقتل الآلاف من أبناء المدينة.
ونوهت الصحيفة إلى أن القضية الكردية لم تعد تعنى بما إذا كان حزب العمال الكردستاني سيستأنف حربًا على الدولة التركية أم لا، ولكنها تتخطى ذلك إلى نطاق أوسع وأشمل في المجتمع التركي والمنطقة بأسرها. وأبرزت الصحيفة دعوات كانت قد أطلقتها أنقرة لحزب العمال الكردستاني لسحب مقاتليه من الأراضي التركية والتخلي عن أسلحته وهو ما تسبب ليس فقط في التأثير سلبًا على معركة الأكراد مع داعش، بل وساهم في إشعال جذوة الاحتجاجات في أنحاء الجنوب الشرقي الكردي وإسطنبول وأنقرة. حيث أضرم متظاهرون النار في المباني، والأعلام التركية وتماثيل لمصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة.