التوائم هي كلمة تطلق على الأشقاء الذين تشاركوا رحم الأم في نفس فترة الحمل، وولدوا في نفس اليوم بفرق دقائق أو ساعات قليلة، وهناك نوعان من التوائم، وهما التوائم المتشابهة في الشكل، والتوائم المختلفة في الشكل، ويكون التوأمان متشابهين في الشكل إذا تشاركا بويضة واحدة مُلقحة من حيوان منوي واحد، أما التوأمان المختلفان في الشكل فيتكونان من أكثر من بويضة لُقحت بأكثر من حيوان منوي.
وتزداد احتمالية حمل المرأة في التوأم إذا تجاوز عمرها الثلاثينات أو كانت ممتلئة، أو إذا كانت عائلتها أو عائلة الزوج يُعرف عنهم ولادة التوائم، وأيضًا تزيد تلك الاحتمالية في حالة التلقيح الصناعي، ويعود هذا إلى زرع أكثر من بويضة مخصبة في رحم الأم بغرض زيادة فرص الحمل، كما يكون الحمل في توأم محتمل إذا كانت الأم تتناول أدوية مساعدة على الخصوبة.
كودينيهي.. رقم قياسي في عدد مواليد التوائم
على مدار حياتك عزيزي القارئ قد تكون قابلت بالفعل توأمًا في مكان دراستك، أو في أسرتك، ولكن هل جربت أن تذهب إلى مكان، وفجأة تشعر أنك ترى من كل شيء اثنين، ثم تدرك أن هذا المكان هو مكان حافل بالتوائم، وبأعداد كبيرة جدًا، تلك ليست فكرة خيالية، بل هي حقيقة في قرية موجودة بالهند، وتلك هي قصة اليوم التي نحكيها لكم.
في العام 1949 وفي قرية نائية في الهند تُدعى كودينيهي ولد أكبر توأمين في هذه القرية، وأول توأمين أيضًا، ومن وقتها – وفقًا للسكان المحليين – أصبحت القرية «تُرزق» بالتوائم، وبأعداد كبيرة تفوق متوسط ولادة التوائم في العالم بست مرات؛ ما جعلها تحقق رقمًا قياسيًا في العام، ولفتت تلك القرية أنظار العلماء للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقدين.
شاهد تقريرًا لشبكة الـ«بي بي سي» من داخل القرية
هذا بعد أن دخلت القرية دائرة الضوء الدولية من خلال مسح أجراه السكان المحليون يوضحون فيه أن هناك أعداد ولادات غير عادية من التوائم في هذه المنطقة، ولفت هذا التقرير الذي أعده مراسل هيئة الأركان الهندية ميثوس جوزيف انتباه العديد من الأشخاص، والأهم العلماء من خارج الهند، وأصبحت القرية محل جذب للسائحين، ووسائل الإعلام، والعلماء منذ ذلك الحين، وفي هذا الوقت كان عدد التوائم الموجودين في القرية يصل إلى 204 توائم، أي 408 فرد، ومجموعتين من ثلاثة توائم، أما العدد الآن فقد تعدى 450 توأمًا، أي ما يقرب من ألف فرد.
«مرحبًا بكم في قرية الرب الخاصة بالتوائم»
يمثل التوائم في هذه القرية 42 من كل ألف ولادة، أي ما يقرب من ستة أضعاف المتوسط العالمي البالغ حوالي ستة ولادات لكل ألف ولادة، وعلى مدخل قرية كودينيهي تجد لافتة مكتوبًا عليها «مرحبًا بكم في قرية الرب الخاصة بالتوائم».
رصدت «دويتشه فيله» مدرسة ثانوية باسم أنوار في تلك القرية، وتحدثت مع توأمين منهما يبلغان من العمر 16 عامًا، وهما توأمان متطابقان: سمية وعفيصات، وحكت سمية في التقرير أن المعلمين في معظم الأوقات يجدون صعوبة في التفريق بينها وبين شقيقتها، ولكن هذا لا يخلق سوى الموقف «المرحة» كما وصفتها، ويشير مدير المدرسة أنه لديه في مؤسسته ما يزيد عن 17 زوجًا من التوائم، وعلى الرغم من سعادتهم لهذا الأمر، إلا أنه يخلق بعض العقبان أحيانًا ويسبب المشكلات، ولكنها لا تعد تحت بند المشاكل الكارثية.
أكبر توأمين في القرية مصدر الصورة موقع «دويتشه فيله»
أرشد وأصف هما توأم متطابقين في نفس القرية، ويحكيان في التقرير عن المواقف المضحكة التي تحدث لهما أثناء اللعب في مبارة كرة قدم مع أصدقائهم، خاصة وإن انضم بعض التوائم الآخرين للمباراة فتتحول المباراة إلى مجموعة من المواقف المضحكة وسوء التفاهم بين الفريقين الأمر الذي يجعله من المستحيل إكمال المباراة بشكل طبيعي.
ووفقًا للأطباء والسكان المحليين فإن هذا «اللغز الطبي» الذي بدأ منذ 60 أو 70 عامًا، لم يجد له الأطباء تفسيرًا، وكلها مجرد نظريات تحوم حول القرية، بأن هناك مواد كيميائية في القرية تتسبب في ذلك، أو أن النظام الغذائي للنساء هو ما يتسبب في ولادة التوائم، ولكن حتى الآن لم يجد العلم رابطًا بين الطعام الذي تتناوله الأم وإمكانية حملها في توأم.
أما عن سكان القرية فيقولون «هذه نعمة من الله ولا يمكن للعلم أن يثبت شيئًا، لا تبحث عن إجابات كثيرة» وعلى الرغم من أن 85% من سكان القرية مسلمون، فإن ظاهرة ولادة التوائم قد امتدت للأقلية الهندوسية هناك أيضًا. المسلمين يرونها نعمة من عند الله و«خير زرقت به هذه القرية»، والهندوس لا يختلفون عن المسلمون في ذلك، ولكن لأسباب مختلفة، وهي تعود لقناعاتهم الدينية، فهم يشعرون أن ولادة التوائم في القرية هي نعمة و«مباركة» من الإله الهندوسي إشفينز.
إشفينز.. تلاقي النور والظلام
بينما يؤمن مسلمو قرية كودينهي بأن ظاهرة ولادة التوائم التي حيرت العلماء هي «نعمة» من الله، و«خير» زرقت به القرية، فإن الهندوس في هذه القرية يرون أنها نعمة أيضًا، ولكن من منظور ديني مختلف. وهذا لأن عدد التوائم المتزايد يذكرهم بالإله التوأم إشفينز، وهما توأمان يمثلان إلهًا واحدًا في الديانة الهندوسية، وهما أبناء إله الشمس سريا، ويطلق عليهما أيضًا الفرسان، وهما يعتبران تجسيدًا لكل تضاد موجود في الكون.
بمعنى أنهما يمثلان ازدواجية الكون من الأفكار مثل الضوء والظلام، النظام والفوضى، والشفاء والمرض، وهما وسيمان ورياضيان فوجدهما في مكان – من وجهة نظر الهندوسيين – يجلب التوازن والسعادة عليه وعلى سكانه. كما أن هذا الإله يمثل الشباب الأبدي، ويتمتعان بالتعاطف تجاه كل المحتاجين، خاصة النساء المسنات منهن، ولديهما القدرة على علاج المرضى، ولذلك يطلق عليهما أيضًا أنهما طبيبا الآلهة الهندوسية، بحسب العقيدة الهندوسية.
ولذلك تجد هذا الاسم في الكثير من التراتيل الهندوسية المختصة بعلاج المرضى، وجزء من اسم هذا الإله يعني حرفيًا كلمة «حصان»، ولذلك ففي بعض الأحيان يرسمان في القصص الهندوسية بجسم بشري ورأس حصان، وهناك الكثير من الأساطير حول هذا الإله التي تحكي وتمجد قدراته العلاجية للبشر، وإعادة الشباب والخلود لهما، ولذلك يرى الهندوس في تلك القرية أن ولادة العديد من التوائم قد تكون تجسيدًا لهذا الإله الجالب للصحة والخير والتوازن.
ما السبب؟
بعد الارتفاع السريع بولادة التوائم في القرية الهندية، ذهب فريق بحثي مشترك يجمع علماء من الهند وألمانيا والمملكة المتحدة قبل عامين لجمع عينات من لعاب التوائم في محاولة لعزل ودراسة الحمض النووي الخاص بهم، ومحاولة معرفة أسباب تلك الطفرة الجينية لديهم.
كما أجرى فريق بحثي آخر دراسة حول مقاييس الجسم البشري من الطول والوزن لهؤلاء التوائم، وتحليل فوتوغرافي لهم، والذي يعتمد على شكل الوجه من الأمام ومن الجانبين، ودراسة حالة الأسنان بين التوائم، وحتى الآن لم تزل البيانات المجمعة للتوائم تخضع لتحليلات عميقة ودقيقة للوصول إلى نتيجة ملموسة تفسر تلك الظاهرة.
ويؤكد آي بريثام، وهو واحد من العلماء القائمين على تلك الدراسات، أنهم لم يجدوا أي تفسير علمي حتى الآن لتلك الطفرة الجينية، موضحًا أن العلماء يجنحوا للتفسير الوراثي للظاهرة، ولكن لا يوجد دليل واحد مؤكد على أن تلك الطفرة الجينية تعود لأسباب وراثية، مؤكدًا أن هذا الكشف لم يزل يحير العلماء، ولن يستطيعوا التصريح بأي سبب مؤكد لها، إلا بعد سنوات من البحث للوصول إلى نتيجة ملموسة وأكيدة.
الطبيب الهندي سريبيجو ممارس الصحة العامة، والذي أجرى مسحًا في عام 2008؛ صرح لـ«دويتشه فيله»، أنه يعتقد أن هناك بعض المواد الكيميائية، أو بعض المكونات في الهواء، أو المياه، والتي تحفز المبيض لدى نساء القرية على إنتاج بيض ثنائي، ولذلك يلدن التوائم، ولكن حتى الآن هذا التفسير مجرد نظرية لا يمكن إثباتها علميًا من خلال التحاليل التي أجريت للماء والهواء.
وعلى عكس المواقع الآخرى التي ينتشر فيها التوائم في العالم، إلا أن الوضع في كودينهي لم يزل غامضًا، وليس له تفسير، فقرية إيبو أورا في نيجيريا تتمتع بنسبة عالية أيضًا، وقرية كانديدو جودوي في البرازيل بها نفس الظاهرة، ولكن استطاع العلماء تحديد أسباب زيادة عدد مواليد التوائم في تلك القرى، بين مواد كيميائية وصلت للنساء عن طريق عملهن في تقشير البطاطس، وبين التفسير الأسهل وهو العوامل الوراثية، ولكن قرية كودينهي لم تزل لغزًا يحيّر العلماء.