تأتي الذكرى الثانية لتنصيب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على سدّة الرئاسة في 17 ديسمبر (كانون الأوّل) 2019، باعتباره أوّل رئيس يصل للسلطة بعد انطلاق الحراك الجزائري الذي أطاح حكم عبد العزيز بوتفليقة الذي استمرّ 20 سنة، وقد شهدت السنتان الماضيتان الكثير من الأحداث والتحدّيات السياسية والاقتصادية، أبرزها جائحة كورونا التي شلّت الاقتصاد الجزائري، بالإضافة إلى مرض الرئيس عبد المجيد تبون الذي أبعده عن أداء وظيفته لأكثر من ثلاثة شهور، فما الذي قدمه الرئيس الجزائري بعد سنتين من وصوله إلى «قصر المرادية»؟
ثلاثة انتخابات وتشديد القبضة القمعية
عندما وصل عبد المجيد تبّون إلى رئاسة الجزائر، أعلن خطّته للإصلاح السياسي القائمة على إجراء تعديلات للدستور، وتجديد المؤسسات التمثيلية للبلاد من برلمان ومحليات، وكان من المخطّط أن يجري تنفيذ هذا البرنامج قبل نهاية سنة 2020، لكن دخول «فيروس كورونا» على خطّ الأحداث، ثم مرض الرئيس الذي شلّ أركان الدولة، جعل هذه المخطّطات تتأخّر حتى سنة 2021.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون
عرفت الساحة السياسية منذ وصول عبد المجيد تبون إلى الرئاسة في ديسمبر 2019 ثلاثة استحقاقات انتخابية، الأول: الاستفتاء على تعديلات دستورية لم يحمل الكثير من المفاجآت، عدا المادة الدستورية التي ترخّص للجيش الجزائري القيام بمهمات قتالية خارج حدوده.
وقد شهد الاستفتاء عزوفًا انتخابيًا كبيرًا؛ إذ لم تزد نسبة المشاركين فيه عن 23%، ناهيك على ظروف الاستفتاء المضطربة، والغموض الذي ساد الساحة السياسية حينها؛ إذ إن الرئيس عبد المجيد تبون كان قد أصيب قبل إجراء الاستفتاء بأيّام بفيروس كورونا، وعانى من مضاعفات شديدة جعلته يضطر للسفر إلى ألمانيا للعلاج؛ ليغيب عن البلاد أكثر من ثلاثة شهور، وهو ما أعاد للجزائريين ذكريات غير ممتعة من فترة بوتفليقة الذي تعرّض لأزمة صحيّة أقعدته على كرسي متحرّك منذ سنة 2013 إلى استقالته في أبريل (نيسان) 2019.
أما الاستحقاق الثاني فكان الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في يونيو (حزيران) 2021 والتي شهدت فوز «جبهة التحرير الوطني» بالمركز الأول بـ98 مقعدًا، يليها «النوّاب المستقلّون» بـ84 مقعدًا، ثم «حركة مجتمع السلم الإسلامية» بـ65 مقعدًا، وهو ما قرأه البعض باعتباره استمرارًا لسيطرة القوى الحزبية التقليدية التابعة للسلطة على الحياة السياسية في ظل العزوف الانتخابي الواسع من طرف الجمهور؛ إذ لم تزد نسبة المشاركة في الانتخابات عن 23%، أما الاستحقاق الانتخابي الثالث والأخير فهو الانتخابات البلدية (المحليّات)، والتي استمرّت فيها سيطرة حزب «جبهة التحرير الوطني».
ولم يرافق تعديل الدستور، وتجديد المؤسسات التمثيلية، انفتاح سياسي محسوس داخل البلاد؛ إذ تعامل النظام السياسي بعنف لوقف احتجاجات الحراك الشعبي التي تعطلت بسبب جائحة كورونا، ثم عادت لتملأ الشوارع الجزائرية ما بين فبراير (شباط) 2021 ويونيو 2021.
وبلغ عدد المعتقلين السياسيين الموقوفين على خلفية مشاركتهم في مظاهرات الحراك الشعبي حوالي 300 شخص، من بينهم رئيس حزب «الحركة الديمقراطية الاجتماعية (غرّاس)»، وصحافيون وطلبة جامعيون ونشطاء سياسيون، ويتابع الآلاف من المواطنين في المحاكم الجزائرية بتُهم متعلقة بمشاركتهم في مظاهرات الحراك، أو بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تعرف الساحة الإعلامية استبعادًا للأصوات المعارضة، وترفض السلطة اعتماد الأحزاب السياسية الجديدة، ما يفسره المعارضون بعدم وجود إرادة سياسية لدى حكومة الرئيس عبد المجيد تبون في تحقيق انفتاح سياسي.
أعداء عبد المجيد تبون: قدرات شرائية مُنهارة.. وانقلاب إداري
أحد الوعود الانتخابية التي وردت في البرنامج الانتخابي لعبد المجيد تبون كانت إسقاط الضريبة عن محدودي الدخل، وهو ما جاء في قانون المالية لسنة 2020؛ إذ جرى إعفاء من يقلّ راتبهم عن مبلغ 30 ألف دينار من دفع الضريبة على الدخل، كما اتخذ عبد المجيد تبّون قرارًا برفع الحد الأدنى للأجور من 18 ألف دينار جزائري إلى 20 ألف دينار بزيادة طفيفة تقدّر بـ200 دينار، وبالتالي أصبح الحد الأدنى للأجور في الجزائر يساوي تقريبًا 144 دولارًا.

مسيرات الحراك الجزائري 2019
واتخذ تبون قرارًا آخر مرتبطًا بالتصدّي للآثار الاقتصادية التي سبّبتها جائحة كورونا؛ إذ أمر بصرف مبلغ 10 آلاف دينار (نصف الحدّ الأدنى للأجور) إلى من تضرّروا بسبب قرار الإغلاق الشامل الذي اتخذته الحكومة بعد انتشار الجائحة، وأقرّ قانون المالية الجديد منحة للبطالة سيشرع العمل بها انطلاقًا من سنة 2022، والتي ستمسّ حوالي 800 ألف شخص يعاني من البطالة، وستتراوح قيمتها بين 8 آلاف و15 ألف دينار جزائري للأشخاص ما بين سن 25 و45 سنة.
كما أطلق عبد المجيد تبون برنامجًا لتنمية ما سمّيت بـ«مناطق الظلّ»، وهي القرى والمدن المعزولة جغرافيًا، والتي تعاني من غياب مشاريع البنى الأساسية، إذ خصّصت حكومة عبد العزيز جرّاد السابقة مخصصات مالية لإنجاز مشاريع البنى التحتية لفك العزلة عن هذه المناطق، مثل شقّ الطرقات، والأرصفة، وإيصال الغاز، والماء، والكهرباء إلى البيوت.
وكان الملفّ الاقتصادي أحد أبرز التحدّيات التي واجهها الرئيس عبد المجيد تبّون خلال السنتين الأوليين من عهدته الرئاسية، خصوصًا أن برنامجه الانتخابي حمل الكثير من الوعود بإنعاش اقتصاد البلاد التي كانت تعاني بصورة فادحة بسبب انهيار أسعار البترول منذ سنة 2014، وهو الانهيار الذي دفع بها إلى اتخاذ إجراءات تقشّفية قاسية خلال السنوات الأخيرة لحكم بوتفليقة، إذ يُرجع البعض أحد أسباب الانتفاضة الشعبية التي قامت ضد ترشّح بوتفليقة لعهدة خامسة إلى العجز الاقتصادي الشديد الذي كانت تعرفه الدولة عقب انهيار أسعار النفط.
وقد عقّدت الآثار الكارثية لجائحة كورونا من الملف الاقتصادي منذ مارس (آذار) 2020، أي بعد حوالي ثلاثة شهور منذ وصول عبد المجيد تبّون إلى سدّة الرئاسة؛ إذ اضطرّت الحكومة إلى اتخاذ سياسة الإغلاق العام للمصانع، والمدارس، ومختلف المؤسسات؛ مما دفع بشرائح واسعة من المواطنين إلى البطالة، وسدّد ضربة قوية للاقتصاد الجزائري، ومع نهاية سنة 2020 كانت الأوضاع الاقتصادية بالجزائر في وضعية شديدة السوء؛ إذ انكمش الناتج الداخلي الخام بـ5.5%، وتراجعت صادرات النفط بـ41% عن سنة 2019.
إلا أن سنة 2021 عرفت انتعاشًا على مستوى المؤشرات المالية الكبرى للبلاد مقارنة بالسنة التي قبلها، وكان صندوق النقد الدولي قد توقّع نمو الاقتصاد الجزائري بـ3% في سنة 2021 نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وهو ما سوّقت له حكومة الرئيس عبد المجيد تبون باعتباره أحد الإنجازات الاقتصادية وبداية لقطف ثمار سياسات الرئيس.
وكان بلوغ صادرات الجزائر خارج المحروقات مبلغ 4.5 مليار دولار أهم الانجازات في الدولة التي يعتمد اقتصادها أساسًا على تصدير المحروقات مصدرًا للعملة الصعبة، كما احتفى رئيس الوزراء الجزائري أيمن عبد الرحمان بتسجيل الجزائر بفائض في الميزان التجاري في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 قُدّر بـ1.04 مليار دولار، يرجع في الأساس إلى الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط خلال الشهور الأخيرة.
إلا أن المعارضين يرون أنّ هذا الرقم لا يعكس بالضرورة تطوّر الاقتصاد الجزائري، بل هو استمرار للنموذج الريعي بتصدير المواد الأوليّة؛ إذ إن المواد التي جرى تصديرها خارج المحروقات في الأساس هي الأخرى مواد طبيعية، أهمها الأسمدة المعدنية، والحديد، والصلب، والمواد الكيميائية غير العضوية.
وكان للإجراءات التقشّفية العنيفة التي تبنّتها حكومة الرئيس عبد المجيد تبّون انعكاسات سلبية على المعيشة؛ إذ شهدت أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعًا كبيرًا، وشهدت السوق تذبذبًا أو ندرة في العديد من المواد الأساسية المدعّمة مثل الحليب والزيت، بالإضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للجزائريين نتيجة التضخّم وارتفاع الأسعار.
وبقي ملفّ استيراد السيّارات هو الآخر نقطة سوداء في سجّل الحكومة الجزائرية خلال السنتين الماضيتين من عُهدة الرئيس عبد المجيد تبون، إذ منعت الحكومة استيراد السيارات؛ ممّا خلق نُدرة شديدة في السوق، خصوصًا مع إغلاق مصانع السيارات المتعاقدة مع شركات أجنبية بسبب سَجن أصحابها المرتبطين بنظام بوتفليقة، مثل رجل الأعمال علي حدّاد، ومحيي الدين طحكوت، وعائلة كونيناف؛ وهو ما جعل أسعار السيارات المستعملة تصل إلى مستويات جنونية.
وقد أعربت صحيفة «الإيكونوميست» عن دهشتها من أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تزيد فيها أسعار السيارات المستعملة عن الجديدة؛ بسبب منع استيراد السيارات منذ 2016، وإغلاق المصانع؛ مما أدى إلى ارتفاع صاروخي في أسعار السيارات المستعملة، وذلك من أجل توفير العملة الصعبة من جهة، بالإضافة إلى الأبعاد السياسية المرتبطة باستيراد السيارات، مثل الخلاف حول رجال الأعمال الجزائريين الذين يُسمح لهم بالاستيراد.
هذه العوائق الاقتصادية التي تعانيها الجزائر مردّها حسب الرئيس عبد المجيد تبّون إلى عدم تعاوُن الجهاز الإداري، أو حتى عرقلته للتنمية والاستثمار لأغراض مشبوهة، وكان تبّون خلال «الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي» قد اتّهم الإدارة والبيروقراطية بعرقلة المشاريع الاقتصادية، وذلك برفض التوقيع على الصفقات العمومية، وعلى قرارات توزيع الأراضي ومنح القروض الاستثمارية، وهي الآليات التي تعتمدها الدولة من أجل امتصاص البطالة، وتحقيق التنمية المحليّة، والدفع بالاقتصاد.
وتمثل حالة «الإضراب عن التوقيع» من طرف الإدارة عائقًا كبيرًا بالنسبة لحكومة الرئيس عبد المجيد تبّون، لدرجة أن بعض المحلّلين قد وصفوه بـ«الانقلاب الإداري» الذي يمارسه جهاز الإدارة، المتخوّف من الملاحقات القضائيّة جرّاء التوقيع على هذه الملفات، خصوصًا أنّ العديد من المسؤولين الإداريين منذ انطلاق الحراك الجزائري في 22 فبراير 2019 يقبعون خلف قضبان السّجن، بداية من رؤساء حكومة سابقين وحتى رؤساء بلدية؛ مما خلق جوًّا من الرعب في الأوساط الإدارية – حسب المحللين – من أن يكون المسؤولون ضحية لحرب الحكومة على الفساد.
«الدبلوماسية الهجومية».. هكذا يريد عبد المجيد تبون إنهاء تقوقع الجزائر
أحد المصطلحات المثيرة للاهتمام التي جاءت في برنامج الرئيس عبد المجيد تبون الانتخابي كان مصطلح «الدبلوماسية الهجومية»، ومراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية، والذي وعد من خلاله بإعادة الجزائر إلى المسرح العالمي، وإنهاء سياسة التقوقع والانطواء الذي عرفته السنوات الأخيرة من عهد بوتفليقة، وقد عانى الدور الخارجي الجزائري بشدّة خلال السنوات الأخيرة خلال فترة مرض الرئيس بوتفليقة، وتراجع نفوذ البلاد بشدّة، خصوصًا في ليبيا ومنطقة الساحل.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رفقة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس
ومنذ قدوم عبد المجيد تبّون إلى رأس السلطة في الجزائر عمل بنشاط على المستوى الخارجي؛ إذ استهلّ أول زيارة خارجية له إلى ألمانيا في يناير (كانون الثاني) 2020 من أجل المشاركة في مؤتمر برلين، ليؤكّد اهتمام الجزائر بالملف الليبي، واستمر اهتمام الجزائر بليبيا خلال السنتين الماضيتين.
إذ استقبلت الجزائر الفرقاء الليبيين، وأكّدت معارضتها لجوء الأطراف المتنازعة إلى استخدام المرتزقة في الحرب الأهلية، كما دعمت إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021، وأكّد الرئيس عبد المجيد تبون أنّ بلاده كانت مستعدّة للتدخل في ليبيا من أجل منع سقوط طرابلس في أيدي من سماهم بـ«المرتزقة»، حسب تعبيره، وبصورة أوسع، تسعى الجزائر إلى لعب أدوار أكثر فاعلية على المستوى الإقليمي، والخروج من عُزلتها التي استمرّت خلال السنوات الأخيرة لبوتفليقة رغم الأوضاع المتوتّرة على حدودها.
فمن خلال زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إلى كل من القاهرة، والخرطوم، وأديس أبابا، أرادت الجزائر أن تدخل في وساطة بين الأطراف المتنازعة حول سدّ النهضة الذي يشهد خلافات حادة بين مصر وإثيوبيا، ولكن هذه الوساطة تعرقلت بحُكم الحرب الأهلية الدائرة في إثيوبيا بين الحكومة و«جبهة تحرير التيجراي»، كما استقبلت الجزائر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس، وقدّمت له مساعدة مادية بمبلغ 100 مليون دولار، وحصلت منه على موافقة بالدخول في وساطة بين مختلف الفصائل الفلسطينية.
كما سعت الجزائر للمحافظة على نفوذها في منطقة الساحل من خلال إقامة علاقات مبكّرة مع النظام العسكري الجديد الذي سيطر على السلطة في مالي إثر انقلاب على الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا، إذ كان وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم أول مسؤول أجنبي يزور البلاد مباشرة بعد انقلاب سبتمبر (أيلول) 2020، ورفضت الجزائر توصيف ما حدث في مالي بـ«الانقلاب».
كما عرفت سنة 2020 فتحًا لمعبر حدودي مع موريتانيا، لتنطلق منه القوافل التجارية، وتسعى الجزائر إلى تدشين دور إقليمي جديد والعودة إلى الساحة العربية من خلال استضافة القمّة العربية في مارس 2022؛ تنشد من خلالها «لمّ الشمل العربي» الذي تعني من خلاله بمحاولة إعادة تأهيل النظام السوري الذي فقد مقعده في الجامعة العربية منذ سنة 2011 بسبب الحرب الأهلية السورية.
إلا أن العلاقات الخارجية للجزائر خلال السنتين الماضيتين من وصول الرئيس عبد المجيد تبّون إلى الجزائر لم تخلُ من الصراعات والأزمات؛ إذ جرى القطع التام للعلاقات مع الجارة المغرب بعد سلسلة من التوتّرات بين البلدين على خلفية مذكّرة تقدّم بها ممثل المغرب في الأمم المتحدة اعتبرتها الجزائر تشجيعًا للانفصاليين في البلاد.
بالإضافة إلى التقارير الاستقصائية التي اتهمت المغرب بالتجسس على الجزائر من خلال برمجية «بيجاسوس» الإسرائيلية؛ وهو ما أدى بالعلاقات المتوتّرة حتى قبل وصول عبد المجيد تبون إلى الرئاسة إلى الانقطاع التام، والدخول في دوّامة من التصعيد، خصوصًا إثر قرار الجزائر وقف استخدام خطّ الغاز الجزائري المتّجه إلى إسبانيا من الأراضي المغربية، والذي يعتمد عليه المغرب في توليد جزء من احتياجاته الكهربائية.