مع الاضطراب الذي شهده سوق النفط العالمي بعد انخفاض سعر برميل خام برنت من قرابة ١١٠ دولارات في مطلع ٢٠١٤ ليصل لما دون ٥٠ دولارا بنهاية العام، حيث ظهرت تداعيات هذا الاضطراب علي دول الخليج، التي يُمثل البترول الجزء الأكبر من صادراتها، ومصدر الدخل الأساسى لموازناتها،التي بلغ عجز موازنتها هذا العام مستويات منخفضة، أدت في معظم هذه البلدان إلى شبح ركود اقتصادي يهدد شرعية الأسر الحاكمة أمام مواطنيها.
لكن ظلت “الإمارات” أقل الدول تأثرا بالإعصار الذي لحق بجيرانها، حيث ارتفعت معدلات النمو داخل هذه البلد بدرجات قياسية، وشهدت إيرادات الخزانة العامة أموالا وفيرة، سمحت لها بتجاوز هذه الأزمة المُستعصية، ومواصلة حركة النمو الاقتصادي.
خلال السطور التالية، تشرح “ساسة بوست” كيف استطاعت الإمارات تجاوز التأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط عالميًا عليها، وضمان استمرار تدفق الإيرادات على الخزانة، بل ووصول حجم الاقتصاد الإماراتي خلال هذا العام إلى قرابة ١٫٥ تريليون درهم، ما يعادل ٣ تريليونات جنيه مصري
الإمارات.. خارج سرب ركود دول الخليج
ظهرت مآلات هذا الانخفاض في أسعار النفط على اقتصاديات دول الخليج، التي يمثل البترول الجزء الأكبر من صادراتها ومصدر الدخل الأساسي لموازناتها، حيث تخطى عجز موازنة السعودية هذا العام ١٠٪ من الناتج المحلي بما يتخطى ١٠٠ مليار دولار، بينما بينما بلغت إجمالي الخسائر في الكويت 44 مليون دولار يوميا، وهي الأرقام التي يعتبرها الخبراء كبيرة وصادمة لمثل هذه الدول التي لا تستطيع تحملها طويلا رغم تراكم المليارات من عوائد البترول في صناديقها السيادية.
لكن كانت الإمارات هي الدولة الوحيدة التي نجت من هذه الأزمة الكبيرة التي لحقت بجيرانها بسبب تنوع الاقتصاد الإماراتي، وعدم الاعتماد الوحيد على “البترول” كمصدر دخل رئيسي لجهات الإنفاق من قبل مؤسسات الدولة، وهو ما يُظهر الموازنة الفيدرالية للإمارات متوازنة وبدون عجز خلال العام المالى الجديد حيث يبلغ حجم الإنفاق قرابة ٥٠ مليار درهم.
اقتصر تأثير انخفاض أسعار النفط على الإمارات على تراكم الاحتياطيات المالية لسنوات طويلة، التي تبلغ مئات المليارات من الدولارات من مبيعات البترول في صناديق سيادية متعددة مملوكة لإمارة أبوظبى، والتي يتم استثمارها في أنشطة متعددة، نفطية وغير نفطية، سواء داخل الإمارات أو خارجها.
هذه الصناديق هي اللاعب الأساسي في أسواق المال العالمية وهي ما تعول عليها أبوظبى في دعمها لحلفائها كمصر، وهي التي ستؤثر على قدرة أبوظبى على حلفائها بشكل كبير سواء في صورة منح أو استثمارات سيادية.
القطاع غير النفطي .. المخرج من شبح الركود الاقتصادي
كانت المسألة الفارقة للإمارات هو نمو القطاع غير النفطى والذى يمثل قرابة ٦٩٪ من حجم الاقتصاد حيث شهد نموا ملحوظا بلغ ٨٫١٪ مما ساعد الإمارات على تحقيق معدل نمو كبير، حتى مع تراجع القطاع النفطي. ويشمل القطاع غير النفطي الخدمات المالية التى نمت بقرابة ١٥٪ وكذلك قطاع السياحة حيث استقبلت الإمارات ما يزيد على ٢٠ مليون سائح، قرابة ضعف عدد السائحين الذين زاروا مصر في ٢٠١٤.
انعكس هذا النمو إلى احتلال الإمارات المركز الأول إقليميا من حيث حجم التبادل التجاري مع أكبر عشرة اقتصادات في العالم. كما سمح للإمارات أن تتحول لمركز عالمي جاذب للمهارات تستطيع الشركات متعددة الجنسيات أن تستخدمه، كمقر لإدارة أعمالها الإقليمية كما تشير العديد من استطلاعات الرأى العالمية.
وحسب الخطة المُعلنة من الحكومة الإماراتية، فبحلول عام 2012 سيصل إسهام القطاع غير النفطي لقرابة ٨٠٪ من حجم الاقتصاد عن طريق الاستثمار في البنية التحتية وقطاع النقل.
يوضح هذا الأمر، وزير الاقتصاد الإماراتي “سلطان المنصوري”،” الإمارات اتخذت منذ عام 1971 سياسة واضحة تقوم على تنوع الدخل والابتعاد تدريجيا عن النفط الذي كان يشكل 90 في المائة من الناتج الوطني عام 1971، ولقد استطعنا تخفيض تلك النسبة بحيث لم تتجاوز عام 2013 حاجز 30 في المائة مع تطور قطاعات أخرى مثل الصناعة والخدمات”.
الاتفاق النووي الإيراني.. السبيل لإنعاش التجارة الخارجية للإمارات
ساعد الاتفاق النووي الإيراني ورفع العقوبات عن إيران إلى إنعاش التجارة الخارجية، وإعادة التصدير في الإمارات خصوصًا في القطاع غير النفطي. إذ تُعتبر إيران أكبر شريك للإمارات في التجارة غير النفطية، فيما تُعد الإمارات المصدر الأكبر للسلع المصدرة إلى إيران، وهو ما ساعد مؤخرًا في استمرار نمو القطاع غير النفطي .
كذللك جرت محادثات بين شركة نفط الهلال الإماراتية، وهي شركة خاصة، مع إيران لإعادة إحياء اتفاقية تصدير الغاز لمدة 25 عاما لسد كافة احتياجات، والتي نصت الاتفاقية التي وقعت قبل 14 عاما، على تصدير 17 مليون متر مكعب من الغاز يوميا للإمارات من حقل «سلمان الإيراني» في الخليج العربي.
وتعد الإمارات رغم أنها دولة غنية بالنفط، إلا أنها فقيرة من حيث إنتاج الغاز الطبيعي، خصوصا بعد الطفرة في زيادة عدد السكان ونمو هائل للقطاع غير النفطي، على الغاز في توفير الكميات اللاّزمة لتوليد الكهرباء، خاصة في فصل الصيف، وبالتالي تعاني نقصا في الغاز يبلغ حوالي 450 مليار قدم مكعب سنويا.