«الإمارات ما بعد النفط».. عنوان كثيرًا ما تم تداوله إعلاميًا وكثيرًا ما تم الحديث عن أن الإمارات ستكون الأكثر صمودًا من جيرانها في الخليج أمام عاصفة هبوط أسعار النفط التي بدأت منذ منتصف 2014، لكن مؤخرًا بات من الواضح أن الإمارات تلجأ لنفس سياسة جيرانها في التعامل مع هذه العاصفة، فالتقشف هو نفسه وإن كان بدرجة أقل، بالإضافة إلى الضرائب، والاقتراض، وهو ما يجعلنا نتساءل عن تأثير هبوط النفط على خطط الإمارات للاستغناء عن النفط تمامًا.

تشير الإجراءات التي لجأت إليها الإمارات مؤخرًا إلى أنها ربما تكون فشلت في التنوع الحقيقي للاقتصاد، أو يمكن القول إنها لم تتمكن من الانتقال بشكل أسرع إلى اقتصاد يعتمد بصورة أقل على النفط مما دفعها لوسائل أخرى، تعد جديدة على البلاد، من تقشف وضرائب واقتراض خارجي وداخلي.

الاقتراض

في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، باعت أبوظبي أول سنداتها السيادية لأجَل 30 عامًا على الإطلاق، وذلك خلال إصدار لدين على ثلاث شرائح بقيمة 10 مليارات دولار، بالرغم من أن أبوظبي تحظى بأكثر تصنيف ائتماني آمن بين حكومات مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه بتمديد آجال سنداتها إلى 30 عامًا انضمت إلى الدول الخليجية الأخرى، باستثناء الكويت، التي أصدرت ديونًا لأجل 30 عامًا في العامين المنقضيين، بهدف استغلال طلب عالمي من مستثمرين يرغبون في عوائد مرتفعة في ظل بيئة تتسم بانخفاض العوائد.

على الجانب الآخر، يرى المستثمرون السعرَ الاسترشادي الأولي لإصدار أبوظبي الثلاثي الشرائح «سخيًا» عند مقارنته بسندات قائمة لأبوظبي تستحق السداد في 2021 و2026 جرى إصدارها العام الماضي، ولكن في النهاية باعت أبوظبي سندات بقيمة 3 مليارات دولار مدتها خمس سنوات عند 65 نقطة أساس فوق عائد سندات الخزانة الأمريكية انخفاضًا من السعر الاسترشادي المبدئي البالغ 85 نقطة أساس، بالإضافة إلى سندات لأجل عشر سنوات بقيمة 4 مليارات دولار بعائد يزيد 85 نقطة أساس عن عائد سندات الخزانة الأمريكية انخفاضًا من السعر الاسترشادي الأولي البالغ 105 نقاط أساس وسندات بقيمة 3 مليارات دولار يستحق أجلها في 2047 عند عائد يزيد 130 نقطة أساس انخفاضًا من تقديرات السعر المبدئي البالغة 150 نقطة أساس.

ويرى محللون أن عودة الإمارات للاستدانة من السوق الدولية تأتي على خلفية دعم الإنفاق مع تراجع الإيرادات النفطية، ويأتي ذلك بعد أن باعت 5 مليارات دولار في أبريل (نيسان) 2016، وهو أول إصدار سندات منذ عام 2009، بينما لجأت الإمارة إلى مجموعة من إصدارات الديون وأرباح الشركات الحكومية وصندوق الثروة لسد العجز في الميزانية على مدى السنوات القليلة الماضية نتيجة للهبوط المستمر في أسعار النفط منذ عام 2014.

ومن جانبها رفعت البنوك الإماراتية استثماراتها في سندات الدين على أساس سنوي، بنسبة 11.2% في أغسطس (آب) الماضي، وذلك حسبما أظهرت بيانات مصرف الإمارات المركزي، إذ ارتفعت استثمارات البنوك في سندات الدين لنحو 191.2 مليار درهم (52.05 مليار دولار) في الشهر الماضي، مقابل 171.9 مليار درهم (46.8 مليار دولار) خلال الشهر نفسه من 2016، وهذه البيانات توضح لجوء الإمارات لأدوات الدين لتغطية العجز في مصروفاتها الجارية خلال العامين الماضيين، مع هبوط أسعار النفط الخام.

الضرائب

لعل أهم ما يميز المرحلة الحالية في الإمارات، هو التوجه الكبير نحو فرض الضرائب، وذلك لتعويض فوارق الإيرادات، فبعد أن أنشأت الإمارات مصلحة الضرائب الاتحادية التي ستكون مسؤولة عن جمع الضرائب، بات الحديث يتزايد عن أنواع متعددة من الضرائب سواء تلك التي سيشترك في تطبيقها دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، أو ضرائب خاصة بالإمارات، كما أنها أعلنت مؤخرًا عن فرض ضرائب على الشركات العاملة في الدولة، وذلك بعدما فشلت الإمارات في فرض ضرائب على الشركات في السنوات الماضية، ففي العام 2012، بحثت مؤسسات حكومية فرض ضريبة موحدة على الشركات، لكنها لم تطبق، بينما بدأت بالفعل في تطبيق سلسلة من الضرائب، أهمها الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.

وفي الواقع يأتي اعتماد الإمارات على الضرائب كأسهل بدائل لدعم الإيرادات، ولكنها أيضًا ربما يكون لها نتائج سلبية على الاقتصاد، تعتبر وزارة المال الإماراتية أن «طرح النظام الضريبي علامة على نضوج اقتصاد الدولة»، في الوقت الذي تحاول طمأنة المستثمرين، قائلة: «الإمارات تعمل على استكشاف خيارات ضريبية أخرى وفقًا لأفضل الممارسات العالمية، إلا أن هذه الخيارات لا تزال قيد التحليل والدرس ومن غير المرجح أن يتم تطبيقها في المستقبل القريب»، كما أن «الإمارات لا تنظر حاليًا في فرض ضريبة على دخل الأفراد».

ومع مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بدأ العمل بقانون الضريبة الانتقائية في دولة الإمارات، إذ شمل 1610 سلع استهلاكية، وصُنفت نسبة 60% من السلع التي تشملها الضريبة ضمن منتجات المشروبات الغازية، و26% أُدرجت ضمن قائمة التبغ ومشتقاته، وحوالي 14% أُدرجت ضمن قائمة مشروبات الطاقة، ووفقًا للقانون فإن نسبة الضريبة الانتقائية تتراوح بين 50 و100% على التبغ ومشتقاته ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية.

وتهدف الإمارات من خلال تطبيق هذه الضريبة إلى الحد من استهلاك تلك السلع، والمساهمة في الوقت ذاته بزيادة الإيرادات الحكومية التي تخصص لتغطية تكاليف الخدمات العامة ذات الفائدة، فيما تتوقع الهيئة الاتحادية للضرائب أن تصل إيرادات الحكومة بعد تطبيق الضريبة الانتقائية إلى ما قيمته أكثر من 1.9 مليار دولار سنويًا، وفقًا لتقديرات أولية، بينما سيبدأ العمل بضريبة القيمة المضافة (VAT) في مطلع العام المقبل في السعودية والإمارات، وستبلغ قيمة الضريبة نسبة 5%.

جدير بالذكر أنه مع فرض أول ضريبة على المستهلك في تاريخ الإمارات، اعتمد مجلس الوزراء الإماراتي مشروع قرار بشأن الغرامات الإدارية التي تُفرض على مخالفة القوانين الضريبية، والذي ينص على «ألا تقل الغرامة الإدارية عن 500 درهم لأية مخالفة واردة، ولا تجاوز ثلاثة أضعاف مقدار الضريبة التي جرى إصدار تقييم الغرامات الإدارية بشأنها».

التقشف والخصخصة

وبعيدًا عن القروض والضرائب، تحاول الإمارات إنعاش إيراداتها التي تأثرت كثيرًا بهبوط النفط، من خلال رفع أسعار الخدمات وزيادة الرسوم، وكذلك بيع حصص في الشركات العامة العاملة بالبلاد،إذ رفعت الإمارات أسعار الوقود للشهر الثالث على التوالي، وحافظت على صدارتها كأعلى أسعار للوقود بدول مجلس التعاون الخليجي للشهر الحالي، تليها عُمان، ثم قطر والبحرين والكويت ثم السعودية، وبلغ سعر لتر البنزين الممتاز في محطات التوزيع الإماراتية 2.12 درهم (57 سنتًا) خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

على الجانب الآخر كانت وزارة المالية الإماراتية، قررت فرض رسوم حق امتياز على شركتي الاتصالات في البلاد (دو واتصالات) بنسبة 30% من الأرباح، تدفع للحكومة الاتحادية في السنوات من 2017 إلى 2021.

ومنذ بداية 2017 ارتفعت تكاليف المعيشة في الإمارات بشكل كبير، إذ شهدت إمارة أبو ظبي مع مطلع العام ارتفاعًا في تكاليف المعيشة تزامنًا مع تراجع الأجور وزيادة رسوم الكهرباء، في ظل تنفيذ الحكومة إصلاحات في برنامج الدعم، كما أن تأجيل مشاريع بمليارات الدولارات وخفض الإنفاق أدى إلى تسريح الموظفين بشكل واسع، على الأقل في قطاع النفط والغاز، إذ فقد نحو 5000 شخص في شركة «أدنوك» الحكومية وظائفهم خلال 18 شهرًا، بينما ارتفعت أسعار الكهرباء للوافدين هذا العام بنسبة 30%، مع زيادة تعرفة الطاقة والمياه للإماراتيين للسنة الثالثة على التوالي.

وتسعى الإمارات للبدء في برنامج الخصخصة من خلال خمسة اكتتابات أولية قبل نهاية 2017، تتضمن «أدنوك للتوزيع»، إذ قال عبيد الزعابي، الرئيس التنفيذي بالإنابة لهيئة الأوراق المالية والسلع الإماراتية (حكومية)، إن الهيئة تلقت عشرة طلبات لاكتتابات جديدة للشركات، وستكون البداية مع خمس شركات في الربع الرابع من العام الجاري، بينما ستؤجل الإدراجات الخمسة الأخرى إلى 2018، مشيرًا إلى أن الاكتتابات الجديدة ستكون في سوقي دبي وأبوظبي الماليين في قطاعات النفط والتأمين والعقارات والتكنولوجيا.

ضعف النتائج وراء الاعتماد على البديل الجاهز

لا شك أن الضرائب والاقتراض والتقشف والخصخصة كلها بدائل جاهزة ولا يمكن وضعها في إطار ما يسمى التنوع الاقتصادي أو اعتبارها، ولكن بالنظر إلى النتائج الضعيفة التي حققتها الإمارات في 2016، ربما جعلتها تلجأ إلى هذه البدائل لإنعاش الإيرادات بعيدًا عن التنوع الحقيقي الذي يعتمد على الاقتصاد الإنتاجي.

وخلال العام المنصرم 2016، تراجعت أرباح الشركات المقيدة في سوقي المال الإماراتية، بنسبة بلغت 5.7% مع تأثر معظم الشركات بالركود الاقتصادي الناتج عن تراجع أسعار النفط على مدار عامين ونصف، وبلغت أرباح الشركات المقيدة في بورصتي أبوظبي ودبي، 60.81 مليار درهم (16.55 مليار دولار) خلال عام 2016، مقارنة بـ64.47 مليار درهم (17.55 مليار دولار) خلال عام 2015.

وعلى مستوى البنوك، تراجعت أرباح البنوك المقيدة في سوقي المال الإماراتية بنسبة بلغت 6.5% خلال العام 2016، مع استمرار بعض البنوك في تجنيب مخصصات مرتفعة، بهدف مواجهة الديون المشكوك في تحصيلها، إذ بلغت أرباح هذه البنوك نحو 35.2 مليار درهم (9.58 مليار دولار)، خلال العام الماضي، مقارنة بـ37.64 مليار درهم (10.25 مليار دولار) خلال الفترة ذاتها من عام 2015.

يشار إلى أن مصرف الإمارات المركزي (البنك المركزي)، توقع أن يحافظ الاقتصاد الإماراتي على معدلات نمو إيجابية خلال العامين الحالي والمقبل، مع نمو الناتج الإجمالي غير النفطي 3.1% في 2017 و3.7% في 2018، ويعد هذا انخفاضًا مقابل توقعات سابقة بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة بين 3.5 إلى 4% في العام 2017.

المصادر

تحميل المزيد