لم تكن نتيجة الانتخابات البريطانية صدمة فقط لرئيسة الوزراء البريطانية الحالية «تيريزا ماي» وحزب المحافظين؛ بل لكثيرٍ من الدول حول العالم، فمن الأساس كانت تمتلك تريزا ماي هي وحزب المحافظين الأغلبية التي تجعلهم يشكلون الحكومة بشكلٍ منفرد، ولكن كان هناك الكثير من الصعوبات فيما يخص قرارت السياسة الدولية المُتعلقة بالتفاوض مع الاتحاد الأوروبي لخروج بريطانيا منه، والروابط السياسية والاقتصادية والتجارية التي كانت تحاول حكومة تريزا ماي بناءها مع أطرافٍ أخرى لتعويض مجموعة الخسائر الناتجة عن الانسحاب من أوروبا، وبعد نتيجة الاستفتاء التي جاءت في صالح المعارضة، فالسياسة الدولية البريطانية سوف تصبح أكثر تعقيدًا.

اقرأ أيضًا: جيرمي كوربين.. العجوز المَرِح ونصير فلسطين: مرشح الشباب لرئاسة وزراء بريطانيا

1- ترامب على وشك خسارة صديقته الغربية الوحيدة

 

نتيجة الانتخابات سوف تؤثر على علاقة تيريزا ماي ودونالد ترامب بشكلٍ كبير، إذ أنها  كانت أول مسؤول غربي رفيع المستوى يذهب إلى البيت الأبيض لكي تهنِّئ دونالد ترامب على تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وعندما انسحب دونالد ترامب من اتفاقية باريس للتغير المُناخي، رفضت تيريزا ماي وضع اسمها على بيان مجموعة من القادة الأوروبية لشجب هذه الخطوة، ويمكن تفسير ذلك بأن تيريزا ماي تطمح لتوطيد العلاقات مع كيان اقتصادي وسياسي كبير لكي تعوِّض بعضًا من الخسائر التي سوف تتعرض لها بريطانيا جراء استقلالها عن الاتحاد الأوروبي.

وعلى الناحية الأخرى فوز حزب العمال البريطاني وقائده جيرمي كوربين بـ29 مقعد جديد في البرلمان؛ يهدد علاقة الصداقة القوية بين تيريزا ماي وبين دونالد ترامب، فكثيرًا ما كان يصف كوربين حكومة دونالد ترامب بأنها فاقدة الأهلية، ونعت دونالد ترامب نفسه بأنه «شخص متهور ولا يستحق أن يكون رئيس أكبر دولة في العالم»، وبعد قرار دونالد ترامب بمنع المسلمين الحاملين لجنسيات بعض الدول العربية من دخول الولايات المُتحدة؛ طلب جيرمي كوربين من البرلمان البريطاني منع دونالد ترامب من دخول المملكة، وبعد أحداث لندن الأخيرة هاجم دونالد ترامب عمدة لندن -عضو بحزب العمال- «صادق خان»، والذي رد متحدثه الرسمي فيما بعد بأنّ «عمدة لندن لا يملك الوقت للرد على تفاهات ترامب»، غير أنه مؤخرًا قال صادق خان: «لا تضعوا السجادة الحمراء لدونالد ترامب ليدخل المملكة المتحدة البريطانية».

ولذلك  فإن أحلام دونالد بوجود صديق له قوي في أوروبا يدعم بعضًا من قراراته الجذرية التي يكون بعضها عكس التيار أحيانًا؛ أصبحت في مهبّ الريح، فضلًا عن مجموعة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي كانت تطمح تيريزا ماي لعقدها مع الولايات المتحدة التي لا يُعتقد أنها سوف تمر في ظل أن تيريزا ماي لم تحقق مرادها ولم تحصل على الأغلبية الكاسحة في  مجلس العموم البريطاني.

2- خطط تيريزا ماي لـ«بريكسيت» أصبحت في مهب الريح

في الأساس دعت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى انتخابات مبكرة في أبريل(نيسان) الماضي لأنها تريد أن تزيد أغلبيتها في البرلمان حتى تستطيع تمرير القرارات التي تساعدها على التفاوض مع الاتحاد الأوروبي في الخروج منه بشكلٍ كامل، لأنّ البرلمان في شكله السابق لم يكن يساعدها على ذلك، ولكن من الواضح أن تيريزا ماي نسيت أن «الشخص المحافظ» لا يجيد لعب القمار، والمخاطرة التي دخلتها ماي جعلت حزب المحافظين يخسر نسبة الأغلبية البرلمانية الكبيرة التي حققها عام 2015 والتي انتظر ما يقرب من 18 عامًا لتحقيقها.

وكان من المقرر عقد أول اجتماع رسميّ للتفاوض بين بريطانيا وبين مفوضي الاتحاد الأوروبي يوم 20 يونيو (حزيران) القادم، وبسبب  نتيجة الانتخابات قد يتعقَّد الأمر أمام تيريزا ماي بشكلٍ كبير، وقد تعطي النتيجة الاتحاد الأوروبي أرضًا صلبة في المفاوضات الأوروبية، وبدأت ملامح ذلك من تصريح مفوض الاتحاد الأوروبي «غونتر أوتينجر» الذي  قال: «بريطانيا بعد الانتخابات أصبحت ضعيفة، وهي شريك ضعيف في المفاوضات، يضعف المفاوضات بأكملها».

وكانت تيريزا ماي قبل الانتخابات من أشد المؤيدين لـ«Hard Brexit» والذي يعني خروج بريطانيا من السوق التجاري الأوروبي، وإنهاء تأشيرات سفر المواطنين الأوروبيين من وإلى بريطانيا بشكلٍ حر، ومعاملة الطلاب الأوروبيين كالطلاب الأجانب فيما يخص المصاريف الدراسية. وهذه النظرية كانت تلقى الكثير من المعارضة داخل مجلس العموم، وبالأخص من أعضاء حزب العمال المؤيدين لـ«Soft Brexit» الذي يعني عدم الخروج بشكل كامل والإبقاء على بعض خصائص التواجد في السوق الأوروبية مثل السماح للمستثمرين الأوروبيين بمرور بضائعهم  إلى داخل وخارج بريطانيا دون دفع ضرائب.

 

3- الجيش السعودي قد يخسر السلاح البريطاني

تمدُّ بريطانيا المملكة العربية السعودية بالسلاح منذ عام 1970، وتعتبر أيضًا العلاقة بين البلدين علاقة قوية جدًا خصوصًا تحت حكم الحزب المُحافظ؛ فعندما فازت المملكة العربية السعودية برئاسة لجنة حقوق المرأة في الأمم المتحدة كانت بريطانيا من أشد الداعمين لها، ورفض «ديفيد كاميرون» رئيس الوزراء وقتها تبرير الموقف البريطاني حيث إن هذا تزامن مع إعدام السعودية المُعارض الشيعي «محمد النمر».

وفي الوقت الحالي لأن بريطانيا تريد تدعيم خطوطها التجارية بسبب الخروج عن المظلة الأوروبية؛ سافرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي في أبريل (نيسان) الماضي إلى المملكة العربية السعودية لتدعيم العلاقات التجارية بين البلدين –وقابلت الملك بدون حجاب-، وأدلت بكثير من التصريحات وقتها أن بريطانيا والسعودية كانا حلفاء على مر عقود وسوف يزداد التعاون الاقتصادي والتجاري الذي يأتي بالنفع على البلدين في الفترات القادمة.

ولكن صعود حزب العمال في الانتخابات؛ يهدد صداقة تريزا ماي والملك سلمان؛ حيث إن جيرمي كوربين رئيس حزب العمل طالما عارض الإمداد البريطاني غير المشروط للسعودية بالسلاح، ومؤخرًا طلب هو ومجموعة من أعضاء حزب العمال في البرلمان وقف إرسال السلاح للسعودية لحين انتهاء الأمم المتحدة من تحقيقها في التعدي على حقوق الإنسان والذي مارسته وتمارسه السعودية في اليمن.

انتخابات بريطانيا

ماي مع ولي العهد السعودي محمد بن نايف مصدر الصورة-صحيفة الإندبندنت

 

4- مهاجرو جنوب أفريقيا وقبرص والهند أصبح لهم أفضلية في الهجرة إلى بريطانيا

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أن  السوق البريطاني سوف يفقد عددًا ضخمًا من العمالة الأوروبية، وهذه واحدة من الأمور التي كان يروِّجها القائمون على الحملات التي تريد الخروج من أوروبا وقت الاستفتاء، لأنَّ الكثير من الوظائف سوف تصبح شاغرة وبالتالي البطالة النسبية التي تعاني منها بريطانيا سوف تقلّ، وبالنسبة لحزب المحافظين كان يريد أن يتبع نهج الاعتماد الكلي في ملء هذه الوظائف على المواطنين البريطانيين، على عكس المُعارضة التي كانت تريد زيادة فرص مهاجرين رابطة الشعوب البريطانية «Commonwealth» وهي الدول التي استعمرتها بريطانيا قديمًا مثل قبرص وكينيا وجنوب أفريقيا والهند وباكستان وسريلانكا، وبعد هذه النتيجة أصبح لمُهاجري تلك البلاد فرصة أكبر في تحقيق حلمهم بالهجرة إلى بريطانيا.

المصادر

تحميل المزيد