«أوكرانيا الآن تحت القصف» هذا هو العنوان الذي يتصدر الصحف والمحطات الإخبارية بعد أن بدأت القوات الروسية هجومًا واسعًا على أوكرانيا من ثلاث جهات صباح اليوم؛ الأمر الذي وصفته القيادة الأوكرانية بأنه «حرب شاملة تستهدف البلاد من الشرق والجنوب والشمال» وكان الاجتياح قد بدأ قبل فجر اليوم الرابع والعشرين من فبراير (شباط) 2022 بانفجارات في العاصمة «كييف» و12 مدينة أخرى.
وظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابٍ متلفز مع بدء الهجوم؛ يحذر الدول الأخرى من أية محاولة للتدخل، قائلًا: «تلك المحاولات سيكون لها عواقب لم يُشهد مثلها في التاريخ» فما تطورات الحرب في أوكرانيا؟ وكيف يعيش الأوكرانيون الساعات الأولى منها؟
تكدس الأوكرانيون في العاصمة كييف في محاولة للفرار من المدينة
تهدد الحرب على أوكرانيا التوازن الذي شهدته القارة الأوروبية منذ ما بعد الحرب الباردة؛ كما تهدد بإسقاط حكومة أوكرانيا المنتخبة، وقد يتسبب في خسائر فادحة في الأرواح، لذا أعلن العديد من زعماء العالم شجبهم للهجوم الروسي على أوكرانيا، خاصةً بعدما ادعى الجيش الروسي أنه أعاق جميع الدفاعات والقواعد العسكرية الأوكرانية في غضون ساعات.
في الوقتِ ذاته، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن العالم سيحاسب روسيا على هذا الهجوم، في حين أدان الأمين العام لـ«حلف الناتو» ينس ستولتنبرج الهجوم الروسي على أوكرانيا بوصفه انتهاكًا للقانون الدولي ويمثل تهديدًا لأمن أوروبا.
مشاهد من العاصمة كييف في أوكرانيا
وتقول صحيفة «The Conversation» الأمريكية: «أننا نعيش الآن لحظة رعب حقيقية، لكن أكثر الناس رعبًا هم شعب أوكرانيا الذي يشهد الآن هذا الهجوم العنيف؛ في حربٍ تشنها دولة ذات موارد عسكرية هائلة وهي روسيا ضد دولة أصغر وأضعف بكثير» في حين أكدت صحيفة «النيويورك تايمز» أن هذا الهجوم يعد بداية واحدة من أهم الحروب الأوروبية خلال ما يقرب من 80 عامًا.
تدفقت القوات الروسية عبر الحدود الأوكرانية في وقتٍ مبكر من صباح اليوم، وهاجمت الطائرات وقاذفات الصواريخ الروسية المدن والمطارات الأوكرانية، كما امتد الهجوم الروسي ليشمل معظم أنحاء البلاد، وبالتالي أبعد من المقاطعات الحدودية التي شهدت قتالًا متقطعًا مع روسيا على مدار السنوات الفائتة منذ ضم جزيرة القرم إلى روسيا بالقوة عام 2014.
وسمع الأوكرانيون الآن دوي الانفجارات في العاصمة كييف، إلى جانب 12 مدينة أخرى؛ بعدما استهدفت الهجمات الصاروخية مقاتلات أوكرانية متوقفة، كما وصلت القوات الروسية بحرًا إلى مدينة أوديسا الساحلية الجنوبية.
ووقعت انفجارات في مدينة لوتسك أيضًا، والتي تقع في الركن الشمالي الغربي من أوكرانيا، وهي أقرب إلى بولندا من روسيا، وتشير الأنباء القادمة من أوكرانيا إلى استخدام موسكو أثناء الهجوم الروسي على أوكرانيا للصواريخ الباليستية شديدة الانفجار وصواريخ كروز التي تُطلق عن بُعد لمهاجمة أهدافٍ أرضية مما يتيح لها تجنب الهجوم المضاد.
(خريطة لمواقع الهجوم الروسية على المناطق الأوكرانية – المصدر الحرة)
تظهر الخريطة مناطق مثل لوهانسك ودونيستك التي يسيطر عليها الانفصاليون، وهي من المناطق التي تشهد الآن معارك حامية بين الجيش الأوكراني والانفصاليين؛ وبإمكانك أن ترى المناطق الساحلية مثل أوديسا وماريبول، التي اجتاحتها القوات الروسية بحرًا صباح اليوم، وبتدقيق النظر نستطيع أن نرى المناطق التي شهدت هجومًا صاروخيًّا مثل العاصمة كييف، ومدن مثل خاركيف ولوتسيك ولفيف ودونيستك.
ويعيش الأوكرانيون الآن حالة من الفزع مع دوي صافرات الإنذار وتحليق الطيران الحربي بعلوٍ منخفض في سماء المدن الأوكرانية، كل هذا دفع العديد من أبناء العاصمة كييف للمبيت في الملاجئ، وقد خلت الشوارع من المارة؛ إلا قلة قليلة ممن يحاولون تأمين احتياجاتهم الأساسية، في الوقتِ ذاته شهدت المدن الأوكرانية حالة نزوح كبيرة نحو منطقة الغرب الآمنة.
هرع الأوكرانيون للاحتماء في محطات الحافلات ومترو الأنفاق؛ في حين حزم مواطنو العاصمة كييف مقتنياتهم داخل سياراتهم وتكدسوا أمام محطات الغاز، بانتظار أدوارهم للحصول على البنزين من أجل الخروج من المدينة قبل أن يتفاقم الوضع، أما البعض الآخر في مدينة سلوفيانسك (الواقعة شرق أوكرانيا) فقد تكدسوا أمام البنوك المغلقة حتى ساعات متأخرة من اليوم على أمل سحب جزء من أموالهم.
وفي الوقت الذي يحاول فيه المواطنون الأوكرانيون الهرب من الحرب، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهجوم بأنه مجرد «عملية عسكرية خاصة» وليس حربًا، كما أشار إلى إن المدنيين لن يتعرضوا للهجوم، لكن «نيويورك تايمز» وصفت تصريحه بـ«الكذب»، بعد أن أكد الهجوم الروسي عدم مصداقية تصريحاته في الفترة التي سبقت الهجوم، وهو يجعل من تصريحاته الحالية بلا معنى، وفقًا للصحيفة.
كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد طلب من الناس البقاء في منازلهم والتزام الهدوء؛ في الوقت ذاته حذر بوتين الدول الأخرى من أن التدخل في الصراع مع أوكرانيا، سيؤدي إلى عواقب لم يشهدها أحد من قبل في التاريخ، وهو ما جعل المحللين السياسيين يتساءلون عما إذا كان هذا التهديد يرقى إلى مستوى استخدام الأسلحة النووية.
تصدي أوكراني للمقاتلات الروسية.. ومقتل عشرات الجنود الأوكرانيين
أكد مراسل «رويترز» أن هناك دخانًا أسود شوهد يتصاعد فوق مقر مبنى المخابرات التابع لوزارة الدفاع في العاصمة كييف، وقد انطلقت الموجة الأولى من الضربات الصاروخية بعد قليل من الخطاب المتلفز الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد استهدفت تلك الموجة مراكز القيادة العسكرية وأبنية أخرى في عدة مدن أوكرانية.
Very loud explosion just heard in central Kyiv
— Polina Ivanova (@polinaivanovva) February 24, 2022
الانفجارات في أوكرانيا
على الجانب الآخر، ذكر حرس الحدود الأوكراني أن القوات الروسية اخترقت حدود الدولة من ناحية كييف وأدخلت معدات عسكرية عبر نقطة تفتيش فيلتشا، وتقول القوات الأوكرانية حاليًا إنها صدت التقدم الروسي في مدينتين رئيسيتين، هما تشيرنيهيف في الشمال بالقرب من بيلاروسيا، وخاركيف في الشمال الشرقي بالقرب من الحدود الروسية.
كما نشرت وسائل إعلامية أوكرانية أنباءً عن إسقاط مروحية عسكرية روسية بالقرب من العاصمة كييف؛ في حين أفادت وكالة «تاس» الروسية بإصابة سفينتي شحن روسيتين بقصف صاروخي أوكراني في بحر آزوف.
في الوقت ذاته طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كل أوكراني بضرورة حمل السلاح والدفاع عن البلاد، إذ حثَّ المواطنين على التوجه نحو مراكز التدريب فورًا بعدما انتشرت الأنباء عن وقوع الكثير من الإصابات جراء القصف الروسي.
إذ نقلت «رويترز» عن الرئاسة الأوكرانية تأكيدات حول مقتل نحو 40 جنديًّا أوكرانيًّا وإصابة العشرات، هذا إلى جانب معلومات غير مؤكدة عن مقتل عشرة مدنيين؛ وكانت روسيا قد نفذت ضربات صاروخية أضرت بالبنية التحتية لأوكرانيا.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أعلنت السلطات الأوكرانية سقوط 18 قتيلًا في هجومٍ صاروخي بمنطقة أوديسا جنوب أوكرانيا، فضلًا عن مقتل ما لا يقل عن ستة أفراد في بلدة بروفاري الواقعة بالقرب من العاصمة كييف، وفي المقابل أكد الانفصاليون في لوهانسك أنهم أسقطوا طائرتين حربيتين للقوات المسلحة الأوكرانية وطائرتي بيرقدار تابعة للجيش الأوكراني.
Explosion hits Ukrainian munitions storage facility in Vinnytsia pic.twitter.com/ZVqeCLlODk
— Doge (@IntelDoge) February 24, 2022
فيديو يظهر الانفجارات التي شهدتها أوكرانيا اليوم
ودعت أوكرانيا «الاتحاد الأوروبي» والدول الأعضاء فيه إلى تقديم الدعم من خلال أنظمة دفاع جوية، وأنظمة مضادة للصواريخ بشكلٍ عاجل، مطالبة باستخدام كافة الوسائل للتشويش على الأقمار الصناعية الروسية، كما دعت أيضًا إلى تنفيذ إجراءات تقييدية شرسة ضد بيلاروسيا التي دعمت الهجوم الروسي بشكلٍ مباشر؛ وطالبت الاتحاد الأوروبي بفتح نظام المساعدات الطارئة أمام الأوكرانيين، والتي تعرف باسم «آلية الحماية المدنية».
وفي الوقت الذي تتعرض فيه أوكرانيا الآن لهجومٍ شرس، دعا كلٌّ من الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم أوكرانيا، ومن جانبه صرح السيناتور كريس مورفي الديمقراطي بأن بوتين يجب أن يدفع ثمنًا باهظًا من جراء هذا الانتهاك، وإلا سيكون الأمن الأمريكي في خطرٍ قريب، أما السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز، فقد صرح بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب حلفائها الأوكرانيين، وستقدم لهم مساعدة مستمرة، وتعمل على محاسبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية ردع الهجوم الروسي من خلال توقيع العقوبات على روسيا؛ سعت الحكومة الصينية للمحافظة على هدوئها وتوازنها، مكررة الدعوات نحو الدبلوماسية؛ وقد أشارت إلى أن واردات القمح الروسي لن تتأثر، وهو ما قد يخفف من تأثير العقوبات الغربية في روسيا.
وكانت أوكرانيا عام 1994 دولة مستقلة ناشئة حصلت على الحماية والتزام موقع من ثلاث دولٍ حينها هي: روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وعن ذلك كتب الباحثان لي فينشتاين من «جامعة إنديانا» وماريانا بودجيرين من «جامعة هارفارد»، أن أوكرانيا وُلدت دولة مستقلة من رحم انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وقد جاء استقلالها مع إرث الحرب الباردة المعقد.
فبالرغم من صغر حجمها ضمت ثالث أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم، وهي واحدة من ثلاث دول سوفيتية سابقة كان منها بيلاروسيا وكازاخستان، وقد خرجوا جميعًا من الانهيار السوفيتي بأسلحة نووية على أراضيهم.
كان التوقيع على اتفاق 1994 في مقابل تخلي أوكرانيا عن الأسلحة النووية داخل حدودها وإرسالها إلى روسيا لتفكيكها، لكن الاتفاقية (غير الملزمة قانونًا) جرى خرقها بسبب ضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014؛ أما الهجوم اليوم فهو مثال آخر على ضعف تلك الاتفاقية، بحسب الخبراء.