أثار اعتراف روسيا رسميًا في 21 فبراير (شباط) 2022 باستقلال منطقتي «دونيتسك» و«لوهانسك» بإقليم «الدونباس» عن أوكرانيا، وشنها حربًا على أوكرانيا، تفاعلات وقراءات مختلفة حول انعكاساتها على منطقة المغرب العربي.
وفيما تناول المختصون الحرب الروسية على أوكرانيا، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة فيما يخص ملفات الأمن الغذائي وملف الأمن الطاقي، كان هناك انعكاس من نوع آخر على المنطقة العربية فيما يخص النزاعات على الأقاليم المشابهة، وبالتحديد ملف الصحراء الذي تتصارع عليه السلطات المغربية في مواجهة جبهة «البوليساريو» المدعومة من الجزائر.
وفي هذا السياق غابت المملكة المغربية عن جلسة الأمم المتحدة المتعلقة بالتصويت على قرار أممي يدين روسيا بعد قرار بوتين شن الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية في بيان: إن «عدم مشاركة الرباط في هذا التصويت لا يمكن أن يكون موضوع أي تأويل بشأن موقفه المبدئي المتعلق بالوضع بين روسيا الفيدرالية وأوكرانيا».
وكانت المغرب قد أصدر بيانًا حول الحرب الروسية في أوكرانيا أكد فيه دعمه «للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة»، وتشبثه «بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، وتشجّع جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات».
وإذا كان البيان واضحًا في تأكيد معارضة الرباط لاعتراف موسكو بالجمهوريتين الانفصاليتين، فإنه حمل بين السطور تخوفًا مغربيًا من تشابه حالتهما مع ملف إقليم الصحراء المطروح للنقاش على طاولة الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق يقول الدكتور موسى المالكي أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط لـ«ساسة بوست»: إن «موقف الرباط حول الحرب في أوكرانيا ينبه إلى أن المملكة المغربية متشبثة بمصالحها العليا، وتعمل من أجل ما يخدم قضيتها الوطنية، وخاصة وحدتها الترابية انطلاقًا من مبادئ القانون الدولي الذي يحرص على سيادة الدول ووحدتها».
المغرب و«البوليساريو».. نزاع طويل الأمد على الصحراء
تعرف منطقة الصحراء نزاعًا متواصلًا بين الرباط وقوات البوليساريو منذ خروج الاحتلال الإسباني من المنطقة أواسط سبعينات القرن الماضي، و«البوليساريو» هي اختصار للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهي حركة سياسية تقول إنها تمثل «الشعب الصحراوي» (حسب تسميتها)، وتعتبر المغرب دولة تحتل أرضه.
وتتخذ «البوليساريو» من مدينة «تندوف» جنوب غرب الجزائر مقرًا لها، وتمتلك قوة عسكرية تقدر بنحو 20 ألف مقاتل، تمكنها من الدخول في مواجهات مسلحة مع القوات المغربية في مناسبات عديدة، ويعترف الاتحاد الأفريقي بالجمهورية الصحراوية منذ سنة 1984.
البوليساريو
في المقابل تتصدى الرباط لهذا التوجه، وتصر على تبعية الصحراء له، وتخوض معارك عسكرية ضد جبهة «البوليساريو»، وأخرى دبلوماسية ضد القوى الداعمة لها، أو التي تعترف باستقلال الصحراء، مثلما بادرت الرباط بقطع العلاقات مع طهران سنة 2018، واتهمتها بدعم جبهة «البوليساريو» بتدريب مقاتليها وتسليحهم، كما يعد الموقف من القضية الصحراوية من أسباب الأزمة الحاصلة بين المغرب والجزائر؛ إذ يتهم المغرب السلطات الجزائرية بتسليح «البوليساريو»، وقد تصاعد التوتر بين الرباط وجبهة «البوليساريو» بعد إعلان الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار مع المغرب المُبرم منذ سنة 1991، برعاية الأمم المتحدة.
أزمة متصاعدة مع الجزائر بسبب دعم جبهة «البوليساريو»
لا تخفي الجزائر دعمها السياسي لـ«البوليساريو»، وإعلانها دعم قضية «الشعب الصحراوي» باعتبارها قضية «استعمار» من وجهة نظرها، وتمثل آخر مظاهر دعمها لـ«الجمهورية الصحراوية في الرسالة التي وجهها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى قائد «البوليساريو» إبراهيم غالي في 28 فبراير (شباط) 2022 بمناسبة ما أسماها الذكرى 46 لتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وأكد تبون خلال رسالته تضامن الجزائر الدائم مع «قضية الشعب الصحراوي العادلة» ودعمها الثابت «لحقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال، حسب تعبيره.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون
ومع ذلك ترفض الجزائر اعتبارها طرفًا في النزاع، إلا أن الرباط تتهمها بتسليح «البوليساريو»؛ إذ جاء في بيان للخارجية المغربية «إن الرباط ليست في حاجة إلى الإشارة إلى تورط الجزائر، ولا إلى اتهامها بشكل غير مباشر، فمن المعروف أن الجزائر ومنذ 1975 تحتضن، وتسلح، وتمول، وتدرب انفصاليي البوليساريو، وتتعب دبلوماسيًا من أجلهم»، وقد شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا في مستوى الخطاب والسلوك الدبلوماسي بين البلدين بلغ حد قطع العلاقات بينهما في أغسطس (آب) 2021.
ودعا الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية، عبد اللطيف عبيد، كلًا من جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأفريقي، والأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، إلى بذل جهودهم من أجل وأد الفتنة بين الرباط والجزائر، ومنع قيام حرب بينهما.
وفي هذا السياق شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا في حجم صفقات السلاح، خاصة بالنسبة للجزائر، وجاء في تقرير أصدره معهد ستوكهولم للسلام أن الجزائر زادت من وارداتها من السلاح سنة 2020 بنسبة 64% مقارنة بسنة 2011؛ إذ تطور حجم الإنفاق على شراء السلاح في الجزائر بين سنتي 2010 و2020 من 5.3 مليار دولار إلى 9.7 مليار دولار، ولا تكتفي الرباط باتهام الجزائر وحدها بدعم «البوليساريو»، بل كانت القضية الصحراوية والموقف منها سببًا في أزمات دبلوماسية عديدة للمغرب، منها أزمته مع إيران وإسبانيا، وكذلك روسيا.
«فاجنر» وتسليح الجزائر.. الدور الروسي في المنطقة يقلق المغرب
رغم النفي الرسمي لوجود أزمة صامتة بين البلدين تحدثت تقارير عديدة عن قلق مغربي من مواقف روسيا من قضية الصحراء الذي ترى فيه الرباط انحيازًا للموقف الجزائري وجبهة البوليساريو، خصوصًا في السنوات الأخيرة.
وقد امتنعت روسيا في اجتماع لمجلس الأمن في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 عن التصويت لصالح مشروع قرار أمريكي يقضي بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء حول الصحراء الغربية (مينورسو) بعد أن استقبلت موسكو وفدًا عن جبهة «البوليساريو» في العشرين من نفس الشهر؛ إذ ترفض الجبهة قرار التمديد للبعثة.
ويثير نشاط قوات «فاجنر» الروسية في المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء، مخاوف الرباط وتزداد هذه المخاوف في ظل ما يتداول حول بحث قوات فاجنر التعاقد مع قوات جبهة «البوليساريو» من أجل التعاون الأمني، والدعم، والتدريب، وكانت الرباط علقت رحلات طيرانه المباشر إلى روسيا في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 دون ذكر الأسباب، بالتزامن مع مغادرة السفير الروسي للرباط لفترة، دون ذكر الأسباب أيضًا.
وفي هذا السياق يقول أكاديمي مغربي رفض الإفصاح عن اسمه لـ«ساسة بوست»: إن «الرباط متوجسة من الدور الروسي في شمال أفريقيا، ومتخوف خاصة من دور قوات فاجنر الروسية في مالي وما يشاع عن ارتباطها بجبهة البوليساريو».
ويضيف الأكاديمي المغربي أن «تقاطع الموقف الروسي مع مواقف الجزائر في المحطات الدولية، بالإضافة إلى تزايد صفقات التسليح بأسلحة هجومية نوعية بينهما، يزيد من ريبة الرباط من الدور الروسي وأهدافه».
علاقة إستراتيجية مع روسيا واستفادة من الحرب في أوكرانيا
يرى موسى المالكي، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديثه لـ«ساسة بوست» العكس، أن «العلاقات المغربية-الروسية تتميز ببعد إستراتيجي واضح، تجلى في زيارة الملك المغربي محمد السادس إلى روسيا عام 2016، وإمضاء مجموعة من الاتفاقيات في مجال الطاقة، والصناعة، والزراعة، بما ساهم في رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يزيد عن 2.5 مليار دولار، بما يجعل المغرب شريكًا اقتصاديًا موثوقًا لروسيا في القارة الأفريقية».
الحرب في أوكرانيا
كما يرى أكاديمي متخصص في العلوم السياسية في الجامعة الجزائرية رفض الإفصاح عن اسمه في تصريح لـ«ساسة بوست» أن «الحرب في أوكرانيا في مصلحة المغرب، وأنها ستكون مستفيدة من استدامة الحرب في أوكرانيا»، كما يُرجع ذلك إلى ما تسببه الحرب في أوكرانيا بالضرورة من توقف الإمدادات الروسية بالسلاح إلى الجزائر، وبالتبعية توقف الإمدادات الجزائرية لـ«البوليساريو»، ويذكر أن 69% من السلاح الجزائري مصدره روسيا، وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة عالميًا في ترتيب الدول المستوردة للسلاح من روسيا، وتستأثر بالمرتبة الأولى أفريقيًا في هذا المجال.
في المقابل يعول المغرب على الولايات المتحدة ببالأساس في شراء السلاح؛ إذ صُنِّف في سنة 2019 أول مستورد للسلاح الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحجم صفقات بلغت قيمتها 10.3 مليار دولار، حسب مجلس فوربس.
لذا يتسم الموقف المغربي من الحرب في أوكرانيا بالانحياز الحذر إلى المعسكر الغربي المعادي لروسيا؛ لما يربطه بالمغرب من علاقات اقتصادية وعسكرية كبيرة، كما يتسم الموقف بالحذر من التورط في أزمة مع روسيا قد تؤثر على موازين القوى في المنطقة.