دون أن تفيق هذه القرية البدوية على طبيعتها المعتادة في الصباح، حاصرت قوات إسرائيلية مدججة بالسلاح القرية على الأرض، بينما كان هناك حصار آخر في السماء من قبل الطائرات العسكرية، كل ذلك كي تؤهل الفرصة لقيام الجرافات الإسرائيلية بعملية هدم منازل ومبانٍ في الحي الغربي من القرية.

ساحة الحرب تلك كانت خاصة بقرية «أم حيران» الواقعة في النقب جنوب جبل الخليل في فلسطين، لقد قررت إسرائيل إخلاء هذه القرية من أجل إقامة مدينة يهودية تحمل اسم «حيران»، لكن على جثث أبنائها إذ قتلت في صباح هذا اليوم أحد مدرسي القرية وأصابت الكثير بالرصاص الحي.

«أبو القيعان» الشهيد الأول

أعدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية المدرس يعقوب أبو القيعان (47 عامًا)، أحد أبناء قرية «أم حيران»، حيث ادعت هذه القوات أن أبا القيعان دهس شرطيًا إسرائيليًا ما أدى إلى مصرعه، بينما أكد المواطنون أن الشهيد كان يقود سيارته في اللحظات الأولى لاقتحام القرية من أجل هدم منازل سكانها، ثم تعرض لإطلاق نار كثيف دون أن يشكل أي خطر، بل أطلقت هذه القوات العيارات المطاطية والرصاص الحي وقنابل الغاز والصوت تجاه الأهالي.

https://www.youtube.com/watch?v=aW8tJf1cwH8

الشهيد يعقوب أبو القيعان

وبينما بدأت وسائل «إعلام المواطن» تنقل صرخات والدة الشهيد، كانت قوات الاحتلال تمنع جميع الحشود العربية من الوصول للقرية ومساعدة المنكوبين من أهالي «أم حيران». يؤكد الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية» مدار» «برهوم جرايسي» أن قرية أم حيران تواجه منذ سنوات مخططًا لاقتلاعها من الأراضي القائمة عليها منذ العام 1959، وذلك رغم أنها قائمة على ملكية أصحابها.

يوضح برهوم لـ«ساسة بوست»: «الآن يريدون اقتلاعها من أجل بناء مستوطنة، ويأتي ذلك ضمن حلقة في المخطط العام المتمثل في إبادة القرية عن بكرة أبيها وتشريد أهلها وإقامة مستوطنة جديدة لليهود تحمل اسم حيران». مشيرًا إلى أن مخططات الاستيطان قائمة منذ سبعة عقود وهي تتغير وتتبدل، ويوضح جرايسي أن توقيت هدم القرية ليس صدفة وإنما هو يتبع هجومًا واسع النطاق بدأ الأسبوع الماضي في «قلنسوة» متوقعًا أن يكون الوسط العربي أمام حلقات أخرى من عمليات الهدم الإسرائيلية.

https://www.youtube.com/watch?v=KNTAXk_-Twc

من جانبه يقول الشيخ رائد صلاح الذي خرج بالأمس من سجون الاحتلال: «واضح جدًا أن المؤسسة الإسرائيلية في هذه الأيام قد كثر فيها عدد المتهمين بالسرقة أو الفساد أو الاغتصاب، والأسماء الكثيرة في وسائل الإعلام تشير إلى ذلك، وبالتالي لا يستبعد أن يصدر عن هذه المؤسسة أي سلوك، حتى لو بلغ إلى حد استباحة دماء الأبرياء كما وقع على الشهيد يعقوب أبو القيعان رحمة الله عليه في صبيحة هذا اليوم«.

وتابع القول: «علينا أن ندرك أن الحكومة الحالية تتعامل معنا بعقلية جنرالات عسكريين، وكأنه يباح لهم كل شيء، يجب أن نتوقع فيها الشيء الأسوأ».

«نتنياهو» يصدر أزماته للداخل العربي

يؤكد مدير عام موقع «‏ديلي 48» – المهتمة بشأن فلسطينيي 48 – «عبد الإله المعلواني» أن السياسة الإسرائيلية مستمرة في تهويد النقب والجليل، ولذلك كانت قضية تهجير قرية «أم حيران» الفلسطينية بهدف إزالة القرية وتهجير أهلها لإقامة مدينة يهودية اسمها «حيران».

ويوضح المعلواني أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية تلجأ إلى الاستيطان كلما اشتد الخناق حول كرسيها، وتابع القول: «يصعدون تجاه الحلقة الأضعف وهي الوسط العربي، بالأمس كان يتم التحقيق مع ابن نتنياهو وسبق ذلك التحقيق معه شخصيًا بتهمة فساد، فكلما اشتد الخناق حوله يعجل بتصدير أزماته للداخل العربي، حتى يلفت النظر باسترضاء اليمين الإسرائيلي».

ويشير المعلواني إلى إحصائية إسرائيلية تؤكد أنه منذ قامت إسرائيل أنشأت ما يقارب 70 مدينة وقرية يهودية، بينما في الداخل العربي لم تبن البتة أي قرية، بسبب التشديد الإسرائيلي والتضييق القانوني بحجة عدم الترخيص، وتابع القول: «هناك أكثر من 36 قرية غير معترف بها، بلا ماء ولا كهرباء ولا مدارس ولا مؤسسات، هذه القرى موجودة قبل قيام إسرائيل بعشرات وبعضها بمئات السنين». مشيرًا إلى أن صحوة أهالي النقب بتراجع أعداد التجنيد في الجيش الإسرائيلي كما تظهر الإحصاءات الأخيرة جعلتهم في مرمي نيران الحكومة.

60 ألف أمر هدم للمنازل الفلسطينية

يقول المحامي خالد زبارقة من القدس إن ما بدأت فيه إسرائيل منذ العام 1948 يستمر بفصل جديد هو فصل التهجير والتدمير والقتل وهذا ما يحصل الآن في قرية «أم حيران».

ويتابع القول: «إسرائيل خططت للوصول لهذه اللحظة، لحظة الانقضاض على الوجود العربي في هذه البلاد، تريد أن تثبت الرواية اليهودية في الأراضي الفلسطينية، وتريد أن تؤثر على الوجود العربي بوصولها لمرحلة الاستهداف بشكل مباشر».

ويوضح زبارقة لـ«ساسة بوست»: «إسرائيل التي لم تعترف بهذه القرى القائمة قبل قيام دولتها تحاربها الآن، مما يعني أنها تريد أن تهدم وتهجر أهلها».

ويستشهد زبارقة بالإحصائية الرسمية الإسرائيلية التي ذكرت أن هناك أكثر من 60 ألف أمر هدم للمنازل الفلسطينية في القدس والداخل الفلسطيني، ويعقب: «هذا يعني أنها تريد أن تنفذ أوامر الهدم التي أصدرتها، ولذلك هي الآن بدأت بتنفيذ أوامر الهدم بالجملة. ما رأيناه قبل أسبوع في قلنسوة نفس المشهد، يتكرر في كل مكان يتواجد به الشعب الفلسطيني. هم الآن ينفذون سياسة ممنهجة قاموا بتجهيزها للوصول لهذه اللحظات».

وفيما يتعلق بالوضع القانوني لسكان القرية باعتبارهم مواطنين إسرائيليين، يوضح زبارقة: «إذا نظرنا للشكل القانوني المجرد فهم مواطنون إسرائيليون يحملون جواز سفر إسرائيليًّا، لذلك الدولة لزام عليها أن توفر لهم المساكن والبيوت والحياة الكريمة، لكن ما يحصل أن الدولة تتعامل معهم باعتبارهم فلسطينيين لأنها تعتبر وجودهم يشكل خطرًا على وجودها، لذلك هي الآن تستهدف هذا الوجود وتحاول أن تقلص من هذا الوجود وتأثيراته المستقبلية».

ويرى زبارقة أن القرار الدولي بوقف الاستيطان أخذ على استحياء ولا يوجد له أية أهمية قانونية ولا عملية على مستوى أرض الواقع، وختم بالقول: «يعتقد أنه يجب عدم التعويل على هذه القرارات لأنها لا تحمل اليوم في ظل سياسات استعمال القوة على الأرض هذه أي معنى».

المواجهة حتمية مع الجماهير العربية

قبل نحو أسبوع هدمت إسرائيل 11 منزلًا في مدينة قلنسوة، ليأتي الآن قرار الانتقال لهدم منازل قرية «أم حيران» لكن هذه المرة كان قرار قتل المواطن العربي ملتصقًا مع قرار الهدم.

 

من مواجهات الأمس التي تناقلها نشطاء في الداخل المحتل

يقول رئيس «كتلة القلم الطلابية» في جامعة حيفا خالد غنايم: «قبل فترة تم إخلاء مستوطنة عامونا بعد اتفاق بين سكانها والحكومة الإسرائيلية بتعويض المستوطنين فيها ببيت ومليون شيكل (الدولار قارب 3.5 شيكل)، أما فيما يخص قرار هدم القرى العربية، فهو يتم دون تعويض بل يأتي بالقوة والقتل وإلصاق التهم بالضحية، وذلك تبعًا لسياسة التضييق التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية ضد الوسط العربي».

ويواصل غنايم القول: «أم الحيران قرية غير معترف بها من بين 36 قرية غير معترف بها، ويستمر مسلسل عدم الاعتراف بهذه القرى مقابل شرعنة المستوطنات وتوفير الظروف المعيشية للقادمين الجدد والمستوطنين لأشخاص يحملون نفس الجنسية».

ويصف لنا غنايم الوضع في قرية «أم حيران» فيقول: «الوضع كحال برميل البارود وممكن أن ينفجر في أي وقت. هناك استعداد للمواجهة وهذا دليل على التصعيد والجاهزية للمواجهة والالتحام، وأن الأمر ليس مجرد تظاهر»، ويرجع غنايم هذا الوضع لاستفزاز المواطنين البدو بسبب سهولة تنفيذ قرارات الهدم، ولعدم تردد الشرطة الإسرائيلية في استعمال السلاح الحي مع المواطنين.

ويضيف لـ«ساسة بوست»: «استمرار سياسات الحكومة الإسرائيلية بهذا الشكل سيوصل لمواجهة حتمية مع الجماهير العربية، هذه الدرجة من الاحتقان كانت بسبب اليأس من هذه السياسات التي وصلت للتضييق على المظاهرات والأحزاب لمنع حرية التعبير والتمثيل السياسي».

المصادر

تحميل المزيد