يخرج فرانك آندروود في مقطعٍ من مسلسل «هاوس أوف كاردس» مخاطبًا شعبه الأمريكي بلغة الخوف، معلنًا حربه على الإرهاب: «سنقضي على منظمة آيكو الإرهابية، نحن في حالة حرب». كانت هذه خطوته الاستبقاية التي اتخذها للتغطية على التقرير الصحافي الذي سينشر ويكشف فيه فضائح لآندروود.

بالأمس استيقظ العالم على خبر درامي وصادم. اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، رجل إيران الأول في الشرق الأوسط، من قبل طائرة بدون طيار أمريكية استهدفت وفدًا وصل إلى مطار بغداد الدولي ليلة أول أمس، الثاني من يناير (كانون الثاني) 2020. انقسم العالم وسط مؤيدٍ ومعارض للاغتيال، مظاهراتٌ غاضبة في طهران، وفرح المتظاهرين العراقيين، ونعي بعض فصائل المقاومة الفلسطينية لـ«قائدهم الكبير».

لكنّ دونالد ترامب الذي أمر بشكل مباشر بتنفيذ العملية غرّد خارج السرب بعَلَمِ الولايات المتحدة الأمريكية ودون أي تعليق. «الالتفاف حول العلم»؛ عبارة استخدمها الجنرال والرئيس السابع الأمريكي أندرو جاكسون في معركة نيو أورليانز التي كانت ضد الجيش البريطاني وانتهت بانتصار واكتساح الجيش الأمريكي. إذًا للعلم رمزيته الخاصة: الوحدة، والقومية، والوطنية. ومن ذلك اليوم أصبحت هذه العبارة متلازمة للرؤساء الذين يريدون زيادة دعم الشعب الأمريكي لهم.

كيف يستغل الرؤساء الأمريكيون هذا الشعور الوحدوي لزيادة نسبة رضى الشعب عنهم؟ وكيف يصبح الخوف محفزًا للرؤساء لتشتيت الجماهير عن سياساتهم الداخلية؟ يحاول هذا التقرير فهم هذه الظاهرة واستعراض أهم الأحداث التاريخية لرؤساء أمريكيين زادت نسب قبولهم داخليًا بسبب أحداث عالمية لها سمات مشابهة لاغتيال قاسم سليماني.

دولي

منذ 3 سنوات
هذه أبرز السيناريوهات المحتملة لنشوب الحرب العالمية الثالثة

اغتيال قاسم سليماني قد يدفع ترامب إلى الأمام

قدم عالم السياسة الأمريكي جون مولر نظرية تدرس تأثير ظاهرة «الالتفاف حول العلم» على السياسة الأمريكية ونسبة رضى الشعب الأمريكي؛ وباختصار تشرح النظرية كيف يستطيع الرؤساء الأمريكيين كسب دعم شعبي قصير المدى للاستفادة داخليًا، سواءًا في السباق الانتخابي أو لدعم سياساتهم الخارجية أو الداخلية.

ويذكر مولر في ورقته الشهيرة التي درس فيها الفترة التاريخية ما بين الرئيس ترومان إلى جونسون، وقد حملت فترات رئاستهم بعد «الأحداث» التي صمموها، أنها تخضع غالبًا إلى ثلاث عناصر أساسية. أولًا حدث عالميّ، وثانيًا مرتبط بالولايات المتحدة ورئيسها بشكل مباشر، وثالثًا يكون حدثًا محددًا ودراميًا ومركزًا للغاية. وإذا ما نظرنا لحادثة اغتيال قاسم سليماني نجد هذه العناصر الثلاثة متواجدة بشكل كبير.

إذًا ما الذي يدفع ترامب اليوم لاغتيال قاسم سليماني ومن قبلها أبي بكر البغدادي؟ من المقرر أنّ يختار الناخبون في أمريكا رئيسهم القادم يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. ومع بداية هذا العام أصدر موقع «فايف ثيرتي إيث» المختص باستطلاعات الرأي التي تخص السياسة والاقتصاد، استطلاعًا يشير إلى نسبة القبول الشعبي للرئيس دونالد ترامب، حيث وصلت إلى 42.5%، ويشير الرسم البياني بانخفاض 3% منذ بداية فترة حكمه عام 2017.

وأصدرت شركة «جالوب» لاستطلاعات الرأي والخدمات التحليلية، والتي تعتبر الأشهر داخل أمريكا، تقريرًا في أغسطس (آب) الماضي يشير إلى أنّ نسبة القبول بالنسبة لدونالد ترامب، بما يخص قضية الوظائف وصلت 42% بعد أنّ كانت قد وصلت 46% أبريل (نيسان) الماضي.

دونالد ترامب وشعار حملته الانتخابية 2020 «نحافظ على أمريكا عظيمة مجددًا»

كل هذا المؤشرات تدفع ترامب لاستمالة الناخبين إلى صالحه، لانتخابه لدورة ثانية. خاصة بعد أنّ تم عزله من قبل مجلس النواب يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) 2019، الذي اتهمه باستغلال سلطته، بطلب المساعدة من دولة خارجية (أوكرانيا) للتدخل في شأن داخلي (الانتخابات الرئاسية 2020)، والاستقصاء عن منافسه الديمقراطي جو بايدن. إلا أنّ العزل لن يتم بشكل كامل إلا بعد تمرير القرار إلى مجلس الشيوخ وحصوله على أغلبيه، ومجلس الشيوخ يحمل غالبية من الحزب الجمهوري، ولذلك تحاول المتحدثة باسم مجلس النواب، نانسي بوليسي التأجيل والمماطلة في إرسال ملف العزل.

أحد المواقف التي استخدم فيها ترامب تصريحات دولية للتغطية على قضية داخلية كان في 4 أغسطس 2017 عندما هدد ترامب الرئيس كين جونغ رئيس كوريا الشمالية بالحرب إذا ما استمر زعيمها الحديث عن إطلاق صواريخ باليستية ونووية تصل إلى الولايات المتحدة. كانت هذه التصريحات بعد يوم واحد من بدء تحقيقات المستشار الخاص روبرت مولر عن التدخل الروسي في ودعم حملة ترامب في انتخابات عام 2016. وكان ترامب قد سحب تهديده لكوريا الشمالية بعد استطلاع رأي يشير إلى انخفاض نسبة دعمه إلى 36% بحسب شركة جالوب.

ترامب ليس الأول.. أوباما وجورج بوش الابن فعلاها من قبل!

«لدى كل دولة في كل إقليم حرية القرار؛ إما أن تكونوا في صفنا أو في صف الإرهاب» *جورج دبليو بوش، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)

من المفارقات التي ظهرت إلى السطح يوم اغتيال قاسم سليمان، تغريدة لترامب عام 2011 التي تقول: «سوف يشن أوباما حربًا على إيران من أجل إعادة انتخابه». الأمر الذي يفعله اليوم ترامب، تأسيًا بسلفه أوباما عندما تمكن من اغتيال أسامة بن لادن. ما يجعل من «الأمن القومي» شعارًا للرؤساء في أمريكا من أجل تنفيذ قرارات وإجراءات لزيادة نسبة الدعم الشعبي.

كما أنّ هنالك جدلًا قائم حول شرعية قرار ترامب دستوريًا، فقد غردت نانسي بيلوسي أنّ قرار ترامب جاء دون استشارة مجلس الشيوخ، وأنّ قراره غير متوافق مع القانون الذي يعطي صلاحية كاملة للرئيس باستخدام القوة ضد الجماعات الإرهابية. تم تمرير هذا القانون يوم 14 سبتمبر 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر. إلا أنّ الكثير من الجمهوريين يصرحون بأنّ سليماني ارتكب وقتل الكثير من الأمريكان وأنّ قرار ترامب كان إحقاقًا للعدل.

لقد سبق دونالد ترامب الرئيس السابق باراك أوباما الذي استغل ذات التكتيك لزيادة نسبة الرضى الشعبي. فقد كانت حادثة اغتيال أسامة بن لادن، الذي قام به الجيش الأمريكي يوم 2 مايو (أيار) 2011 في باكستان، سببًا في زيادة نسبة الرضى الشعبي تجاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وذلك خلال ثلاثة أيام بعد حادثة الاغتيال؛ بزيادة 6% بعدما كان مؤشر قبوله 46% بحسب شركة جالوب، وكانت حادثة اغتيال ابن لادن قبل انتخابات عام 2012، الذي فاز فيها أوباما لدورة ثانية.

«قيامة العدل» عنوان أحد الصحف الأمريكية يوم إعلان اغتيال أسامة بن لادن

كمان أنّ المستفيد الأكبر من حادثة البرجين أو أحداث 11 سبتمبر هو بلا شك الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، الذي وصلت نسبة قبوله الشعبي إلى 90% بعد الحادثة. وقد خلقت أحداث 11 سبتمبر بمساعدة ماكينات الإعلام الضخمة والسينما الأمريكية شعورًا عند الشعب بالتهديد المستمر، وهذا ما شكّل سياسة «الحرب على الإرهاب» الخارجية للولايات المتحدة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

كل هذا حشد الشعب والمؤسسات للموافقة على السياسات الخارجية للرئيس جورج بوش الابن والتي كانت من تبعاتها حرب العراق إذ أشارت استطلاعات الرأي أنّه من بين 10 أمريكان هنالك سبعة يدعمون قرار الحرب. لقد كانت حربًا زعزعت استقرار الشرق الأوسط إلى يومنا هذا، وكانت سببًا في فوز جورج بوش الابن بدورته الرئاسية الثانية في انتخابات عام 2005.

كلينتون يهرب من العزل بشن غارات جوية على العراق

في أعقاب حرب الخليج أرسلت الأمم المتحدة فريقًا دوليًا للتحقق من امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل. جاء هذا بعد هزيمة حسين في حرب الخليج، بينما في أمريكا كان مجلس النواب يستعد لعزل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بعد فضيحة مونيكا لوبنسكي، إلا أنّ كلينتون حاول تأجيل العزل بإصداره قرار شن غارات جوية على بغداد وفقًا لتقرير الأمم المتحدة الذي يشير إلى وجود أسلحة دمار شامل في العراق.

استمرت الغارات الجوية لمدة أربعة أيام من يوم 16 إلى 19 ديسمبر عام 1998. واستهدفت الغارات مصانع أسلحة، ووكالات استخبارات عراقية، وتحصينات الجيش العراقي (الحرس الجمهوري)، وبعض التقارير الأولية أشارت إلى ضرب بعض أجزاء من قصر صدام حسين.

الرئيس الأمريكي كلينتون يعلن إنهاء الغارات الجوية على بغداد

أغضب قرار كلينتون الجمهوريين في مجلس النواب، واتهموه بأنّ الهجمة كانت محاولة للهروب من قرار العزل والحفاظ على بقائه سياسيًا في منصب الرئيس، خاصة أنّ سياسة كلينتون الخارجية اعتمدت طوال فترته على تهذيب وتحييد قوة صدام حسين الحربية من خلال المفاوضات الدبلوماسية عبر الأمم المتحدة.

كان هذا القرار بمثابة انحراف كبير عن مسار كلينتون الأول، ويذكر أنّ هذه الضربة الجوية كانت هي الأكبر منذ حرب الخليج عام 1991، بالرغم من ذلك فقد أصر كلينتون أنّ هذا قرار إستراتيجي متعلق بمصالح الولايات المتحدة وليس بذاته. إلا أنّه في نهاية الأمر صدر قرار عزل الرئيس يوم 19 ديسمبر عام 1998 بتهمتين: شهادة الزور، وعرقلة العدالة. إلا أنّ مجلس الشيوخ لم يمرر قرار عزله؛ وتبع ذلك موافقته على مشاركة الولايات المتحدة في قصف صربيا خلال حرب كوسوفو.

هاري ترومان يعترف بـ«دولة إسرائيل».. ويفوز بولاية انتخابية ثانية

عندما قررت بريطانيا إنهاء انتدابها في فلسطين، كان اللوبي الصهيوني يضغط على الأمم المتحدة لتمرير قرار بتقسيم فلسطين وذلك تمهيدًا لإقامة الدولة الصهيونية، ولكسب شرعية دولية أيضًا. وبالفعل فقد صدر قرار تقسيم الأراضي الفلسطينية من الأمم المتحدة في نوفمبر عام 1947، وكانت تبعات هذا التشريع أحداث دامية بسبب مقاومة الفلسطينيين لخطة التقسيم، وبدء ما يسمى بأحداث «النكبة».

أصابت هذه الأحداث قلق الرئيس الأمريكي رقم 33 هاري ترومان؛ مما دفعه لاقتراح حكومة وصاية ثنائية على الأراضي الفلسطينية، إذا ما تراءى للأمم المتحدة أن قرار التقسيم لم يكن عمليًا. قوبل اقتراح ترومان بغضب ورفض كبير من الصهاينة، ولوبياتها داخل أمريكا، وسبب ذلك بانخفاض نسبة قبول ترومان مقارنة بخصمه الجمهوري ثوماس ديوي في الانتخابات الرئاسية التالية في نوفمبر عام 1948.

تهجير سكان قرية قومية قرب بيسان 1948

عندها قام كلارك كليفورد، أحد أهم مستشاري الرئيس الأمريكي ترومان، بالتأكيد للرئيس أن إقامة دولة مستقلة لإسرائيل هو أمر حتمي، ووصف له الاعتراف السريع بالدولة الإسرائيلية التي لم تعلن بعد، بأنها مراوغة شفافة لكسب المزيد من الأصوات في السباق الانتخابي. كانت هذه النصيحة لاعتبارات سياسية داخلية، على الرغم من أنها مسألة دولية حساسة، وبالفعل أخذ ترومان بنصيحة مستشاره، والذي على إثرها تحدد مصير ملايين الفلسطينيين، وأصدر البيت الأبيض اعترافه بدولة إسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من قيامها، واستطاع ترومان بذلك الفوز بدورة ثانية في انتخابات عام 1948.

ومما سبق يتضح أن التاريخ الأمريكي مليء بأحداث شبيهة لرؤساء قاموا باستغلال أحداث دولية لزيادة نسبة الرضى الشعبي لهم، فأزمة صواريخ كوبا رفعت نسبة الرضى الشعبي للرئيس جون كينيدي من 61% إلى 74%، وحرب الخليج رفعت نسبة الرئيس جورج بوش الأب من 59% إلى 89%. فما يفعله ترامب اليوم هو نمط متناغم مع ما فعله أسلافه في الرئاسة الأمريكية، وذلك لهدف وحيد وواضح: البقاء في البيت الأبيض.

دولي

منذ 3 سنوات
موته أثر في أسعار الذهب.. كيف تفاعل العالم مع اغتيال سليماني في الساعات الأولى؟

المصادر

تحميل المزيد