بعد الهزيمة الكبرى للولايات المتحدة – حتى وان كانت متوقعة – في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، في الأيام القليلة الماضية، وفشلها في تمديد حظر الأسلحة المفروض من قبل الأمم المتحدة على إيران، والذي من المقرر أن ينتهى شهر أكتوبر (تشرين الأول) القادم، تصر إدارة ترامب على خوض معركة دبلوماسية أخرى، قد تكون الأخيرة، في إصرار قوي على هدم الاتفاق النووي الإيراني الذي وُقِّع عام 2015.

على مدى عامين، وتحديدًا منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف رسميًا بخطة العمل الشاملة المشتركة، وسياسة واشنطن المتمثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط على طهران مستمرة، بينما الاقتصاد الإيراني في حالة يرثى لها، إذ لجأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى ممارسة أقصى قدر من المقاومة، بجانب تخفيض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، ردًا على ما فعلته واشنطن. 

فشل مهين لأمريكا في محاولة تمديد حظر الأسلحة

في الأشهر القليلة الماضية أعلنت إدارة ترامب على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو عن خطة واشنطن لتمديد حظر الأسلحة على إيران؛ لأنها ببساطة لن تسمح لطهران ببيع أو شراء الأسلحة.

أكاذيب ترامب

ومنذ ذلك الحين تحاول الإدارة الأمريكية إقناع الدول الأخرى في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بموافقة الولايات المتحدة لتمديد حظر الأسلحة عن إيران، والذي كان مفروضًا من قبل الأمم المتحدة قبل الاتفاق النووي. لكن وجدت الولايات المتحدة نفسها وحيدة وسط معارضة جميع الأطراف الأخرى الموقعة على الصفقة النووية، وخرجت بهزيمة وتصويت واحد فقط من قبل جمهورية الدومينيكان.

وبدلًا عن الاعتراف بالفشل، ومحاولة السعي لإيجاد حلول دبلوماسية أخرى، سافر وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خلال الأيام القليلة الماضية إلى نيويورك، ليعلن أن إدارة ترامب ستفرض آلية سناباك، أو «آلية الزناد»، على إيران.

العودة السريعة للعقوبات.. ما هي «آلية الزناد»؟

بشكل مختصر فإنه وبموجب الاتفاق النووي، وبالأخص البند 36 و37 منه، إذا أبلغت أية دولة من «الدول المشاركة»، في الاتفاق النووي الإيراني، مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بانتهاكات كبيرة من جانب إيران للصفقة النووية، فإن العقوبات الأصلية التي كانت مفروضة من قبل عام 2015 على طهران ستعود تلقائيًا في غضون 30 يومًا، ما لم يتبن مجلس الأمن قرارًا آخر لتجنب عودة العقوبات.

لكن الولايات المتحدة لم تعد دولة مشاركة كما ينص بند آلية سناباك، فقد انسحبت الإدارة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة، في مايو (أيار) 2018، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينها أن بلاده لم تعد مشاركة في الصفقة النووية مع إيران.

تجادل إدارة ترامب الآن بأنها ما زالت عضوًا في مجلس الأمن الدولي إلى جانب استخدامها لتصريحات مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حول آلية سناباك، عندما صرحوا بأن البنود الخاصة بآلية سناباك، سيكون ردًا على أي انتهاك إيراني للاتفاق النووي، ولن تنتظر الإدارة الأمريكية إجماع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق، بل ستلجأ لهذه الآلية من أجل عودة العقوبات كاملة على طهران.

 

لكن وفقًا لتصريحات الإدارة الأمريكية السابقة، ووفقًا لنص بنود الاتفاق النووي المتعلقة باستخدام آلية سناباك، فإنها مجرد أداة لعقاب إيران في حال توقفها عن الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، كما أن إدارة أوباما كانت تتحدث عن هذا الأمر، ولم تكن تعلم أن الإدارة الحالية ستنسحب من الصفقة بأكملها.

يقول محمد رضا تخشيد، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران، معلقًا على القرار الأخير للإدارة الأمريكية لـ«ساسة بوست»: «هذا انحراف قانوني، لكن ناهيك عن هذا الانحراف، فإن قرار إدارة ترامب قرار أحمق، ويخلق ضررًا كبيرًا بالمصداقية الأمريكية، كما أنه يثبت فشل سياسة أقصى ضغط على طهران».

«الأوروبيون يدعمون آيات الله»

في الوقت الذي أعلنت فيه سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت أن «أن عملية تفعيل آلية سناباك لإعادة جميع العقوبات المتعلقة ببرنامج الأمم المتحدة المرتبطة بالاتفاق النووي، قد انطلقت رسميًا». أعلنت كلٌّ من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا (وهم من الأطراف الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015)، في بيان لهما موجه إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، أنه «لم تعد ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا تعترف بالولايات المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231، وبالتالي لم يعد إعلان الولايات المتحدة لتفعيل آلية سناباك فعالًا».

منطقة الشرق

منذ 3 سنوات
«القرار رقم 2231».. مناورة أمريكا الجديدة لإحكام الخناق على إيران

وأوضحت الدول الثلاث أنه بالنظر إلى انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية، فإن الإجراء الامريكي لتفعيل الآلية ليس له أي أثر قانوني، وأن الإدارة الأمريكية لا يمكنها تفعيل آلية الزناد. كذلك أرسلت كلٌّ من الصين وروسيا – وهما طرفان في الصفقة النووية الإيرانية – رسائل منفصلة إلى مجلس الأمن الدولي، واصفين الخطوة الأمريكية بأنها غير شرعية.

موقف حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين أثار حفيظة وزير الخارجية مايك بومبيو، فصرح قائلًا: «لم يكن لدى أية دولة غير الولايات المتحدة الشجاعة للإيمان بالقرار، وبدلًا عن ذلك قرروا الوقوف إلى جانب آيات الله».

يرى الأوروبيون والأطراف المتبقية في خطة العمل الشاملة أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الشرعية للجوء إلى سناباك، وأن التحرك الأمريكي الأخير ما هو إلا محاولة أخيرة لتخريب الاتفاقية النووية بعد انسحاب إدارة ترامب منذ ما يزيد عن عامين.

يقول تخشيد لـ«ساسة بوست»: «تحاول الإدارة الأمريكية تعويض فشلها في تمديد حظر الأسلحة على إيران، وتسارع من أجل تفعيل آلية سناباك قبل شهر أكتوبر، لكي لا تتمكن طهران من شراء الأسلحة، بينما يحاول الأوروبيون تعطيل الأمور حتى الانتخابات الأمريكية على أمل أن تأتي إدارة أمريكية جديدة».

الدول الأوروبية بين مطرقة أمريكا وسندان تخريب الاتفاق

ستحاول الولايات المتحدة في الأيام المقبلة، استخدام كافة طرق الضغط السياسي، لإجبار الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، الموافقة على عودة العقوبات الدولية على طهران، بالرغم من معارضة الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاقية، والتي تحاول منذ أكثر من عامين، إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة من التخريب الأمريكي، لكن أيضًا ستضع الخطوة الأمريكية الحلفاء الأوروبيين في موقف صعب.

يقول أستاذ العلوم السياسية، مهدي إسماعيلي لـ«ساسة بوست»: «بعد أن فشلت الدول الأوروبية في إعادة الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الاتفاق النووي، أو على الأقل، عقد مفاوضات ثنائية بين واشنطن وطهران لحل الخلافات، كانت تأمل في أن تأتي الانتخابات الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم بإدارة جديدة، خاصة بعد أعلن جو بايدن – المرشح الرئاسي الديمقراطي – أنه سيعود إلى الاتفاق النووي مرة أخرى».

يرى إسماعيلي أن الخطوة الأمريكية ستضع الأوروبيين في موقف صعب، إذا نجحت المساعى الأمريكية في تفعيل آلية سناباك، سيكون من الصعب على الأوروبيين تجاهل الأمر، فيقول لـ«ساسة بوست»: «لا يمكن للدول الأوروبية تجاهل قرارات مجلس الأمن، وسيكون أمامهم خيار واحد فقط، ألا وهو تفعيل العقوبات ضد طهران، وهذا ما لا تريده الأطراف الأوروبية».

فوضى وإضعاف لمكانة الولايات المتحدة.. عواقب تفعيل «آلية سناباك»

أكد عدد من أعضاء الأمم المتحدة إلى جانب دبلوماسيين من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، منذ سفر بومبيو إلى نيويورك، على أن الخطوة الأمريكية لتفعيل آلية سناباك ستزيد من الفوضى داخل الأمم المتحدة، وتعمق الانقسامات في مجلس الأمن الدولي.

يقول أحد الخبراء الأمنيين في الولايات المتحدة معترضًا على القرار الأمريكي، «إنهم يدفعون حلفاءنا لتحقيق التوازن ضدنا، جنبًا إلى جنب مع خصومنا، لا أتخيل لماذا تخسر عمدًا معركة مثل هذه في الأمم المتحدة».

والأمر الأكثر دهشة أنه حتى جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وعراب الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية مع إيران، علق على تفعيل إدارة ترامب لآلية سناباك قائلًا: «إنه لا يجوز من الناحية القانونية طالما انسحبت واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة».

يرى الكثير من حلفاء الولايات المتحدة أن الخطوات الأمريكية المتهورة الأخيرة بشأن الاتفاق النووي، والتي بدأت بالانسحاب من الصفقة، مرورًا بفشل تمديد حظر الأسلحة على إيران، وصولًا إلى طلب تفعيل آلية سناباك؛ ستكون النتيجة النهائية لها هو إضعاف مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة.

لكن ليست تلك هي النتيجة السيئة الوحيدة؛ إذ من المحتمل أن يتحد حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين مع إيران لإنقاذ الاتفاق النووي؛ مما سيزيد من عزلة الولايات المتحدة، خاصة بعد الإخفاقات المتتالية للسياسة الخارجية لواشنطن تحت إدارة دونالد ترامب.

كما ستجعل الخطوة الأمريكية الأخيرة من الولايات المتحدة شريكًا غير موثوق به في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ويعلق مهدي تخشيد، أستاذ العلاقات الدولية، لـ«ساسة بوست» على الأمر بالقول: «أرى أن جميع الخطوات الأمريكية تجاه الصفقة النووية مع إيران، خطوات تتسم بالغباء، وبتصدير إيران على أنها العدو الأكبر، إلى جانب أنها ستزيد من صعوبة إبرام أية صفقة جديدة مع إيران، لن توافق طهران على تضمين بند مماثل لبند آلية سناباك، في أي تفاوض جديد مع الولايات المتحدة».

والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس على دراية كاملة ببند آلية سناباك التي تسعى إدارته لتفعيلها، وهذا يبدو جليًا في حديثه للصحافيين بالبيت الأبيض، عندما وصف آلية سناباك بأنها ليست نادرة، طالبًا من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، تفعيل كافة العقوبات الدولية التي تم رفعها عن طهران بدخول الصفقة النووية حيز التنفيذ عام 2016.

أما ما لا يعرفه ترامب أن آلية سناباك نادرة وغير مألوفة بالفعل؛ لأنه جرى تصميمها فقط ضمن بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، بوصفها أداة عقابية لضمان عدم انتهاك إيران للاتفاق النووي.

الانسحاب التلقائي Vs آلية سناباك

بالتزامن مع تصريحات الرئيس دونالد ترامب بأن بلاده ستلجأ إلى تفعيل آلية سناباك، ضد إيران، صاغ مجموعة من النواب من المعسكر الأصولي داخل البرلمان الإيراني، قانون يلزم حكومة الرئيس حسن روحاني بالانسحاب من الاتفاق النووي، إذا نجحت الولايات المتحدة في تفعيل آلية الزناد ضد إيران في الأيام المقبلة.

دولي

منذ 3 سنوات
«نيويورك تايمز»: لماذا قد لا تنجح استراتيجية ترامب مع إيران؟

ينص مشروع القانون، الذي يطلق عليه اسم «الانسحاب التلقائي»، على انسحاب إيران من خطة العمل الشاملة المشتركة في غضون 72 ساعة بعد إعادة فرض قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، الخاصة بالعقوبات ضد طهران.

يقول النائب البرلماني الأصولي، مجتبى ذو النور، لـ«ساسة بوست»: «أردنا الخروج من الاتفاق النووي من لحظة انسحاب أمريكا، لكن إدارة روحاني قالت لنا إنه يجب علينا أن ننتظر، وها نحن ذا انتظرنا وأصبح الاتفاق النووي عديم الجدوى».

ويرى ذو النور أن آلية سناباك ستكون المسمار الأخير في نعش الاتفاق النووي، قائلًا: «الخطأ بالكامل يقع على عاتق إدارة روحاني، التي لم تتمكن من معالجة مثل هذه البنود المعيبة في الاتفاقية قبل التوقيع عليها، والآن نحن نواجه اتفاقية سيئة، لم يتحقق لها الوجود منذ بدايتها».

المصادر

تحميل المزيد