قبل بداية العام الجديد وإعداد لقاء للترحيب بالطلاب الجدد في جامعة لوس أنجلوس للأفلام، يوجه مسؤولو شؤون الطلاب سؤالًا إلى مسؤولي قسم إنتاج الألعاب، عن الفرق بين اللعبة واللعب «Game and Play»، وذلك لإعطاء الطلاب الجدد إجابات فلسفية حول تلك المفاهيم، وكانت الردود تدور حول أن اللعب نشاط للمتعة والترفيه، ولكن ما إن وُضعت له قواعد وإجراءات وصراع وحدود وإمكانات وأهداف محددة تحولت إلى «لعبة/ Game».

يجيب ديفيد موليتش – مُصمم ومنتج ألعاب- عن سؤال على موقع كورا عن الفرق بين اللعبة واللعب، وقال: إنني أصف اللعبة من وجهة نظري على أنها يجب أن تحتوي على العناصر التالية: اللاعبين، الأهداف، الإجراءات، القواعد، الصراع، الموارد، الحدود، والنتائج، ومع ذلك، هناك ألعاب بسيطة جدًّا، يمكن أن تكون الموارد بها غير موجودة، والصراع يمكن أن يكون تافهًا. ففي نهاية المطاف، قرر ديفيد أن يكون جوهر ألعابه هو نشاط تلك اللعبة مع القواعد والأهداف، ويجب أن تكون بسيطة وممتعة.
استوعبت شركات إنتاج الألعاب الفروقات بين اللعب بدون هدف، واللعبة التي بمهام محددة، فجعلت في عدة ألعاب حرية الاختيار بين أن تقوم بمهام معينة، أو أن تتحرك داخل إطار اللعبة بدون هدف، ولذلك قامت بإنتاج ألعاب مثل سلسلة GTA، ولعبة سباق السيارة Need for Speed، وغيرها من الألعاب التي تتيح حرية التجول داخلها دون مهام محددة.

لماذا نلعب؟ سوبر ماريو أكثر عدلًا من الحياة

في الحلقة الثالثة من البرنامج الإذاعي «A Life Well Wasted» المهتم بالألعاب والأشخاص المهتمين بالألعاب، يسأل عن اللعبة، لماذا اللعبة؟ يسأل عن الوقت الذي تقضيه في اللعب، ويسأل بعض الناس في الشوارع عن سبب قضاء أوقاتهم واستهلاك عقولهم في اللعب. وكانت الإجابات تتراوح بين الاستمتاع، أو الهروب من ضغوط الحياة، أو بهدف الربح بحيث يصل اللاعب إلى عدد نقاط معين يمكن من خلاله بيع حسابه على اللعبة، لكن تظل الإجابة هي صورة خلفية هذه الحلقة (صندوق نغلق به علامة تعجب).

https://www.youtube.com/watch?v=aQSdwIFTvpg

في الحلقة الثالثة من البرنامج الإذاعي «A Life Well Wasted»

سلوكيات البشر من أعقد ما يمكن، والإجابة عن سؤال اللعب لا يمكن أن تكون إجابة شخصية فقط؛ بل إجابة تحمل وجهًا من أوجه المجتمع الذي نعيش فيه، والمتغيرات التي تطرأ عليه.

كتبت  أندريو هيثكوك مقالًا عن أسباب إدمان البشر للألعاب، والانسحاب من الحياة الاجتماعية، ويتحدث هيثكوك عن فكرة المجتمع البدائي الذي له احتياجات أساسية محددة، ويخطط فقط لبقائه وقدرته على التكيف مع صعوبات الحياة، ولكن الآن نحن نعيش في مجتمع معقد ودوائر اجتماعية مُشتتة لا تسمح للأفراد بالتعبير عن احتياجاتهم؛ لأن أيضًا الاحتياج أصبح من الصعب تحديده، ولكن تتضاعف المشكلات ولا توجد أدوار اجتماعية محددة تقوم بحل المشكلات.
لكن واضح أن ألعاب الفيديو تُلبي الاحتياجات البشرية، أو على الأقل تُلقي نظرة عليها وتُسكنها لفترة من الوقت، فالتحكم هو السمة الأساسية في الألعاب فمن خلال الشاشة يمكنك التحكم في مصيرك الافتراضي ومصير الأشياء من حولك، يمكنك السيطرة على العوالم الثابتة والشخصيات، ويمكنك صنع نهاية.

توفر ألعاب الفيديو عوالم واضحة ومميزة وسردية متماسكة، ويمكنك التعرف إلى خبايا تلك العوالم فقط عن طريق التقدم في اللعبة، وأصبحت الألعاب تسمح لك أيضًا بأن يكون لك منطقك الخاص داخلها، ولا تُشكل لك عائقًا، سوبر ماريو مثلًا تمثل ببساطة عالمًا به عدة أهوال، ولكن هدفك وغايتك واضحة وستنالها بمجهود قليل، وتحصل على الفتاة التي يمكن ألا تنالها في واقعك الحقيقي، تقول هيثكوك إن حياة اللعبة أصبحت أكثر عدلًا من الحياة الحقيقية.

اقرأ ايضًا: الحب السائل: كيف نعيش دون أن ندري في عصر الخوف من الحب؟

ما بعد دولة «Nintend» الحديثة

تم الكشف عن أول آلة للعب في عام 1940 من قَبل دكتور إدوارد كوندون، منذ ثلاثين عامًا تقريبًا اقتحمت ألعاب الفيديو أوقات فراغ الناس، وكان الجيل الأول من الألعاب مجرد أشكال هندسية ذات أبعاد ثنائية، يمكن بسهولة تعلُمها والتحكم بها.
في عام 1983 بدأت شركة Nintend بتطوير الألعاب عن طريق معالجة التصميمات برسومات أكثر أحترافية، ولها أبعاد هندسية تتجاوز الأبعاد الثنائية، و تطور الأمر بين عامي 1983 وعام 1995 إلى أن وصل رصيد ألعاب شركة نينتيندو إلى بليون لعبة، تطورت الألعاب بسرعة فائقة، وأصبح لا يمكن التنبؤ بإمكاناتها، بعدما كانت تسع فردًا أو فردين فقط، أصبح يمكن أن يُشارك ثمانية أفراد في لعبة واحدة، والتصميمات التي كانت تستهدف خلق واقع افتراضي قريب من الحقيقة أصبحت الآن تتخطى الواقع، وترسم ملامح للمستقبل.

ارتبطت التغيرات في فلسفة تصميم الألعاب بالمناخ الاقتصادي، وكانت اللحظة الفارقة في تاريخ عالم الألعاب حينما تم ربطها بالإنترنت، وأصبح هناك إمكانية خلق مجتمع يحوي العديد من الثقافات من مختلف الدول من خلال اللعبة.

في عام 2009 كتبت دكتور آردي دينيز ورقة بحثية بعنوان «التحولات الحداثية في ألعاب الفيديو»، يتحدث فيها عن ربط عالم ألعاب الفيديو بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرأ على المجتمع، ويقول: منذ عام 1980 التقى العالم بظاهرة جديدة تُدعى «ألعاب الفيديو»، وأصبحت مجالًا واسعًا للاستثمار، ووعدت بحياة مختلفة بعيدة عن الشوارع والأماكن العامة والنوادي الرياضية، ومن هذا المنطلق فإنها وعدتنا بحياة اصطناعية أفضل، وقد ناشدت الفرد الحديث الذي تم بناؤه بفعل اصطناعي بتغيير شعار«إضاءة الشوارع» إلى «إضاءة الشاشات».

بطل من ورق

عام 2008 قام رين كينيري البالغ من العمر 19 عامًا باغتصاب وقتل ثلاث فتيات، وهن عائدات إلى منازلهن ليلًا، وبعد التحقيقات مع كينيري اتضح أنه من مدمني لعبة «GTA»، وقال إن الفكرة جاءته من اللعبة لأنها تحتوي على إمكانية دخول حانات، وجعل أي امرأة ترقص لك ثم من الممكن أن تقتلها.

اتهمت الصحف الأمريكية اللعبة بأنها سبب أعمال العنف تلك، وأنها تساعد على الخلط بين العنف الذي يصدر من اللعبة، وبين الواقع.

دائمًا ما نسعى لوجود واقع يخفف عنا عبء الحقيقة التي نعيشها، لا يهم إذا كان مزيفًا أو كان بلا جدوى طالما نرى أنفسنا فيه بشكل مختلف عن حقيقتنا التي نعيشها، يمكن أن يكون هذا الواقع هو لعبة أو فيلم أو حسابات بعدد متابعين مهول على مواقع التواصل الاجتماعي.
في عام 2012، قام شاب يرتدي قناع غاز وشعره برتقالي يُدعى «جيمس هولمز» بإطلاق الرصاص داخل قاعة سينما أثناء مشاهدة آخر أفلام سلسلة فارس الظلام «Dark Knight rises»، وقتل 12 شخصًا من بينهم طفلة بالغة من العمر 8 سنوات، وأثناء التحقيقات قال إنه الجوكر الحقيقي، كتب فرانكو بيراردي عن تلك الحادثة في الفصل الأول من كتاب «Heroes».

كتب سون ساسكيند مقالًا عام 2008 عن سياسات بوش، يشير إلى ما قاله كارل روف عن أنه يجب دراسة الوقائع الملموسة عن طريق دراسة القانون، يقول روف عن ذلك: «هذه الطريقة التي يعمل بها الواقع الآن، فنحن الآن إمبراطورية، وعندما نتصرف فإننا نخلق واقعنا الخاص، بينما أنتم تدرسون الواقع بأدوات القانون، نكون قد أخذنا خطوة إلى الأمام لخلق واقع جديد ستقومون بدراسته أيضًا، نحن صناع تاريخ وسنترك لكم فقط دراسة ما نقوم به».

الواقع الافتراضي الذي يتحدث عنه روف لم يكن له أصل ولا جذور في الواقع الحقيقي، وأصبح أكثر واقعية من واقعنا، يقول بيراردي في كتاب «Heroes»: هناك أُناس كثر مثل هولمز، ولكنهم وحيدون يعيشون في عزلة، ويعملون في وظائف رديئة ويعيشون في بيت رديء، ويأكلون أكلًا رديئًا، ولكن على الإنترنت هم ملوك العالم، يتعاطون الألعاب والجنس والنشوة الرخيصة. ألم يكن لك مركز في الحياة الحقيقية؟ خذ لك مركزًا في لعبة، عديم الفائدة في الحياة الحقيقية؟ اصنع من نفسك زعيمًا على طائفة في لعبة، وقم بإدارة من معك، هكذا تقوم فلسفة دولة الأتاري الحديثة.

اقرأ أيضًا : انتبه: هؤلاء ليسوا أشخاصًا حقيقيين!

 

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد