مر فوج من الفتية يتوسطهم حمار، وفي فناء مدرسة الثانوية التأهيلية الجديدة بمدينة برشيد المغربية توقفوا مبتهجين بما فعلوا، بينما لاحقتهم نظرات غضب من المدرسين والإداريين، ونظرات أخرى من الاستغراب أو البهجة من قبل التلاميذ.

وفيما انشغلت المدرسة في إلقاء اللوم على حارس الأمن الخاص الذي سمح غيابه بمرور الحمار داخل الحرم المدرسي، تناقل الإعلام المغربي أن السبب وراء اصطحاب أحد التلاميذ لحمار هو احتجاجه على شتمه من قبل مدرسه الذي قال له «جيب لي الحمار تاع بوك»، فقام مع بعض التلاميذ بإدخال الحمار إلى المؤسسة التعليمية.

ورغم نفي وزارة التربية الوطنية أن ذلك كان رد فعل على ما صدر من أستاذ، بقي الشارع المغربي مصدومًا مما يحدث في المدارس من غرائب وعنف يؤكدان على تنامي السلوكيات العدوانية داخل الوسط المدرسي، إذ يشهد المغرب موجة متصاعدة من العنف المدرسي، سواء بحالات اعتداء التلاميذ على الأساتذة داخل المؤسسات التعليمية، أو اعتداء المدرسين على التلاميذ والتي تؤدي في الحالتين إلى اعتقال المعنف وتحويله إلى التحقيق القضائي، فيما يخوض الكادر التعليمي سلسلة احتجاجات ليست على العنف فقط بل على المنظومة التعلمية الكاملة التي تسببت في هذا العنف.

العنف المدرسي يتفاقم في المغرب

في التاسع عشر من مايو (أيار) الجاري، خرج من أحد المدارس المغربية فيديو صادم، يظهر فيه مدرس لمادة الرياضيات يضرب تلميذة في المستوى الثالث الإعدادي بشكل عنيف، كما كان يصرخ بألفاظ بذيئة بحقها.

هذا الفيديو الذي خرج من مدرسة تقع في مدينة خريبكة (وسط المغرب)، أعاد النقاش الحاد حول العنف في المدراس المغربية، كما شغلت تبعاته الشارع المغربي، إذ اعتقل المدرس في السجن المحلي للمدينة، ووجهت له تهمة «الضرب والجرح والقذف»، وشكلت لجنة لتقصي الحقيقة، حيث لم ينكر المدرس ما نسب إليه مبررًا تصرفه بقذف الطباشير عليه من قبل التلميذة.

 فيما قالت التلميذة أن  «أحد التلاميذ رمى قطعة من الطباشير على الأستاذ، بينما كان يكتب في السبورة، لأتفاجأ به يتوجه نحوي بغضب قبل أن يشرع في ضربي بطريقة وحشية، معتقدًا أنني الفاعلة»، ويظهر تسجيل مصور لاستطلاع آراء زملاء الفتاة، ما يشبه الإجماع أن الفتاة مشاغبة واعتادت أن تستفز المدرس.

أما الأكثر غرابة، فهو انطلاق حملة تضامن مع المدرس من قبل العاملين بقطاع التعليم، فهؤلاء الذين اعتبروا أن بنية النظام التعليمي هي المسؤولة عن انتشار العنف داخل المؤسسات التعليمية، رفضوا ما تعرض له زميلهم، بل و«هددوا بتنظيم قافلة تضامنية إلى خريبكة وتوقيف الدراسة ومقاطعة حراسة الامتحانات في حالة عدم إطلاق سراحه».

أما في يتعلق بالعنف ضد المدرسين من قبل التلاميذ، فلن ينسى الشارع المغربي الحادثة الأكثر بروزًا والتي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مدرسة ثانوية بمدينة ورزازات الواقعة جنوب شرق المغرب، إذ أظهر مقطع فيديو تلميذ في السابع عشر من العمر ينهال على مدرسه بالضرب المبرح، وكان المدرس يتلقى لكمات متكررة مع شتمه ثم قام التلميذ بسحل المدرس أمام باقي التلاميذ، وبرر التلاميذ تصرف زميلهم الذي اعتقل بكون المدرس سيء الأخلاق ويستفز التلاميذ بكلام جارح.

أرقام حول العنف في المدراس المغربية

سجل في العام الدراسي 2017 – 2018 في مدارس المغرب 7 ملايين و870 ألف تلميذ وتلميذة، يواصل هؤلاء مسيرتهم التعليمية وسط ظاهرة العنف داخل محيط المدرسة وخارجه، حيث ينقسم العنف المدرسي إلى ثلاث فئات تتعلق بالعمر والمستوى الدراسي، فيغلب في المرحلة الابتدائية توجيه العنف من المدرسين نحو التلاميذ، أما في المرحلة الإعداديّة، فيزداد العنف الموجّه من الطلبة للمدرسين، وفي المرحلة الثانوية، فهناك عنف موجود بين التلاميذ حيال الأساتذة وزملائهم، كما ينتشر العنف بالمدارس الحكومية، ويمتد إلى المدارس الخاصة أيضًا.

وتقع 67% من السلوكيات المنحرفة المسجلة بين التلاميذ أنفسهم، كما تظهر إحصائيات وزارة التربية الوطنية المغربية، وكذلك تقع نسبة 66% من حالات العنف المدرسي داخل المؤسسات التعليمية، ويتضاعف العنف في مدارس المدينة ثلاث مرات عن العنف في مدارس الريف، وتسجل أغلب الحالات التي تصل مديرية التعليم بالمغرب اعتداء جسديًّا أو جنسيًّا، أمّا اللفظي والنفسي فنادرًا ما يتم التبليغ عنه.

وقد يتطور العنف اللفظي إلى عنف جسدي، وفي حالات قليلة إلى عنف جنسي أيضًا بين التلاميذ أنفسهم أو تحرش الأساتذة أو الطاقم الإداري بهم، وتظهر إحصائيات «المرصد الوطني» التابع لوزارة التربية والتكوين المهني المغربية والصادرة في العام 2015 أن نسبة العنف الجنسي فقد بلغت نسبته داخل المدرسة 16.24%، والعنف اللفظي 16.91%، في حين بلغت نسبة تخريب الممتلكات المدرسية ما نسبته 16.43%.

جملة من الأسباب تقف وراء العنف المدرسي

لا يمكن فصل العنف في المدرسة المغربية عن ظاهرة العنف في المجتمع المغربي ككل، فالمدرسة باعتبارها مؤسسة ليست بمعزل عن المجتمع الذي شهد الكثير من تحولات وتغييرات اجتماعية وثقافية وقيمية، فحسب البعض تتحمل الأسرة المغربية مسئولية الفشل وانعكاساته في النهوض بمهمّة تربية أبنائها بسبب افتقارها إلى المرجعية التربوية، وبسبب انقطاع حبل الطاعة والاحترام بين الأبناء والآباء، وذلك بسبب الفقر والتهميش واللامبالاة الأسرية.

احتجاج ضد ما يتعرض له المدرسين في المغرب (المصدر :شبكات التواصل الاجتماعي)

وكذلك يرى البعض أن المجتمع المغربي يتحمل أيضًا مسئولية انتقال العنف إلى المدرسة، إذ إن هذا المجتمع لا يخلو من خطابات التمييز والعنف مما يحدث انعدام ثقة بين أفراده، وهو ما يدفعهم إلى استخدام العنف باعتباره وسيلة لردء الخطر، الأمر الذي تثبته المشاهدات اليومية المتعلقة بالعنف الأسرى أو شغب الملاعب، فالأبناء لا يخشون الوالدين أو المدرسين أو حتى من يطبق القانون في المغرب.

كما يلعب الإعلام برأي البعض دوره في التحفيز على التهور والإدمان، وتشجع مواده على تقليص دائرة الانضباط للأخلاق وللقيم في نفوس النشء، ورسخت القنوات التلفزيونية بالمغرب نموذجًا للنجاح الاجتماعي، ينحصر في أن يكون الشخص فنّانًا أو رياضيًا أو مجرمًا، فهي تبث برامج تتعلق بالمواهب في الفنّ والرياضة، وبرامج حول طرُق تنفيذ الجريمة.

أما الأسباب الخاصة بالمدرسة والتي تقف وراء ارتفاع العنف داخل سور المدرسة فهي عديدة، إذ يعود العنف إلى تدني المستوى القيمي داخل المنظومة التربوية، وإفراغ الكتب المدرسية والمناهج من كل المضامين الثمينة كما يؤكد التربويون المغاربة، كما أدت خصخصة التعليم في المغرب لجعل المدارس الحكومية مكتظّة بالتلاميذ مقابل افتقارها للموارد البشرية، وكذلك ينعكس تخوف التلاميذ من المستقبل، وعدم توافر فرص عمل لهم على ضعف اهتمامهم بالتعليم.

أما فيما يتعلق بالعنف من قبل المدرسين، فيرجعه المختصون إلى عدم إلمام المدرس بالجانب النفسي والسيكولوجي للتلميذ، فيعتمد على العنف لضبط قسمه، وفرض التهذيب والتوجيه، كما يعود الوضع المتردي في العديد من المؤسسات التربوية إلى السياسات الحكومة المغربية، والتي أدت إلى ترسيخ صورة نمطية التصقت بالمعلم والمدرسة العمومية، وجعلت العلاقة بين المدرسة والتلميذ ترتد إلى علاقة استفزاز وتوتر، ولم يعد المدرس قادرًا على تقويم سلوكيات التلميذ داخل الفصل الدراسي.

وفي المحصلة تسبب تخلي المدرسة عن دورها في التربية واقتصار دور المدرس على التلقين والتلقي، والاهتمام بالمعدلات في تفاقم ظاهرة العنف، لأن الجهات التربوية غضت الطرف عن جزء كبير من دورها في التربية وترسيخ القيم.

هل يمكن التخلص من العنف المدرسي في المغرب؟

بالرغم من وجود عشرات الدراسات العلمية والأطروحات التي بحثت في أسباب وآليات علاج العنف المدرسي بالمغرب، إلا أن هذا الإنتاج العملي بقي حبيس الأدراج والرفوف، إذ لم يلق صانع القرار  المغربي اهتمامًا بما أنتج علميًا.

مدرسة مغربية

ومع تشاؤم المعنيين بالأمور التربوية في المغرب من إمكانية القضاء على العنف في الفضاء المدرسي، إلا أنهم يرون أن العمل على تقليله هو أمر ملح للغاية في ظل غياب استراتيجية واضحة للحدّ منه، ويطالب التربويين المغاربة بإعادة الاعتبار للمدرّس قبل كل شيء، باعتباره الدعامة الأساسية لكل ما يرتبط بالمنظومة التربوية، كذلك يدعون لعدم توظيف المدرّسين بدون تكوين متين يحقق الهدف من العملية التربوية برمتها، حيث انخرطت وزارة التربية الوطنية بالتعاقد مع مدرسين غير مُدربين بشكل جيد.

كما أن هناك حاجة ماسّة -بحسب هؤلاء- إلى توظيف مساعدين نفسيين واجتماعيين في المؤسسات التعليمية المغربية من أجل مواكبة التلاميذ ومساعدتهم على تخطي أسباب العنف، وكذلك يدعو التربويون المغاربة إلى معالجة التلاميذ الذين لهم سوابق في العنف ثم إعادة إدماجهم في الفضاء المدرسي، واعتماد طرق وقائية تحول بين عودتهم إلى العنف داخل وخارج المؤسسة التعليمية.

المصادر

تحميل المزيد