عرفت الفطرة البشرية طقس العبادة منذ الأزل، وفي العصور القديمة كانت العبادات وثنية، وكل حضارة، وأحيانًا كل قبيلة كان لها إله خاص يُرضي احتياجاتهم القائمة ويضمن لهم -من وجهة نظرهم- استمرار النعم التي توفرها لهم الطبيعة، الجميع كان في حاجة إلى الإله، وحتى القتلة قساة القلوب من البشر كانوا في حاجة لإله يعبدونه، ومن هُنا ظهرت الآلهه العنيفة وآلهة الحرب والقتل.
«الإنسان خُلق للشقاء».. كيف فسّرت الشعوب المختلفة قصة خلق الكون؟
1- ويتزيلوبوتشتلي.. الخالد على العلم المكسيكي
على علم المكسيك، وفي منتصف خلفية الألوان البيضاء والخضراء، والحمراء المميزة له؛ نرى نسرًا يقف شامخًا فاردًا جناحيه، وبين منقاره ثعبان يبدو وكأنه سيطر عليه تمامًا وتمكن من التحكم فيه. ولتلك الصورة الموجودة على العلم المكسيكي أسطورة تعود إلى حضارة الأزتك عن إله يُدعى ويتزيلوبوتشتلي.
علم المكسيك
حينما كان ينمو في رحم والدته؛ كانت شقيقته و400 من أشقائه الذكور، والذين كانوا جميعًا نجومًا تسكن السماء؛ يتآمرون على قتل أخيهم ويتزيلوبوتشتلي فور ولادته؛ لإدراكهم أنه سيكون الإله القادم للأزتك، ولكن الإله المُنتظر كان على دراية بتلك المؤامرة التي تحاك ضده، ولذلك كان القرار الأول الذي اتخذه ويتزيلوبوتشتلي هو القتل، وليس القتل فقط بل القتل بأقسى وسائل العنف رغبة منه في الانتقام؛ وبالفعل قتل ويتزيلوبوتشتلي جميع أشقائه فور ولادته؛ ولقب بعدها بإله الحرب لدى حضارة الأزتك القديمة.
هذا الإله الذي بدأ حياته بالقتل والعنف والانتقام؛ كان لا بد أن يكون هذا نهجه، وكان يلجأ إليه شعب الأزتك في كل ما يخص القتل والحرب والدماء، وإذا أراد أحد أفراد الشعب التوفيق في حرب دامية؛ عليه أن يقدم القرابين البشرية لهذا الإله، وعليه أن يشق صدر الضحية حية، ويخرج قلبها الذي ما يزال ينبض بين يديه ويقدمها لتمثال هذا الإله والذي لطالما كان يرمز له إما بالنسر أو بالطائر الطنان وسلاحه الذي يحارب به هو ثعبان أزرق اللون.
وبعد تقديم التضحية البشرية، على صاحب القربان أن ينام هادئ البال لأن الإله ويتزيلوبوتشتلي يحارب بجواره ويضمن له النصر. وقد بُني أول معبد لهذا الإله في العام 1325 ميلاديًا على صخرة صغيرة في المكسيك؛ وهذا حينما شاهد أحد الكهنة نسرًا يقف على تلك الصخرة ويسيطر على ثعبان ويأكله؛ فآمن الكاهن أن هذا المشهد كان تجسيدًا لويتزيلوبوتشتلي، وبني المعبد في نفس النقطة التي كان يقف عندها النسر ويعرف هذا المعبد الآن باسم «مايور»، ومن وقتها أصبح مشهد النسر الذي يأكل ثعبانًا؛ مشهدًا راسخًا في أذهان شعب الأزتك أسلاف المكسيكيين، ولذلك وضعت المكسيك هذا الشعار على العلم الخاص بها.
عُرف عن هذا الإله استقباله لتضحيات بشرية من الأطفال، ولكنها لم تكن معلومات أكيد حتى عام 2018؛ حينما عثر الأثريون بالمكسيك على هيكل عظمي لطفل يرتدي الملابس المميزة للإله ويتزيلوبوتشتلي، وأوضح الطب الشرعي فيما بعد أن الطفل لم يمت ميتة طبيعية بل تم ذبحه، وبالنظر للملابس التي يرتديها؛ تأكد العلماء أن هذا الطفل كان قربانًا بشريًا قُدم لهذا الإله العنيف منذ ما يزيد عن 500 عام.
2- هويهويتيوتل.. الإله «السادي»
هويهويتيوتل سيحميك من الجوع. هويهويتيوتل سيحميك من الظلام. هويهويتيوتل سيرعاك؛ ولكنه -بالطبع-؛ يريد الثمن في المقابل، وحينما نتحدث عن هويهويتيوتل فنحن نتحدث عن إله لا يرضى بسهولة، فعليك أن تحضر التضحية البشرية، وتخدرها حتى لا تكون قادرة على الحركة، ولكن لا بد وأن يزال في وعيها الإدراك وفي قلبها النبض، والآن –وفقًا لتعاليم الإله- أشعل النيران التي ستلقي بالضحية فيها حيًة؛ حتى تتحمص، وإن لم يمت الضحية سريًعا أخرج قلبه بسكين ومزقه، أو اربطه بالحبال واسحله في الأرض حتى يفنى تمامًا؛ هذا إن أردت أن تُرضي هويهويتيوتل.
إحدى تماثيل الإله السادي
عُرف إله الأزتك هويهويتيوتل بأنه واحد من أعنف الآلهة التي عبدها البشر، ولُقب بـ«إله الأزتك السادي»؛ إذ كان يُعبد في العصور القديمة، ولُقب أيضًا بـ«إله النار» ولذلك تضمنت جميع طقوسه إشعال النيران وحرق القرابين، وعلى الكاهن الذي يعمل على خدمة هذا الإله أن يحمي النار المقدسة المشتعلة أمام تمثاله؛ وتعتبر تلك هي أولوية الكاهن؛ فلا يجب أن تُطفأ نيران هويهويتيوتل المقدسة، واعتقد شعوب الأزتك أنه أقدم إله في ثقافتهم وأنه المسؤول عن خلق الأرض وما عليها.
3- تشاك.. «أغرقوا القربان حتى تسلموا من الجفاف»
في العصور القديمة، كانت شعوب حضارة المايا تعتمد على الزراعة؛ لاستمرار الحياة، وفي تلك الحالة كانت المياه المتمثلة في الأمطار هي أهم عنصر من عناصر تلك الحضارة، وكان حارس تلك المنحة هو تشاك إله المطر والضياء، وكان مزاج هذا الإله مرتبطًا بالبحيرات والأسماك، وقد يبدو حتى الآن إلهًا مسالمًا يمنح الحياة لتلك الحضارة، ولكن كل إله في العبادات الوثنية كانت له متطلبات في مقابل النعم التي يؤمن من يعبدونه أنه يمنحها لهم، وتشاك -المرتبط اسمه بالمياه- لا يطالب بإحراق القرابين البشرية مثل إله الأزتك هويهويتيوتل بل كان يطالب بإغراقهم أحياء في الماء.
تمثال الإله تشاك – مصدر الصورة «reservations»
قديمًا، أقيمت الاحتفالات تكريمًا لإله المطر في كل مدينة من مدن المايا، وكان لكل طبقة من طبقات المجتمع احتفالاتها الخاصة وفقًا لقدرتها على تقديم القرابين، البعض كان يقدم المراهقين من الإناث والذكور ليغرقونهم في المياه؛ بغرض طلب ضمانة الإله وحمايتهم من الجفاف والجوع، ومن كان يملك الكثير، عليه أن يتبع القرابين البشرية الغارقة بقرابين من الذهب والمقتنيات الثمينة.
4- مولوخ.. «اقتلوا الأطفال»
يخرجون من المنزل يحملون طفلهم بين أيديهم، الطفل يدرك مصيره جيدًا ولكن ليس لديه حيلة فيما يختاره والداه له من مصير، وحينما يصلون إلى هذا التمثال ذي القرنين والوجه -الذي يبدو وكأنه مزيج من الإنسان وكيان شيطاني ما-؛ يشعلون النيران؛ ويلقون بالطفل في هذه النار وهم ساجدون لهذا التمثال، طالبين رضاه، بعد أن تنتهي النيران من التهام جسد الطفل؛ تلفظ أنفاسها الأخيرة تاركة وراءها عظامًا هشة؛ فيقدم والدا الطفل يلفونها في قطعة قماش جلبوها لهذا الغرض، ويعودوا مسرعين إلى منزلهم؛ ويضعون رفات طفلهم على عتبة المنزل، ووقتها فقط يدركون أنهم قد قدموا فروض الولاء والطاعة لواحد من أعنف الآلهه التي عبدها البشر وهو الإله «مولوخ».
لوحة تجسد طقوس التضحية البشرية المقدمة للإله مولوخ. مصدر الصورة «medium»
كان الإله مولوخ معبودًا من قبل بعض الشعوب التي عاشت في الشرق الأوسط القديم مثل الفينيقيين والإسرائيليين والقرطاجيين، وذُكر هذا الإله في الإنجيل بكونه إلهًا متعطشًا للدماء وذا ونوازع شريرة ولا ترضيه إلا الطقوس الدموية والتي يضمن من خلالها الخير والرفاه للشعوب التي تعبده وكان الأطفال هم ضحاياه المفضلون.