إذا كنت تشعر بالملل والرتابة من روتين العمل، بين الحينِ والآخر، ويتقلَّص بمرور الوقت استمتاعك وشغفك بالعمل ما قد ينعكس سلبًا على إنتاجيتك، فقد يساعدك هذا التقرير في كسر الملل المصاحب للعمل وزيادة السعادة والإبداع، من خلال طرق متنوعة تتضمن أخذ استراحات مناسبة وممتعة، وتغييرًا لطريقة عقد الاجتماعات، ذلك الجزء من العمل الذي يعتبره البعض واحدًا من أهم مسببات الملل.

1- تغيير طريقة عقد الاجتماعات.. التنّزه مثلًا

تُعدّ اجتماعات العمل اليومية والدورية من أكثر الأشياء المملة في العمل ويعتبرها البعض مُضيعة للوقت، أو على الأقل تأخذ من وقت العمل الأساسي، ولذلك عليك أن تطلب من مديرك تحديد أجندة الاجتماع بدقة حتى لا تطيلا الحديث في جوانب عامة، كذلك يُفضل كتابة أهم نقاط الاجتماع حتى لا ينساها الموظفون لاحقًا إذا كان الاجتماع صوتيًا.

وتُعد إحدى الوسائل المساعدة لكسر الملل المُصاحب للاجتماعات الدورية الروتينية، هو بحث إمكانية إجرائها بطريقة مختلفة، من خلال إجرائها أثناء المشي أو التنزه في منطقة مفتوحة، فهذا لا يكسر الملل المصاحب للاجتماع فقط وإنما يؤدي للمزيد من الإبداع.

وقد عُرف كل من ستيف جوبز مؤسس شركة آبل، ومارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، بعقد بعض الاجتماعات أثناء المشي للوصول لبعض الأفكار الإبداعية، وهو أمر له أساس علمي؛ إذ أجرت جامعة ستانفورد الأمريكية دراسةً تعود لعام 2014، تقارن بين دور الجلوس في مقابل المشي في تحسين الإبداع.

وجرت الدارسة على 176 طالبًا تعرضوا لاختبارات قياس التفكير الإبداعي، وقياس مستوى الإبداع أثناء المشي في مقابل الجلوس، وكشفت الدراسة أن المخرج الإبداعي للمشي كان أفضل في المتوسط بنسبة 60% من الجلوس.

2- تعلُّمْ شيء جديد.. وسيلتك ضد الملل

يعد تعلم شيء جديد تحبه أحد أهم عوامل كسر الملل المصاحب للعمل، فدائمًا ما يُصاحب تعلم الجديد الذي تحبه شغفًا خاصًا يزداد مع إتقانك لمهارات جديدة، فالبعض قد يمل من الروتين اليومي الذي يرتكز على متلازمة: العمل، والراحة والترفيه، ثم العمل والراحة والترفيه، وهكذا، لذلك فإن تعلُّم شيء جديد ليس فقط قد يكسر ذلك الملل، وإنما أيضًا قد يطور أداءك في العمل ويسرِّع من وتيرته، ويجعلك أكثر مرونة في مواجهة التحديات الجديدة.

وفي هذا الصدد، يدرج الكاتب الأمريكي «ستيفن آر كوفي»، في كتابه الأشهر والأكثر مبيعًا «العادات السبع للناس الأكثر فاعلية»، ما سمّاه بـ« مصفوفة إدارة الوقت»، التي قسّمها لأربعة مربعات أساسية: المربع الأول للمهام المهمة والعاجلة، والمربع الثاني للمهام المهمة وغير عاجلة، والمربع الثالث للمهام العاجلة وغير المهمة، والمربع الرابع للمهام غير العاجلة وغير المهمة.

ودائمًا ما ينصبُّ كثير من الناس على التركيز على المربع الأول، الذي يتضمن العمل اليومي، ليشغل 90% من وقتهم، وتتبقى 10% من أوقاتهم يشغلونها في المربع الرابع للأنشطة الترفيهية، وإن بدت هذه الطريقة لتنظيم الوقت مألوفة، فإن لها آثارًا سلبية تتمثل في الضغط والإرهاق والملل، وأن يجد الشخص نفسه دائمًا أمام أزمات متجددة وملحة، قد تعطلك عن أداء المهام الجديدة.

ولذلك ينصح آر كوفي بتقليص الإنفاق على المربع الأول، بما يسمح بزيادة الاستثمار في المربع الثاني، الذي يهمله الكثيرون بالرغم من أهميته، ويميلون لتأجيل المهام الواردة فيه لأنها غير عاجلة، ولكن مع استمرار التأجيل؛ تتحول المهام غير العاجلة إلى أزمات ملحة، وينتج من التركيز على المربع الثاني تحقيق نوع من الانضباط والتوازن في الرؤية، وتقليص الأزمات العاجلة.

3- خذ قسطًا مناسبًا من الراحة

يؤدي العمل المتواصل إلى الإجهاد والملل ثم سوء الأداء؛ لذلك فلكسر ذلك الملل تحتاج لأخذ قسط مناسب وجيد من الراحة، للتخفيف عن نفسك وإعادة شحن بطاريتك النفسية والبدنية، تمهيدًا للعمل من جديد، ومثلما تحاول إتقان عملك، فحاول أيضًا أن تستمتع جيدًا بإجازتك وأوقات راحتك، وتبتعد تمامًا عن أي أمور متعلقة بالعمل وما قد يُصاحبها من انشغال ذهني وتوتر وقلق يعكر صفو راحتك واستمتاعك؛ فالراحة الجيدة قد تمهد لعمل جيد أيضًا.

لذلك يمكنك مثلًا متابعة بعض المقاطع والصور المضحكة في الأوقات البينية أثناء العمل، كذلك استغلال الإجازات الأسبوعية، بالتنزه، أو ممارسة هواية أو رياضة معينة، أو قطع الاتصال بالأجهزة التكنولوجية وقضاء بعض الوقت في الطبيعة، تلك الوسيلة التي تكسر الملل وقد تحسن مستوى إبداعك أيضًا في العمل!

إذ أكدت دراسة لجامعة كانساس الأمريكية، أجرتها الباحثة «روث آن»، أن قضاء الوقت في الأماكن الطبيعية لمدة أربعة أيام بعيدًا عن الأجهزة التكنولوجية يُحسن الإبداع بنسبة 50%، وجرت الدراسة التي تعود لعام 2012، على 56 رحالة، وتعرَّض 24 منهم لاختبارات إبداع من 10 درجات، قبل الذهاب في رحلة إلى «البرية» حيث الأماكن الطبيعية تستمر لأربعة أيام، فيما تعرّض البقية البالغ عددهم 32 للاختبارات نفسها في صباح اليوم الرابع للرحلة، وحصلت المجموعة الأولى على درجة متوسطة في اختبارات الإبداع، بلغت 4.14، فيما حصلت المجموعة الثانية على درجة متوسطة في اختبارات الإبداع، بلغت 6.08، وعلّقت آن على تلك الدراسة، وقالت: «عندما تقضي مدة معينة وأنت محاط بتلك البيئة الرائعة والهادئة، تبدأ في رؤية كل أنواع التأثيرات الإيجابية، في طريقة عمل عقلك».

4- التطوع ومساعدات بسيطة لزملائك

التعامل مع العمل اليومي الروتيني والتركيز فقط على أداء المهام من أجل إنهاء العمل ثم العودة إلى المنزل قد يصنع شيئًا من الملل، ويمكن لمساعدات صغيرة وبسيطة تقدمها لزملائك أن تصنع الفارق وتكسر الملل، وتشعرك بالسعادة فإسعاد الآخرين يسعدك أنت أيضًا؛ إذ تفيد دراسة بأن العاملين الأكثر سعادة يساعدون زملاءهم بنسبة 33% أكثر من زملائهم غير السعداء.

وترتبط مساعدة الآخرين بالجهد أو الوقت أو المال بالشعور بالسعادة عمومًا، إذ كشف بحث عن أن إنفاق المال على الآخرين يجعلنا أكثر سعادة من إنفاقه على أنفسنا، كذلك فإن أداء بعض الأعمال الصغيرة من العطف يزيد الرضا عن الحياة: كشكر من يقدم لك خدمة، أو السماح لمن خلفك بالدخول من الباب بعدك. وهذه اللفتات الصغيرة يوميًا تجعلك أكثر سعادة.

وبعد 40 دراسة جرت خلال العقدين الماضيين، وجد الباحثون أن أهم نشاط يُحسن من الصحة النفسية هو التطوع، وكشف الباحثون أن التطوع يُقلل من الاكتئاب والملل، ويزيد من معدلات الرضا، ويقلل من نسب الوفيات الناتجة عن أمراض جسدية كانت نتيجة الضغط الذهني.

وخلال دراسة أجريت عام 2008، قسّم الباحثون 46 شخصًا إلى مجموعتين، المجموعة الأولى ستأخذ مبلغًا من المال لإنفاقه على أنفسهم، والثانية ستأخذ المبلغ نفسه لإنفاقه على الآخرين، سواء بالتبرع الخيري، أو تقديم هدية لشخص آخر. واكتشف الباحثون أن أولئك الذين أنفقوا المال على آخرين لديهم مستويات أعلى من السعادة من أولئك الذين أنفقوا المال على أنفسهم، كما شعرت المجموعة الثانية بالسعادة عند أخذ المبلغ وبعد إنفاقه.

5- ضع قائمة أهداف واقعية وقابلة للقياس

يُعد واحدًا من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الملل وتقلص الشغف بالعمل، هو العمل بلا أهداف محددة، أو بأهداف غير واقعية، تؤدي إلى انتكاسة معنوية مع الفشل المستمر في تحقيقها، لذلك ينصح بوضع أهداف واقعية محددة وتجزئتها إلى قوائم عمل يومية تتضمن ما تستطيع عمله والوقت الذي يحتاجه، ومن الضروري أيضًا أن تكون تلك الأهداف قابلة للقياس، حتى تستطيع معرفة المسافة التي قطعتها في طريقك لتحقيق هدفك، لتمثل تلك حافزًا للاستمرار لتقديم الأفضل بدلًا من أن تجد نفسك وسط موجات من المهام المشتتة، دون أن تعرف بشكل محدد من أين بدأت وإلى أين ستصل.

ويدعم تلك النصيحة، بحث علمي لخصه الكاتب ديفيد ألن، الذي يعد واحدًا من أشهر الخبراء في الإنتاجية الشخصية والمؤسسية، في كتابه «إنجاز الأمور: فن الإنتاجية الخالية من الإجهاد»، وأفاد ألن في كتابه بأن استمرار وجود أفكار ومهام مشتتة «ليس مؤشرًا على أن العقل اللاواعي يسعى لإنجازها، ولا على أن العقل اللاواعي ينبه العقل الواعي بإنهاء المهام فورًا.

وبدلًا من ذلك فإن العقل اللاواعي يطلب من العقل الواعي أن يضع خطة بمحددات مثل الوقت والمكان والفرصة، وبمجرد وضع الخطة يتوقف العقل اللاواعي عن إزعاج العقل الواعي بتذكيرات المهام، ولذلك فإن وضع خطة بالأهداف يقلل التوتر ويساعد العقل الواعي واللاواعي في تحقيقها».

وفي هذا الصدد أيضًا، أفادت دراسة علمية لفرِد لوننبرج، الباحث بجامعة سام هاوستن ستات الأمريكية بأن وضع أهداف وتحديات يساعد على حشد الطاقة ويؤدي إلى جهد عال، وزيادة في العمل الدؤوب والمستمر.

المصادر

تحميل المزيد