منذ أن سُجل غناء الحيتان للمرة الأولى في السبعينيات على يد عالم الأحياء روجر باين؛ انتشر بين بعض البشر نظرية تقول أن تلك الموسيقى وتردداتها لديها القدرة على منح المُستمع الاسترخاء، خاصة قبل النوم مباشرة.

الجملة القائلة: «للكون موسيقى؛ يسمعها من ينصت جيدًا»؛ ليست جملة مجازية أو تعبيرية، بل حقيقة تبرهن على مدى توحُّد الحيوانات مع الطبيعة أكثر من البشر، فحاول أن تتذكَّر صباحًا ريفيًّا عشته من قبل حينما اندمج صوت رقص الأشجار على نسيم الهواء النقي؛ ستجد أنَّ العصافير تغرِّد في الصباح احتفالًا بالشروق.

بينما تعوي الذئاب أو الكلاب ليلًا مرحِّبةً بالظلام الغامض المحفوف بالمغامرة، وفي مواسم بعينها تسمع عواء القطط التي شعرت بحرارة الطقس؛ فزادت رغبتها بالتزاوج، حتى الحيتان في المحيط الفسيح تحتفي بالطبيعة وتمتزج معها في كيانٍ واحد، بل إن بعضها يحتفل بالربيع أيضًا.

الحيتان مقوَّسة الرأس تنافس باخ وبيتهوفن

ربما سمعت من قبل عن غناء الحيتان، أو قدرتها على التواصل مع بعضها البعض من خلال إصدار أصوات لا يدركها إلا الحيتان الأخرى فقط، ولكن قد لا تعرف أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك حينما يخص الأمر الحيتان مقوسة الرأس.

تعرف على شكلها من هنا:

على مدار ما يزيد عن أربع سنوات؛ كثّفت كيت ستافورد عالمة الأحياء البحرية بجامعة واشنطن؛ مجهودتها لدراسة طبيعة الأصوات الصادرة عن الحيتان بشكل عام، ومقوسة الرأس منها في المحيط الهادي بشكل خاص؛ وهذا عن طريق تطوير آلات ومعدات تكنولوجية لها القدرة على التقاط الترددات الصوتية الصادرة عن الحيتان.

من خلال الدراسة التي ترأستها كيت؛ أثبتت خلال الأيام القليلة الماضية؛ أن الحيتان لا تصدر تلك الأصوات عشوائيًا، بل إن تلك الأصوات هي موسيقى معقدة ومؤلفة مثلها مثل أي «نوتة» موسيقية كموسيقى الجاز أو سمفونيات باخ وبيتهوفن، ويمكنك سماع التسجيلات الأصلية للحيتان من خلال الموقع الرسمي لـ«ناشيونال جيوجرافيك» بالضغط هُنا.

تلك الدراسة رائعة ومثيرة للاهتمام، وعلينا أن نكمل دراسة تلك الأغاني بدقة؛ حتى نفهم كيف تتفاعل تلك الحيتان مع الطبيعة. *تعليق عالمة الأحياء البحرية ليلي صايغ على دراسة كيت ستافورد

نُشرت تلك الدراسة في الرابع من أبريل (نيسان)  هذا العام – 2018- على صفحات المجلة العلمية «Biology Letters»، وهي مجلة تابعة للجمعية الملكية في إنجلترا، وحللت الدراسة تسجيلات صوتية جُمعت للحيتان على مدار جميع المواسم ولمدة أربع سنوات بشرق جرينلاند؛ ووجد الباحثون أن الموجودة منها بتلك المنطقة ألفت 184 لحنًا مختلفًا.

 وتصل مدة كل أغنية لدقيقة ونصف، وتستمر في غنائها وتكرارها على مدار اليوم دون راحة، وأكدت كيت في تصريح لها لصحيفة«الإندبندت»؛ أنَّ الحيتان تغيّر من موسيقاها التي هي أشبه لموسيقى الجاز؛ وفقًا لفصول السنة؛ فموسيقى الربيع التي يغنيها الحيتان أثناء قراءتك لهذا التقرير؛ تختلف عن الموسيقى التي غنوها في فصل الخريف.

إنها ترسل موسيقاها عبر المحيطات بدون انقطاع وعلى مدار 24 ساعة؛ وهي موسيقى أقرب لموسيقى الجاز. *تصريح لكيت ستافورد

الحوت الأحدب.. يغنِّي من أجل الحب

لفترةٍ طويلة ظنَّ علماء الأحياء البحرية أن موسيقى الحوت مقوَّس الرأس تتشابه مع موسيقى الحوت الأحدب، حتى عام 2008 عندما التقطت الأجهزة الحديثة بعضًا من موسيقى الحوت مقوس الرأس؛ وأدركت كيت وقتها أن هناك اختلافًا واضحًا فيما بينهم؛ وعليه قررت تكريس عدة سنوات من أجل اكتشاف موهبة الحوت مقوس الرأس الغنائية.

استمع إلى موسيقى الحوت الأحدب من هنا:

وعلى عكس الحوت مقوس الرأي الذي لم يدرك علماء الأحياء البحرية السبب الرئيسي وراء أغانيه وموسيقاه وهل هي مجرد موسيقى احتفالية بالفصول فقط أم ماذا؟ فإن الحوت الأحدب هدفه من وراء الغناء واضح ومحدد؛ وهو الحب؛ وفي مواسم التزاوج، يغني الذكور فقط من أجل إبهار وجذب النساء؛ لتختار  كل أنثى الحوت الأكثر موهبة لتشاركه الحب في هذا الشتاء/موسم التزاوج.

إلى جانب أن تلك الموسيقى في ذلك الوقت؛ تكون مثل خلفيات الموسيقى الكلاسيكية – كما وصفتها كيت – لتلك الزيجات الرومانسية بالمحيط؛ وذلك لأنَّ الكائنات البحرية بشكلٍ عام والحيتان بشكلٍ خاص هم كائنات تعيش في بيئة ثلاثية الأبعاد؛ حيث التعبير بالصوت هو الوسيلة الأفضل المتاحة أمامهم، فالحوت لن يقدر أن يفرد جناحيه في خيلاء مثل الطاووس ليبهر أنثى الحوت؛ ولذلك يلجأ الذكور في موسم التزاوج للغناء.

ولكن ما لم يفهمه علماء الأحياء البحرية هو سبب غناء الحوت الأحدب في الربيع خاصة أوقات التجمُّع من أجل تناول الطعام، ولكن عالم الأحياء فيليب كلابهام رجّح في دراسة له أن الحوت الأحدب يغني في ذاك الوقت من أجل استمالة أنثى الحوت ليضمن لنفسه زوجة عندما يأتي موسم التزاوج في الشتاء، ويختار ذكر الحوت وقت تناول الطعام لتواجد الكثير من الحيتان في مكانٍ واحد كنوع من أنواع الدعايا الإعلانية الاقتصادية – كما وصفها فيليب – حتى يروّج لمواهبه مستغلًا تلك التجمعات الجائعة.

موسيقى إنتاج مشترك بين البشر والحيتان

علماء الأحياء البحرية وأنثى الحوت ليسوا جماهير الحيتان المُغنية الوحيدين؛ بل إن لهم جماهير في أنحاء العالم من البشر لا يعرف الحيتان عنهم شيئًا، ومنذ أن سُجل غناؤهم للمرة الأولى في السبعينيات على يد عالم الأحياء روجر باين؛ انتشر بين بعض البشر نظرية تقول أن تلك الموسيقى وتردداتها لديها القدرة على منح المُستمع الاسترخاء خاصة وإن كان يسمعها قبل النوم مباشرة.

استمع إلى موسيقى إنتاج مشترك بين البشر والحيتان من هنا:

وانتشرت على موقع «YouTube» الكثير من المقاطع الموسيقية لغناء الحيتان ممزوجًا بموسيقى خفيفة لأغراض الاستراخاء والتأمل، وتطور الأمر إلى إنتاج ألبومات موسيقية كاملة لموسيقى الحيتان بتوزيعات مختلفة، وتباع تلك الألبومات حتى الآن على موقع «Amazon» وغيره من مواقع التسويق الالكتروني.

تطوَّر الأمر بعد ذلك للمؤسسات الصحية التي شجعت موسيقى الحيتان للتخلُّص من القلق والتوتُّر مثل مؤسسة «Ocean Heart» الصحية، وتؤكد هيلين فولكنر المدير التنفيذي للمؤسسة في تصريح لها لـ«الجارديان» أن استخدام تلك الموسيقى بجانب الخطة العلاجية الطبية للمريض؛ له تأثير إيجابي في رحلة الشفاء؛ لأنه يمنح المريض حالة من السكون والسلام والراحة.

لو لم أكن أعلم أن تلك موسيقى الحيتان؛ لكنت ظننت أن تلك الأصوات لأوركسترا تدوزن قبل حفل موسيقي. اقتباس للكاتبة والصحفية الأمريكية أليس وجنال من مقال لها بجريدة «الجارديان» عن الحيتان بعنوان: «عندما أنقذني الحوت»

وعلى الرغم من رأيه الشخصي بأن تلك النوعية من الموسيقى ليست محببة للنفس، إلا أن إيان سامويلز مدير مبيعات شركة «جلوبال جيرني» للموسيقى؛ يؤكد أن هناك إقبالًا على ألبومات موسيقى الحيتان بغرض الاسترخاء.

وربما يعود هذا – من وجهة نظر إيان – لأنَّ موسيقى الحيتان تشبه الأنين الطويل البطيء، وبتكرار هذا الأنين بأنماط متشابهة لفترة طويلة؛ قد تنفذ من الأذن إلى الجسد على شكل ذبذبات تهز خلايا الجسد وتحثه على الاسترخاء، ولكن من الناحية الطبية؛ لم تؤكد أي دراسة علمية موثقة قدرة صوت الحيتان العلاجية.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد