في منتصف سبتمبر (أيلول) 2017، اعتقلت الحكومة السعودية، عصام الزامل، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة «رمال»، والكاتب الاقتصادي، ومؤخرًا بات يواجه تهمًا قد تعرضه للإعدام، بحسب ما نشر حساب «معتقلي الرأي» الشهير على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فماذا فعل الزامل للوصول إلى هذا المصير؟
قبل ابن سلمان: رجل أعمال حائز على جائزة من الملك سلمان
ولد عصام الزامل في الدمام عام 1979، وحصل على البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة «تولين» الأمريكية في عام 2002، وعمل بعدها في شركة أرامكو السعودية مهندسًا وساهم في تطويرها، ثم أسس شركة «رمال» السعودية -شركة رائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات- بالإضافة إلى العديد من المواقع والبرامج والتطبيقات والخدمات على شبكة الإنترنت.
كما كان الزامل مؤسسًا مشاركًا في «SceenTV»، وكاتبًا اقتصاديًا يكتب في عدة صحف، وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2015، كان ينشر آراءه الاقتصادية على مدونته الشخصية التي بلغ عدد زوارها نحو 3 مليون زائر، بينما كان عضوًا في اللجنة التنفيذية لرجال الأعمال الشباب وغرفة التجارة وعضو مجلس الإدارة والشريك المؤسس لفصل المنطقة الشرقية في شركة «عقال». ويشار إلى أن الزامل كان قد حاز على العديد من الجوائز والتكريمات الشخصية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، كما توضح الصورة التالية.

عصام الزامل والملك سلمان بن عبد العزيز.. المصدر: bbc عربي
على المستوى التكنولوجي حقق صاحب الـ«39 عامًا» عدة إنجازات، كان أبرزها إنشاء تطبيق لقياس القدرة الإنتاجية وكفاءة العمل والعمال، بالإضافة إلى موقع للألعاب وموقع للتسويق، وعدد من المواقع الخدمية، وهو الأمر الذي جعله يحصل على عدة جوائز من الملك سلمان كونه من رواد التكنولوجيا في المملكة، مثل جائزة خريجي الدولة للإنجازات في عام 2014.
وبالرغم من الجوائز والتكريم الرسمي الذي حصل عليه، لم يكن الزامل أحد المقربين من النظام السعودي سواء الحالي أو السابق، فدائمًا ما كان يسلك طريق انتقاد سلبيات الأداء الحكومي ويطرح حلولًا واقعية، فدائمًا ما دعا إلى التركيز على تنمية القطاع الصناعي، وإصلاح مشاكل الاقتصاد الهيكلية، كما أنه مشجع قوي لفكرة عدم استقدام عمالة أجنبية رخيصة.
بعد ابن سلمان: متهم بالاتصال بقطر والانتماء لـ«الإخوان»
يعد الزامل أحد خبراء الاقتصاد الشباب في المملكة وعادًة ما كانت لآرائه الاقتصادية صدى واسع، خاصًة بين الشباب، إذ يتابعه أكثر من 900 ألف شخص على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بينما زار أكثر من 3 مليون شخص مدونته الشخصية التي رشحت لجائزة منتدى الإعلام العالمي لأفضل مدونة عن الاقتصاد، وهو ما يبرز أن الرجل له تأثير وحضور إعلامي واسع على الفضاء الإلكتروني، وكان أحد الشخصيات الاقتصادية الحاضرة دائمًا ضيفًا بالبرامج الاقتصادية، وصنفته مجلة «فوربس» بأنه أحد أهم الشخصيات بالسعودية، لكن لم تشفع له تلك الشهرة ليكون ضمن ضحايا حملة الاعتقالات في المملكة.
ويصنف الزامل -الذي كان مبتعثًا للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكة من قبل شركة (أرامكو)-، نفسه بأنه مسلم، يكره الظلم، والاستبداد، والفساد، إذ قال خلال حوار له نشر قبل أربعة سنوات «قد أكون بمنظور العلماني المتطرف إسلاميًا، وبمنظور الإسلامي المتشدد ليبراليًا»، وخلال هذه الفترة كان يُهاجم إعلاميًا ويوجه له تهم تلقي دعم قطري والانضمام للإخوان المسلمين، وهي التهم التي نفاها عن نفسه تمامًا، لكنه في الوقت ذاته يعتبر من مؤيدي الربيع العربي سواء في مصر أو تونس وليبيا، إذ سبق له رفع شعار «رابعة» تضامنًا مع ضحايا ميدان رابعة العدوية في مصر، كما شدد حينها أيضًا على عدم وجود أي علاقة له بالإخوان المسلمين، وأن القول بذلك هو كذب.
ووفقًا لحساب معتقلي الرأي على تويتر، فقد وجهت النيابة العامة في السعودية للزامل تهمًا منها الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين والتواصل مع قطر، كما ذكرت صحيفة «عكاظ» السعودية، إن بين التهم «لقاء أجانب لهم صفة رسمية دبلوماسية وتزويدهم بمعلومات وتحليلات عن المملكة، وما تقوم به من إجراءات وقرارات وما يحدث فيها من حراك مجتمعي مع عدم إبلاغ الجهات الرسمية بذلك».
وقال حساب «معتقلي الرأي» إن «المحكمة الجزائية المتخصصة عقدت جلسة سرية ظهر الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري ووجهت له خلالها النيابة عدة تهم «جائرة بلغة فضفاضة وفق قانوني مكافحة الإرهاب ومكافحة جرائم المعلوماتية، مطالبة بما سمّته إنزال عقوبات مشددة ضده»، بحسب الحساب.
وقبل نشر حساب معتقلي الرأي لهذه التهم لم يكن معلومًا هل تلك التهم موجهه للزامل أم لا، ولكن تواصلت وكالة «رويترز» مع يحيى العسيري، عضو جماعة القسط، إذ أكد أن هذه الاتهامات موجهه للاقتصادي عصام الزامل، لكن السؤال الآن ما الذي فعله الزامل ليواجه هذه الاتهامات؟
3 مواقف اقتصادية ثبت صحتها قادت الزامل إلى السجن
من المعروف عن الزامل أنه يعتمد دائمًا في آرائه الاقتصادية على الأرقام الرسمية والتحليلات الواقعية إلى حدٍ كبير، بعيدًا عن الجمل الرنانة التي يستخدمها عادًة بعض الاقتصاديين، لكن لم تتفق آراؤه في عدة قضايا اقتصادية مع الموقف الرسمي، وربما كانت هذه الآراء هي السبب الرئيسي في اعتقاله وتعرضه لهذه التهم.
1- أرامكو.. الزامل توقع فشل الطرح منذ عامين
في 26 أغسطس (آب) 2016، توقع الزامل فشل طرح شركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة، وهو الطرح الذي كان يعد العمود الأساسي لرؤية 2030 التي يعمل عليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ يتركز برنامجه الطموح للإصلاح الاقتصادي على بيع ما يصل إلى 5%، ولكن توقع الزامل فشل هذه الخطوة وذلك من خلال تغريدة شهيرة له.
ضعوها بالمفضلة: أرامكو لن تطرح للاكتتاب أبدًا
هكذا قال الرجل منذ أكثر من عامين وهو ما تحقق بالفعل مؤخرًا، إذ قالت وكالة «رويترز» أن السعودية ألغت الطرح المحليّ والعالمي لشركة النفط الوطنية العملاقة «أرامكو»، الذي كان سيعد الأضخم من نوعه في التاريخ، وجرى تسريح المستشارين الماليين للإدراج، وهو ما نفاه وزير الطاقة السعودي، موضحًا أن «الحكومة لا تزال ملتزمة بالطرح الأولي العام لأرامكو».

وفي النهاية تراجع ولي العهد في حوارٍ نشر بالأمس في صحيفة بلومبيرج، عن مواقفه السابقة حول الطرح إذ أكد أن بلاده لن تستطيع طرح أرامكو للاكتتاب العام إلا بعد مرور سنة مالية كاملة من الآن، أي مرور عام 2020 كاملًا قبل الطرح؛ وهو ما يعتبر تراجعًا عن قراره الأول بالطرح والذي كان من المفترض أن يكون في بداية العام الجاري.
وبخلاف توقع الزامل بفشل الطرح فكان قد علق خلال سلسلة من التعليقات على موقع «تويتر» حول تقدير قيمة أرامكو بتريليوني دولار، إذ أشار إلى أن الطرح سيتطلب من السلطات ضم الاحتياطيات النفطية للشركة في عملية البيع، لكن قام الزامل بعدها بحذف هذه التعليقات.
2-البطالة.. الزامل يكشف تضارب أرقام الحكومة
في التاسع من أغسطس (آب) 2017، تحدث الخبير الاقتصادي عصام الزامل عن تقرير هيئة الإحصاء حول سوق العمل للربع الأول لعام 2017، إذ كشف عن احتواء الإصدار على أرقام غير واقعية، وافتقاره لأرقام من المفترض أنها أساسية، إذ لم يشمل التقرير على عدد قوة العمل وعدد العاطلين، بحسب ما أكد الزامل.
التقرير تحدث عن تراجع لعدد العاطلين إلا أن الزامل علق تعليقًا ساخرًا على هذا التراجع قائلًا: «أنه لا يوجد إلا تفسير واحد لهذا الانخفاض وهو أن السعوديين توقفوا عن الإنجاب لمدة سنة كاملة قبل 20 سنة».
الزامل بحساباته توقع خطأ أرقام هيئة الإحصاء وواصل نقده لها واعتبرها تضلل الناس وطالبها بتوضيح لهذه الأرقام أو تصحيح، قائلاً إن المعلومة الدقيقة هي أهم عنصر لبناء القرارات والخطط الاقتصادية الصحيحة، كما أنه لا مبرر لمحاولة الهيئة من تقليل نسب البطالة فارتفاع البطالة مع انخفاض أسعار النفط أمر طبيعي ولا داعي لإنكار الواقع، بحسبه، ولكن لم ترد الهيئة على هذا النقد.
3- اقتصادنا ضعيف وهش ووقف البدلات سيكون له أثر سلبي
في 27 سبتمبر (أيلول) 2016، عندما قرر مجلس الوزراء السعودي، بتعديل وإلغاء أو إيقاف بعض العلاوات والبدلات والمكافآت والمزايا المالية المخصصة لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين ومن في حكمهم من المؤسسات العامة والهيئات، وإدخال بعض التعديلات في الإجازات والمكافآت، انتقد الزامل هذه القرارات واعتبرها سلبيه على المستوى الاقتصادي، وبالفعل كانت كذلك لاحقًا.
وقال الزامل إن قرارات خفض البدلات سيؤثر بشكل سلبي وكبير على المستوى المعيشي لكثير من المواطنين، موضحًا أن الحقيقة المرة هي أن اقتصاد المملكة ضعيف وهش، وأنه خلال الأربعين سنة الماضية فشلت المملكة في بناء اقتصاد منتج قادر على الحافظ على مستوى معيشي مرتفع للمواطنين.
ربما تكون هذه المواقف الثلاثة هي الأبرز للزامل قبل اعتقاله، فهل كانت توقعاته الصائبة سببًا في اعتقاله؟
خاشقجي يدافع عن صديقة.. ماذا قال؟
على الجانب الآخر، فإن آخر ما كتب الكاتب والصحفي السعودي، جمال خاشقجي على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قبل اختفائه، كان تضامن مع الزامل الذي ذكر أنه لا يستحق هذه المعاملة، وأن الاتهامات الموجهة له غير مقنعة.

وفي 19 سبتمبر (أيلول) 2017، كتب خاشقجي مقالًا بصحيفة «واشنطن بوست» تحدث فيه عن حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت عددًا من المثقفين ورجال الدين في المملكة، موضحًا أنه لا يفهم موجة الاعتقالات التي طالت صديقه رجل الأعمال وأحد مشاهير تويتر المثقفين عصام الزامل، على حد تعبيره.
وقال خاشقجي: «إن أفضل من خدم محمد بن سلمان هم أصحاب الآراء المشجعة والبناءة والمتنوعة من المشاهير مثل عصام الزامل ورجال اقتصاد آخرين، ودعاة، ومثقفين، ورجال أعمال، ممن طالتهم تلك الاعتقالات».