في الحادي والعشرين من فبراير عام 1965، وبعد يومين من إعلانه عن توقعه التعرض للاغتيال على يد أعضاء من حركة أمة الإسلام، صاح أحدهم أثناء إلقاء مالكوم إكس كلمته أمام منظمة الوحدة الأفروأمريكية قائلًا: «أيها الزنجي، أخرج يدك من جيبي».
اشتعل الحشد غضبًا فهذه الكلمة محرمة -خصوصًا في مؤتمر جل حضوره من مناهضي العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء في أمريكا- وعندما حاول مالكوم إكس وحراسه الشخصيون إخماد الاضطرابات، اندفع أحدهم نحوه وعاجله برصاصة في صدره، بينما استغل اثنان آخران الجلبة واندفعا نحو المنصة وأطلقا ست عشرة طلقة من مسدساتهما المصوبة نحو مالكوم إكس. وفي تمام الثالثة والنصف مساءً، أُعلنت وفاة مالكوم إكس بعد مدة قصيره من إيداعه مستشفى المشيخية في كولومبيا.
الكابوس
«فجأة استيقظت فزعًا على صوت الطلقات النارية، بينما كان الصراخ والدخان وألسنة اللهب يملآن المكان… كان منزلنا يحترق وكنا نحن نتخبط وندور حوالي بعضنا البعض في محاولة منا للهرب».
هكذا سرد مالكوم إكس أقرب ذكرى حية من طفولته في الفصل الأول من سيرته الذاتية الذي أسماه بالكابوس. ذلك الصغير الذي واجه الموت حرقًا بسبب العنصرية البغيضة ضد ذوي البشرة السوداء في أمريكا، كان ابنًا للويز ليتل وإيرل ليتل الذي كان قسًّا معمدانيًّا وناشطًا سياسيًّا في واحدة من كبرى المنظمات المدافعة عن حقوق السود آنذاك.
بدأ كابوس مالكوم إكس عندما كان في السادسة حين قامت حركة «الكو كلوكس كلان» المتشددة بإضرام النيران في منزلهم لمعاقبة والده على تجرأه على المناداة بحقوقه، وحقوق بني جنسه من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية.
على الرغم من إفلات مالكوم وعائلته من الموت في هذه الحادثة، إلا أن والده لقى مصرعه بعدها بأشهر قليلة، حينما قامت مجموعة من العنصريين البيض بضربه ضربًا مبرحًا وإلقائه تحت عجلات الترام ليموت دهسًا. اعتبرت السلطات الأمريكية هذه الحادثة انتحارًا، وعلى إثرها أودعت والدته في مصحة للأمراض العقلية من هول الصدمة، وتفرق هو وإخوته بين دور الرعاية.
يا مالكوم: «لا يمكنك أن تكون محاميًا وأسود في الوقت ذاته»
في إحدى المدارس المتوسطة بولاية ميشيغان، طلب مستر ستراوسكي -معلم اللغة الإنجليزية- من طلابه أن يخبروه عن أمنياتهم في المستقبل، وعندما أتى الدور على مالكوم –الذي كان تلميذًا متفوقًا– أخبر معلمه أنه يريد أن يصبح محاميًا. دُهش المعلم كثيرًا من هذه الإجابة فهو لم يكن يتخيل أبدًا هذا الرد –أو هذه الجرأة من طالب أسود– ورد على الفتى الصغير قائلًا: «يجب أن تكون أكثر واقعية يا مالكوم؛ لأنه لا يمكنك أن تكون محاميًا وأسود في الوقت ذاته. أنصحك بأن تفكر في شيء يمكنك فعله حقًّا».
على إثر كلمات معلمه، ترك مالكوم إكس المدرسة؛ فما الفائدة من تعليم لن يستطيع المرء تحقيق أحلامه من خلاله؟! كانت وجهة مالكوم الأولى هي مدينة بوسطن، حيث تعيش أخته الكبرى غير الشقيقة إيلا ليتل. في بوسطن، عمل مالكوم ماسح أحذية وحمَالًا ونادلًا على خط السكك الحديدية، ولكنه سرعان ما انتقل إلى نيويورك حيث استقر في حي هارلم الذي تقطنه أغلبية من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية.
كان مالكوم في تلك الفترة ضائعًا من نفسه، ولا يستطيع إيجاد هويته الحقيقية بعد أن تحطمت جميع أحلامه أمام عينيه، فكانت النتيجة أنه انزلق سريعًا في عالم الجريمة والمخدرات. ظن الفتى وقتها أنه بذلك قد حقق ذاته، وحصل على حريته، فعالم الجريمة كان هو الشيء الوحيد الذي سمح له بتحدي وطنه الذي طالما ناصبه العداء، إذ يقول مالكوم عن تلك الفترة: «كان جيبي مكتظًا بالنقود فقد كنت أكسب ما لا يقل عن خمسين إلى ستين دولارًا في اليوم الواحد، لقد كانت تلك النقود حينها تعتبر ثروة حقيقية بالنسبة لفتى أسود في السابعة عشر من عمره، لقد شعرت بالحرية لأول مرة في حياتي».
تقول الكاتبة سيدوني سميث إن مالكوم قد تبنى حياة الإجرام في تلك الفترة لأنه –ولأول مرة في حياته– يصبح رئيسًا لا مرؤوسًا، إنها المرة الأولى في حياته التي يصبح فيها حرًّا لا يقع تحت تبعية الرجل الأبيض. في نهاية المطاف، انتهت تلك الفترة في حياة مالكوم عندما أُلقي القبض عليه وعوقب بالسجن لمدة عشر سنوات.
في السجن، أنقذ الإسلام مالكوم إكس للمرة الأولى، فقد اعتنق هناك الدين الإسلامي بعد أن تعرف على تعاليمه من إليجاه محمد، الذي كان زعيم «منظمة أمة الإسلام» آنذاك. أعطت أمة الإسلام هدفًا ومعنى لحياة مالكوم إكس، فقد كان أهم ما جذبه لهذه المنظمة هو تمسك أعضائها بقومية السود، وإصراراهم على الافتخار بثقافتهم وتاريخهم، والأهم من ذلك هو أنهم كانوا يعتبرون أن البيض هم مصدر كل الشرور. أيضًا، عرف مالكوم إكس خلال مدة سجنه أن القراءة هي السبيل الوحيد للحصول على الحرية التي طالما حلم بها، فانكب على قراءة كل ما كانت تقع يده عليه في مكتبة السجن.
من ليتل إلى إكس
«أبي لم يعرف اسم عائلته الحقيقي. أبي أخذ اسم عائلته من جده، وجده أخذه من جده. الاسم الحقيقي لعائلة أجدادي أخذه منهم الرجل الأبيض عندما سرقهم من إفريقيا وباعهم عبيدًا، ثم منحهم اسم عائلة مالك العبيد وهذا ما نرفضه اليوم».
هكذا رد مالكوم إكس محتدًا عندما سأله المذيع في مقابلة تلفزيونية عن اسمه الحقيقي؛ فقد كان أول إجراء يتخذه مالكوم بعد خروجه من السجن هو تغيير اسمه من مالكوم ليتل إلى مالكوم إكس، في إشارة عبقرية منه إلى عدم اعترافه بالاسم الذي منحه إياه الرجل الأبيض بدلًا من اسم عائلته الحقيقي. منذ ذلك الحين، بدأ نجم مالكوم إكس في البزوغ، فقد كان خطيبًا مفوهًا يمتلك مقدرة خطابية فذة استطاع بها إقناع الكثيرين من السود باعتناق الإسلام.
خلال فترة وجيزة، أصبح مالكوم إكس المتحدث الرسمي باسم أمة الإسلام والرجل الثاني بها، كما ذاع صيته في جميع أنحاء أمريكا، إذ كان يشارك في الكثير من المناظرات –فقد كان يملك قدرةً هائلةً على المجادلة والإقناع– وكان يلقي العديد من الخطب في الجامعات والمدارس والكنائس والمساجد، بل وحتى على نواصي الشوارع. استمر نجم مالكوم بالصعود حتى أصبح واحدًا من أهم الزعماء الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية؛ إذ يُقال إن أمريكا كان لها نجمان سطعا على كل المضطهدين وأنارا لهم طريق الكفاح والثورة على العنصرية، هما مالكوم إكس الذي أتى من الشمال، ومارتن لوثر كينج الذي أتى من الجنوب.
الحاج مالك الشباز ورحلة الحج
لم يدم الوفاق بين مالكوم إكس وإليجاه محمد طويلًا، فقد اكتشف مالكوم فضيحة أخلاقية تورط فيها إليجاه ورفض السكوت على الأمر، وتحدث في هذا الأمر علانيةً في وسائل الإعلام، وعلى إثر ذلك قام إليجاه، الذي لم يكن ليغفر لمالكوم جرأته أبدًا، بتهميش دوره في المنظمة، حتى حدثت القطيعة الكبرى بينهما في آخر المطاف.
بلغ التوتر بين مالكوم وإليجاه أشده عقب اغتيال جون كينيدي، فقد أدلى مالكوم إكس بتصريح مثير للجدل عقب سؤال أحد الصحافيين له عن رأيه في الاغتيال، إذ قال ما معناه أن جون كينيدي قد حصد ما زرعه الرجل الأبيض من كراهية على مدى العصور، وأنه لقي حتفه أسرع مما كان يتوقع، على الرغم من أن إليجاه قد حظر على أعضاء المنظمة التعقيب على اغتيال كينيدي. أعقب هذا التصريح تجميد عضوية مالكوم الذي تقدم بدوره بالاستقالة من المنظمة، وقرر الذهاب للحج في مكة المكرمة على عكس أعضاء المنظمة الذين لم يكونوا يقومون بالحج إليها.
الآن جاء دور الإسلام، الإسلام الحقيقي، لينقذ مالكوم مرة أخرى من الطائفية والكره المبالغ فيه للرجل الأبيض، اللذان زرعتهما فيه أمة الإسلام مستغلة تاريخه المؤلم مع العنصرية، لدرجة أنه قال في مقابلة تلفزيونية أجريت معه إن الشرور والعنصرية منبعها الرجل الأبيض. كانت رحلة مالكوم إلى مكة رحلة روحية تركت أعمق الأثر على رؤيته للأمور؛ فقد اعترف أنه كان مخطئًا من قبل، وأنه فهم الإسلام بصورة خاطئة وألقى الأحكام جزافًا على الرجل الأبيض بسبب لونه، تمامًا كما يفعل العنصريون حين يحتقرون ذوي البشرة السوداء بسبب لونهم.
«تحتاج أمريكا لفهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي استطاع محو العنصرية من مجتمعاته، لقد وسع الحج أفقي، ومنحني رؤية جديدة مختلفة كليًّا للأمور، لقد رأيت خلال أسبوعين فقط ما لم أره خلال ثلاثين عامًا هنا في أمريكا». *مالكوم إكس
في مكة تعرف مالكوم، كما قال، على الإسلام الحقيقي، ودُهش للغاية من المعاملة الكريمة التي تلقاها هناك، حتى أنه بعث بخطاب إلى زوجته يقول فيه: «إنني أحظى بتكريم لم أحظ به في حياتي، من يصدق أن كل هذا يغدق على رجل أسود؟!».
وجد مالكوم أخيرًا مبتغاه في الإسلام، ففي هذا الدين لا فرق بين عربي أو أعجمي أو أسود أو أبيض، فالجميع يقف في نفس الصف للصلاة، وينادي جميع المسلمين بعضهم البعض بكلمة أخي! ومنذ ذلك الحين، قرر مالكوم أن الحب والكراهية يجب أن يقوما على أساس المواقف والمعاملة، وليس اللون أو العرق، هذا الرجل الذي ذهب إلى مكة حاملًا لقب إكس، أي غامض كما كان يقصد لأن اسم أجداده الحقيقي غير معروف، عاد واسمه الحاج مالك الشباز فها هو أخيرًا قد عرف نفسه، ولم يعد مجهولًا.
الأثر الثقافي لمالكوم إكس
«لقد كنا دومًا نكتب عن أنفسنا.. نحن مواضيع حكاياتنا، نحن شهداء على تجربتنا ومساهمون فيها في الوقت ذاته… نحن كنا أنفسنا دائمًا ولم ننسلخ يومًا عن تراثنا أو نصبح أناسًا آخرين». *الأديبة الأفروأمريكية توني موريسن الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 1993
بهذه الكلمات المليئة بالفخر والجرأة تحدثت الأديبة الأفروأمريكية، توني موريسون، عن النتاج الأدبي للأدباء الأمريكيين الذين ينحدرون من أصول إفريقية. قالت موريسون إن الأمريكيين من أصل إفريقي قد سطروا معاناتهم بأنفسهم وأنشؤوا كيانًا أدبيًّا من أهم الكيانات الأدبية في أمريكا، بل في العالم كله، إذ وثقوا من خلال أدبهم حقبة طويلة من المعاناة والاضطهاد، والتي استمرت حتى ستينيات القرن العشرين.
على الرغم من أن الكتّاب الأفروأمريكيين قد أثروا الثقافة الأمريكية بالعديد من الأعمال الأدبية والشعرية، إلا أن كثيرًا من النقاد تجاهلوا هذا الإنتاج الأدبي الغني عن عمد، بل واعتبروا أن مصطلح (الأدب الأفروأمريكي) مجرد أسطورة يقنع ذوو البشرة السوداء من خلالها أنفسهم أن لهم وجود أدبي فعلي على الساحة الأمريكية.
توني موريسن
الحقيقة أن الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية هم من أضاف إلى الثقافة الأمريكية، وليس العكس، إذ إنهم جلبوا معهم من بلادهم تقاليدهم في الرقص والموسيقى والشعر والغناء. اشُتهر الأدب الأفروأمريكي خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر بأنه أدب المعاناة، إذ كان ذوو البشرة السوداء ينفخون على نار الشعر المقدسة؛ فيحيلونها لهيبًا، ويؤلفون أغاني بها حزن عميق نبيل عن العالم اللاإنساني الذي وجدوا أنفسهم به عبيدًا مضطهدين بسبب لونهم، إذ كانوا يعاملون على أنهم يصلحون للعمل الشاق فقط، أما الفن والحياة والحب فلا نصيب لهم فيه، ولم يتبق لهم من إنسانيتهم إلا أغانٍ حزينة يغنونها ليلًا بعد يوم شاق من العمل المضني.
أيضًا، لم يقتصر الأمر على قول الشعر فقط، بل تنوعت الفنون التي قدمها الأمريكيون ذوو الأصول الإفريقية، وكان أبرزها ما سُمي بفن السير الذاتية للعبيد –منها السيرة الذاتية الشهيرة المسماة باثني عشر عامًا من العبودية التي كتبها سليمان نورثوب- التي اعتبرت في غاية الأهمية من حيث توثيق تاريخ المجتمع الأمريكي، كما أنها احتوت على تأملات فلسفية عميقة حول المعنى الصحيح للحرية وحقوق الإنسان.
كيف أشعل موت مالكوم إكس جذوة حركة الفنون السوداء
بدا أن الليل الطويل الذي خيم على الأدباء من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية لقرون طويلة، قد بدأ في الانقشاع رويدًا رويدًا في مطلع القرن العشرين، فقد بدأ ذوو البشرة السوداء في سلك طريق الافتخار بقوميتهم، واحترام ماضيهم وثقافتهم وأصلهم الإفريقي، ولأول مرة أصبحت هناك محاولات للتعبير عن الذات، والخروج من إطار الحزن الذي خيم على جميع أعمالهم لفترة طويلة، إلا أنها كانت تأتي على استحياء، أو من وراء حجاب كما وصفها المؤرخ وعالم الاجتماع دو بويز.
ظل الحال كما هو عليه حتى بزغ نجم مالكوم إكس الذي ألهم الكثير من الأدباء والشعراء وجرأهم، ليس فقط على المناداة بالمساواة، بل والافتخار بلونهم وإرثهم التاريخي وثقافتهم.
كان في موت مالكوم إكس حياة جديدة للفن الأفروالأمريكي، فقد كان اغتياله هو الشرارة التي أشعلت جذوة حركة الفنون السوداء التي كان رائدها الشاعر والروائي والمسرحي والناقد الموسيقي الشهير أميري بركة.
انتقل بركة –الذي وُلد باسم لوري جونز– عقب اغتيال مالكوم إكس إلى حي هارلم ذي الأغلبية السوداء، وكون هناك مدرسة أدبية أسماها حركة الفنون السوداء، وبعدها سرعان ما التحق بركة بالدين الإسلامي، وغير اسمه إلى الإمام أميري بركة؛ لأنه رأى أن الإسلام –كما رآه مالكوم- هو الدين الوحيد الذي لا يعطي أفضلية لمتبعيه على أساس الجنس، أو اللون؛ بل الفيصل هو أفعال الإنسان من خير أو شر.
أميري بركة
ضمت حركة الفنون السوداء أسماء كبرى من الأدباء الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، مثل لاري نيل، وسونيا سانشيز، ونيكي جيوفاني ودون لي (الذي غير اسمه بعد إشهار إسلامه إلى حقي مادوبتي) وغيرهم من الأسماء البارزة. كان مالكوم إكس قدوة ومثل أعلى لهؤلاء الأدباء؛ لأنه كان يرمز إلى الرجل الأسود ذي الكبرياء الذي لا ينحني للظلم، ولا تقهره العنصرية.
كرس أدباء هذه الحركة فنهم للدعوة إلى إعطاء الأمريكيين من أصول إفريقية حق تقرير المصير، وسعوا إلى إنشاء فنًّا يحمل روح الثورة على سياسات أمريكا التي كانت دائمًا ما تغض الطرف عن العنف الموجه ضد ذوي البشرة السوداء.
أيضًا، كان شعراء الفنون السوداء من أول من رفض إطلاق لفظ «زنوج» على ذوي البشرة السوداء، حتى أنهم لم يفضلوا كلمة ملونين؛ بل رأوا أن لفظ (أسود) هو اللفظ الأنسب فلو كان الرجل الأبيض راضيًا على أن يُعرف بلونه فهم راضون تمامًا عن كلمة أسود ممثلة لهم، ولا يجدون فيها أي غضاضة بل قابلوا الأمر بكل افتخار.
كانوا هم صوت الجماهير السوداء من النازحين والفقراء في الولايات المتحدة في فترة الستينيات والسبعينيات، وسعى هؤلاء الشعراء إلى تعليم المضطهدين بسبب العنصرية كيف يكون الكفاح، وكيف يصير الفن أداةً في غاية الأهمية للاحتجاج وتحقيق الذات والحصول على الحقوق، إذ يقول أميري بركة في إحدى قصائده: «نريد قصائد قاتلة ** قصائد لها مفعول البنادق… لن نكتب قصائد حب حتى يصبح الحب حرًّا ** ليفهم السود أنهم هم المحبون والمحاربون الحقيقيون».
مالكوم إكس يتحدث عنا

لوحة مالكوم إكس يتحدث عنا – من صفحة متحف الفن الحديث، المصدر: moma.org
لم يقتصر تأثير مالكوم إكس على الأدب فقط، بل امتد ليشمل الرسم أيضًا فقد اختارته إليزابيث كاتليت موضوعًا للوحتها التي اختارها كبار الرسامين المكسيكيين كأفضل لوحة لعام 1970، والتي أسمتها «مالكوم إكس يتحدث عنا». تقول كاتليت إن الهدف الأساسي من فنها هو إظهار الجمال الكامن في ذوي البشرة السوداء، والتركيز على اعتزازهم بأنفسهم.
كانت كاتليت من أهم الرسامين الذين دافعوا عن هوية الفنانين السود، إذ دعت إلى إنشاء معارض فنية خاصة بهم لحث الناس على الالتفات لفنهم وثقافتهم، إذ كان يتم استثناء أعمالهم –عن عمد– من المعارض الفنية الحكومية والخاصة بالمدارس والجامعات. أيضًا رفضت كاتليت الفكرة القائلة بأن كافة معارض السود إنما هي اعتراف صريح بالفصل العنصري، إذ ردت في خطبتها التاريخية التي ألقتها في مدينة مكسيكو سيتي قائلة: «هناك فرق بين الجلوس في المقعد الخلفي؛ لأننا يتحتم علينا ذلك وبين جلوسنا فيه لأننا نرغب بذلك».
تُظهر هذه اللوحة –التي رُسمت بعد اغتيال مالكوم بأربع سنوات– إعجاب كاتليت الشديد بذلك الزعيم الذي ألهب الحماس في صدور الأمريكيين من أصل إفريقي، وزرع فيهم الاعتزاز بالنفس. يُشير تصميم اللوحة الذي يحتوي على وجه مالكوم إكس محاطًا بأوجه عدة فتيات إفريقيات إلى أن مالكوم إكس كان له تأثير بالغ الأهمية على شعور وطموح آلاف الشباب والشابات من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، وأنه سيظل حيًّا وباقيًا في ذاكرة هؤلاء الذين دافع عنهم لسنوات طويلة.
ربما لم تذهب جهود مالكوم إكس ومن حملوا الراية من بعده في مناهضة العنصرية في أمريكا سدى، وتخصص أمريكا شهر فبراير (شباط) من كل عام للاحتفال بالأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية. أيضًا، تم تجنب إطلاق كلمة (زنجي – Negro) على ذوي البشرة السوداء، على الأقل في وسائل الإعلام الرسمية. لقد أسهم مالكوم إكس في تحرير أرواح أجيال كاملة في نظر الكثيرين، وزرع فكرة الثورة على العنصرية البغيضة في عقولهم وقلوبهم. نعم قد مات مالكوم إكس، ولكنه ترك لنا إرثًا حيًّا يذكرنا به كل يوم.