يحظى «حزب الله» بخصوصية في العلاقة مع السلطات المصرية بعد عزل الإخوان المسلمين، وصعود عبدالفتاح السيسي إلى رأس السلطة. تجلَّت هذه الخصوصية في تقاطع خيارات كليهما في عدد من القضايا الإقليمية، وتصريحات مُغازلة لا تنقطع سواء من جانب «السيسي» أو «حسن نصر الله». يحاول التقرير التالي التعرُّف على طبيعة خصوصية هذه العلاقة، وما هي أبرز شواهدها، ومقاربة بين علاقة حزب الله مع نظام مبارك ونظام السيسي.
السيسي ونصر الله.. مُغازلة من وراء الستار
على خلاف كُل الأسئلة التي وجدت ردًا حاسمًا من جانب المُرشح الرئاسي آنذاك عبدالفتاح السيسي، والتي هاجم في إجاباته لها حركات الإسلام السياسي، ولم يشفع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تقديرها للدور المصري في القضية الفلسطينية. كان سؤال «كيف يرى وزير الدفاع، والمرشح الرئاسي حزب الله؟» الذي سأله مجموعة من الإعلاميين المصريين في أحد البرامج التليفزيونية استثناءً. فقد صمت السيسي بضع ثوانٍ. وقطع الصمت مداخلة أحد محاوريه: «أحيانًا الصمت يكون أبلغ من الكلام».
https://www.youtube.com/watch?v=cbJvyhIFgF0
بعد أربعة أعوام من هذا السؤال، طُرح سؤال عن حزب الله أمام السيسي في حوار تليفزيوني مع قناة CNBC الأمريكية، عن توجيه ضربات عسكرية لإيران أو حزب الله، فأجاب: «أعارض الحرب، ولا نريد إشكاليات أخرى، ولا زيادة التحديات والاضطرابات الموجودة في المنطقة».
تتقاطع خيارات السلطة المصرية بعد 30 يونيو (حزيران) 2013 مع مواقف حزب الله في كثير من القضايا الإقليمية. هذا التقاطع يعززه دومًا تصريحاتٍ ودية، وإشاراتٍ غير رسمية عن علاقات تنمو من وراء الستار.
يظهر هذا التقاطع في المواقف السياسية للسلطة المصرية ومنظريها مثل محمد حسنين هيكل، الكاتب الكبير، الذي لطالما استعان به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في عدد من القضايا الإقليمية والداخلية من خلال اجتماعات مغلقة. يقول هيكل في مقابلة تلفزيونية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2013: «أنا عندي انحياز للشيخ حسن نصر الله. ظاهرة مقاومة في الوطن العربي. مسألة السنة والشيعة مش داخلة دماغي. علاقته بإيران لا ينكرها. يُمثل ظاهرة مقاومة – قومي عربي حقيقي».
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي ذكر في مقابلة صحفية مع رؤساء تحرير الصحف القومية، «إن محمد حسنين هيكل الوحيد الذي قرأ كل إنتاجه». يؤشِّر ذلك على مدى تأثير «هيكل» بوصفه مستشارًا غير رسمي يستعين «السيسي» برأيه دائمًا، أو باعتباره مُفكرًا يقرأ كُل كُتبه، ويذكر هذا الأمر بشكل علني.
في موقف آخر يوضِّح موقف السلطة المصرية الرسمية تجاه حزب الله، رفض وزير الخارجية المصري سامح شكري وصم حزب الله بـ«الإرهابي»، الذي أطلقته جامعة الدول العربية على الحركة اللبنانية. وبرر موقفه: بأنّ«حزب الله له وضعية خاصة بلبنان، ولبنان دولة شقيقة وتعاني من اضطراب ضخم لأوضاع داخلية، وهذه قضية يتم حلها على مستوى الشعب اللبناني».
وأخذ نصرالله موقف المُدافع عن الرئيس عبدالفتاح السيسي تجاه تركيا، حين تحدث في حوار مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية في 2014، تعقيبًا على حرب غزة: بأنّ «أردوغان يستغل حرب غزة لشن هجوم شخصي على السيسي».
اتصالات حزب الله مع أجهزة داخل السلطة المصرية لم تنقطع – بشكل غير رسمي – سواء معهم أو مع حلفائهم كسوريا. بشار الأسد ذكر في مقابلة عبر قناة المنار التلفزيونية، نافذة حزب الله الإعلامية، في أغسطس (آب) 2015، «أنهم حريصون على العلاقة بين مصر وسوريا. التواصل مع سوريا لم ينقطع في عهد «الإخوانجي مرسي»، تواصلت معنا عدد من المؤسسات وأكدت على رفض قطع العلاقات .ونسمع، اليوم، خطابا قوميًا وطنيًا أخويا. يعبر عن ما كنا نراه في الشارع المصري».
وذكر الأسد أنّ: «هناك تصور مُشترك بيننا وبين الجانب المصري للاستفادة من خبرات مكافحة الإرهاب من خلال صراعنا مع الإخوان المسلمين «الإرهابيين». كما زار مصر وفد من حزب الله، العام الماضي، والتقوا بقيادات من جهاز المخابرات العامة المصرية، خلال مشاركتهم في عزاء الكاتب محمد حسنين هيكل.
https://www.youtube.com/watch?v=vTVtQ7akI9k
وطالب نصر الله، من السيسي في أبريل (نيسان) 2015، بالتدخل لوقف عملية «عاصفة الحزم» في اليمن. وقال «أجدد الدعوة للشعب المصري والقيادة المصرية والأزهر الشريف بالتوقف عن عاصفة الحزم، مثلما منعت مصر هدم قبر رسول الله».
التلفزيون الناطق لحزب الله: 30 يونيو «ثورة»
«لماذا يتودَّد حسن نصرالله.. للرئيس السيسي؟»، كان هذا عنوان مقال رأي نشره الكاتب المصري دندراوي الهواري، وهو أحد الكتاب المعروفين بولائهم للسلطة المصرية، وعادة ما يكتب مقالات تتضمن معلومات مُسربة من الأجهزة الأمنية المصرية.
يفسر الهواري في مقاله موقف حسن نصر الله المؤيد تجاه السلطة الجديدة التي تشكّلت في أعقاب عزل الإخوان: «حسن نصر الله، تبنَّى نظرية «عدو عدوي.. صديقي». ويضيف «وبما أن حزب الله تربطه علاقة سيئة وعداوة، بدويلة قطر، وتركيا وجماعة الإخوان، وأن الدولتين بجانب الجماعات المتطرفة. تحمل عداوة كبيرة لمصر، فإن حزب الله، يدعم مصر سياسيًا، بهدف الصمود وتقوية موقفها ضد هذا المثلث الخطير».
تجول مُحرر «ساسة بوست» في أرشيف التقارير التي أوردها موقع «المنار»، وهو التلفزيون الناطق باسم حزب الله، عن مصر. ويبث التلفزيون من جنوب لبنان. و تصف القناة عبدالفتاح السيسي بـ«الرئيس المصري»، و30 يونيو بـ«الثورة». كما يبتعد موقع القناة عن تغطية انتهاكات حقوق الإنسان داخل مصر، أو الاشتباك في الشأن المصري بشكلٍ ناقد لشخص الرئيس. إذ تكتفي فقط، بنقل تصريحات تصدر من حكومة في الغرب تنتقد الأوضاع في مصر بشكلٍ متوازن. ولا تتبرع نافذة حزب الله الإعلامية من نفسها بكتابة افتتاحية، أو نشر مقال يهاجم «السيسي» بشكل شخصي.
على «الجزيرة».. «30 يونيو» «فوتوشوب». كان هذا واحد من الموضوعات التي نشرها موقع قناة المنار، ويُشير فيها إلى أن تغطية الجزيرة لمظاهرات 30 يونيو كاذبة، ولم تعرض الحقيقة كاملة عن الأوضاع في لبنان.
«وكان الملايين شاركوا في تظاهرات ضخمة ملأت شوارع القاهرة ومناطق مصرية أخرى في 30 يونيو 2013(حزيران) مطالبين برحيل مرسي بعد أن حكم لمدة عام واحد تخللته خلافات كبيرة مع الأحزاب والقوى غير الدينية». تُشير هذه الفقرة الكاملة المكتوبة من المُحرر في الموقع إلى التأييد الكامل المُبطن لـ30 يونيو التي ترتب عليها عزل مرسي من قبل الجيش يوم 3 يوليو. فيصف التظاهرات بـ«الضخمة». ويقدر الأعداد بـ«الملايين». ويعتبر خلافات «مرسي» مع الأحزاب الليبرالية بـ«الكبيرة».
أحد الدلائل القوية على العلاقة الجيدة بين حزب الله والسلطات المصرية هو عدم حجب أي وسيلة إعلامية تتبع حزب الله كحال مئات المواقع المصرية والعربية التي حجبتها السلطات المصرية في مايو(أيار) الماضي . كما لم يندرج ضمن القائمة موقع الأخبار اللبنانية، وهي مُقربة من حزب الله، وتميل سياستها التحريرية دومًا لانتقاد السلطات المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي.
عكس «السيسي»: حزب الله ومبارك.. علاقة متوترة وتصعيدٌ متبادل
لم تكن علاقة حزب الله مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك على هذا النحو من الودّ المتبادل، كما هو الحال، في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي. فقد اتسمت العلاقة دومًا بالتوتر، عززتها ما زعمته السلطات المصرية عن كشف خلية تجسس تعمل لصالح حزب الله في مصر
تصاعدت وتيرة الاتهامات بين مصر وحزب الله على خلفية كشف أجهزة الأمن المصرية لخلية تتبع حزب الله في 2009 . وذكرت التحقيقات التي أشرفت عليها نيابة أمن الدولة العليا آنذاك «إن الحزب جندها لتنفيذ عمليات عدائية داخل مصر ورصد الحدود مع قطاع غزة ومراقبة قناة السويس، وهو ما نفاه حزب الله».
اعتاد حسن نصر الله دومًا على إقحام مصر في خُطبه السياسية بصورةٍ تبدو للمستمع أن سياسات مصر فاشلة، ومخزية للمقاومة. كما أثار غضب السلطات المصرية بدعوات للشعب المصري للتظاهر. ووصل الأمر به لدعوة ضباط الجيش المصري للضغط على الرئيس المصري، في دلالة على توتر ملحوظ في العلاقات بين الجانبين.
كان إقحام مصر في خُطب نصر الله يتعلَّق دومًا بوضعها في موقع «الدولة الفاشلة» التي تخذل المقاومة العربية على حساب «الكيان الصهيوني». ويرسم صورة دومًا عن مبارك بأنه منحاز لأمريكا وإسرائيل على حساب الدول العربية.
يظهر ذلك في الخطبة التي ألقاها نصر الله في ديسمبر (كانون الأول) 2008، فى كلمة عبر شاشة عملاقة أمام الآلاف من أنصاره فى مجمع الشهداء في ضاحية بيروت الجنوبية. ودعا من خلالها الشعب المصري إلى «الخروج بالملايين إلى الشارع» للضغط على حكومته لفتح معبر رفح، متسائلًا: «هل يمكن للشرطة أن تقتل الملايين؟».
وخاطب المسؤولين المصريين قائلًا: «أيها المسؤولون المصريون إن لم تفتحوا معبر رفح فأنتم شركاء فى الجريمة وفى القتل وفى الحصار وفي صنع المأساة الفلسطينية». كما توجَّه إلى «ضباط وجنود القوات المسلحة المصرية»، معتبرًا «أنهم ما زالوا على أصالتهم العروبية وعلى موقفهم المعادي من الصهاينة»، ومطالبًا إياهم بالضغط على القيادة السياسية لفتح المعبر.
ودعا «كل الشعوب العربية والإسلامية إلى الخروج إلى الشارع لتطالب النظام المصري بفتح المعبر الحدودي مع قطاع غزة المحاصر «ليصل الغذاء والماء وحتى السلاح لأهلنا في غزة».
كان أحد تجليات هذا التوتر والعلاقات المشحونة بين الجانبين ما كشفت عنه السلطات المصرية عن توصل أجهزتها الأمنية للكشف عن خلية إرهابية تتبع لحزب الله، تمارس أعمال عدائية على الأراضي المصرية. وكشفت السلطات عن اعتقالها 49 رجلًا في الأشهر الخمسة التي سبقت أبريل (نيسان) 2009. واتهمتهم مصر بالتخطيط لهجمات ضد أهداف إسرائيلية ومصرية في شبه جزيرة سيناء.
وكان المتهم الرئيسي في هذه القضية هو سامي شهاب، القيادي بحزب الله، الذي اتهمته نيابة أمن الدولة العليا مع 27 شخصًا بــ«إجراء هجمات وأعمال تخريبية داخل الأراضي المصرية»، ونال بعدها حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا.
لم يقضِ شهاب من سنوات العقوبة سوى عامٍ ونصف؛ حتى هرب من السجون في فترة الانفلات الأمني التي تزامنت مع أحداث ثورة 25 يناير، ويستقبله قادة حزب الله في احتفالية صاخبة في بلدة «حداثا» . ويصفه نصرالله بـ«الأسير المحرر».
وجاء في شهادة اللواء محمود وجدي، وزير الداخلية المصري الأسبق، في قضية هروب المساجين، أنه «رصد معلومات تأكدت له باتفاق بين جهات خارجية مع جهات داخلية، وعناصر ملثمة من حماس وحزب الله وكتائب القسام والجهاد والجيش الإسلامي الفلسطيني مع بدو سيناء».
وأكدت حيثيات الحكم أن تقارير المخابرات المصرية أشارت إلى «تسلل بعض العناصر الفلسطينية من حماس، وكتائب عز الدين القسام، والجهاد والجيش الفلسطيني الإسلامي، وعدد من 70 إلى 90 عنصرًا من حزب الله»، وهم من قاموا بعملية تهريب المساجين اللبنانيين، والفلسطينيين، والمصريين من جماعة الإخوان المسلمين.
في ذكري تحرير سيناء، وأمام جموع من قيادات وضباط القوات المسلحة، وجه الرئيس الأسبق المعزول محمد حسني مُبارك رسالة غير مباشرة لحزب الله، عقب الكشف عن خلية التجسس قائلًا: «إن ارتباط أمن مصر القومى باستقرار الشرق الأوسط، وبأمن الخليج والبحر الأحمر، والوضع في السودان ودول حوض النيل وأفريقيا. تجعلنا ننحاز إلى هويتنا العربية، ولن نسمح بتدخلات إقليمية تعادي السلام، وتدفع بالمنطقة إلى حافة الهاوية، تسعى إلى فرض أجندتها ونفوذها على العالم العربي، وتدفع بعملائها للمنطقة لتهديد أمن مصر القومي واستباحة حدودها وزعزعة استقراراها». وأنهي خطبته: «إننا واعون تمامًا لمخططاتكم، كفاكم تخريبًا. احذروا غضب مصر وشعبها».
ينكشف العداء الرسمي من جانب السلطات المصرية لحزب الله في تصريحات أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية المصري آنذاك، في مقابلة تلفزيونية التي قال فيها: «تنظيم حزب الله على أرض دولة عربية، قرر يخترق الأرض المصرية، ويقوم بسياسات هو مسئول عنها، وتستهدف تحقيق أوضاع أخرى. هذا الكلام غير مقبول، وله عواقبه. المدافعين عن حزب الله. محاولة لتطويع سياسة مصر . ولن تحقق آمالهم. المأساة الكبرى، أنهم بيعادوا دولة ذات تأثير، دولة وقفت على مدى تاريخها داعمة للقضية الفلسطينية».