الكوب المُفضل لديك، والقلادة التي ترفض أن تخلعها من رقبتك، والمقعد المحبب لنفسك، والذي تغضب حينما يجلس عليه أحد غيرك، كل هذا التعلق بالجمادات لا يشكل خللًا نفسيًا، ولكن حينما يتطور الأمر إلى استبدال تلك الجمادت بالبشر، والانجذاب الجنسي لها؛ في تلك الحالة ينير مؤشر الخطر، ويجعلنا ننظر نظرة أعمق على هذا التعلق والحب الغريب. فكيف يمكن لسيارة أن تغضبك؟
هناك أكثر من حالة حول العالم اختار أصحابها الانخراط في علاقات عاطفية مع جمادات، والتي استمرت لسنوات طويلة زخرت بالحب والوفاق بينهما. في هذا التقرير نذكر لك ثلاثة حالات مرت بتلك التجربة، وتفسير تلك الحالة النفسية الغريبة.
متزوجة من برج إيفل
برج إيفل من أهم المعالم السياحية في العالم، ويعتبر العلامة المميزة لمدينة باريس، ومثله مثل الأهرامات في مصر. لا يسافر أحد إلى هناك تقريبًا، إلا ويلتقط لنفسه صورة مع هذا الصرح المعماري، ولكن إلى أي مدى قد يعشق البشر هذا البرج ويقدره؟ على الأرجح لن يكون حب أحدهم بقدر عشق السيدة الأمريكية إريكا.
في العام 2008 وقعت إريكا في غرام برج إيفل، كما تقع المرأة في غرام الرجل، وعشقها لهذا البرج لم يكن بداية عشقها للجمادات؛ فقد كانت على علاقة من قبل بالقوس الذي كانت تستخدمه في الرماية، والذي ساعدها أن تكون محترفة في هذا المجال؛ حتى انضمت للجيش الأمريكي، وخدمت في صفوفه سنوات طويلة.
صورة لإريكا وهي تحتضن برج إيفل وتقبله. لقطة من فيلم «متزوجة من برج إيفل».
ولكن إريكا تعتبر برج إيفل هو العلاقة الجادة الأولى في حياتها، ولذلك تعهدت بحبه وتكريمه في السراء والضراء، وفي حفل صغير، حضره أصدقاؤها والمقربون منها، أقامت مراسم زفافها على برج إيفل، وحتى تمنح للأمر قدرًا من الرسمية غيّرت اسمها إلى «إريكا برج أيفل». تلك القصة التي أثارت الرأي العام؛ حتى أُنتج فيلم وثائقي يحكي قصة حب إيريكا الغريبة بعنوان «Married to the Eiffel Tower»، أو «متزوجة من برج إيفل».
البعض يظن أنني أختار الجماد الذي أحبه، أو أنني فشلت في علاقاتي الإنسانية ولذلك أقع في غرام الجمادات، ولكن الواقع أنني لا استطيع أن أتحكم في مشاعري، وحينما وقعت في غرام برج إيفل كان الأمر خارجًا عن إرادتي* هكذا صرحت إيركا في الفيلم الوثائقي.
ولكن هذا الفيلم الوثائقي إلى جانب الضجة الإعلامية التي خلفها كانا العائق بين بطلي قصة الحب الغريبة؛ ففي أحد المشاهد المحورية في الفيلم تتجرد إريكا من القليل من ملابسها، وتظهر ساقها عارية، وهي تقترب بأداء جنسي من البرج، وكأنها تخبر العالم عن حبها له، وصانع الفيلم استغل تلك اللحظة – وفقًا لتصريحات إريكا – حتى يظهرها وكأنها شخص مهووس.
هذا الأمر أثار حفيظة الكثير من المواطنين الفرنسين، إلى جانب تحفظ رجال الأمن في البرج على عودة إريكا مرة آخرى، وبعد سنوات من هذا الحب، كان فيلم واحد قادرًا أن يدمر تلك العلاقة التي كانت تراها إريكا بريئة، وصرحت قائلة: «عندما رفض رجال الأمن دخولي للبرج حطمني هذا، وكانت الضربة الأخيرة، وكان علي أن أنسحب».
سيارته هي حبه الوحيد
البعض يقول إن السيارة تكون البيت الثاني للإنسان، والذي يشعر فيه بالراحة والخصوصية، وللسيارات وسباقاتها وطرزها المختلفة العديد من المحبين، والعديد من البرامج والأفلام الدرامية التي تغذي هذا العشق، ولكن الشاب الأمريكي ناثينال قد وصل بهذا العشق إلى مرحلة متقدمة للغاية.
هناك البرنامج التلفزيوني My Strange Addiction»؛ والذي يُعرض على شبكة قنوات «TLC» منذ العام 2010، ويعرض الكثير من حالات الإدمان الغريبة، وفي إحدى حلقاته التي عُرضت بالعام 2015 ظهر البرنامج الشاب ناثينال، والذي يعيش قصة حب حقيقية مع سيارته الحمراء.
«كان حبًا من النظرة الأولى؛ فجسدها، ومقصورتها الداخلية، وكل شيء فيها متناسق مع بعضه تناسقًا تامًا. لقد شعرت بتواصل عاطفي فوري منذ أن رأيتها»؛ هكذا صرح ناثينال في الحلقة التلفزيونية، والتي حملت عنوان «Sex With My Car»، وأكد ناثينال أن علاقته بسيارته ملتزمة منذ خمس سنوات، وأنه لا يخونها أبدًا مع أية سيارة أخرى.
بعد مرور عامين على تصوير تلك الحلقة تابع الإعلام حالة ناثينال، والذي كان قد بدأ علاجًا نفسيًا للتعرف على طبيعة المشاعر التي يمر بها تجاه سيارته، وفي إحدى الحوارات الإعلامية أكد ناثينال أنه لازال واقعًا في غرام سيارته، بل إنه يشعر أن علاقتهما أصبحت أكثر قربًا وقوة، وأن علاجه النفسي لم يُخلصه من حبه لها، بل بالعكس جعله يتصالح نفسيًا مع توجهاته الجنسية التي يراها جميع من حوله أنها غريبة.
«أحب تمثال الحرية عن بُعد»
هي تعيش في بريطانيا، وهو مستقر في الولايات المتحدة الأمريكية، وأماندا ويتكر تعشقه من كل قلبها، وتضع له تمثالًا في منزلها، وعلى الرغم من أن العلاقات التي تنشأ بين اثنين بينهما مسافات طويلة نادرة الحدوث. إلا أن أماندا ترى أن الأمر يستحق العناء؛ فلحظة لقائها بحبيبها حينما تستطيع السفر له تكون من أحلى لحظات حياتها، وقد صرحت أنها في المرة الثانية التي قابلته فيها. بمجرد أن لمسته اجتاح جسدها هزة الجماع.
أماندا مع تماثيل الحرية التي تحتفظ بها في منزلها – wanderlustmind
لا نتحدث عن رجل وسيم هُنا، بل نتحدث عن تمثال الحرية، وفي تلك الحالة تعتبر أماندا نفسها مثلية الجنس؛ لأنها تعامل التمثال معاملة المرأة، مؤكدة أنها حينما زارتها للمرة الأولى في العام 2012، شعرت بشرارة الحب تنشأ بينهما، وشعرت بهذا الحب يجتاح كيانها كله، وأقسمت لها أنها لن تنساها أبدًا حينما تعود إلى موطنها، ومن ثم كتبت لها قصيدة، وقرأتها لها، وتعهدت بحبها للأبد.
لماذا قد ينجذب البشر جنسيًا للجمادات؟
حينما صرحت إريكا – زوجة برج إيفل – بأنها ليس لديها سيطرة على مشاعرها لم تكن تدعي ذلك؛ فما تمر به هي والحالات التي ذُكرت في التقرير هو اضطراب نفسي يطلق عليه «Object sexuality». وهو اضطراب يعرفه علم النفس بكونه يصيب البشر، ويجعلهم ينجذبون جنسيًا للجمادات كما ينجذب البشر لبعضهم البعض.
ولا يكون الأمر مجرد رغبة جنسية مجردة، بل إن الشخص يعامل هذا الجماد معاملة الشريك العاطفي، فلا ينجذب لجماد غيره، ويعمل على أن يكون مخلصًا لعلاقتهم، وبعضهم يصدق أن الجماد يبادله نفس المشاعر بطريقة أو باخرى، ومن يعانون هذا الاضطراب؛ ينظرون إلى العلاقات العاطفية بدهشة واستغراب وربما تقزز أيضًا، ولا يفهمون كيف يمكن لاثنين من البشر أن يقعا في غرام بعضهما.
في دراسة نُشرت لها في جريدة «Internet Journal of Human Sexuality» بالعام 2010. أكدت الطبيبة النفسية إيمي مارش أن علم النفس اهتم مؤخرًا بدراسة تلك الحالة النفسية الفريدة، وبعد إجراء دراستها على 40 شخصًا يعانون من هذا الاضطراب. ساندتهم في لقاء تلفزيوني، وطالبت بضرورة الاعتراف بهذا النوع من التوجه الجنسي؛ لأن صاحبه يمر بمشاعر لا تختلف بالمرة عن المشاعر التي يختبرها من يقع في غرام شخص آخر.
على الجانب الآخر صرح فلوكمار سيجوس الطبيب النفسي والمدير السابق لمعهد العلوم الجنسية بجامعة فرانكفورت أن هذا الاضطراب النفسي ليس سوى تجسيد للاتجاه الذي يسلكه العالم بأكمله تجاه اللاجنسية، بداية من الدُمى الجنسية، والنساء الافتراضيات على «الإنترنت» وغيرها من الابتكارات التي استطاعت استبدال البشر بشريك جنسي من الجمادات.
ويؤكد سيجوس أن « العالم مأهول بالأفراد المعزولين اجتماعيًا وجنسيًا»، وعلى الرغم من ذلك فإن سيجوس لا يفضل أن يُطلق على أصحاب تلك التوجهات الجنسية مرضى نفسيين، فهم ليسوا خطرًا على المجتمع بالمرة.
وفي نظرية أخرى يرى البعض أن سبب هذا الانجذاب الجنسي للجمادات هو مرور الشخص بصدمة عاطفية في مرحلة الطفولة، والتي جعلته غير قادرًا على الاعتماد النفسي على البشر، وارتباطه العاطفي والجنسي لتلك الجمادات يشعره بالأمان والراحة، وحتى الآن لا زال علم النفس يعمل على تحليل ودراسة تلك الحالة النفسية الفريدة.