أدعوك إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، دون التلاعب بها أو تدخل المؤسسات العسكرية والأمنية، وتحقيق مطالب الإيرانيين الذين نزلوا للشارع مطالبين بها *رسالة الرئيس الإيراني السابق (أحمدي نجاد) للمرشد الأعلى «علي خامنئي».

رأى البعض في إيران أن الصراع بين رئيسها السابق (أحمدي نجاد) ومرشدها الحالي (علي خامنئي) تطور إلى مرحلة لم يكن يتوقعها أحد، فيقول حيدر أصفهاني (أستاذ العلوم السياسة المحسوب على التيار المحافظ) لـ«ساسة بوست»: «أرى في رسائل أحمدي نجاد الأخيرة تطاولًا على المرشد، فطوال تاريخ الجمهورية الإسلامية لم يتجرأ أحد ويخاطب المرشد بتلك النبرة»، ويرى أصفهاني أن أحمدي نجاد أشار إلى تزوير الانتخابات في اتهام مباشر للمؤسسات العليا في إيران ومن بينهم المرشد الأعلى.

2009.. قطبا السياسة الإيرانية يتصارعان

منذ أن كان أحمدي نجاد محافظًا لطهران وهو يلقى دعمًا كبيرًا من خامنئي، فالرجلان يتشاركان نفس وجهات النظر في العديد من القضايا، وقد انتخب أحمدي نجاد رئيسًا لإيران في عام 2005 بعد فوزه على منافسه هاشمي رفسنجاني، ومرت الفترة الأولى بسلام.

بدأت بوادر التوتر بين الرجلين في نهاية الفترة الأولى وبداية الفترة الثانية لنجاد، عندما فاز عام 2009 بولاية رئاسية ثانية وسط غضب وسخط شريحة كبيرة من  الإيرانيين ومظاهرات دموية عرفت باسم «الثورة الخضراء»، وكان منافسه في تلك الانتخابات المرشح المحسوب على التيار الإصلاحي مير حسين موسوي.

الحركة الخضراء في إيران

فى بداية فترته الثانية قام أحمدي نجاد ببعض التعديلات الوزارية التى لم تلقَ استحسانًا من المرشد الأعلى ونصحه بالعدول عنها، لكن نجاد قابل نصائح المرشد بالتجاهل، وقد اشتد الصراع عندما عين «نجاد» أحد أقرب مقربيه (إسفنديار رحيم مشائي) نائبًا أولًا له، وهو الرجل الذي لا يحظى بشعبية لدى المؤسسات العسكرية وكان محط انتقاد دائم من رجال الدين بسبب آرائه الدينية المخالفة.

أرسل «خامنئي» حينئذٍ تحذيرًا لأحمدي نجاد لكن الأخير لم يلتفت إلى تحذيرات المرشد، الذي صرح علانية في لقاء متلفز في إحدى المناسبات الدينية «أدعو الرئيس للعدول عن قرار تعيين مشائي، فهذا القرار ضده وضد مصلحة البلاد».

وخرج المئات من الإيرانيين المحسوبين على التيار المحافظ في مظاهرات مطالبة بإقالة مشائي، منددين بـ«عصيان» أحمدي نجاد لأوامر خامنئي، وبعد عدة أيام من الشد والجذب رضخ أحمدي نجاد لقرار المرشد وأقال نائبه الأول.

 

أحمدي نجاد يمتنع عن القيام بمهامه الرئاسية

لم يدم الهدوء بين أحمدي نجاد و«خامنئي» طويلًا، ففي عام 2011 قرر أحمدي نجاد الإطاحة بوزير الاستخبارات حينها «حيدر مصيلحي»، الذي كان محسوبًا على المرشد والحرس الثوري، ويرى الصحفي الإيراني «رامين خليلي»، أن أحمدي نجاد كان يحاول بتلك الخطوة الخروج من وصاية المرشد، فيقول لـ«ساسة بوست»: «كل الدعم الذي قدمه خامنئي لأحمدي نجاد أغر الرجل، وجعله يعتقد أنه يستطيع مواجهة الحرس الثوري والمرشد والسيطرة على المؤسسات الكبيرة في الدولة».

لم يرض خامنئي عن إقالة «مصيلحي» ورفض استقالته التي أجبر عليها، فجن جنون أحمدي نجاد، وترك مكتبه ورفض حضور اجتماعات المجلس الوزاري واعتكف في منزله لمدة 11 يومًا في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

وكانت تلك اللحظة التي فقد فيها أحمدي نجاد دعم رجال التيار المحافظ ولم يتبق له إلا أنصاره. ولكن بعد 11 يوم عاد أحمدي نجاد إلى مهامه مرة أخرى عندما شعر بالخطر بعد مطالبة عدد من النواب في البرلمان بعزله من منصبه.

«نجاد» يرفض نصيحة المرشد مجددًا

فى عام 2016 أعلن «نجاد» أنه ينوي الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية ضد الرئيس الحالي (حسن روحاني)، فصرح خامنئي حينها دون الإشارة مباشرة إلى أحمدي نجاد «التقيت أحدهم وقلت له من أجل مصلحته ومصلحة البلاد، لا تترشح للانتخابات».

ثم أعلن بعدها أحمدي نجاد أنه قد استمع إلى نصيحة المرشد ولن يترشح، بل سيقف بجوار نائبه (حميد بقائي) الذي كان قد أعلن نيته أيضًا للترشح، لكن «نجاد» قد فاجأ الجميع بعد ذلك بذهابه لتقديم طلب للترشح هو ونائبه قائلًا «لقد أقدمت على تلك الخطوة بالرغم من توصية المرشد، فقط لحماية السيد بقائي».

لكن مجلس صيانة الدستور (الجهة المختصة بالنظر في أهلية المرشحين للانتخابات الرئاسية) قضى على أحلام الرجل ونائبه، ورفضت طلبات ترشحهما، وبعدها بأيام قليلة تم تداول أخبار عن قرب اعتقال «بقائي» في قضايا تتعلق بالفساد المالي.

 

معركة أحمدي نجاد مع «الإخوة لاريجاني»

بدأ أحمدي نجاد معركته مع «الإخوة لاريجاني»، وهي الأسرة الأقوى في إيران والتي يترأس الأخ الأكبر فيها (علي لاريجاني) رئاسة البرلمان، وصادق لاريجاني رئيس القضاء، وجواد لاريجاني رئيس مجلس حقوق الإنسان.

في عام 2013 في نهاية ولاية أحمدي نجاد عرض أمام البرلمان شريطًا مصورًا يظهر فيه فاضلي لاريجاني (الشقيق الأصغر في العائلة) وهو يتلقى رشاوى، فقوبل حينها بهجوم حاد من قبل صادق لاريجاني، لكن تم التكتم على الأمر بأوامر مباشرة من المرشد.

لكن عاد أحمدي نجاد مرة أخرى لمهاجمة عائلة لاريجاني في عام 2017 وبالأخص صادق لاريجاني (رئيس القضاء) متهمًا ابنته «زهراء» بالتورط في قضية تجسس لصالح السفارة البريطانية في طهران، وقال أحمدي نجاد أن الحرس الثوري اعتقل زهراء ولا أحد يعرف مكان احتجازها.

صادق لاريجاني

وهذا ما أنكره رئيس السلطة القضائية في حديثه أمام طلاب الجامعات الإيرانية قائلًا: «إن أحمدي نجاد طلب من أحد المسئولين الكبار في الدولة أدلة على تورط ابنتي في قضية تجسس، وعندما جاءه الرد بأنه لا صحة لتلك الشائعات، صرح نجاد بأنه يملك بعض الأدلة على اعتقال زهراء، والجميع في إيران يعرف تلك القصة».

وفي رسالته الأخيرة استمر أحمدي نجاد في انتقاد القضاء الإيراني فدعا المرشد إلى ضرورة إقالة جميع المسئولين الكبار في السلطة القضائية وعلى رأسهم صادق لاريجاني.

اعتقال رجال «نجاد» المقربين

فى 13 مارس (آذار) الماضي صدرت الأوامر باعتقال حميد بقائي (نائب أحمدي نجاد) والحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا بتهمة اختلاس مبالغ تصل إلى 4 ملايين دولار، فقام رحيم مشائي بالاعتراض على سجن بقائي بإحراق أمر المحكمة أمام السفارة البريطانية في طهران، واعتُقل بعدها بأيام قليلة.

مرشد الثورة الإسلامية (علي خامنئي)

اعترض أحمدي نجاد على اعتقال كل من «بقائي» و«مشائي» بكتابة رسالة انتقاد أخرى لكن تلك المرة لم يوجهها إلى خامنئي بل إلى قاسم سليماني (قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني)، قائلًا إن من ضمن التهم الموجهة إلى بقائي هي تلقي أموال من الحرس الثوري وأنا أسالك الآن لماذا تلقى «بقائي» أموالًا من الحرس ومن أجل أي عمل أرسلت له تلك الأموال، بموجب أي قانون؟

وأضاف أحمدي نجاد في خطابه: «أنت ضحيت من أجل إنهاء الظلم في سوريا والعراق، فلماذا تصمت عن الظلم في بلدك؟»، وأنهى رسالته بتهديد صريح لـ«سليماني» قائلاً «إذا لم يتم رفع الظلم عن بقائي فسوف أتحدث عن الأعمال المشتركة بيني وبينك».

إلى الآن لا يعلم أحد ما هو سر صمت المرشد الأعلى تجاه الانتقاد والتهم المباشرة التي وجهها أحمدي نجاد لشخصه، فأحمدي نجاد طوال الفترة الأخيرة أقدم على اتهام الكل في إيران بالفساد، في بعض الأحيان يتم التلويح بقرب محاكمته وفتح ملفات القضايا المتورط بها، لكنه ما زال حرًا يكتب الرسائل ويتهم الكل.

المصادر

تحميل المزيد