يستقبل الدماغ المثيرات المختلفة من الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والتذوق والشم، بالإضافة إلى الحواس الداخلية والعضلات، ويترجم هذه المعلومات الحسية عن طريق تخزينها وتحليلها وتفسيرها، ثم يتخذ القرارات المناسبة من فهم وإدراك وانتباه وتركيز وحركة وكلام.
يؤدي أي تلف أو خلل في الدماغ إلى حدوث خلل في هذه العمليات الإدراكية، والتي تؤدي بدورها إلى حدوث اضطراب في عملية التعلم يُعرف باسم صعوبات التعلم.
إذن.. ما هي صعوبات التعلم؟
بحسب موقع «الجمعية الأمريكية للسمع والنطق واللغة (ASHA)»؛ فإن صعوبات التعلم تُعد خللًا في وظيفة الدماغ أو اضطرابًا انفعاليًّا وسلوكيًّا يتسبب في عجز أو تأخر في واحدة أو أكثر من عمليات النطق، واللغة، والقراءة، والتهجئة، والحساب، والكتابة.
ويضيف الدكتور بطرس حافظ بطرس، أستاذ الصحة النفسية بجامعة القاهرة في كتابه «التقويم والتشخيص في التربية الخاصة» أن «صعوبات التعلم لا تشمل الأطفال الذين يعانون من مشكلات تعليمية ناتجة من إعاقات بصرية أو سمعية أو حركية، أو تأخر عقلي، أو حرمان بيئي». وتنقسم صعوبات التعلم إلى صعوبات تعلم نمائية، وصعوبات تعلم أكاديمية.
صعوبات التعلم النمائية.. اضطراب المهارات الأولية هو السبب
يتطور الأطفال بشكل سريع في السنوات الخمس الأولى من حياتهم على المستوى الجسدي والحركي واللغوي والسلوكي والتعليمي. تظهر معالم التطور في قدرة الطفل على الزحف، ثم المشي، والابتسام والتلويح، واللعب، واكتساب المهارات اللغوية البسيطة، وتُعد هذه التطورات علامةً على ما سيصبح عليه الطفل عندما ينتقل إلى مرحلة جديدة في النمو.
طفل يعانى من صعوبات تعلم نمائية مشكلة في التآزر الحركى البصري
يقول دكتور أيمن حلمي عويضة في كتابه «سيكولوجية الفئات الخاصة «إن صعوبات التعلم النمائية تظهر في شكل اضطراب في الوظائف والمهارات الأولية التي يحتاجها الطفل، وتتعلق بالوظائف الدماغية والعمليات العقلية والمعرفية، ويرجع السبب فى حدوثها إلى اضطرابات وظيفية تخص الجهاز العصبي المركزي».
وتنقسم الاضطرابات النمائية إلى اضطرابات نمائية أولية متعلقة بالانتباه والذاكرة والإدراك، واضطرابات نمائية ثانوية متعلقة باللغة والتفكير.
كيف تكتشف أن طفلك يعاني من صعوبات تعلم نمائية؟
يشرح كتاب «سيكولوجية الفئات الخاصة» أن صعوبات التعلم النمائية تؤثر بشكل واضح في ثلاثة مجالات حيوية ومهمة للنمو عند الطفل، يمكن لأيٍّ من الوالدين ملاحظتها بسهولة، وهى كما يلي:
1- النمو اللغوي
يُعد التأخر اللغوي في مرحلة الطفولة المبكرة، في الفترة من سنتين إلى خمس سنوات، من المؤشرات المبكرة لوجود صعوبات في التعلم، يواجه الطفل في هذه المرحلة صعوبة في فهم اللغة الاستقبالية (اللغة الموجهة إليه) وصعوبة فى استخدام اللغة التعبيرية (اللغة التي يعبر بها عن نفسه)، كما يعاني بعض الأطفال من صعوبة في تكوين اللغة نفسها، مثل حذف أو إضافة بعض الحروف إلى الكلمة.
2- النمو المعرفي
يُشير النمو المعرفي إلى الطريقة التي يفكر بها الطفل، ويكتشف بها العالم من حوله، ويؤدي أي خلل في عملية النمو المعرفي إلى خلل في الانتباه والإدراك والتفكير.
3- نمو المهارات البصرية الحركية
يُعرِّف دكتور السيد عبد الحميد سليمان في كتابه «صعوبات التعلم النمائية» المهارات البصرية الحركية أو التآزر البصري الحركي بأنه القدرة على تأدية الأنشطة التي تتطلب دمج المهارات البصرية والحركية، والذي يؤثر أي عجز فيها في قدرات الطفل الحركية، ويعرقل بعض المهارات الخاصة بالتعلم، مثل ضعف الكتابة اليدوية، أو إكمال المهام الحركية الدقيقة.
صعوبات التعلم الأكاديمية.. هذه أسباب تأخر طفلك الدراسي
يعتقد الكثير من الآباء ومقدمي الرعاية أن تأخر الطفل عن أقرانه في المهارات الأكاديمية علامة على فشله الدراسي، وتدني قدراته العقلية، لكن الأمر يرجع إلى أن الطفل يعاني من صعوبات التعلم الأكاديمية التي تؤثر في مهاراته في القراءة والكتابة والتهجئة والحساب، والتي تحدث نتيجةً لوجود خلل في مهارات الطفل النمائية.
طفل يعاني من صعوبات تعلم أكاديمية
تأخر طفلك الدراسي.. ليس علامة على معدل الذكاء
بحسب موقع «مايو كلينك» فإن صعوبات التعلم تحدث نتيجة فجوة بين مهارات الطفل المتوقعة منه وفقًا لذكائه وبين أدائه الأكاديمي، ولا تُعد صعوبات التعلم علامة على تدني قدرات الطفل العقلية أو تدني مستوى ذكائه، فنسبة كبيرة من الأطفال ذوي صعوبات التعلم يتمتعون بمعدل ذكاء متوسط أو أعلى من المتوسط، وربما كانوا موهوبين؛ الأمر الذي يثير تعجب الكثير من الآباء والمعلمين.
هل يتعثر الموهوبون دراسيًّا؟
تُشير دكتور كاثرين ورمالد، المحاضر بجامعة «ولونجونج الأسترالية»، إلى أن هناك فئة من الأطفال لديهم قدرات عقلية فائقة في بعض المجالات الفنية والرياضية والأكاديمية، لكن هذا التفوق لا يظهر داخل صفوفهم الدراسية، فهم يعانون من صعوبات تعلم تظهر في شكل تأخر في المهارات الأكاديمية مثل القراءة والكتابة والتهجئة، فما السبب وراء ذلك؟
اضطراب في معالجة المعلومات.. المخ وراء كل هذا
يتكون الدماغ من نصفين كرويين؛ نصف المخ الأيمن ونصف المخ الأيسر؛ لكلٍّ منهما تركيبه ووظائفه الخاصة به، ويعالج كل نصف منهما المعلومات بطريقة تختلف عن النصف الآخر، ولكن بشكل متكامل، يشرح دكتور سليمان عبد الواحد يوسف في كتابه «المخ وصعوبات التعلم رؤية في إطار علم النفس العصبي المعرفي» أنه أحيانًا يحدث عدم تكامل بين نصفي المخ يؤدي إلى خلل في طريقة معالجة المخ للمعلومات فتظهر صعوبات التعلم.
التربية العلاجية هي الحل
يُركز مفهوم التربية العلاجية على تطوير الحواس المختلفة للطفل وتنميتها لمواجهة صعوبات التعلم. فيشرح دكتور جمال مثقال مصطفى في كتابه «أساسيات صعوبات التعلم» أن هناك مجموعة من العلماء مثل الطبيب الفرنسي إدوارد سيجان، والطبيبة الإيطالية ماريا منتسوري، ركزوا على تطوير حواس الأطفال المختلفة.
لأنها وسيلة التعلم واكتساب المعرفة، وصمموا مجموعة من البرامج التربوية التي تهدف إلى تطوير قدرات الأطفال الذاتية وتنمية المهارات والقدرات البصرية والسمعية والتمييز اللمسي وتنمية مهارات القراءة، والكتابة والكلام بطرق علاجية، بالإضافة إلى اهتمامهما باستخدام مقاييس الذكاء المختلفة مثل مقياس «ستانفورد بينيه» لتقييم الأطفال قبل بدء مراحل العلاج.
وهذه بعض الإستراتيجيات المستخدمة لعلاج صعوبات التعلم
قدم الدكتور جمال مثقال مجموعة من الاقتراحات التي تساعد في علاج صعوبات التعلم، ومنها:
1- تحليل المهمات: يُقصد بها تحليل النشاط المراد القيام به أو المهارة المراد تعلمها إلى مهمات صغيرة، والتي يستلزم إتمامها استخدام العضلات الكبيرة أو الصغيرة، ومهارات التآزر البصري الحركي.
2- تنمية القدرات: تسعى هذه الإستراتيجية إلى تنمية مهارات الأطفال النمائية مثل الانتباه والإدراك والتذكر، ويتم ذلك عن طريق برامج علاجية وتربوية معينة يحددها مهنيون متخصصون، مثل مختص تعديل السلوك، ومختص التخاطب.
3- الإستراتيجية الإدراكية الحركية: تعتمد هذه الإستراتيجية على تحديد أوجه الضعف فى مهارات الأطفال الإدراكية الحركية مثل التآزر البصري بين حركة العين واستخدام القلم عند أداء الواجبات المدرسية، والعمل على تنميتها وفقًا لبرامج علاجية متخصصة.
4- الإستراتيجية النفس لغوية: تسعى هذه الإستراتيجية إلى تحديد أوجه القصور اللغوي التي يُعانى منها الطفل عن طريق مجموعة من الاختبارات التي يقوم بها بعض المهنيين مثل مختص التخاطب.
5- إستراتيجيات تعديل السلوك: تهتم هذه الإستراتيجية بتعديل بعض السلوكيات المصاحبة لصعوبات التعلم مثل فرط الحركة وتشتت الانتباه.
وللأسرة دور كبير في علاج مشكلات صعوبات التعلم
- ملاحظة مراحل نمو الطفل المختلفة؛ خاصةً مرحلة ما قبل المدرسة، والتي تتطور فيها مهارات الطفل النمائية من انتباه وإدراك وتذكر، ورصد أي قصور في هذه المهارات ومحاولة علاجها حتى لا تتفاقم المشكلة وتؤثر في مهارات الطفل الأكاديمية في مرحلة المدرسة.
- ملاحظة المشكلات الأكاديمية التي يعاني منها الطفل في مرحلة المدرسة ومحاولة مساعدته عن طريق اللجوء للمهنيين والمختصين، مثل مختص صعوبات التعلم، ومختص التخاطب، ومختص تعديل السلوك.
- وأخيرًا تقبُّل الطفل كما هو، وعدم مقارنته بأقرانه ولومه على تأخره الدراسي، وتقديم المساعدة له.