«اجلس في مكان هادئ بعيد عن المقاطعات، إضاءة خافتة، وأغمض عيونك»؛ تلك الجملة تعد مفتاح بوابة عالم جديد في الخيال فقط، يمكنك أن تعيشه وأنت مستلق على فراشك، أو جالس على أريكتك، وسماعات الأذن الموصولة بالهاتف في أذنيك، لتنفصل عن العالم الواقعي مع صوت الشخص الذي يدير جلسة التأمل، وتغوص في عالم الخيال؛ بغرض العلاج الروحي والجسدي أيضًا؛ من خلال تحكمك بعقلك في جلسات تأمل يمكنك أن تحضرها عبر الإنترنت. تلك الطريقة في التأمل عبر الإنترنت بدأت في الانتشار عربيًا بالسنوات الأخيرة، وهي يطلق عليها «العلاج بموجات الثيتا»، فما هي هذه الطريقة، وهي هي فعالة حقًا؟
«الثيتاهيلنج».. هل يمكن لخيالك أن يعالجك؟
تقنية العلاج بالثيتا تعتمد كليًا على اختراق موجات المخ والعلاج من خلال التأمل والخيال، ولكي نشرح ما هو «الثيتا هيلنج» أو العلاج بموجات الثيتا، يجب أن نخبرك عن أنواع موجات المخ ودورها في حياتك أولًا. هناك في عقل كل إنسان موجات مختلفة بترددات مختلفة كما رصدها العلم، منها موجات جاما وهي المسؤولة عن زيادة الإدراك والتعلم وتنفيذ مهام الحياة اليومية وحل المشكلات، وهي أسرع موجات قابلة للقياس بين موجات المخ، وتلك الموجات لاحظ العلماء أنها تكون أقوى وأكثر انتظامًا لدى المتأملين على المدى الطويل مثل الرهبان البوذيين. وتلك الموجات ينصح بتنشيطها في حالة الرغبة في التركيز أي قبل العمل أو المذاكرة، ولها العديد من المقاطع المنتشرة عبر الإنترنت.
النوع الثاني هو موجات بيتا وهي الموجات التي تنشط في المخ عند خوض تجربة جديدة، أو الشعور بالحماسة أثناء محادثة ونقاش نشط، بينما موجات ألفا فهي معنية بالاسترخاء الجسدي والعقلي، وهي من أبسط الموجات وكانت أول موجة يتم اكتشافها، وتنشط تلك الموجات في المخ عندما تكون العيون مغلقة والعقل في حالة استرخاء مثل الوقت الذي يسبق النوم، أو أثناء ممارسة اليوجا، وأثناء ممارسة الانسان لأي نشاط مبدع أو ينطوي على ابتكار.
أما موجات دلتا فهي تعد أبطأ أنواع موجات الدماغ، وتنشط في حالة النوع العميق والأحلام، ثم تأتي موجات الثيتا؛ موضوع حديثنا اليوم. موجات الثيتا تنشط في حالة الاسترخاء العميق، ولحظات البصيرة والحدس أو حالات التأمل العميق أثناء أحلام اليقظة، والأهم من كل ذلك أنها مرتبطة بالعقل الباطن، فهي الموجات التي تنشط عندما يقوم الإنسان بكل الأفعال التلقائية التي يفعلها دون تركيز مثل تنظيف الأسنان أو الاستحمام أو أي مهمة يومية اعتادها لسنوات، ولذلك تكون موجات الثيتا هي البوابة لاختراق العقل الباطن، وعلاجه بحسب من يتبعون ذلك المنهج، الذين يستخدمون تقنية «تنزيل المشاعر» وهم «معالجو الثيتا».
ظهرت تلك التقنية للمرة الأولى للحياة في عام 1955 على يد الكاتبة ومدربة التأمل فيانا ستيبال، وقد نشرت العديد من الكتب بغرض شرح تلك التقنية، كما أنها أخبرت الإعلام عن تجربتها مع تلك الطريقة في العلاج والتي ابتكرتها لتشفي نفسها من مرض سرطان العظام بحسبها، حتى أصبحت كلمة «ثيتاهيلنج» ماركة مسجلة لنوع جديد من العلاج الروحاني التأملي.
وعلى الرغم من اعتراف العلماء بقوة العقل بالإيحاء للعلاج الجسدي وليس النفسي فقط، بدليل استخدام عقارات البلاسيبو والتي لا تحتوي على أي مواد كيميائية وتعتمد على إيحاء المريض بأنه يتناول عقارًا حقيقيًّا عندما يكون مرضه الجسدي لأسباب نفسية، حتى يوحي لعقله أن يعالج نفسه بنفسه، إلا أن الأطباء والعلماء يدرجون العلاج بموجات الثيتا تحت بند «العلم الزائف».
وعلى هذا تعلق وسام حسين «مدربة الثيتا هيلنج» في مصر؛ أنها منذ أن أدركت قوة عقل الإنسان في علاج نفسه سواء روحيًا أو جسديًا، وقدرة برمجة العقل على تغيير حياة الإنسان كليًا، لم تعد تهتم بالانتقادات التي تحوم حول الثيتاهيلنج أو أي نوع آخر من العلاج الذي يعتمد على التأمل والخيال، مؤكدة أنها على إدراك تام أن تلك المهنة بها العديد من «النصب» وهو ما وقعت فيه بنفسها عدة مرات أثناء دراستها لتلك النوعية من العلاج، ولكنها تقول إنها مثل أي مهنة أخرى بها الزائف والحقيقي، وهي لم تيأس حتى وصلت للمكان الذي منحها شهادة التدريب، وكان يعتمد على أساليب فعالة، غيرت حياتها هي شخصيًا سواء روحانيًا أو ماديًا، بحسب روايتها.
إعادة برمجة المعتقدات الموروثة من الأسلاف
تعتمد تقنيات العلاج بموجات الثيتا بحسب المعالجين على اختراق العقل الباطن بغرض التخلص من كل المعتقدات الهدامة أو السامة الموروثة في الوعي وفي الحمض النووي، وترجح تلك التقنية أن نسبة كبيرة من أفعال الإنسان تكون بسبب تلك المعتقدات الموروثة من الأسلاف والتي لا تفيده في حياته الشخصية، وقد لا يكون واعيًا لها من الأساس، على سبيل المثال قد يكون رجل مقتنعًا تمامًا بحق المرأة في العمل، ولكنه لا يستطيع أن يتقبل أن تكون زوجته عاملة، قناعته الأولى هي حقيقته، وموقفه الثاني هو موروث الأسلاف في حمضه النووي، بحسب ما يقوله معالجو الثيتاهيلنج.
تهدف جلسات العلاج بموجات الثيتا إلى اختراق العقل الباطن والتخلص من كل المعتقدات الهدامة – هكذا قالت وسام لـ«ساسة بوست» – وتلك الطريقة يمكن استخدامها بدايةً من علاج الاكتئاب، أو جذب المال، أو الصحة الجسدية، أو حتى إنقاص الوزن، توضح وسام أن البعض يرى تلك التقنيات «شعوذة» بسبب ظنهم أن الشخص بعد هذه الجلسة سيخرج منها فاقد الوزن أو سيتلقى اتصالًا في اليوم التالي بالمال القادم إليه، ولكن الأمر لا يسير هكذا.
شاهد حوارًا مع واحدة من المعالجين بموجات الثيتا.
ما تهدف إليه هذه الجلسات هو إعادة برمجة العقل الباطن على كل الأشياء الإيجابية، على سبيل المثال جلسات إنقاص الوزن، الجلسة نفسها لا تنقص وزن الشخص، ولكنها تسمح لعقله بالخوض في تجربة إنقاص الوزن بإيجابية، وتخلصه من العوائق النفسية التي تقف أمام التزامه بعملية إنقاص الوزن.
تخبرنا مروة كمال – 36 سنة مهندسة ديكور- أنها تعرفت على وسام في البداية عن طريق صداقة عادية، وبعد فترة أخبرتها وسام أنها تعلمت تقنية جديدة للعلاج وتريد أن تجربها معها، وأجرت لها أول جلسة «تخطي حواجز للعقل الباطن» والتي درستها وسام في مؤسسة «access consciousness» بمصر وحصلت منها على شهادة من فرع المركز في الولايات المتحدة الأمريكية.
«في البداية لم أشعر باختلاف كبير أو بشيء أثناء الجلسة، ولكن بعد عدة أيام جاءت لي فكرة مبتكرة للغاية في عملي»، وهو ما أدهش مروة لأن تلك الجلسة التي أجرتها لها وسام كانت بهدف التخلص من أي عوائق توقف الإبداع والتفكير المبتكر. تعترف مروة أنها تؤمن بقوة العقل وقدرته على علاج نفسه، وفي المقابل تؤكد وسام أن نجاح تلك التقنية يعتمد كليًا في الأساس على إيمان الشخص بفاعليته، فإذا كان الشخص قادمًا للجلسة بغرض أن يثبت أن هذا مجرد «هراء»، فهذا ما سيحصل عليه بحسبها.
التقنيات المستخدمة عربيًّا.. «نستخدم قوة عقلك لعلاجك»
هل تتذكر فيلم «Inception» والذي اعتمدت فكرته على اختراق عقل الشخص أثناء نومه، وتحميل أو تنزيل فكرة معينة في عقله بغرض تنفيذها وكأنها فكرته هو الشخصية، العلاج بموجات الثيتا هو أقرب مثال لذلك.
المعالج بموجات الثيتا ليس ساحرًا أو مشعوذًا، أو شخصًا لديه قدرات خاصة، ما يفعله هذا الشخص هو أنه يتم تدريبه – بحسب معالجي الثيتا – على كيفية استخدام قوة عقل الشخص الذي في حاجة للعلاج؛ لشفائه، بمعنى أن معالج الثيتا دوره – توضح وسام – الأخذ بيدك وتعريفك على مكامن الضعف داخل العقل ومساعدتك على التخلص منها، ومن ثم التركيز على نقاط القوة وتغذيتها، ولذلك إيمان الشخص المراد علاجه، جزء لا يتجزأ من نجاح عملية العلاج بحسبها.
يخبرنا علم النفس أن العقل الباطن أكثر ذكاءً مما نتخيل، وهو يتحكم في تصرفات الإنسان تحكمًا يكاد يكون كليًا، ودون وعي من الإنسان، وحتى الوجبة التي تختارها للغداء يكون للعقل الباطن النصيب الأكبر من عملية اتخاذ قرارها الذي تراه بسيطًا، وفي تجربة أجريت بالعام 2012 غرضها الكشف عن مدى ذكاء العقل الباطن وتحكمه في عقلنا الواعي، استخدم الباحثون خدعًا بصرية أطلقوا عليها «التشويش الوميضي المستمر» بغرض إدخال معلومات في ذهن المشتركين في الدراسة دون إدراك منهم بذلك، وتلك الصورة السريعة الملحقة بالوميض الساطع قد تبدو طريقة مؤلمة، ولكنها كانت أسرع من أن يلاحظ المشاركون سلبياتها.
وخلال عرض الصور استخدم الباحثون نظارة مانعة للضوء ارتداها المشاركون كان غرضها أن ترى كل عين صورًا مختلفة عن العين الأخرى، وتلك التجربة لم تستغرق سوى ثوان معدودة، وشملت التجربة أيضًا تقديم أسئلة حسابية بطريقة غير واعية، ويتبعونها بعرض واضح للرقم الصحيح للإجابة وعلى المشاركين في التجربة قراءة تلك الإجابة بأسرع طريقة ممكنة، والغريب أن تلك الدراسة أثبتت أن المعلومات التي وصلت للعقل الباطن دون وعي من المشاركين، كان لها تأثير واضح على عقلهم الواعي، واستطاعوا الإجابة عن المسائل الحسابية المعقدة التي تم تنزيل إجابتها في عقلهم الباطن دون وعي منهم. وصرح القائمون على هذه الدراسة في نهايتها أن العقل الباطن أكثر تطورًا مما يتخيل البشر.
«لم ألجأ للتأمل إلا بعد أن فشل الطب في علاج قولوني العصبي»؛ تقول سارة سلطان – 30 سنة – لـ«ساسة بوست» أنها عانت طوال عمرها من انتفاخ البطن بسبب القولون العصبي، وجميع العقاقير التي تناولتها لم تحل تلك المشكلة لديها، وبعض الأطباء لجأ للمهدئات النفسية لمنع المشكلة التي تحفز القولون العصبي على الانتفاخ، وكل هذا – توضح سارة – بلا جدوى.
لم تكن سارة من المؤمنين بأمور العلاج بالطاقة أو التأمل، حتى نصحتها صديقة لها بأن تسمع قبل النوم واحدًا من مقاطع العلاج بموجات الثيتاهيلينج لنورا كايزن وهي معالجة عراقية تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وتؤكد سارة لـ«ساسة بوست» أنها منذ أن سمعت هذا المقطع الذي كان بعنوان «التشافي»؛ وهي تشعر بتحسن جعلها لا تفوت يومًا دون أن تنام على صوت تلك الجلسات العلاجية، والتي ساعدت كثيرًا في اختفاء انتفاخ البطن، وتسهيل عملية الهضم لديها. تقدم نورا كايزن جلساتها عبر الإنترنت من خلال حسابها على يوتيوب، ومن خلال قناة خاصة بها على تليجرام، ولديها ما يقرب من 100 ألف متابع من العالم العربي.
أمل جديد في العلاج أم «كلام فارغ»؟
«طرق غير مسؤولة وإجرامية»، و«كلام فارغ»، و«شعوذة»؛ والكثير من المصطلحات الأخرى التي يطلقها علماء النفس والأطباء على تلك الطريقة في العلاج، موضحين أن خطورتها تكمن في أصحاب الأمراض المستعصية مثل السرطان، الذين يهملون العلاج الكيميائي ويلجأون إلى هذه «الأوهام»، في المقابل تؤكد وسام أنها باعتبارها مدربة في هذا المجال، ودارسة أيضًا، لا تشجع صاحب أي مرض جسدي مزمن أن يترك علاجه الطبي واستبداله بالعلاج بموجات الثيتا، بل إن موجات الثيتا قد تكون عاملًا مساعدًا فعالًا بجانب العقار الطبي، مؤكدة أن الأطباء أنفسهم عادة ما يخبرون المرضى أن حالتهم النفسية العقلية لها عامل كبير في عملية الاستشفاء الجسدي.
على يمين الصورة وسام وهي تحمل واحدة مش شهادات تدريب العلاج بموجات الثيتا
وسام حسين الحاصلة على الماجستير في الجيولوجيا، والتي تركت وظيفتها كمدرس في كلية العلوم، تؤكد لـ«ساسة بوست» أن دراسة العلاج بموجات الثيتا، والتدريب على تخطي حدود العقل الواعي، كان لهما تأثير واضح في نظرتها لنفسها وللآخرين، وعلى حالتها النفسية والمادية في الحياة، موضحة أن حتى الانتقادات التي وجهت للثيتاهيلنج لا تقول إنه مضر أو يؤذي من يتبعه، بل هم يشيرون إلى نقطة مهمة جدًا وهي عدم إهمال من يلجأ لتلك النوعية من العلاج، للعلاج الطبي الضروري خاصة في حالة الأمراض الجسدية المزمنة، ولكن إن لم يكن هذا العلاج يعطلك عن علاجك؛ فماذا ستخسر إذا وضعت سماعتك الآن وجربت جلسة تأملية قد تساهم في سلامك النفسي بحسبها؟
عقل الإنسان الباطن ما زال يحوم حوله الغموض حتى الآن، وسعي العلم والطب النفسي وراء استكشافه وثبر غوره لا يتوقف أبدًا، ولذلك تلك النوعيات من العلاج الطاقي أو التأملي أو بتحفيز موجات المخ، ما زالت جدلية يصعب الجزم بخطئها أو صحتها إلا بعد الكشف التام عن طبيعة العقل الباطن وكيفية عمله، وحتى في علم النفس أصبح البعض يلجأ لعلاج الإدمان بالتنويم المغناطيسي، وهي الطريقة التي تعتمد على نفس تقنية الثيتاهيلنج في تنزيل وزرع الأفكار في العقل الباطن، والتي من شأنها التأثير في الإنسان وفي عقله الواعي.