أن يصدر قرارٌ قضائي بحل جمعية ما فهو من الصلاحيات التي تتمتع بها كل الدول من خلال جهازها القضائي، في إطار ما يسمى سيادتها على أراضيها، لكن أن يصدر القرار أو الحكم القضائي في حق جمعية أو منظمة “ثورية” تمثل الثوار أو شريحة مهمة من الثوار في تونس، وتصدر بالموازاة مع ذلك أحكام بإخلاء سبيل “رموز” من النظام السياسي الذي ثارت للإطاحة به ثورة “الياسمين”، فهذا ما ينبغي وضعه على طاولة التمحيص والفحص والتدقيق!

تصفية !

محتجون تونسيون في صفوف الرابطة الوطنية لحماية الثورة

المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة تقضي بحل “الرابطة الوطنية لحماية الثورة وجميع فروعها وتعيين مصفٍّ قضائي لها”، وكذلك حظْر أنشطتها.

ووفق قرار الدائرة المدنية 21 في المحكمة الابتدائية في تونس فإنه “بثبوت مخالفة الرابطة الوطنية بحماية الثورة ﻟﻸﺣﻜﺎم اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺠﻤﻌﯿﺎت”، فقد قضت “بحلها وحل جميع فروعها وﺟﻤﯿﻊ ﻣﻘﺮاتها أينما وﺟﺪت وﺗﺮﻛﺰت، وﺑﺤظﺮ أﻧﺸﻄتها وﺗﻌﯿﯿﻦ ﻣﺼفٍّ ﻗﻀﺎﺋﻲ لها، ﻣﻜﻠﻒ ﺑﺈﺗﻤﺎم إﺟﺮاءات اﻟﺘﺼﻔﯿﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﻤﺘﻠﻜﺎتها اﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ وﻏﯿﺮ اﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ، ﺗﺤﺖ رﻗﺎﺑﺔ ﻗﺎﺿﯿﺔ اﻻﺋﺘﻤﺎن والتصفية بالمحكمة الابتدائية بتونس، وذلك طبقا للإجراءات القانونية وحمل المصاريف على المحكوم عليها، والإذن بالتنفيذ الوقتي، دون ضمان ودون الالتفات للاستئناف، ورفض الدعوى المعارضة شكلا”.

رموز بن علي والحرية

ما يبعث على التساؤل، لدى بعض الناشطين في ثورة 17 ديسمبر التونسية، هو تزامن قرار حل “الرابطة الوطنية لحماية الثورة”، مع إصدار قرارات أخرى بإﺧﻼ‌ﺀ ﺳﺒﻴﻞ وجوه من النظام التونسي المطاح به، بحيث أُفرج عن ﻭﺯﺭﺍﺀ زين العابدين ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻣﻨﺬﺭ ﺍﻟﺰﻧﺎﻳﺪﻱ ﻭﺭﺿﺎ ﻗﺮﻳﺮﺓ. كما تم إلغاء الحظر ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﻟﻠﻬﺎﺩﻱ ﺍﻟﺠﻴﻼ‌ﻧﻲ الذي يصفه الكثير من التونسيين بـ”ﺭﺟﻞ ﺍﻷ‌ﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪ” في نظام بن علي.

نشطاء ينددون بحل الرابطة

نشطاء بالرابطة الوطنية سرعان ما عبروا عن رفضهم للقرار واعتبروه قرارًا سياسيًا، بل و”طعنة” من رموز النظام السابق في خاصرة الثورة التونسية التي تمثلها الرابطة؛ إن حل الرابطة، بحسب هؤلاء، يأتي في سياق عمل حثيث على تصفية الثورة من خلال ثورة مضادة تنفذ أجندات “حزب التجمع المنحل” أي حزب الرئيس السابق زين العابدين بنعلي.

لكن مع ذلك فإن “الثوار” لن يرضخوا لهذا القرار، بحسبهم، على اعتبار أن القضاء الذي أصدر الحكم هو “قضاء فاسد” ومعظم القضاة ينتمون للنظام البائد، بحيث لم يتم لحد الآن تطهير أجهزة الدولة ومنها القضاء من رموز النظام السابق.

و”الرابطة الوطنية لحماية الثورة” هي عقلية قبل أن تكون جمعية يأمر القضاء الفاسد بحلها أو بالإبقاء عليها، يقول نشطاء داخل الرابطة في صفحة فيسبوك تابعة لها، والرابطة هي المؤسسة الوحيدة التي ليس لها أي مصلحة سوى مصلحة تونس، وانتصار الحق!

صمْت..

وعاب نشطاء على معظم الأحزاب سكوتهم وعدم رفضهم للحكم “غير الشرعي” هذا، بل الغريب في الأمر أن هنالك أحزابًا تدعي أنها ثورية مثل “حركة وفاء” لم تُصدِر ولو بيان تنديد بهذا “القرار الغبي”، وهو ما يعتبر برأي نشطاء الثورة “دليلًا على انتهازية كل الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ما عدا حزب “العدالة والتنمية”، كما قالوا.

متظاهرون من شباب الثورة التونسية

وقد نُقل عن عبد الرزاق بن العربي رئيس حزب العدالة والتنمية قولُه أن الحكم بحل الرابطة هو “تنفيذ لقرار سياسي، وهو بند من بنود خارطة الطريق الرباعية”، قبل أن يؤكد أنه كان يتمنى من القضاء أن يكون مستقلًا .. وفوق جميع الأحزاب السياسية .. والمصالح الحزبية الانقلابية ..”، برأيه، قبل أن يضيف أنه من أجل ذلك فإن أولويات حزب العدالة والتنمية هي “إصلاح القضاء”.

وفي رد رسمي لها على الحكم بحلها قال رئيسها، منير عجرود، في بيان وزعه على الصحافة، أنه يعتبر الحكم “سياسيًا” بامتياز، وإنه إكساء لقرار سياسي بغطاء قانوني قضائي، مشيرًا إلى أن الرابطة الوطنية لحماية الثورة ستستكمل كافة الإجراءات القانونية للطعن في هذا الحكم.

وعلى الرغم من أنه دعا كافة المنخرطين في العمل بها وفروعها المحلية إلى الالتزام بالقانون وعدم رد الفعل والتمسك بضبط النفس، ونوّه إلى أن كل تحرك ميداني غير قانوني لا يلزم الرابطة الوطنية لحماية الثورة في شيء، فإن عجرود أكد أن الرابطة الوطنية لحماية الثورة “وجدت لتبقى وستبقى حتى تحقيق أهداف الثورة”، مؤكدًا قوله “أننا كنا نأمل أن القضاء التونسي بعد الثورة قضاء مستقل، ويحكم بوجدان الثورة، إلا أننا صدمنا بالطعنة الأولى والطعنة الثانية، وهو ضرب منظمة ثورية بقرار سياسي، وهي الرابطة الوطنية لحماية الثورة”.

يبدو أن تحذيرات أبناء ثورة الياسمين من “عودة النظام السابق” أو قيام “ثورة مضادة” لثورتهم، باتت تجد لها مَن يصدقها اليوم، لاسيما بعدما برزت العديد من الإشارات التي جاءت بالخصوص منذ مجيء الحكومة الانتقالية الحالية والانتهاء بعمل ائتلاف الترويكا الذي قادته حركة النهضة (الإسلامية)، فبالإضافة إلى تسجيل تقارب كبير بين حكام قصر قرطاج مع بعض الإمارات الخليجية التي لها موقف “غير ودي” إزاء الثورات العربية الأخيرة، فإن القضاء التونسي أصدر الكثير من الأحكام، في الآونة الأخيرة، كانت لصالح رموز من النظام السابق .. فهل هي بداية تلك الثورة المضادة في طبعتها التونسية؟

عرض التعليقات
تحميل المزيد