لعب المسلمون دورًا أساسيًا في حماية الولايات المتحدة، والقتال من أجل المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وشاركوا في جميع حروبها الكبرى، بدءًا من حرب الاستقلال مرورًا بالحربين العالميتين: الأولى، والثانية، وحرب فيتنام، وليس انتهاءً بحروب الخليج والعراق وأفغانستان. يورد هذا التقرير تاريخ الجنود الأمريكان المسلمين، الذي دافعوا عن أمريكا، بالرغم من عدم الاعتراف بدينهم أحيانًا، أو حتى وطنيتهم.
الحرب الأهلية الأمريكية
كان للمسلمين دور بارز خلال حرب الاستقلال، التي شكلت نقطة تحوُّل في التاريخ الأمريكي، كما توضح الباحثة رشيدة محمد؛ إذ خدم الأمريكان المسلمون تحت قيادة الجنرال جورج واشنطن، القائد الأعلى للجيش القاري خلال الحرب الأمريكية من أجل الاستقلال.
حين تنظر في قوائم الجنود الذين خدموا في جيش واشنطن تجد أسماء مثل:
- بامبيت محمد: قاتل على خط فرجينيا بين عامي 1775 و1783، ويعتقد أنه أول جندي مسلم يخدم في الجيش الأمريكي.
- يوسف بن علي: من عرب شمال أفريقيا، عمل مساعدًا للجنرال توماس سومتر من كارولينا الجنوبية.
- بيتر بوكمينستر: قاتل في بوسطن، وربما هو الجندي الأمريكي المسلم الأبرز في جيش واشنطن؛ لأنه من أطلق النار على اللواء البريطاني جون بيتكيرن في معركة بونكر هيل فأرداه قتيلًا. بعد سنوات من هذه المعركة الشهيرة، غيَّر بيتر اسمه الأخير إلى «سلام». ثم أعيد تعيين بيتر سلام لاحقًا في الجيش القاري ليخدم في معركتي ساراتوجا وستوني بوينت.
- نيكولاس سعيد: جندي أمريكي مسلم مولود في أفريقيا، خدم في جيش الاتحاد، وأصبح ناشطًا سياسيًا ومدنيًا بعد الحرب الأهلية. كان سعيد يتمتع بذكاء حاد لدرجة أن مقالًا في مجلة «ذا نيشن» عام 1867 أشاد به واعتبره يستحق منصب نائب رئيس الولايات المتحدة على الأقل.
الحرب العالمية الأولى
كما فعلوا خلال الحرب الأهلية، حارب بعض الأمريكان المسلمين وقُتِلوا في الحرب العالمية الأولى. خلُصَت دراسة أعدها فيليب هيتي، الأستاذ في جامعة برينستون عام 1924، أن 13 ألف و965 من الأمريكيين العرب، بعضهم مسلمون، خدموا في صفوف الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الأولى.
في كتاب «المسلمون الأمريكيون في الجيش.. قرون من الخدمة»، يحكي إدوارد كورتيس حكاية عمر عثمان الذي قاتل بضراوة في صفوف الجيش الأمريكي ضد القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
من بين أكثر من 5 آلاف مسلم قاتلوا من أجل أمريكا في الحرب العالمية الأولى، كان اسم محمد شائعًا لدرجة أنه كُتِبَ 41 طريقة في السجلات العسكرية، وفقًا لأمير محمد، مؤلف كتاب «قدامى المحاربين المسلمين في الحروب الأمريكية»، والمؤسس المشارك لمتحف التراث الإسلامي في واشنطن.
يمكن تتبع جذور هؤلاء الجنود المسلمون الذين شاركوا في الحرب إلى أفغانستان، وألبانيا، والجزائر، وشبه الجزيرة العربية، ومصر، ولبنان، والمغرب، وبلاد فارس، وسوريا، وتونس، وتركيا، واليمن.
الحرب العالمية الثانية
قاتل أكثر من 15 ألف أمريكي عربي، بعضهم مسلمون، من أجل الولايات المتحدة في شمال أفريقيا، وأوروبا، وآسيا خلال الحرب العالمية الثانية.
كتب المؤرخ غاني باسيري: «غيَّرت الحرب العالمية الثانية الهوية الوطنية الأمريكية إلى حد كبير.. الأمريكيون من مختلف الأعراق، والديانات، والأجناس، اتحدوا تحت راية الحرية لخوض حرب مدمرة».
ساعدت أيضًا الخبرات المشتركة التي اكتسبها الأمريكيون المسلمون أثناء الحرب العالمية الثانية في المطالبة بالمساواة في الحقوق. تقول جنيفر ويليامز في موقع «ڤوكس»: «اليوم حُقَّ لنا تذكر دور الزعماء المسيحيين والاحتفاء بهم، وأشهرهم مارتن لوثر كينج جونيور، في الصراع من أجل الحقوق المدنية، لكن الإسلام لعب دورًا أيضًا».
حرب فيتنام
يقول المؤرخ إدوارد كورتيس إن ما لا يقل عن 12 من الأمريكان المسلمين ضحوا بحياتهم أثناء حرب فيتنام، كانوا يحملون رتبًا عسكرية من الدرجة الأولى الخاصة إلى الرقيب.
هذا الرقم مثبت في الأرشيف الوطني، ومنصوص في السجلات المنشورة للجمهور على أن الهوية الدينية للجنود هي الإسلام، إلى جانب 7243 قتيلًا من السود، أو الأمريكيين الأفارقة، من أصل 58220 قتيل في الحرب.
وإذا ذُكِرَت حرب فيتنام، حضرت معارضة الملاكم الأشهر محمد علي كلاي للمشاركة فيها، وهو ما جعله يخسر كل شيء، ويُجرَّد من تاجه بطل العالم للوزن الثقيل، حتى قال في فبراير 196: «لا يُسمح لي بالعمل في أمريكا، ولا يُسمح لي بمغادرة أمريكا… أنا على وشك الانهيار». استعاد الملاكم المسلم حياته وسمعته، لكن أمريكا نفسها لم تستطع التخلص من وصمة الهزيمة حتى اليوم.
تُبرِز هذه الحقائق أن المسلمين شاركوا في النضالات الوطنية البارزة التي خاضتها الولايات المتحدة خلال القرون الثلاثة الماضية: الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين.
حروب القرن الحادي والعشرين
زاد عدد الأمريكان المسلمين المجندين في الجيش الأمريكي زيادة كبيرة منذ هذه الحروب. وفقًا لأرقام وزارة الدفاع، قاتل أكثر من 3500 مسلم في أفغانستان والعراق.
وصرَّحت بعض القيادات العسكرية رفيعة المستوى في الجيش الأمريكي بأن المسلمين يشكلون «عنصرًا حيويًا في القوات المسلحة الأمريكية؛ بسبب مهاراتهم اللغوية وفهمهم الثقافي للمسلمين الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم».
في عام 2009 زار عالم الاجتماع كريج كونسيدين مقبرة أرلينجتون الوطنية تقديرًا لتضحيات الجنود الأمريكيين المسلمين الذين لقوا حتفهم في أفغانستان والعراق. من بين شواهد القبور التي وقف أمامها، قرأ اسم النقيب همايون ساقب معظم خان، وهو مسلم أمريكي من أصل باكستاني، وهو الاسم الذي تردد كثيرًا خلال حملة ترامب الانتخابية.
بالقرب منه يوجد قبر أيمن عبد الرحمن طه، وهو جندي أمريكي مسلم من أصول عربية. وكلاهما مُنِحَ وسام القلب الأرجواني العسكري المرموق من رئيس الولايات المتحدة.
دور الأمريكان المسلمين في تعزيز الحقوق المدنية
وفقًا لعالم الاجتماع كريج كونسيدين: «أدى ذلك إلى أن يضطلع الإسلام بدورٍ متنامٍ في تعزيز الحقوق المدنية وتفعيل حركات السود القومية. في المجتمعات الإسلامية الأمريكية – الأفريقية، كانت الهوة بين حقائق التمييز والمثل الديمقراطية التي عُرِفَت بها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية مثالًا قويًا ليس فقط على النفاق، ولكن أيضًا تجسيدًا لحقيقة أنه بعد ما يقرب من قرن بعد الحرب الأهلية ظل الأمريكيون السود خارج السرد القومي الأمريكي».
في هذا السياق، فإن نقد الحركات الإسلامية القومية السوداء للمسيحية باعتبارها «دين الرجل الأبيض» واعتمادها على الإسلام دينًا وطنيًا لأمريكا الأفريقية أثبت أنه شديد الجاذبية للعديد من المتحولين، وروّج للإسلام في أمريكا السوداء باعتباره دين التحرر.
يضيف كونسيدين: «غير المسلمين في الولايات المتحدة الذين يواصلون نشر الإسلاموفوبيا، إنما هم في الواقع يكرهون الجنود الذين قاتلوا وقتلوا من أجل بلادهم. ولا شيء يمكن أن يتنافى مع الوطنية أكثر من ذلك».
يؤكد الدكتور كريج كونسيدين أن الإسلام له إسهامات كبيرة في الولايات المتحدة، وللمسلمين دورٌ أساسي في الدفاع عن الوطن والقتال من أجل المصالح الجيوسياسية الأمريكية.
تشكيك في الولاء ونزع الوطنية عن الأمريكان المسلمين
برغم ذلك، يشكك العديد من الأمريكيين في ولاء الأمريكيين المسلمين تجاه الولايات المتحدة، ويعتبرهم 44٪ من الأمريكيين «أقل وطنية» من بقية المواطنين، حسبما أظهر استطلاع رأي أجرته «الإيكونوميست» بالاشتراك مع «يو جوف» عام 2013.
بل يزداد القلق بشكل خاص بين كبار السن والجمهوريين؛ حيث يرى 60% من المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق، و 70% من المشاركين الجمهوريين، أن المسلمين الأميركيين أقل وطنية من الآخرين.
ربما يكون أحد أسباب ذلك هو الافتقار إلى البيانات، فلطالما صنّف الأمريكيين العرب الذين خدموا في صفوف القوات المسلحة الأمريكية على أنهم قوقازيون، ولأن الولايات المتحدة لا تحتفظ بإحصاءات حول إنجازات العرب الأمريكيين، ولا تصنفهم في التعداد الذي تجريه كل 10 سنوات، ناهيك عن الأمريكيين الأفارقة، وبعضهم مسلم أيضًا.
حين لم يعترف الجيش بدين الأمريكان المسلمين
في الخمسينات من القرن الماضي، كانت الخيارات الوحيدة المتاحة لتعريف أفراد الخدمة العسكرية تقتصر على المسيحية واليهودية، فكان يُشار إلى الكاثوليكية بحرف C، وللبروتستانتية بحرف P، ولليهودية بحرف H، بينما لم يكن الجيش الأمريكي يعترف بالإسلام دينًا محتملًا لأحد أفراد الخدمة طيلة فترة الحرب العالمية الثانية.
كان الرجل الذي قاد مهمة تغيير هذا الوضع يُدعى عبد الله إيجرام، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية وزعيم المجتمع المسلم في مدينة سيدار رابيدز بولاية أيوا.
طلب إيجرام، كما يحكي أبناؤه، أن تشير بطاقته التعريفية إلى كونه مسلمًا – حتى يُدفَن وفقًا لتعاليم دينه حال وفاته – لكن قيل له إن ذلك غير ممكن. كما ذكرت مجلة «تايم» في عام 1953، عاد إجيرام من خدمته مصممًا على مساعدة إخوانه الأمريكيين على معرفة المزيد عن العقيدة الإسلامية، «لا نريد تحويل الآخرين (إلى الإصلاح)، بل إبلاغهم فقط». وقال لصحيفة «توليدو بليد»: «أنا أقاتل من أجل حقي، وحق شعبي، كي يتم الاعتراف بديني على أنه عقيدة أؤمن بها».
في تلك الفترة المبكرة من الخمسينات، سمح الجيش لأعضاء الخدمة باختيار علامتين إضافيتين في بطاقاتهم: X (أخرى) أو Y (أفضل عدم القول). كتب إيجرام كذلك إلى الرئيس أيزنهاور (الذي سيصبح لاحقًا أول رئيس يزور مسجدًا في الولايات المتحدة) يطالبه بأن يعترف الجيش رسميًا بالإسلام، ويسمح لأعضاء الخدمة بطباعة حرفي I أو M على بطاقاتهم الرسمية.
لم يُلبَّ طلبه حسبما تسترجع أرملته لصحيفة «ديلي أيوان»، لكن بحلول الوقت الذي نشبت فيه حرب فيتنام، لم تعد الإشارات المؤلفة من حرف واحد موجودة، وأصبح بالإمكان كتابة الانتماء الديني بالكامل، مع مجموعة واسعة للاختيار من بينها. واليوم، يمكن لأفراد الجيش الأمريكي «اختيار أي تفضيل ديني يريدونه على بطاقاتهم»، وفقًا للجيش.
ليست بطاقات الهوية هي المساحة الوحيدة التي نالت فيها الهوية الإسلامية اعترافًا داخل المجتمع العسكري على مدى نصف القرن الماضي. على سبيل المثال، بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أضيف الرمز الديني لأول مرة إلى شواهد القبور العسكرية بموافقة وزارة الحرب، كان الصليب ونجمة داود هما الخياران الوحيدان المتاحان.
اليوم، تتوفر مجموعة واسعة من الرموز، بما في ذلك خياران للإشارة إلى العقيدة الإسلامية. وبعدما صرح متحدث باسم الجيش لصحيفة «توليدو بليد» في عام 1990 بعدم وجود رجال دين مسلمين في القوات المسلحة الأمريكية، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2016 أنه يوجد خمسة حاليًا.
في عام 2015 ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أن 5896 شخصًا يخدمون في صفوف القوات المسلمة يعتبرون أنفسهم مسلمين، من بين 2.2 مليون شخص في الخدمة الفعلية والاحتياط.
المجهولون أكثر عددًا
لكن إذا علمنا أن قرابة نصف مليون شخص يفضلون عدم الإعلان عن دينهم داخل الجيش، فإن عدد الأمريكان المسلمين داخل الجيش قد يكون أكبر من ذلك.
خوفًا من العواقب، سواء في الداخل أو في الخارج، يختار العديد من المسلمين عدم الإعلان عن عقيدتهم داخل الخدمة العسكرية، تمامًا كما فعل بعض الجنود اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ويقدر طالب شريف، الضابط السابق في سلاح الجو الأمريكي، أن ثلث المسلمين فقط في الجيش يعلنون دينهم.
لا يحصر البنتاجون عدد الجنود المسلمين الذين لقوا حتفهم أثناء القتال منذ عام 2001، لكن ذلك لا ينفي حقيقة خدمتهم في جميع فروع الجيش؛ ضباطًا، ومقاتلين، ومترجمين فوريين، وجامعي معلومات استخبارية.
حقل ألغام ثقافي
كتب جندي البحرية الأمريكية والمترجم رجائي حقي، وهو أمريكي سوري من مواليد بنسلفانيا نشأ في واشنطن العاصمة، مقالا في مايو (أيار) 2011 حول الصراعات التي واجهها بصفته عربي أمريكي يخدم في العراق وجوانتانامو.
ويقول فيه: «أدركت فجأة الطبيعة المضللة لعملياتنا في الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر (أيلول). شعرت بالفزع… كما لو أصابتني رصاصة في الدماغ: حروبنا في الشرق الأوسط هي أخطاء فظيعة، ويجب أن نُخرِج قواتنا من العراق وأفغانستان».
لكن قدامى المحاربين الذين شاركوا في الصراعات السابقة خارج الشرق الأوسط الذين يقولون إنهم عارضوا حرب العراق، بالرغم من ذلك يؤكدون أنهم خدموا بتفانٍ داخل الجيش الأمريكي.
يواجه المسلمون في الجيش الأمريكي العديد من التحديات، خاصة إذا حاربوا في دول إسلامية؛ ما يجعل خدمتهم العسكرية أشبه بالسير داخل «حقل ألغام ثقافي».
هناك مشكلات أخرى ناتجة عن الحواجز الثقافية، مثل حظر إطلاق اللحية، وتقديم الطعام الذي يحتوي أحيانًا على لحم الخنزير المحظور في الإسلام، كما أن القليل من القواعد العسكرية توفر خدمات صلاة للمسلمين، وخمسة فقط من رجال الدين البالغ عددهم 2900 قسيسًا هم أئمة مسلمون.
كانت السنوات الماضية، منذ هجمات 11 سبتمبر، قاسية بشكل خاص. «بعد الحادي عشر من سبتمبر، انهارت دموعي»، تقول فاطمة أحمد، وهي من أصل مصري خدمت في القوات البحرية الأمريكية.
«اعتقدت أننا سوف نعتقل ويُزَجّ بنا في معسكرات الاعتقال على الطريقة اليابانية. لقد شعرت بالرعب لأنني سأكون معتقلة. عندما يرون «داعش»، فإنهم يعتقدون أن هذا هو ما عليه المسلمون، ما عليه نحن جميعًا، وهذا خطأ لا يصدق».