على متن طائرة الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي نقلته إلى مبنى المحكمة الدستورية بالمعادي، لتأدية اليمين الدستوري بعد انتخابه رئيسًا للبلاد، كان ثمة رجل وحيد يجاوره في كرسي ملازم له، بشعر مصبوغ باللون الأسود، وعيون محدقة، وبنيان جسدي ضخم. كان الرجل المعروف آنذاك للدائرة المُقربة من «السيسي»، مجهولًا للكثيرين خارج هذا المجموعة الضيقة، قبل أن يعتاد الظهور دائمًا إلى جوار الرئيس في كل زياراته الداخلية والخارجية، وتتسرب معلومات عن صلاحياته المفتوحة من جانب الرئيس، واضطلاعه بالعديد من الملفات الهامة.

قبل يومين؛ تحول هذا الرجل صاحب الاسم الأكثر تداولًا على صفحات التواصل الاجتماعى «عباس مصطفى كامل» لقائم بأعمال رئيس المخابرات العامة المصرية، بعد عزل رئيسها خالد فوزي، الذي جلس في منصبه أربعة أعوام، استعاد خلالها الجهاز السيادي الذي تكتنف أنشطته السرية، خلال تلك الفترة، رونقه الذي غاب عنه من خلال قيادته للعديد من الملفات السياسية الداخلية والخارجية.

اقرأ أيضًا: المخابرات المصرية.. أذرع السيسي الناجحة في 5 دول عربية

صديق السيسي و«مُهندس» النظام

تغيب أي مصادر موثوقة يُستدل منها على بدايات تدرج عباس كامل، خريج الكلية الحربية، داخل الحياة العسكرية، أو الوظائف التي تقلدها طيلة عمله في المؤسسة العسكرية على مدار ثلاثة عقود. الأمر المؤكد عن الرجل، – الذي يفضل البقاء خلف الأضواء – إنه خدم كملحق عسكري في إحدى الدول خارج مصر،  قبل أن ينتقل لجهاز المخابرات الحربية، ويتدرج في العمل فيه حتى ترقى لمنصب مدير مكتب رئيس الجهاز الفريق، آنذاك، عبدالفتاح السيسي، وتنشأ صداقة من نوعٍ خاص، جعلت السيسي يتمسك به  مديرًا لمكتبه بالعباسية حين صدر قرار بتعيينه وزيرًا للدفاع، ولاحقًا، مديرًا لمكتبه في رئاسة الجمهورية.

مصدر الصورة : جريدة الشرق الاوسط

ينتمي «عباس» لعائلة يحوز أغلب أفرادها على وظائف أمنية؛ فشقيقه خدم في أحد الأجهزة الأمنية، حتى وصل منصب اللواء، قبل أن يعمل رئيسًا لقطاع الأمن في مطار القاهرة، ويتدرج في المناصب حتى يصل لمنصب رئيس الشركة المصرية لخدمات الطيران، وقد قوبل تعيينه في المنصب بانتقادات واسعة من جانب العاملين في المطار الذين اعترضوا على استمراره، كما أفردت له صفحات كاملة يستعرض فيها آراءه حول المشاكل التي تواجه أزمة الطيران والسياحة.

بالعودة لعباس كامل نفسه، فالشواهد، تؤكد، أن صلاحيات الرجل متجاوزة لأدوار منصبه باعتباره مديرًا للمكتب، بل وربما تتوازى مع سلطات منصب رئيس الجمهورية نفسه؛ فهو الرجل الذي يتواصل مع حُكام الخليج، للتفاوض معهم حول المنح المالية لمصر، ويتبادل اتصالًا يوميًا مرة على الأقل مع وزير الخارجية سامح شكري للاطلاع على ملفات مصر الخارجية، ويُهمش كمال الجنزوري، الرجل الذي اختاره «السيسي» مستشارًا له، لخلافات شخصية معه، ويظهر صوته في التسريبات التي أذيعت من داخل القصر الجمهوري، في دور الرجل الذي لديه كل البيانات والمعلومات والصلاحيات، وآخيرًا يستعين به الرئيس مُجددًا باعتباره قائمًا بأعمال رئيس جهاز الاستخبارات العامة، وسط غموض يكتنف عزل الرئيس السابق خالد فوزي.

اقرأ أيضًا: تسريبات مكتب السيسي 3، الإعلام يدخل قفص الاتهامات رسميًّا

لمس المقربون من دوائر صنع القرار حدود أدوار الرجل، الذي يرافق السيسي في جميع سفراته إلى الخارج، خلال مرحلة ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية؛ إذ تحول لأشبه ما يكون بالعقل المفكر والمنظم لكل ما يتعلق بالحملة الانتخابية للسيسي. حسب مقالة منشورة، في يناير (كانون الثاني) 2015، لمحمد الباز، أحد الأصوات الإعلامية المُقربة من مؤسسة الرئاسة، فـ«عباس كامل هو الرجل الأكثر قربًا من الرئيس السيسي، والأعمق تأثيرًا فيه، فرغم أن صديق عمر السيسي ليس له توصيف محدد الآن، فلا هو رسميًا مدير لمكتب الرئيس، ولا هو تنفيذيًا رئيس الديوان، إلا أن الدور الذي يقوم به يتجاوز حدود الوظائف والمسميات».

يرتسم هذا النفوذ الكبير للرجل من واقع ما جاء في تسريبات مقابلة ياسر رزق، رئيس التحرير السابق لجريدة «المصرى اليوم» مع «السيسي»، حين كان وزيرًا للدفاع، حين سأله «رزق» عن عدد ضحايا فض اعتصامي رابعة والنهضة، فقال ببساطة وسرعة: «اسألوا عباس» في إشارة إلى أنه يعرف كل شيء.

استدعاء سيرته وردت كذلك في حديث للفريق أحمد شفيق، المُرشح الرئاسي السابق، وذلك في حوار أُذيع منه بعض المقتطفات، مع الإعلامى عبدالرحيم علي، قبل أن يصدر قرار بمنعه، ، قائلًا: «كلمت الأخ عباس كامل، وذكرني بنفسه أيام ما كنت بعمل امتحانات الملحقين، وفى موقف غريب بعد كده، روحت أكلم عباس، مردش على مرة واتنين وتلاتة».

بالتزامن مع وصول «السيسي» لرئاسة الجمهورية، تكرر حضور«عباس» في أكثر من مناسبة اجتماعية، في دلالة على حضوره الواسع، وعلاقاته مع عشرات الساسة وكُتاب الرأى كحضوره عزاء شقيق الباحث السياسي أسامة الغزالي حرب، وكذلك مراسم عزاء رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع الراحل.

كان الظهور العلني الأول للواء عباس كامل بصفته في قضية «التخابر مع قطر»، حيث استمعت محكمة جنايات القاهرة، إلى شهادته، بصفته رئيس لجنة فحص الأحراز في القضية المتهم فيها محمد مرسي، وعدد من قيادات الإخوان، بتهمة تسريب وثائق الأمن الوطني لقطر. وتضمنت شهادته آنذاك، أن المكاتبات الخاصة بالمخابرات العامة والداخلية وغيرها من الجهات السيادية كانت ترد بمظاريف مغلقة وتسلم لمدير مكتب رئيس الجمهورية آنذاك أحمد عبد العاطي، لكنها لم تسجل بأية دفاتر.

كما يُعد «عباس» مُهندس فكرة المؤتمرات الشبابية، والمنتدى الشبابي العالمي، باعتبارها وسيلة لتلميع صورة النظام خارجيًا، في ظل كثرة التقارير الأجنبية التي ترى في النظام الحالى «ديكتاتورًا»، ويفتقد للحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان.

لا يرغب «عباس» في أن يكون محل ظهور إعلامى متكرر، أو أن يكون اسمه محل تلميع دائم من جانب الأصوات الإعلامية الموالية له؛ فهو يعتقد دومًا أن الإفراط في المدح قد يحرقه أمام المحاولات الدائمة من جانب منافسيه لتشويهه تارة بالتسريبات، أو منتقديه من كتاب الرأي كحال الكاتب جمال الجمل الذي ما إن كتب سلسلة مقالات بعنوان «حواديت العباسيين» في إشارة للرجل النافذ، حتى صدر قرار بالقبض على مالك «المصري اليوم» ونجله، في ساعات متأخرة من الليل، وتصويرهم مكبلين بـ«الكلابشات»؛ فيما نظر له البعض أنه رسالة تحذير لمن أراد أن يسير على نفس نهجهم في مناكفة الرجل الأقوى في مؤسسة الرئاسة.

قبل عامين، تبرعت جريدة «اليوم السابع»، بإنجاز ملف تحت عنوان «عباس كامل.. رجل في مرمى النيران»، وذكرت في الإشارة بالصفحة الأولى له عناصره الرئيسية عن مواجهة «عباس» لطعنات الإخوان ومعسكري «يناير» و«يونيو»، فضلًا عن ترفعه عن الدخول في معارك شخصية، وعدم تقدمه بأي مطالب شخصية له، قبل أن تصدر تعليمات من إحدى الجهات السيادية بعدم طباعة العدد، وتغيير المادة الداخلية، فضلًا عن حذفه من الموقع الإلكتروني للصحيفة أيضًا بعد أن قامت «جوجل» بنشر وأرشفة الصورة الرئيسية للصفحة الأولى للجريدة.

صورة من العدد  الذي صدرت أوامر بمنع طباعته

ورغم ذلك لا يمانع «عباس» من استدعاء اسمه في صورة مقالات رأي لكتاب موالين للسلطة، كحال مقال نشر في صحيفة «اليوم السابع» للكاتب أحمد الطاهري، أحد أعضاء مجموعة «شباب الإعلاميين»، التي ترعاها مؤسسة رئاسة الجمهورية، حال وجود هجوم على مؤسسة الرئاسة ورجالها، فهو يستثمر في مجموعات شبابية، منحها الفرصة لمقابلة الرئيس، ومرافقته في زياراته الخارجية، وسعى لاستخدامها كصناع رأي بديلة عن نخبة مبارك، قبل أن تفشل في موازاة تأثير المجموعات الإعلامية التي ارتبطت بنظامه، وحققت شعبية وتأثيرًا واسعًا.

يروي «الطاهري» وقائع عرضه على الرئيس فكرة تأسيس حزب سياسي خلال مرافقته له في زيارة خارجية للصين، قائلًا :«بعد اللقاء شعرت أنني قد أكون تجاوزت المساحة المسموحة لي في الكلام مع الرئيس، وذهبت للواء عباس كامل، ولكنه كالعادة جاء عكس ما توقعت، وقال لي عندما تتحدث مع الرئيس تحدث بمنتهى الصراحة والوضوح، الرئيس يحب الشباب ويؤمن أنهم المستقبل».

يُصدر التعليمات.. ويستثمر أيضًا   

وفقًا لأحد المصادر التي تحدث إليها «ساسة بوست» والتي كانت تلتقي بعباس كامل، في أوائل الفترة التي تلت عزل «مرسي»، فالرجل فقير سياسيًا، لا يملك رؤى أو خيالًا سياسيًا. يقول المصدر: «عباس» كان حلقة الوصل الدائمة بين كبار الساسة والخبراء الاستراتيجيين والمُشير عبدالفتاح السيسي، آنذاك،. يلتقيهم دومًا في مكتبه، يُسجل ملاحظاتهم، ينقلها لوزير الدفاع، آنذاك».

ويوضح المصدر: «لاحقًا؛ أزاح كامل كُل هؤلاء الساسة،على رأسهم عمرو موسى، المُرشح الرئاسي السابق،  بعد تنصيب «السيسي» رئيسًا للبلاد، وتوسعت أدواره في الإعلام، وسعى لاستخدام مجموعات من شباب الإعلاميين لتسويقهم عبر أحد مساعديه، وامتدت علاقاته مع بعض كُتاب الرأي من «الدرجة التانية»، وفقًا لتوصيف المصدر، ممن ليس لديهم أي تأثير فكري حقيقي، ويكتفون بمبايعة النظام والتهليل له»، ويُرجح المصدر، -الذي اشترط عدم  الإفصاح عن هويته، أن تكون مهام «كامل» داخل جهاز المخابرات العامة مقتصرة على تسيير الأعمال العادية دون اتخاذ قرارات استراتيجية».

لا تكف الأصوات والنوافذ الإعلامية عن استدعاء ذكر اسم الرجل في أدواره كرجل للدولة الذي يُصدر التعليمات للجميع؛ فتُنفذ تعليماته، ويُستجاب لتوصياته. هذه التوصيات تتصل بشخصية اللواء الذي يُدرك أهمية وتأثير الإعلام في صناعة الرأي العام، وقناعاته التي دائمًا ما يرددها وسط المُقربين من حوله أن من أسقط مُبارك هو الإعلام.

كان واحدًا ممن صدرت التوصيات بإزاحته من الساحة الإعلامية هو «توفيق عكاشة»، الذي ذكر اسم «عباس» مرتين في لقاءين تلفزيونيين عبر قنوات مصرية. كان اللقاء الأول مع الإعلامي وائل الإبراشي حين أشار «عكاشة» بشكل لا يحتمل الشك إلى أدوار مدير مكتب الرئيس، قائلًا: «أشك في اللواء عباس كامل، وأحمد محمد علي، ومعه مجموعة من السكرتارية زي رشا علام دول أساسًا شايفين أنى راجل فلاح، بتاع بط ووز، ومش عارفين حاجة»، قبل أن يقاطعه الإبراشي: «اللواء عباس شخصية محترمة، وريفي».

أُعيد ذكر إسم الرجل من جديد بشكل أكثر وضوحًا وتفصيلًا من جانب «عكاشة» في لقائه التلفزيوني الأخير مع «يوسف الحسيني»، على قناة أون تي في، رسم فيه  أدواره من واقع اتصالاته السابقة معه، وقال: «المخابرات العامة المصرية بتنفذ تعليمات عباس كامل، راجل شايف أنه هو لديه خبرة سياسية لا تتوفر في أحد في الوطن العربي، فبيدي تعليمات مباشرة، والدليل لما اتقبض عليا في السجن، وجيه المحامي بتاعي، وأكدنا أني موجود في السجن بالغلط، لكن مخرجونيش برضو بدليل أن عندهم تعليمات، قررت أكلم اللواء عباس كامل، فكلمته، مردش، فبعتله رسالة، مردش برضو».

ويُظهر التسريب الصوتي لمكالمة جمعت «عباس» مع مدير مكتبه العقيد أحمد محمد علي، أدوار مدير مكتب الرئيس باعتباره ملقنًا للتعليمات لكافة الأصوات الإعلامية؛ إذ يُبلغ في التسريب الصوتي مدير مكتبه  بإبلاغ الإعلاميين بغضب «السيسي» من تشكيك البعض في نزاهته والهجوم على برنامجه الانتخابي، واقترح «عباس» ضرورة التشويش على أمر سكن عبد الفتاح السيسي المذكور بأوراق ترشحه بخلاف الحقيقة.

ووجه عباس مدير مكتبه لخطته الجديدة بمهاجمة كل من حاول التشكيك في السيسي وقرأ عليه نصًّا متخيلا للبرامج التليفزيونية وما يجب على الإعلاميين ترديده لصنع «حالة تهييج» على القنوات لصالح رجل «ضحى بنفسه من أجل إنقاذ الدولة، وأنه شخصية وطنية لا غبار عليها؛ فكيف يتم التشكيك فيه؟». وعدد عباس كامل من يصلح لتلك المهمة من «الإعلاميين بتوعنا» وهم رولا خرسا وإبراهيم عيسى ومحمود سعد ويوسف الحسيني وأحمد موسى ووائل الإبراشي ونائلة عمارة وعزة مصطفى وأماني الخياط وأسامة كمال.

انتقلت، لاحقًا، أدوار«عباس» من كونه رجلًا يحوز سلطات واسعة تجعله يصدر توصيات عبر مساعديه للإعلاميين، إلى مُساهم كعضو مجلس إدارة في الشبكة الإعلامية التي أسسها جهاز المخابرات الحربية، الذي خدم فيه طيلة فترة خدمته العسكرية، بغرض صناعة محتوى تلفزيوني مؤثر، وذلك عبر  تأسيس شركة «دي-ميديا» برأس مال تأسيسي وصل إلى 30 مليون دولار، والتي بدأت عملها بإطلاق إذاعة خاصة قبل أن تطلق مجموعة قنوات، وأوكل مسئولية إدارتها لرجل الأعمال طارق إسماعيل، الذي تمتد علاقته مع جهاز المخابرات الحربية منذ عشرات السنوات كواجهة استثمارية لكبار ضباط الجهاز في مشاريع استثمارية بمحافظة الإسكندرية، قبل أن تنتقل إلى العاصمة المصرية لاحقًا.

قبل الاحتفال بالعام الأول لمجموعة قنوات dmc ؛ اكتشف «عباس» أن الشبكة الإعلامية التي أسسها لم تحقق الأهداف المرجوة، رغم احتكارها لحقوق رعاية الكثير من الفعاليات بتسهيلات منه، كما تكبدت خسائر بالملايين دون تأثير ملموس لدى المشاهد المصري، فما كان من الرجل الذي يملك كُل مقاليد السُلطة، إلا أن يُصدر توصياته بإجراء تغييرات واسعة في القيادات، ويستعين بنجوم تلفزيونية جديدة تمنح شاشته المُفضلة الحضور الواسع لدى جمهورها العربي الممتد من المحيط للخليج.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد