تابعت وسائل الإعلام العربية والدولية خلال الأيام الفائتة حادث اختطاف وقتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، الذي دخل إلى قنصلية بلاده بإسطنبول، في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، ثم فُقد أثره، وحاولت عن كثب كشف الستار عن تفاصيل الحادث، الذي خرجت بعض التصريحات الرسمية أنّ القتل مُدبرٌ بعلم وبإشرافٍ من وليّ العهد السعودي نفسه.

يتساءل الآن المتابعون حول العالم، عن كيف ستؤول الأحداث الدرامية المتسارعة جدًا، وعمن سيُحاسب على فاتورة عملية القتل المروعة -والتي سربت حولها بعض التفاصيل حول تعذيب وتقطيع أوصال خاشقجي– ومن الشخص الذي ستختاره المملكة -إن ثبت تورطها بالأدلة التي لا تحتمل الشك- ليكون «كبش الفداء».

ابن سلمان لن يكون الأول.. القذافي ضحّى بـ«المقرحي» من قبل

حادثة خاشقجي الأخيرة أعادت إلى الأذهان، حادثًا آخر وقع في الماضي القريب، عندما تحولت طائرة الركاب الأمريكية «بانام» (N739 Pan Am)، إلى كتلة نيران فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية، بعد 35 دقيقة من إقلاعها من مطار هيثرو في لندن متجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية،يوم الأربعاء 21 ديسمبر (كانون الأول) عام 1988، وعلى متنها 259 راكبًا.

حطام الطائرة الذي تناثر على مساحة قدّرت بعدة كيلومترات، أحدث حفرة بلغت مساحتها حوالي 560 متر مكعب، علاوة على كرة اللهب الناتجة عن الانفجار والتي أحرقت 21 منزلا في الأرجاء، وقتلت 11 من سكانها، لتصبح حصيلة القتلى 270 قتيلا.

العقيد الليبي معمر القذافي

وقد ملأت حادثة لوكربي سمع وبصر العالم، مثلما حدث هذه الأيام مع حادثة خاشقجي، واستطاعت التحريات الأمريكية والبريطانية الوصول إلى دليلٍ مادي بين أشلاء الطائرة المنكوبة؛ يدل على أن هذه الحادثة كانت من فعل أجهزة المخابرات الليبية، ووجهت التهمة رسميًا إلى ليبيا أواخر عام 1990، وتحديدًا إلى اثنين من مسؤولي الحكومة الليبية، هما الأمين خايفة فحيمة وعبدالباسط محمد المقرحي، وطالبت طرابلس بتسليمهما.

لكن العقيد القذافي، رفض هذه الاتهامات جملةً وتفصيلًا، واتهم أمريكا وبريطانيا بمحاولة تقويض «الثورة الليبية العالمية»، وتحجيم «دور بلاده العالمي في تحرير الشعوب والقضاء على الرأسمالية»، مما تسبب في إصدار مجلس الأمن لقرارين، في مارس (آذار) عام 1992، يقتضيان اعتقال الشخصين المذكورين وتسليمهما للمحاكمة في اسكتلندا، وتحمل ليبيا المسؤولية عن الحادثة، ودفع تعويضات لأهالي الضحايا، والتعاون في التحقيقات، والمساعدة في مكافحة الإرهاب، لكن العقيد الليبي، أصرّ على أن المسألة سياسية وأنه هو المستهدف بهذه العقوبات، مما نتج عنه فرض حصار خانق على ليبيا، من ضمنه حظر طيران، مما أدى إلى عزلة ليبيا عن العالم.

لاحقًا، وبعد سنوات من رفض ليبيا الاعتراف بتورّط أجهزتها المخابراتية أو مواطنيها في هذه الحادثة، وبعد أن تكبّد الاقتصاد الليبي خسائر فادحة قُدرت بحوالي 24 مليار دولار، وافقت ليبيا في ليلة صيف ساخن عام 1998، على تسليم فحيمة والمقرحي، مقابل تعليق العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتعهّد بعدم التعرّض للنظام الحاكم ورموزه، وعلى رأسهم العقيد القذافي، الذي قيل بعد سقوط نظامه أنه كان المسؤول الأول عن الحادث، وأن المقرحي (الذي كان مُصرًّا على براءته حتى يوم وفاته في 2012) لم يكن إلا كبش فداء، ضحّى به العقيد عندما عانت بلاده من العقوبات الدولية المفروضة.

«كبش الفداء» السعودي.. بمن سيُضحي ابن سلمان؟

تسارعت وتيرة الأحداث بعد جريمة اختطاف وقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وذلك بعد كشف تركيا عن وجود أدلّة، تؤكّد ضلوع الرياض رسميًّا في قتل الصحافي السعودي، وأن هذا الأمر وقع بإيعاز من مسؤولين سعوديين في مناصب سيادية، فيما تشير بعض التكهنات إلى أن تسويةً سيُعلن عنها قريبًا، بعد اتصال هاتفي أجراه الملك سلمان بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد فيه الأول موافقته على تشكيل مجموعة عمل مشتركة مع الجانب التركي، للكشف عن مصير الصحافي السعودي، مؤكدا على صلابة العلاقات السعودية التركية، ومثمّنًا العلاقات الأخوية بين الجانبين.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

ليتحوّل الخطاب في وسائل الإعلام السعودية ومواقع التواصل، إلى لهجة أُخرى ودية، غير الأولى العدائية التي كانت تتهم تركيا بالتورط في قتل خاشقجي، وتتهم خطيبته السيدة خديجة جنكيز، بأنها تابعة للمخابرات التركية، وأنها من استدرجته إلى تركيا للتخلص منه، بعد أن أبدى الصحافي السعودي رغبته في العودة إلى وطنه الأم، مثلما زعمت بعض أصوات الموالين للجانب السعودي.

وتزامنًا مع تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس، عن أن المتورّطين في قتل خاشقجي «قتلة مارقون»، وتسريب شبكة «سي إن إن» الإخبارية، بأن الرياض ستعترف بقتل خاشقجي عن طريق الخطأ أثناء التحقيق وقول صحيفة «واشنطن بوست» استنادًا إلى مصدر تركي بأن السعودية ستضحّي بمسؤول كبير بعد الضغوط التي تتعرض لها وحفاظًا على ماء الوجه، تأخذ الأحداث منعطفًا جديدًا، وتلوح في الأفق ذكرى حادثة لوكربي وذكرى عبد الباسط المقرحي، ويظل السؤال: من سيكون كبش الفداء السعودي الذي ينقذ ولي العهد؟

هل يُصبح القنصل السعودي «رأس الذئب الطائر»؟

منذ اللحظات الأولى التي عُرف فيها خبر اختفاء خاشقجي، بعد دخوله قنصلية بلاده؛ أصبح اسم القنصل السعودي في إسطنبول، محمد العتيبي، ملء السمع والبصر، فالرجل لم يتوانَ منذ اللحظة الأولى عن الإدلاء بتصريحات من شأنها أن تنفي علاقة القنصلية والمملكة باختفاء خاشقجي، لكن تصريحاته كانت مثار لغط كبير، إذ  ردّ على طلب الشرطة التركية تسجيلات كاميرات القنصلية التي تنتشر حول المبنى من أجل فحصها،  بأن: «كاميرات القنصلية الأمنية تقوم بالتصوير المباشر، لكنها لا تسجل، ولذا لا يمكن تقديم أدلة على تحركات خاشقجي»، مؤكدا على أنّ خاشقجي غادر القنصلية يوم الثلاثاء، الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بعد إكمال أوراقه.

القنصلية السعودية في اسطنبول

وبعد أربعة أيام من اختفاء خاشقجي، فتح القنصل السعودي محمد العتيبي، أبواب القنصلية أمام الصحافيين ومراسلي وكات الأنباء، للتأكيد على عدم وجود الصحافي المفقود بالداخل، وأظهرت لقطات عرضتها وكالة «رويترز»، القنصل السعودي محمد العتيبي وهو يتجوّل في مبنى القنصلية المؤلف من ستّة طوابق، وقيامه بفتح خزانات الملفات وأزاح الألواح الخشبية التي تغطي وحدات تكييف الهواء، للتأكيد على عدم اختفاء خاشقجي داخل القنصلية.

وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه العتيبي أنه قدّم للصحافيين والمحققين الأتراك أدلة متماسكة تنفي كل الاتهامات بشأن وجود خاشقجي في القنصلية، قدّمت «واشنطن بوست» اتهامًا جديدًا – نقلًا عن مسؤولين أمريكيين– بأن خاشقجي ربما تم تقطيع جثّته ووضعها في صناديق ونقلها إلى خارج البلاد، لتتفق هذه التسريبات مع ما نشره موقع موقع «ميدل إيست آي» بأن الوفد السعودي أحضر آلة للتقطيع على متن الطائرة الخاصة التي أحضرته.

(القنصل السعودي في اسطنبول –  المصدر: الجزيرة)

وبحسب معلومات أخرى مسربة إلى الصحف التركية فإن السيّارة التي كانت تنتظر أمام القنصلية قبل دخول خاشقجي، وُضِعت فيها صناديق مشبوهة، بعد دخول الصحافي المفقود بفترة، ومن ثم غادرت إلى جهة غير معلومة، ثم عادت إلى منزل القنصل السعودي، ولذلك تطالب السُلطات التركية من السعودية تفتيش كلٍّ من القنصلية وبيت القنصل العام محمد العتيبي، وبحسب صحيفة «يني شفق» التركية فإن العتيبي التزم بيته لمدة أربعة أيام، وألغى كل مواعيده.

وتشير التكهنات إلى أن القنصل السعودي الذي يقال بأنه تبادل أطراف الحديث مع خاشقي بمكتبه الشخصي  قبل أن يدخل عنصران من الفريق الأمني ويقتاداه بالقوة إلى الغرفة المجاورة، قد يُصبح «كبش الفداء»، الذي سيستخدمه ابن سلمان درءًا لاتهامه شخصيًا.

ونصح كلّ من المعارض السعودي صاحب الحساب الوهمي، تركي الشلهوب، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وحساب «نحو الحرية»، العتيبي، بالهرب واللجوء إلى دولة أوروبية، والإدلاء بكل ما شاهده، كي يحمي نفسه من التضحية به.

«كتيبة الموت» قد تصبح طوق نجاة ولي العهد؟

بعد أن نشرت جريدة «الصباح» التركية، التي تعتبر ناطقة باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، خبرًا عنوانه: «15 عضوًا في كتيبة الإعدام»، وكشفت فيه عن هويات 15 مسؤولًا سعوديًا وصلوا مطار أتاتورك في أوقاتٍ مختلفة يوم 2 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، بدءًا من الساعات الأولى من الصباح وحتى عصر اليوم الذي شهد اختفاء خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول، صارت أصابع الاتهام موجهة نحو المملكة السعودية، وأصبح أعضاء هذه الكتيبة، المتهمين الرئيسيين في تنفيذ عمليّة القتل، خاصة وأن من بينهم خمسة ضباط سعوديين، بالإضافة إلى أحد أفراد الحرس المرافق لولي العهد، ومدير الطب الشرعي بالإدارة العامة للأدلة الجنائية بالأمن العام السعودي.

وبالرغم من أن الردود السعودية الأولى، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حاولت التشكيك في القائمة ثم ادعت أنهم مجموعة من السائحين، إلا أن تصريح ترامب يوم أمس عن احتمالية قيام قتلة مأجورين بقتل خاشقجي، تشير إلى إمكانية التضحية بهذا الفريق، خاصة بعد ما نشرته صحيفة «إيلاف» السعودية، عن شروع السلطات السعودية  في استدعاء هذه المجموعة؛ للاستفسار منهم عن سبب وجودهم في إسطنبول في التوقيت نفسه الذي يتزامن مع آخر ظهور علني لخاشقجي، والوقوف على مدى صحة المزاعم التي تقول بأنهم متورطون في قتله.

وفي حال تضحية الجانب السعودي بهذه المجموعة، فإنَّ سؤالا آخر سيطل برأسه، وهو: من الذي أمرهم بقتل خاشقجي وأرسلهم في طائرات خاصة إلى اسطنبول؟

سعود القحطاني.. هل يضحي ابن سلمان بـ«نديمه»؟

مع بداية أزمة اختفاء جمال خاشقجي، طلّ اسم سعود القحطاني، المستشار بالديوان الملكي برتبة وزير، ورفيق ابن سلمان المقرّب؛ الذي حامت الشكوك حول تورّطه في استدراج خاشقجي وقتله في القنصلية السعودية بإسطنبول، بعدما تواترت أنباء عن أن القحطاني، كان قد هاتف خاشقجي عدة مرات إبّان إقامة الأخير في أمريكا، من أجل إقناعه بالعودة إلى المملكة، وتجديد البيعة للملك وولي العهد، في مقابل العفو عنه ومنحه منصبًا رفيعًا في الحكومة السعودية.

سعود القحطاني رفقة ولي العهد بن سلمان – المصدر: عربي21

علاوة على إعادة نشر تغريدات قديمة، كان سبق وأن كتبها القحطاني عبر حسابه الرسمي الموثق على «تويتر»، يهدد فيها المعارضين السعوديين، بضمّهم لقائمة تصفية وقتل سوداء. بجانب بعض تغريدات التهديد لخاشقجي، ممن يعرفون بـ«الذباب الإلكتروني»، الذي يقال أنها خلايا إلكترونية تابعة للقحطاني؛ مما يجعل اسمه هو المرشح الأول على طاولة التضحية، بعد تسريب «واشنطن بوست»، بأن المملكة تستعد للتضحية بمسؤول كبير.

تجدر الإشارة إلى أنّ وقت تدشين سعود القحطاني لوسم #القائمة_السوداء، أشار في تغريدة إلى أن إعداد هذه القائمة بمعرفة ورضاء أولياء الأمر، الملك سلمان وولي العهد. مما يجعل التضحية بالقحطاني، -ربما- وبالاً سيُجر على الأمير الشاب، ولن يُبرئه.

المصادر

تحميل المزيد