انتقد خالد أبو الفضل- أستاذ الحقوق في جامعة كاليفورنيا ورئيس البرنامج المشترك لأقسام الدراسات الإسلامية في ذات الجامعة في مقال له نشر في موقع إيه بي سي في الخامس عشر من شهر مايو، انتقد نظرة البعض من الأكاديميين لتيارات الإسلام السياسي والحكومات الإسلامية التي ينظر إليها البعض منهم باعتبارها خطرًا داهمًا على الواقع السياسي في المشهد الدولي، مشيرًا في هذا الصدد إلى مشاعر البهجة والسعادة التي انتابت بعض الأكاديميين حيال الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الإسلامية في الجزائر في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي بالرغم من أن الانقلاب العسكري في الجزائر كان قد أدى إلى اندلاع حرب أهلية أسفرت عن قتل وحشي طال ما يقرب من مائة ألف من المدنيين خلافًا لما يعتقده البعض من أن الانقلاب العسكري قد أنقذ الجزائر من خطر الإسلاميين.
واستهجن أبو الفضل أيضًا الطريقة التي تم التعاطي بها من قبل البعض الآخر مع الانقلاب العسكري في مصر في شهر يوليو من العام الماضي ظنًا منهم بأن الانقلاب العسكري أنقذ البلاد من كارثة جيوسياسية بالرغم من الإطاحة بأول رئيس منتخب عبر انتخابات ديمقراطية.
وأشار أبو الفضل إلى عدد من التداعيات التي خلفها الانقلاب العسكري في مصر من الإطاحة بالحكومة المنتخبة، بالإضافة إلى أعمال القتل التي طالت ما يزيد على ثلاثة آلاف من المعارضين مع اعتقال عشرين ألفًا من السجناء السياسيين وصولًا إلى أحكام قضائية بالإعدام في شهر مارس الماضي لم تدم فيها المحاكمات أكثر من ثماني دقائق طالت ما يقرب من ألف ومائتين من رافضي الانقلاب من بينهم محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين على خلفية اتهامات بالتحريض على العنف والاشتراك في قتل أحد عناصر الأمن وهو ما اعتبر بمثابة أحد أكبر أحكام الإعدام الجماعية في التاريخ الحديث.
وفي الوقت الذي أبدى فيه أبو الفضل استهجانه حيال الأحكام القضائية التي صدرت بحق رافضي الانقلاب في مصر ما بعد الثالث من يوليو، أشار إلى فشل المؤسسة القضائية في إصدار أية أحكام بالإدانة في حق الرئيس المخلوع حسني مبارك بالرغم من سيل الاتهامات التي وجهت له عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي شملت اتهامات بتعذيب وتشويه وقتل الآلاف من المصريين على مدار ثلاث عقود من الحكم وهو ما تكرر مع عناصر الأمن الذين لم يُدَن أي منهم على خلفية اتهامات بقتل المتظاهرين أثناء وبعد ثورة يناير.
واستمرارًا لمسلسل القمع الذي خلفه الانقلاب العسكري في مصر بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، أصدرت الحكومة المؤقتة في شهر نوفمبر من العام الماضي قانون التظاهر الذي يتم بموجبه وضع عراقيل أمام حركة التظاهرات والاحتجاجات وهو ما خلف موجة من الغضب العارم لدي العديد من الحركات السياسية ومنها حركة السادس من أبريل التي صدر قرار بحظرها في شهر أبريل الماضي على خلفية اتهامات بالإساءة إلى صورة مصر الدولية والتعاون مع جهات أجنبية وتقويض مؤسسات الدولة بالرغم من دور الحركة البارز في ثورة الخامس والعشرين من يناير وفي الموجة الثورية في الثلاثين من يونيو، بالإضافه إلى إتهام الدكتور عمرو حمزاوي النائب البرلماني السابق بإهانة القضاء إثر قيامه بتغريدة على موقع تويتر انتقد من خلالها قيام السلطات بإغلاق ثلاث مؤسسات تعليمية غير ربحية تعمل على تعزيز الديمقراطية وهو ما يشي بحسب الكاتب بأن الجيش المصري والمؤسسات القضائية شرعت من جانبها في قمع المعارضين من الحركات الثورية والنشطاء والمثقفين فقط لأنهم عارضوا النظام السياسي القائم.
وحول رد الفعل الغربي تجاه الانقلاب العسكري في مصر، أشار الكاتب إلى أنه بالرغم من سلسلة الانتهاكات التي مورست من قبل الحكومة الانتقالية والسيسي، إلا أن الإدارة الأمريكية قامت من جانبها بإرسال عشر طائرات أباتشي للجيش المصري بالإضافه إلى الإفراج عن ستمائة وخمسين مليون دولارًا من المساعدات كان قد تم حجبها من قبل السيناتور الأمريكي باتريك ليهي رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات بمجلس الشيوخ التي تشرف على المساعدات الخارجية بالتزامن مع الزيارة التي قام نبيل فهمي السفير المصري السابق لدى واشنطن لمدة عشر سنوات خلال حكم مبارك ووزير الخارجية المصري الحالي لواشنطن وهو ما يؤشر بدوره على إستئناف كافة المساعدات العسكرية والمالية وتطبيع العلاقات بشكل تام مع الحكومة المؤقتة.
وإزاء هذه التطورات، لم يبد الكاتب استغرابه من استئناف المساعدات الأمريكية للنظام المصري بالرغم من ممارسات القمع الوحشية التي ينتهجها بحق معارضيه، مشيرًا إلى أن واقع السياسة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط يجعل من السهل إدراك ما يحدث في المشهد المصري ورد الفعل الأمريكي حيال ذلك خاصة في ظل رسائل الدعم الدبلوماسية التي يرسلها كل من جون كيرى وزير الخارجية الأمريكي وتشاك هيجل وزير الدفاع لكل من السيسي وفهمي اللذان يجمع بينهما قاسم مشترك حيث مكثا كل منهما فترة من الزمن في الولايات المتحدة سواء من أجل التدريب العسكري أو المناصب الدبلوماسية ناهيك عن إدراكهما التام لطبيعة العلاقات الخاصة التي تجمع بين الولايات المتحدة ومصر والتي ترتكز على معيارين أساسيين هما إسرائيل والنفط، واللذين توليهما الولايات المتحدة اهتمامًا خاصًا بغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارس بحق العديد من المواطنين العرب.
وأكد الكاتب أنه ما من شيء سوف يتغير في المشهد الحالي في الشرق الأوسط على المدى القصير في إشارة إلى إستمرار النهج الأمريكي في دعم الأنظمة الديكتاتورية التي تتوافق مع المصالح الأمريكية طالما ظلت على عهدها مع واشنطن التي قد تنقلب عليها يومًا ما إذا سارت الأمور على عكس الهوى الأمريكي في المنطقة.
ووفقًا للكاتب، لا تزال الحكومات العربية العسكرية والأثرياء العرب يكيلون المؤامرات بمباركة أمريكية لاستعادة النظام السابق الذي كان قائمًا في عهد مبارك وهو ما يعكسه استمرار السياسات القمعية لقوات الأمن وانتشار الفساد والعدالة الانتقامية وليس العدالة الاجتماعية بالرغم من الأرواح التي زهقت والتضحيات التي بذلت والآمال والتطلعات التي راودت الكثير ممن قاموا بإشعال ثورة الخامس والعشرين من يناير، فلا يزال الجيش يهيمن على أربعين في المائة من الاقتصاد المصري في بلد يعاني من الفقر المدقع بالرغم من وجود أكبر عدد من المليارديرات في مصر التي تحتل المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط في نسبة الأثرياء، بالإضافة إلى استمرار مظاهر الفساد الحكومي والاحتكار والقمع الأمني الذي كان أحد الدوافع الرئيسية لاندلاع الثورة التي باتت تتلاشى شيئًا فشيئًا عقب الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي يلقى دعمًا كبيرًا من قبل العلائلات ذات الثراء الفاحش التي لطالما كانت داعمًا رئيسيًا لنظام مبارك والتي تسيطر على قرابة التسعين بالمائة من الاقتصاد المصري من خلال العديد من الاستثمارات في مجال الإعلام والاتصالات والبناء والنقل.
كما تساءل الكاتب عن ماهية المبررات التي ساقتها العديد من الجيوش العربية لتنصيب نفسها حاميًا للأوطان ومخلصًا للشعوب من براثن الإسلاميين، مشيرًا إلى بعض المفارقات التي طفت على السطح بالتزامن مع الإطاحة بالخلافة الإسلامية من قبل أتاتورك في تركيا في عام 1920 وما صاحب ذلك من إنشاء نظام شمولي بدعوى تحرير تركيا من الاستبداد والتوجهات المعادية لليبرالية مع استدعاء لمبادئ الديمقراطية والليبرالية.
وفي ذات السياق، أشار الكاتب إلى تحالف ثلاثي أسماه الثالوث غير المقدس الذي يضم بين جنباته المؤسسات العسكرية مع النخبه ونظام قانوني مستمد من المعسكر الغربي يعمل على إقصاء الإسلاميين من السلطه أيًا كانت التكلفة من أعمال قمعية ووحشية، متكئًا على شعارات التقدم والاستقلال ويرتكز على إدانة التقاليد والموروث التاريخي وهو ما بدا بشكل واضح في الانقلاب العسكرى في مصر، الذي أقدم على قمع الإسلاميين تحت مزاعم نشر “الحداثة” وقمع “التخلف والرجعية”.