المتابع لأفلام الكوميديا الأمريكية في العقدين الماضيين، قد يلاحظ انحدارًا في جودة ومستوى لغة الأعمال المقدمة، والتي أصبح كثير منها مصدر إحباط، بعد أن كانت لسنوات، مصدر بهجة للجمهور.
على سبيل المثال، قام ما يقرب من 700 ألف شخص على موقع «IMDB» بتقييم فيلم جيم كاري «The Truman Show» (1998) بإعطائه 8.1 درجة من 10 درجات، بينما تفاوتت تقاييم أفلامه الأخيرة مثل «Dumb and Dumber To» و«Mr. Popper’s Penguins» بين 5.7 درجة وست درجات على أعلى تقدير، علما بأن أعلى تقييم لفيلم كوميدي كان لفيلم «Forrest Gump» (1994) لتوم هانكس، بتقييم 8.8 درجة، يليه فيلم «Life Is Beautiful» للإيطالي روبرتو مونجيني، بتقييم 8.6، ثم فيلم تشارلي شابلين «The Great Dictator» (1940) بتقييم 8.5، يليه مباشرة فيلم «Amélie» (2001) بطولة الفرنسية خفيفة الظل أودري توتو.
الجيل الذي أفسد الكوميديا
الانحدار في المستوى لم يكن فقط من نصيب أعمال جيم كيري، وإنما أيضًا نجوم كبار آخرين مثل بيل موراي وآدم ساندلر وبيلي كريستال وستيف مارتن، وتسبب فيه مجموعة جديدة من الممثلين الكوميديين من مواليد الثمانينيات والتسعينيات، الذين ينتمون للجيل الذي يُطلق عليه «The Millennials»، والتي تقف وراءهم شركات الإنتاج الضخمة لتقديم أعمال تناسب شرائح عمرية تنتمي أيضًا لجيل الألفية والجيل الذي يليه، وهو ما يطلق عليه «Generation Z»، وهم مواليد آخر التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة.
هذا الجيل الذي ينتمي إليه ممثلون كوميديون مثل سيث روجن وجوناه هيل وجاي باروشيل، وآخرون من يل أكبر قليلًا، من مواليد السبعينيات، مثل داني مكبرايد وكريج روبينسون وفينس فون، ممن لديهم في الأصل إمكانيات أدائية عالية، دفعت مخرجًا بأهمية مارتن سكورسيزي إلى اختيار جوناه هيل لدور في فيلم «The Wolf of Wall Street»، ودفعت كذلك ميل جيبسون إلى اختيار فينس فون لفيلمه الحربي الأخير «Hacksaw Ridge»، إلا أن حالات مثل تلك، تظل استثناءً وسط بحر من الأفلام الكوميدية «الضحلة».
ويعتبر جيمس فرانكو، بطل فيلم «?Why Him»، أحد الكوميديين الجدد، رغم تقديمه أدوارًا درامية هامة، مثل دوره في فيلم «127 Hours»، حيث لعب دور درّاج مغامر تسقط عليه صخرة جبل فتحاصره وسط صحراء لا يوجد بها أحد لنجدته، الدور الذي رشحه لجائزة الأوسكار، ورغم ذلك قدم العديد من الأفلام الكوميدية ضعيفة المستوى مثل «This Is the End» و «The Interview» و «Pineapple Express».
«لنتعرف على صديق ابنتنا»
يتناول الفيلم قصة عائلة مكونة من أب وزوجة وابن مراهق وابنة شابة. تقع الإبنة ستيفاني (زووي دوتش)، في غرام شاب ثري غريب الأطوار يدعى ليرد (جيمس فرانكو)، وتقرر ستيفاني اصطحاب عائلتها لمنزل ليرد في عطلة نهاية الأسبوع لقضاء يومي العطلة معها ومع ليرد للتعرف على صديقها الجديد الذي تجمعها به علاقة حب قوية.
تفاجأ الأسرة بمدى ثراء ليرد الذي يقيم في بيت ضخم أشبه بقصر مؤثث على طريقة عصرية وتحيط به حدائق شاسعة، وفي نفس الوقت يقيم داخله موظفو شركته التي تعمل في مجال تطوير ألعاب الهواتف الذكية. وعلى الرغم من أناقة كل شيء إلا أن ليرد يقابل العائلة وهو لا يرتدى شيئا في نصفه العلوي! جسده مغطى بعشرات من رسوم التاتو العشوائية التي لا تعبر عن شيء، يستقبلهم بطريقة صبيانية فجة، ويخاطبهم بلغة مليئة باللعنات والشتائم، يبدو مجنونًا وطفوليًّا ومفعمًا بالطاقة ولكن بطريقة خرقاء وفجة للغاية.

(المصدر: foxmovies.com)
يشعر الأب نيد (برايان كرانستون، بطل السلسلة التلفزيونية الشهيرة Breaking Bad) بالقلق من تصرفات صديق ابنته الغريبة، وخصوصًا أثناء معاملته مع زوجته بارب وكأنه يتحرش بها، وكذلك مع ابنه سكوتي والذي يحدثه بلغة تحتوي طن من الشتائم واللعنات وكأنه يرغب في تعليمه قاموس الانحراف عن عمد.
يصطحب ليرد الأسرة في جولة بالمنزل، الذي على الرغم من تصميمه العصري والعملي الجميل، إلا أن ليرد ملأه بمئات الأشياء التي لا يمكن وصفها سوى بالـ«قمامة»، وعلى سبيل المثال ملأ خزانًا زجاجيًا بالبول ووضع فيه غزال موظ محنط، وقدم لهم ذلك بصفته عملًا فنيًّا يعبر عن أن المظاهر قد تخفي الجمال الذي تحتويه داخلها. ملأ أيضًا المنزل بلوحات كبيرة تمثل حيوانات في أوضاع جنسية غريبة. وتماثيل لقرود ضخمة تضحك في خبث وتمسك البنادق.
يحاول ليرد التقرب من أسرة حبيبته عبر إثارة إعجابهم، فيخبرهم أنه قام بعمل وشم جديد على ظهره يحمل صورة الأسرة، ويخبر نيد أنه قام بتركيب مضمارين للعبة البولينج في منزله خصيصًا عندما علم أن «نيد» من عشاق اللعبة، كذلك أحضر طاه يظهر في برنامج شهير لمسابقات الطهي ليقوم بإعداد مأدبة عشاء على شرف الأسرة.
اتفاق من أجل الحب
وبعد يوم وليلة طويلين لا ينجح فيهما ليرد غير في إثارة المزيد من قلق وضيق الأب نيد، يطلب من الأخير مقابلته صباحًا لأمر هام، وهنا يخبره أنه سيطلب من ابنته الزواج منه أثناء الاحتفال بعيد رأس السنة الذي اقترب، وأنه يطلب مباركة نيد قبل أن يقوم بذلك. يرفض نيد بالطبع أن يمنحه مباركته، أولا لأنه لا يعرفه بشكل كافٍ، وثانيا لأن الساعات الماضية لم تكن مشجعة ولا يمكن وصفها بأنها كانت أفضل تجربة تعارف ممكنة.
يطلب ليرد من نيد أن يمنحه أيامًا قليلة ليثبت له فيها أنه شخص جيد ومناسب لابنته، وفي المقابل يعده أنه لن يطلب من ابنته الزواج إلا بعد موافقته. ويوافق نيد على هذا الترتيب.
وبطريقة مشابهة لفيلم (Meet The Parents» (2000» من بطولة بن ستيلر وروبرت دي نيرو، يقوم نيد خلال الأيام التالية بالاقتراب من شخصية ليرد ومحاولة التعرف أكثر على أسراره وأي أمور غامضة أو كارثية يخفيها عليه وعلى ابنته. وفي نفس الوقت يحاول ليرد التقرب من الأب، ويحدث بينهما عشرات المواقف التي يصطدمان ويتعاركان فيها وتبعد الأب أكثر وأكثر عن قرار «نعم» من أجل مباركة الزواج.
تتصاعد أحداث الفيلم النمطي عبر محاولات لا تقل نمطية لتحفيز فضول المتفرج كيف سيوافق نيد في النهاية على ليرد؟ وماذا سيكون رد فعل ستيفاني إذا رفض أبوها؟ وكيف ستكون نهاية الفيلم حينها؟
خلل يصيب الحلم الأمريكي
يعكس الفيلم الخلل الموجود في المجتمع الأمريكي الحالي، الذي اختار شخصًا شعبويًّا مثل دونالد ترامب، ليصبح رئيسًا لأقوى دولة في العالم اقتصاديًا وعسكريًا.
ويوضح الفيلم النقلة التي حدثت في رؤية الشباب الأمريكي للحلم الأمريكي، الحلم الذي لم يعد مجرد الحصول على شهادة جامعية محترمة، والعمل في وظيفة جيدة، وشراء منزل وسيارة والزواج من شابة جميلة وإنجاب ابن وابنة. ولا حتى بدأ شركة من الصفر داخل جراج مثلما فعل «بيل جيتس» و«ستيف جوبس»، ثم بناء تلك الشركة عبر السنين لتصبح كيانًا عملاقًا يضم داخله آلاف من الموظفين الناجحين الذين يضيفون أفكارًا مبهرة للعالم ويضخون مليارات في شرايين اقتصاد بلادهم ليزيدونه قوة.
وأصبح الحلم هو أن يبني الشاب موقعًا إلكترونيًّا أو تطبيقًا للهواتف ليصير فجأة تطبيقًا مشهورًا ويستخدمه ملايين الناس ويدر عليه مئات الملايين من الدولارات، ثم يقضي باقي حياته في محاولة التفكير في الكيفية التي سينفق فيها كل هذا الكم من النقود، وكفى. محاولة غريبة لتسطيح مفهوم ريادة الأعمال، وقصص نجاح أشخاص استطاعوا فعلا بناء شركات تقنية غيرت حياة البشرية مثل فيسبوك وسكايب ولينكد إن وتسلا.
لكن هؤلاء لم يحصدوا مئات الملايين ثم جلسوا ينفقونها كالمجانين، وإنما لا يزالون يعملون لصالح تحسين نمط حياة البشر، وليقدمون المزيد من الإبداعات. مثل «إلون ماسك» صاحب شركة تسلا الذي لأول مرة ابتكرت شركته الثانية «سبيس-إكس» صاروخًا فضائيًّا يستطيع القيام برحلات للفضاء والعودة مرة أخرى ليعاد استخدامه, مما يفتح أفاقًا واسعة في غزو الفضاء. و«مارك زوكربرج» الذي خصص ثروته بالكامل للخير، وتعمل شركته على مد خدمات الإنترنت للقرى والمدن النائية في أفريقيا وآسيا لتمكين سكان تلك الأماكن من استخدام التكنولوجيا لتحسين نمط حياتهم.

(المصدر: foxmovies.com)
يعطي الفيلم انطباعًا عن الشاب الأمريكي العصري، على أنه شاب بوهيمي، إن صح التعبير، يسب كما يشاء في حضور أي شخص، وقد لا يرتدي ملابسه في حضور الآخرين، وينفق ماله باستهتار مبالغ فيه، ويملأ منزله بقطع خردة يصفها بأنها «فن»، ويستأجر اثنين أو ثلاثة من المبرمجين لبناء «تطبيقات ألعاب سطحية» يعتبرها أفكارًا اقتصادية عبقرية. ينغمر في حياة سطحية، ولا ينسى في نفس الوقت أن يكون بيته صديقًا للبيئة، ولا يستخدم أي أوراق قط، إلا في حالة أوراق خاصة معاد تدويرها والتي تستخدم للأكل، وفي الوقت الذي يحرص فيه على الأشجار الذي يصنع منها الورق، لا مانع لديه من أكل لحم «الدببة»!
علامات
editorial, why him?, أفلام, أفلام كوميدية, أفلام ما بعد الحداثة, الحداثة, ترفيه, سينما, فن, فيلم, كوميديا, لماذا هو, ما بعد الحداثة