إن كنت تظن أن الإرهاب أو الحروب أو تفشي الأمراض هي القاتل الأكبر في العالم عمومًا وفي العراق على وجه التحديد، فعليك أن تراجع معلوماتك مرة أخرى، فبيانات منظمة الصحة العالمية كشفت أن الإصابات الناجمة عن حوادث الطرق تعد أبرز أسباب الوفاة عالميًا.
العراق الذي يعيش أوضاعًا أمنية واجتماعية غير مستقرة منذ 14 عامًا، أثرت هذه المدة على كل مناحي الحياة فيه وخصوصًا ما يتعلق بالبنى التحتية وما يعتبره المراقبون فوضى التشريعات والفساد الإداري والمالي الكبيرين وبالتالي ونتيجة لكل ما سلف، ظهرت آثار ذلك تدريجيًا، وهذه المرة طرق الموت أبواب العراقيين من حيث لم يحتسبوا، إنها الطرق وحوادث المرور المرعبة التي تشهدها المدن العراقية.
ليست الحرب فقط من تحصد الأرواح في العراق وإنما الحوادث المرورية أيضًا
تشير وزارة الداخلية العراقية في موقعها الرسمي، إلى أن السنوات العشر الماضية شهدت أكثر من 66000 حادث مروري أدت في مجملها إلى وفاة 22952 شخصًا وإصابة 79545 آخرين بجروح متفاوتة.
يقول العميد عمار وليد، المتحدث باسم مديرية المرور العامة لصحيفة «المدى» إن «الحادث المروري بصورة عامة له عدة أسباب أهمها الطريق، والظروف الجوية، والمركبة وشروط الكفاءة والأمان فيها، وأخيرًا الخطأ البشري»، وبين أن «أغلب الحوادث لدينا تكون بسبب الخطأ البشري بسبب عدم الالتزام بقواعد السير والقيادة بعكس الاتجاه والسرعة» وتابع عميد المرور: «نحن بحاجة إلى رادارات لضبط السرعة، والمشكلة الأكبر أن مديرية المرور غير مسؤولة عن تأثيث الطرق من حيث التخطيط والعلامات والإكساء وأجهزة تديم عمل المرور».
يقول عبد الزهرة الهنداوي الناطق الرسمي لوزارة التخطيط العراقية إن: «الحوادث المرورية تمثل خطورة كبيرة وتضاهي العمليات الإرهابية الحالية وأنها تشكل هاجسًا وقلقًا لأفراد المجتمع ومشكلة تستنزف الموارد المادية للدولة فضلًا عن التأثيرات الاجتماعية»، ودعت وزارة التخطيط إلى وضع ضوابط مشددة في منح إجازة القيادة وعقوبات تجاوز السرعة وعدم استخدام أحزمة الأمان والقيادة تحت تأثير الكحول وضرورة استخدام كراسي وأحزمة الأطفال، والحد من الاستيراد العشوائي للسيارات وتطوير النقل العام والطرق من خلال التقليل من التقاطعات ذات المستوى الواحد وإنشاء الأنفاق والجسور.
https://youtu.be/_BbUqjtt3YQ
وقال حسن جفات مدير صحة محافظة الديوانية العراقية إن عدد الوفيات خلال عام 2015 فقط بلغ 239 حالة وفاة نتيجة الحوادث المرورية، فيما قال العميد عبد الأمير رحمن مدير عام المرور في الديوانية إلى أن السبب وراء تلك الحوادث يعود إلى قيادة المركبات بسرعة جنونية وعدم الالتزام بالقوانين فضلًا عن أن كثيرًا من السيارات المستوردة غالبًا ما تكون من منشأ سيء غير رصين مثل الصين وإيران، بحسبه.
يقول عقيد المرور المتقاعد حسن كاظم لـ«ساسة بوست»: «إن الفساد المستشري في دوائر المرور جعلت من استحصال رخصة القيادة أمرًا غاية في السهولة ما دامت هناك الرشوة»، وأضاف أيضًا أن عدم تأثيث الطرق بعلامات المرور والرسوم التوضيحية إضافة إلى عدم تخطيط الشوارع، كل هذا أدى إلى أن الشخص العراقي عندما يقود سيارته فإنه وفي ظل هذه الظروف يحتاج إلى عشرة عيون بدل اثنتين.
رغم حداثة الطرق والمركبات.. دول الخليج الأعلى عالميًا في نسب الحوادث
على الرغم من تمتع دول الخليج العربي بشبكة طرق بمواصفات عالمية، فإن حوادث المرور لا تزال هاجسًا يؤرق المجتمع بأسره، جراء ما تخلفه من آثار مأساوية اجتماعية واقتصادية، ومع تمتع دول مجلس التعاون الخليجي بأرقى مستويات التخطيط للبنية التحتية وسلامة الطرق والقوانين الخاصة بأنظمة السير، وفقًا للمعايير الدولية، فإن الخسائر المادية نتيجة الحوادث المرورية في السعودية وحدها تصل إلى أربعة مليارات دولار سنويًا، وتشير التقارير إلى أن المملكة تشهد يوميًا 1460 حادثًا مروريًا تتسبب بمقتل 23 شخصًا بينما يتعرض 102 آخرين لإصابات بالغة.
وذكر التقرير أن إحصائية عام 2015 تشير إلى وقوع ما يقرب من 518795 حادثة مرورية في المملكة ما أسفر عن مقتل 8063 شخصًا وإصابة 36302 آخرين بجروح.
أما في الدول الخليجية الأخرى فقد تصدرت البحرين دول الخليج في زيادة عدد حوادث المرور، في حين تصدرت السعودية المعدل الأعلى في عدد الوفيات من جراء حوادث المرور لعام 2014، وبلغ معدل حوادث المرور في البحرين 76.7 حادث لكل 1000 نسمة، في حين بلغت نسبة حالات الوفاة في السعودية من جراء الحوادث 0.24 حالة لكل 1000 فرد. ومعدل حوادث المرور مقارنة بعدد السكان في دول الخليج عمومًا يقدر بـ 13.7 حادث لكل 1000 فرد، وأشار التقرير إلى أن أغلب حوادث المرور بالسعودية مميتة مقارنة بدول الخليج، في حين تكون طفيفة في البحرين.
وجاءت البحرين في المركز الثالث في معدل الإصابات بدول الخليج بمعدل قدره 1.92 إصابة لكل 1000 نسمة، وبحسب الدراسة ذاتها بلغ عدد حوادث المرور في دول الخليج خلال عام 2014 نحو 594 ألف حادث، في حين بلغ عدد الوفيات من جراء تلك الحوادث 9713 حالة وفاة، كما بلغ عدد المصابين 62.5 ألف إصابة.
وجاءت الإمارات الأقل في معدل الحوادث بنسبة 0.5 حادث لكل 1000 نسمة، تليها عمان بمعدل قدره 1.7 حادث لكل 1000 نسمة، ثم قطر بمعدل قدره 2.4 حادث لكل 1000 نسمة، واعتمدت الدراسة على بيانات المراكز الإحصائية لكل دولة.
ووفقا لخبراء الصحة العامة في دول مجلس التعاون الخليجي تأتي ظاهرة «التفحيط» أو الـ«Drifting» أحد أهم العوامل التي تسبب الوفاة والإعاقة الدائمة في المملكة العربية السعودية.
وأظهرت دراسة علمية في السعودية أن السرعة والانشغال بالهاتف الجوال وقطع الإشارات أهم أسباب حوادث المرور بالمملكة، التي تتصدر المعدلات العالمية في وفيات وإصابات هذه الحوادث.
وأوضحت الدراسة التي نُشرت في المجلة الدولية للصحة العامة والعلوم الطبية أن السرعة في قيادة السيارات هي أكبر أسباب حوادث المرور، يليها الانشغال بالهواتف، ثم قطع إشارة المرور.
وذكر الاستشاري النفسي بكلية الطب بجامعة الطائف التي أجرت الدراسة، علي بن حسن الزهراني، أنه أجراها على عينة من طلبة كلية العلوم الطبية بالجامعة متوسط أعمارهم 21 عامًا، لمعرفة آرائهم وتوجهاتهم تجاه أنظمة المرور والقوانين التي تنظمها.
وذكرت الدراسة أن أكثر من نصف العينة تعرضوا لحوادث مرور، وأن 83٪ منهم كانت إصاباتهم تتراوح بين المتوسطة والخفيفة.
حوادث المرور.. القاتل الأول عالميًا
كانت الإصابات الناجمة عن حوادث المرور على الطرق في عام 2015، هي السبب الرئيسي لوفيات المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 19 عامًا، مما أسفر عن وفاة حوالي 115000 من المراهقين، وتحمل المراهقون من الصبية الأكبر سنًا والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 19 عامًا العبء الأكبر، فمعظم الشباب الذين لاقوا حتفهم في حوادث الطرق هم من مستخدمي الطرق المعرضين للخطر من قبيل المشاة وراكبي الدراجات الهوائية والنارية.
ويشير التقرير السنوي الصادر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2015 إلى أن دول شرق المتوسط وأفريقيا تحتل المركز الأول في احتمالية تعرض السكان للموت نتيجة تعرضهم لحادث مروري؛ حيث احتلت ليبيا والسعودية المركزين الأولين في معدل وفيات الحوادث المرورية في الدول العربية، وبحسب التقرير ذاته تصل نسبة الوفاة في دول شرق المتوسط وأفريقيا إلى ما بين ( 20 – 26) حالة وفاة لكل مئة ألف نسمة وهي نسبة مرتفعة جدًا قياسًا بدول العالم.
الإحصاءات العالمية السنوية لحوادث الطرق
نشرت منظمة «The Association for Safe International Road Travel» والمعروفة اختصارًا بـ«ASIRT»، وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 1995 الإحصاءات السنوية العالمية لحوادث الطرق والتي كانت كالتالي:
- يلقى ما يقرب من 1.3 مليون شخص مصرعه في حوادث الطرق سنويًا، بمعدل 3287 حالة وفاة يوميا.
- من 20 – 50 مليون هو عدد الأشخاص المصابين أو المعاقين سنويًا بسبب تلك الحوادث.
- أكثر من نصف الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بين الشباب من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 سنة.
- وتحتل حوادث المرور على الطرق المرتبة التاسعة من بين الأسباب الرئيسة للوفاة وتمثل 2.2 % من مجموع الوفيات على الصعيد العالمي.
- تعد حوادث الطرق السبب الرئيسي للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا، والسبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 14 عامًا.
- يموت كل عام ما يقرب من 400000 شخص تحت سن الـ 25 نتيجة حوادث الطرق في العالم، ما يعني أكثر من 1000 شخص يوميًا.
- أكثر من 90٪ من مجموع وفيات حوادث الطرق تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي لديها أقل من نصف عدد السيارات في العالم.
- تبلغ الخسائر الناجمة عن حوادث الطرق 518 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم، مما يكلف البلدان الفردية من 1-2٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
- تكلف حوادث الطرق في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تكلفة تصل إلى 65 مليار دولار أمريكي سنويًا، وهو ما يتجاوز المبلغ الإجمالي المقدم لهذه الدول في إطار المساعدة الإنمائية.
أسباب الحوادث المرورية عالميًّا
وعن أهم الأسباب التي تقف وراء حوادث الطرق، نشر موقع هافينغتون بوست العالمي في عام 2016 تقريرًا ضم أكثر 15 سببًا لحوادث المرور، كان أهمها تشتت ذهن السائق أثناء القيادة نتيجة استخدامه للهاتف والأكل والحديث مع الركاب دون الانتباه للطريق. وأضاف التقرير أن شرب الكحول والقيادة المتهورة واستخدام الأضواء الخلفية الحمراء دون الحاجة لذلك، فضلًا عن القيادة الليلية والعيوب الميكانيكية في السيارة وعيوب الطريق من مطبات وغيره، إضافة إلى المخدرات وقيادة المراهقين للسيارات.