في السادس من يوليو (تموز) 2022 التقى الرئيس التونسي قيس سعيد بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، وذلك أثناء تواجدهما في الجزائر على خلفية احتفالها بالذكرى الستينية للاستقلال، وفي خطوة اعتُبرت إشارة إلى ربط مرتقب للعلاقات بين تونس والنظام السوريّ، طلب قيس سعيد من وزير خارجية النظام السوري، نقل تحياته إلى بشّار الأسد ونوّه بـ«إنجازات الأسد» ضد ما أسماه «قوى الظلام والتخلّف»، حسب ما قالته وزارة الخارجية السورية.

ويأتي تقارب قيس سعيد مع النظام السوري، في توقيت لافت، أي قبل أشهر قليلة من القمّة العربيّة المزمع عقدها في الجزائر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 والتي تسعى من خلالها الجزائر إلى إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، كما يأتي بعد أشهر قليلة من زيارة بشّار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة في مارس (آذار) 2022، لأوّل مرة منذ 2011، والتي حملت دلالات متزايدة على مجهودات لإعادة تدوير النظام السوري وإرجاعه إلى جامعة الدول العربية، لكن هذه المساعي لا تلقى إجماعًا لدى الدول العربية؛ إذ تقود السعودية معارضة رجوع النظام السوري إلى الجامعة.

أما الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط فلم يحسم عودة النظام السوري إلى الجامعة، قائلًا في حديث مع صحيفة «الشرق الأوسط»: «في نهاية المطاف ستعود سوريا إلى شغل مقعدها، متى؟ لا أعرف ربما في القمة القادمة، ربما بعد سنوات».

لماذا يرغب قيس سعيّد في عودة العلاقات مع النظام السوري؟

يرتبط التوجّه التونسي لإعادة العلاقات مع النظام السوري، بدافعيْن رئيسين: الأوّل هو العداء لحركات الإسلام السياسي، خصوصًا في ظلّ صراع قيس سعيّد مع حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي والتضييق على قياداتها وتحجيم دورها السياسي، أما الثاني فهو تماشيه مع التوجّه الأيديولوجي، القومي الاشتراكي، للتنظيمات الحزبيّة التي توفّر غطاءً سياسيًا لقيس سعيد منذ انقلابه على الدستور في يوليو 2021، والتي تُعرف بدعهما للنظام السوري.

Embed from Getty Images

الرئيس التونسي قيس سعيد

فقد أشاد هيكل مكي رئيس «حركة الشعب» ذات التوجّه القومي، وأحد الأحزاب الداعمة لانقلاب قيس سعيد منذ اتخاذه الإجراءات الانقلابية في 25 يوليو 2022، بتطبيع العلاقات بين تونس والنظام السوري، هذا بالاضافة إلى دعوات رئيس «الاتحاد العام التونسي للشغل» أكبر نقابة عمّالية في البلاد وصاحبة النفوذ السياسي الكبير في تونس – والتي لم تعلن رفضها لانقلاب سعيّد – إلى استعادة العلاقات مع النظام السوري في أكثر من مناسبة، وكان مجموعة من أعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل قد زاروا العاصمة السورية دمشق في أغسطس (آب) 2017، دعمًا لنظام الأسد.

وترجع محاولات ربط العلاقات بين تونس ونظام الأسد إلى فترة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي؛ إذ صرّح سنة 2017 بأنّه «لا مانع من إعادة العلاقات مع سوريا إلى مستواها الطبيعي، بعد أن تتحسّن الأوضاع»، وذكر بأنّ العلاقات مع سوريا لم تنقطع على المستوى القنصلي، وفي سنة 2019 قادت تونس مساعٍ لإرجاع النظام السوري إلى الجامعة العربية بمناسبة القمّة العربية التي استضافتها تونس؛ إلا أن هذه المساعي قد فشلت بسبب الرفض العربي لهذا القرار.

ومن جهتها انتقدت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» المحاولات الجزائرية لإرجاع النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، واعتبرتها تكريسًا لسياسة الإفلات من العقاب، وجاء في تقرير الشبكة السورية: «ما قام ويقوم به النظام الجزائري من دعم وترويج للنظام السوري يُشكّل إهانة عظمى للضحايا السوريين الذين قتلهم وشردهم النظام السوري، كما يُشكّل إهانة لنضالات الشعب الجزائري في الحرية والكرامة».

عودة النظّام السوري إلى «الحظيرة».. مواقف عربية متباينة 

تنقسم مواقف الدول العربية حول عودة النظام إلى جامعة الدول، إذ تؤيّد عودته كل من الجزائر، والعراق، ولبنان، ومصر، بالإضافة إلى تونس، أما السعودية وقطر فتعارضان عودته بصفة صريحة، وكان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد صرّح بأنّ «أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية مازالت قائمة. أما باقي الدول مثل الإمارات، والأردن، والبحرين، وموريتانيا، وعُمان، فقد أطلقت جميعها قنوات تواصل مع النظام السوري بمستويات متفاوتة؛ ممّا يرجّح عدم اعتراضهم مبدئيًا على عودة النظام السوري إلى المحيط العربي.

Embed from Getty Images

جامعة الدول العربية – القاهرة

وتقف السعودية في مقدّمة الدول الرافضة لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وكان المنذوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي قد عبّر عن توجّه بلاده الرافض لهذه العودة في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2021، متهمًا النظام السوري بدعم «الإرهاب»، واشترط لعودة سوريا إلى محيطها عربي، أن تتخلّص من «سيطرة الجهات الأجنبية عليها» حسب تصريحاته.

ويرى محلّلون بأنّ الموقف السعودي المعادي للنظام السوري، مرتبط بعلاقة هذا الأخير بكلّ من حزب الله وإيران. وقد عقدت السعودية وإيران جولة مفاوضات في أبريل (نيسان) 2022 وصفتها إيران بـ«الجيدة»؛ ولم تُعلن عن جولة جديدة للمفاوضات بين الطرفين، ومن غير المستبعد أن تكون العلاقات السعودية مع نظام الأسد مرتبطة بمدى تقدّم المفاوضات بين الرياض وطهران.

وكان الأردن قد أعطى إشارات متضاربة حول الموقف من النظام السوري، فمن جهة، كان الملك الأردني عبد الله الثاني قد أجرى مكالمة هاتفية هي الأولى من نوعها منذ 2011 مع بشّار الأسد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فيما يؤشر لعودة العلاقات الأردنية السورية إلى طبيعتها، لكن الأردن عاد وأعطى إشارات نقضية على عودة التوتّر بين البلدين، وذلك على خلفيّة اتهامات أردنية للنظام السوري باستخدام الأراضي الأردنية معبرًا لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج العربي، هذا بالإضافة إلى انتقاد الأردن للدور الإيراني المتنامي في الجنوب السوري، خصوصًا مع انسحاب القوّات الروسية من سوريا جرّاء الحرب في أوكرانيا.

إعادة تدوير النظام السوري.. إلى ما تهدف الجزائر؟

مثّلت الجزائر بالنسبة لـ النظام السوري، مصدر دعم نادر في العالم العربي، وسط مقاطعة عربية واسعة وصلت إلى أوجّها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 حين جرى تجميد مقعد سوريا في «جامعة الدول العربية»، ثم إعطاء كرسي سوريا في الجامعة إلى المعارضة السورية سنة 2013، وهو ما سجّلت الجزائر تحفّظها عليها، إلى جانب الرفض العراقي.

Embed from Getty Images

الرئيس الجزائري تبون يتوسّط رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والقيادي في «حماس» إسماعيل هنيَّة

وعند سؤاله حول مشاركة النظام السوري في القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، لمّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى احتمالية مشاركة سوريا، وقال حول ذلك: «ينبغي أن تكون قمّة عربية جامعة، لتكون انطلاقة جديدة للعالم العربي الممزّق، الجزائر لا تكرّس تفرقة العرب، نحن دولة نجمع الفرقاء دائمًا». وكان النظام الجزائري قد وفّر دعمًا سياسيًا غير مشروط للنظام السوري منذ انطلاق الثورة السورية في 2011، وكانت الجزائر من بين أبرز البلدان الرافضة لقرار طرد سوريا من الجامعة العربية.

إذ اعتبر النظام الجزائري أنّ النظام السوري، من خلال القمع الدموي الذي ارتكبه في حقّ المدنيين من أجل إجهاض الثورة السوريّة، يندرج ضمن «الحرب على الإرهاب» كما يربط الكثير من المحلّلين بين رؤية الجزائر للتعامل القمعي لنظام بشّار الأسد اتجاه الثورة السورية، وبين فترة «العشرية السوداء»؛ إذ تعامل النظام الجزائري حينها مع فوز الاسلاميين بالانتخابات البرلمانية بأسلوب قمعيّ، فجّر حربًا أهلية استمرّت 10 سنوات، المعروفة بـ«العشرية السوداء»، ناهيك عن تصوّر جزائري عن وجود مؤامرة لاستهداف الجمهوريات العربية التي كانت «تقدّمية» يومًا ما: (الجزائر، مصر، سوريا، العراق).

سياسة

منذ 5 سنوات
«ميدل إيست آي»: «المعارضة لم تكن مؤهلة».. من يتحمل فشل الثورة السورية حتى الآن؟

وقد عبّر وزير الشؤون العربية والأفريقية الجزائري عبد القادر مساهل خلال زيارته إلى العاصمة السورية دمشق سنة 2016 – في زيارة نادرة لوزير عربي خلال فترة الحصار الدبلوماسي على نظام دمشق – بصورة واضحة عن هذا الربط الجزائري بين ما حدث في سوريا، والتجربة الجزائرية خلال العشرية السوداء بقوله: «موقف الجزائر من دعمها لدمشق بأنها ضد الإرهاب انطلاقًا من تجربتها خلال العشرية السوداء»، وكانت الجزائر قد صوّتت تسع مرّات، في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة لصالح النظام السوري.

ويندرج موقف الجزائر تجاه القضية السورية ضمن موقفها العام من ثورات الربيع العربي، سواء خلال عهد الرئيس بوتفليقة أو الرئيس عبد المجيد تبون؛ إذ صرّح الأخير خلال لقائه مع قناة «الجزيرة»: «نحن الجمهورية الوحيدة التي بقيت واقفة خلال ما يسمّى بالتخريب العربي أو الربيع العربي»، وقد نظرت الجزائر إلى هذه الثورات بتوجّس وريبة، خصوصًا في ليبيا، حيث عارضت تدخّل «حلف الناتو» على حدودها لإسقاط نظام معمّر القذافي، وكانت الجزائر قد استقبلت عائلة القذّافي الهاربة من ليبيا بعد سقوط نظام العقيد.

المصادر

تحميل المزيد