في أبريل (نيسان) الماضي سار رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ماسكًا يد زوجته «سارة» متنزهًا بين الأراضي الخضراء بمرتفعات هضبة الجولان المحتلة. هذه الرحلة التي استبقت هجوم النظام السوري وحلفائه على الجنوب السوري كانت بُشرى للإسرائيليين بقرب سيطرة بشار الأسد على حدود خط وقف إطلاق النار في الجولان، والتي تحقّقت مع بداية هذا الشهر؛ فانطلق المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون بتفاؤل عن جملة المكاسب التي ستحقّقها إسرائيل جرّاء عودة النظام  إلى الإمساك بزمام الأمور العسكرية في الجولان، والتي وصلت لحد مطالبة إسرائيل واشنطن بالاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان.

 هذا التفاؤل المُبالغ يستند إلى أن مصلحة بشار الأسد تقتضي تجنب أية مواجهة مع إسرائيل في ظل ضعف حلفائه الإيرانيين و«حزب الله»، ولانشغاله بالاستعداد لبناء النظام وإعادة الإعمار، وفيما يمضى الإسرائيليون في تفاؤلهم هذا، لا تخفى أيضًا جملة المخاوف من عدم صدق النوايا الروسية في إزاحة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران عن الجنوب السوري.

«إسرائيل» مبتهجة بعودة الأسد للجولان

الآن بعد عودة الهدوء مع انتصار الأسد، هو الوقت الملائم لعودة السياحة في الجولان. انتهت سبع سنوات عجاف والآن سبع سمان

هذا التصريح ينسب للمسؤول في ما يعرف بـ«المجلس الإقليمي للجولان» السياحي، شموليك حزان؛ إذ أخذ يتحدث عن الحملة الدعائية التي انطلقت الأيام القليلة الماضية لتنشيط السياحة والتنزه في هضبة الجولان المحتلة، وقال حزان المتفائل كغيره من أصحاب المصالح الإسرائيليين في الجولان بانتصار الأسد: إن هدف الإعلان هو «تذكير الجميع بأن الحياة عادت إلى طبيعتها في الجولان، وأننا ننتظر السياح، لا حاجة للقلق بعد الآن».

القادة الإسرائيليون أيضًا كانوا متفائلين بعودة النظام السوري إلى الجولان؛ ففي اليوم الثاني من هذا الشهر قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان: إن «الوضع في سوريا بعد التفاهمات بين روسيا وإسرائيل عاد لسابق عهده، الحرب الأهلية السورية انتهت فعليًا، وتوقّعت أن تصبح حدود هضبة الجولان أهدأ مع عودة الحكم المركزي لدمشق في المنطقة»، مضيفًا: «من منظورنا فإن الوضع يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية؛ مما يعني أن هناك جهة يمكن مخاطبتها وشخصًا مسؤولًا وحكمًا مركزيًا، أعتقد أن هذا هو ما يريده الأسد كذلك».

 وكرر ليبرمان الشروط الثلاثة لعدم التدخل الإسرائيلي في الشئون السورية، وهي: المحافظة على اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، وألا تصبح الأراضي السورية منصة لانطلاق القوات الإيرانية ضد دولة الاحتلال، وألا تشكّل سوريا ما أسماه بمعبر تهريب الأسلحة لصالح حزب الله اللبناني.

وترى إسرائيل أنه في سبيل الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي يجب التوجه للمفاوضات مع النظام السوري عبر وساطة روسية؛ فالتفاهم مع الأسد – الذي حقق نجاحات بالقرب من هضبة الجولان – بموافقة إسرائيلية أجدى من الاعتماد الإسرائيلي على واشنطن.

رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال زيارة الجولان – المصدر: TRT العربية

أما من جانب النظام السوري، فقد وصل الأمر به لتجهيز خطواته نحو إعادة فتح معبر القنيطرة مع الاحتلال، وفق الاتفاقية التي تضمن تأمين عبور السوريين في الجولان المحتل إلى سوريا بإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كما يبحث مسؤولو النظام في آلية التنسيق حول عودة قوات حفظ السلام الأممي إلى الجولان، وإعادة انتشارها في منطقة الفصل بين سوريا والاحتلال، وفق اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.

وبدأ النظام يشنّ هجومًا شرسًا في يوليو (تموز) لاستعادة السيطرة على الجنوب السوري، وتحديدًا في محافظة درعا والقنيطرة الواقعة على حدود هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، وبعد قتال عنيف تمكّنت قوات النظام بمساعدة روسيا التي حصلت على ضوء أخضر إسرائيلي من استعادة السيطرة على الجنوب السوري. وفي الفاتح من أغسطس (آب) الحالي أبعدت الميليشيات الإيرانية من هضبة الجولان إلى مسافة 85 كيلومترًا كما قالت مصادر روسيّة، وقد قضى الاتفاق بنشر قوات النظام إلى مواقع ما قبل عام 2011 على طول حدود الجولان وفقًا لاتفاق فك الارتباط بين سوريا والاحتلال عام 1974.

عودة الجبهة «الأكثر هدوءً» لقوات الأسد يعيد الطمأنينة لإسرائيل

الرئيس السوري هو قاتل حقير، لكن النظام يبحث عن الاستقرار، وليس عن مواجهة مع إسرائيل، ويعي تمامًا توازن القوى مع الجيش الإسرائيلي

هذا ما اتّفق عليه ضبّاط إسرائيليون تحدثوا لصحيفة «هآرتس» العبرية، لقد وجدت دولة الاحتلال في انتشار قوات النظام بالجنوب السوري وإعادة تمركزه في المواقع العسكرية التي سيطرت عليها قوات المعارضة أو «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» طوق نجاة لها من وصول أي أحد غيره لهذه المنطقة الحدودية، وبذلك تأمل دولة الاحتلال أن يعود الجولان كما كان قبل الثورة السورية «الجبهة الإسرائيلية الأكثر هدوءًا» على حّد توصيف إسرائيليين.

Embed from Getty Images

يقول محلل الشؤون الأمنية في صحيفة معاريف العبرية، يوسي ميلمان: «من الخطأ الاعتقاد أن جبهة الجولان الخامدة منذ 40 عامًا تستيقظ؛ فآخر ما يفكّر فيه رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، حاليًا هو مهاجمة إسرائيل». أما عن دراسة حديثة أعدها «مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية»، فتؤكد على أن «إدراك نظام الأسد حجم الصعوبات والمشاكل التي يواجهها حلفاؤه الإيرانيون والمليشيات الشيعية سيدفعه لعدم السماح بتحويل مناطق تواجد قواته إلى مصدر تهديد لإسرائيل بشكل يدفعها لاستهدافه».

 وتضيف الدراسة: «تفكّك جيش النظام إلى جانب الدمار والفوضى السائدة في البلاد سيدفع النظام إلى تجنب الخيارات العسكرية؛ لأنها يمكن أن تفضي إلى انهيار النظام نفسه»، وتشير الدراسة إلى أن «بشّار الأسد يدرك أن مصلحته الشخصية ومصلحة نظامه والطائفة العلوية تقتضي تجنب أي مسار يفضي إلى إغضاب إسرائيل؛ فيدفعها إلى تهديد هذه المصالح، وهذا ما سيجعله يحرص على الحفاظ على الهدوء الأمني في الجولان وجنوب سوريا».

وحسب الدراسة فإن «نظام الأسد يعي أن قدرة إيران والمليشيات الشيعية على إسناده لأمد بعيد غير مضمونة؛ مما يجعله يتجه إلى ضبط سلوكه العسكري والأمني بشكل لا يدفع إسرائيل للعمل ضده»، وتضيف الدراسة أن «الأسد يدرك طابع التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق، والذي جعل إيران ترد بشكل ضعيف على مئات الغارات الجوية التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على مدى السنوات الأربع الماضية، وهو ما يفسر سقوط عدد كبير من ضباط وعناصر الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريا».

Embed from Getty Images

الجولان السوري

يذكر أن إسرائيل احتلت مرتفعات الجولان السورية في حرب عام 1967، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي في عام 1981 قانونًا عُرف بـ«قانون مرتفعات الجولان»، وفيه أعلنت السيادة الإسرائيلية على الجولان، لكن الأمم المتحدة اعتبرت قرار الضم الإسرائيلي غير قانوني، وطالبت باعتبار الجولان منطقة منزوعة السلاح، وفي عام 1974 تم إنشاء بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة لمراقبة خط وقف إطلاق النار الذي يفصل الإسرائيليين عن السوريين.

لا ثقة إسرائيلية بالطمأنة الروسية

في الأسبوع الثاني من هذا الشهر أجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية تحاكي حربًا ضد حزب الله اللبناني، هذه العملية تأتي ضمن نمط تنظيمي جديد اختبر لأول مرة خلال هذه المناورة التي تمت تحديدًا في هضبة الجولان.

نتنياهو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف – المصدر: AFP

هذا الاختبار الميداني لطريقة قتالية جديدة تجمع بين المشاة والدبابات والهندسة القتالية، دليل عملي على أن الاحتلال الإسرائيلي لا يأمن الحزب وإيران التي تدعمه، ولا يثق أيضًا في الروس الذين انكبّ نتنياهو للتنسيق معهم من أجل تقليص المخاطر الناجمة عن وجود المليشيات الشيعية في الجنوب السوري.

وفيما يمتلك الإسرائيليون معطيات حول دور حزب الله وغيره من هذه الميليشيات المسلّحة في معارك الجنوب الأخيرة؛ إلا أنّهم على ثقة في أن إيران والحزب يريدون ثمنًا لهذه المشاركة؛ فقد قال رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، هاشم صفي الدين، خلال احتفال بمناسبة ذكرى حرب يوليو 2006: إن «حزب الله لم يغادر جنوب سوريا، وأنه شارك في المعركة ضد المعارضين في درعا والقنيطرة»، ولذلك ناقش الإسرائيليون مع موسكو إنشاء منطقة عازلة خالية من القوات الإيرانية على طول الحدود مع سوريا في هضبة الجولان.

وتؤكد المصادر الإسرائيلية أن روسيا، التي لم تكف عن الوعود بتلبية الرغبات الإسرائيلية، لا نية لديها لمساعدة إسرائيل في إبعاد القوات العسكرية الإيرانية في سوريا، ولذلك قال السفير الروسي في دولة الاحتلال، أناتولي فيكتوروف، للقناة العاشرة: إن «روسيا لا تستطيع إجبار القوات الإيرانية على مغادرة سوريا؛ لأنها تلعب دورًا حاسمًا في هزيمة الإرهاب».

Embed from Getty Images

جندي روسي على مرتفعات الجولان المحتلة

لكن روسيا مستمرة في طمأنة إسرائيل بأنها تسعى لتحقيق انتشار لقوات النظام السوري فقط، يقول نائب قائد قوة الشرطة العسكرية الروسية بسوريا، العقيد فيكتور زايتسيف: إن «العلم الروسي في هذه المنطقة سيضمن للسكان المسالمين أن السلام قد حلّ في هذه الأرض إلى الأبد»، قال ذلك حين تحدث عن استلام وحدات من قواته ثمانية مواقع قرب المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان الفاصلة بين سوريا وإسرائيل؛ فقد تسلمت القوات الروسية نقاطًا كانت تابعة للأمم المتحدة، وتقع في المنطقة العازلة من هضبة الجولان، ويقول الروس: إن هذه المواقع الروسية الجديدة ستسلم إلى النظام السوري بمجرد استقرار الوضع في الجولان.

المصادر

تحميل المزيد