في غمرة انشغالات الآباء بأعمالهم لساعات طويلة؛ ليتمكنوا من توفير متطلبات الأطفال الكثيرة، قد لا يتوفر الوقت الكافي لكي يكون للأطفال أصدقاء، ويطوروا علاقاتهم بهم. دون أصدقاء يمضي الطفل وقته وحيدًا، دون أن يشعره ذلك بالملل، فهو يتخذ من الدمى أصدقاءً له، ويجعلها تنطق لتشاركه اللعب، فيمثلون معا حكايات الأطفال التي يعرفها.
وهذا جيد أن يعرف الطفل كيف يلعب ويستمتع ويسلي نفسه حين يكون وحيدًا، لكن هذا لا يكون جيدا حين تكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي يلعب الطفل بها. فالاختلاط بأطفال في مثل عمره وتكوين صداقات معهم تقدم للطفل الكثير مما يطور شخصيته ويزيد مهارته، في هذا التقرير نستعرض مزايا أن يكون للطفل أصدقاء، وكيف يمكن للآباء مساعدة طفل في تكوين صداقات وتطويرها، وكيف يمكنهم أيضا الاستفادة من ذلك لنمو أفضل للطفل.
لماذا هي مهمة؟
التنشئة الاجتماعية المبكرة مع الأصدقاء الصغار قيمة أساسية، ولا غنى عنها لنمو إيجابي صحيح، وتتطلب أن يكون للأطفال علاقات بالآخرين، وحين لا يحدث ذلك، فهذا قد يتسبب في حدوث مشكلات لاحقا في القدرة على التكيف. وهذا أيضا لا يعني ضرورة أن يكون الطفل محاطا بالصغار دائما فمن الضروري أن يكون قادرًا على اللعب وحده.
لكن أن يكون الطفل وحيدًا لأن لديه مشكلات في تكوين علاقات، فهذا ما يستحق أو نوليه اهتمامًا كبيرًا، وهنا يجب أن يقدم الآباء المساعدة للطفل، وأن يحفزوه ليتعلم كيف يكون اجتماعيا شيئا فشيئا، لأنه ورغم أنه قد يبدو تكوين الصداقات أمرا بسيطا وطبيعيا فإنه يتضمن تعليما، وطريقا مزروعا بالأخطاء والتجارب التي يجب على الطفل أن يخوضها.
تؤكد الدراسات أن وجود أصدقاء للعب في فترة الطفولة يشعر الطفل بالأمان، ويرسخ لديه مفهومًا جيدًا عن ذاته، وينمي قدراته الاجتماعية، كما يزيد قدرته على التحكم في مشاعره، ويضيف البعض إلى ذلك القدرة على الإبداع، وتحسين الأداء الدراسي، ودون شك أن إحدى مفاتيح السعادة -لدى الصغار والكبار- هو امتلاك أصدقاء، وقد أظهرت إحدى الدراسات مؤخرا أن وجود أصدقاء وشبكة علاقات اجتماعية واسعة هو أحد عشرة من أكثر أسباب السعادة.
يمكن القول إن تكوين الصداقات في الصغر والتعايش معها يعلم الطفل ما يلي:
- يطور لدى الطفل مهارات حياتية، ويعلمه الحكمة والثقة بالنفس.
- يتعلم كيف يتعامل مع الصراعات والمحن، قد ينشأ خلاف بين الأصدقاء كشيء طبيعي في مسار العلاقة بينهم، وعلى الآباء هنا اغتنام هذه الفرص ليتعلم الطفل الإيجابي والسلبي في سلوكه نحوها، ويحكي عن شعوره وكيف سيكون شعور صديقه، لكي يمكنه حل الخلاف الذي سيبدو له نظرًا لصغر عمره صعبا وصادما.
- سيكون لديه أصدقاء في مثل عمره يتواصل معهم حول ما يقلقه وحول أحلامه ومخاوفه، وهذا سيشعره بالاندماج في المجتمع وسيحميه من الشعور بالعزلة.
- سيكون لدى الطفل مهارة بناء مجتمعه الخاص دائمًا، وتكوين صداقات جديدة.
- تعد فرصة لتنمية مهارات القيادة لديه حين يلعب مع الأطفال الآخرين.
- تزيد قدرته على اتخاذ القرار حين يلعب مع أقرانه بعيدا عن مراقبة الكبار.
- اللعب مع أقرانه ينمي لديه القدرة على التخيل وهذا مهم جدا لتنشئة سليمة للطفل.
- اللعب مع أطفال عديدين يتيح له معرفة كيفية تعامل الأسر الأخرى وبالتالي لن يصدم بالواقع حين يتعرض لمواقف مختلفة عما يحدث في أسرته.
- في الكبر سيكون لديه ذكريات مرحة حول طفولته السعيدة، وهذه أجمل هدية يمكننا منحها للطفل.
كيف يفهم الطفل الصداقة؟
في سنوات عمره الأولى يلعب الطفل مع والديه أو وحيدا، لكن بين الثالثة والسادسة حين يبدأ الطفل في الانتظام في مدرسة أو حضانة تبدأ حياته الاجتماعية في اتخاذ منحى مهم ويبدأ أصدقاؤه في احتلال مكانة بارزة في حياته. الأكيد أنه في هذه المرحلة لا تكون الصداقة مستقرة، فالأصدقاء يتغيرون ربما كل يومين، يظل الآباء هما المصدر الرئيسي للعلاقات والتأثير، لكن الزملاء يبدأون في اتخاذ مكانة مهمة وواضحة.
حتى سن السادسة أو السابعة يتكون الأصدقاء وفقا للظروف، فالطفل يصادق زميل المدرسة أو النادي أو جاره، ولكن بداية من سن التاسعة تقريبا يبدأ مفهوم الطفل عن الصداقة في الاختلاف فهو يبدأ في اتخاذ شكل عاطفي وحتى في هذا الوقت لا يكون الطفل على وعي بمفهوم الصداقة كما يعرفه الكبار أو حتى المراهقين، فسيختلف المعنى لديه دائما باختلاف عمره.
مجموعة الأصدقاء
بين الأعوام 10 و12 عاما تبدأ جماعات الأصدقاء في الظهور في حياة الطفل، يتجمع الأطفال الذكور في مجموعات أكبر ومرتبطة بشيء ما كالرياضة، بينما تبدأ الإناث في تكوين مجموعات أكثر انغلاقا على نفسها ليمكنهن الحديث وتبادل الأسرار بثقة. في الطفولة تكون الاهتمامات المشتركة هي الأساس في الصداقة، إلى جانب شعور الطفل بأن الصديق يقدم له المساندة بشكل ما، فيقرضه مثلا أداة مكتبية نسيها اليوم، أو يخبره بالواجب المدرسي إن غاب عن المدرسة. إنها بالتأكيد ليست الصداقة كما نعرفها باعتبارنا بالغين، لكن الطفل كي ينمو ويستطيع تكوين صداقات أكثر نضجا في الكبر لا بد أن يمر بهذه المراحل.
كيف يمكننا أن نساعده؟
نادرا ما يتعلم الأطفال المهارات الاجتماعية وإدارة علاقاتهم دون بعض الدعم من الوالدين، وبداية فإن الطفل حين ينشأ في كنف أبوين يمنحانه الثقة والأمن فسيكون لديه أساسًا جيدًا لتكوين أولى علاقاته الاجتماعية، فالأمهات اللاتي لا يمدحن أبناءهن ولا يدعمن استقلالهم، والآباء الذين لا يولون أطفالهم اهتماما باعتبار أن تعليم الأطفال هو شأن الأم، يكون أبناؤهم انطوائيين بدرجة ما، كما أن الأم التي تحمي طفلها بشكل مبالغ فيه ولديها مخاوف من كل شيء، سيكون من الصعب على أبنائها التعامل في المدرسة لأنها تنقل لهم مخاوفها.
الأطفال الاجتماعيون على العكس تجمعهم بآبائهم علاقة حانية وإيجابية. فحين يكون الأطفال قريبين من آبائهم في مرحلة ما قبل المدرسة يتمكنون من تكوين أصدقاء، وعيش حياة أكثر اجتماعية لاحقا. يشير هذا إلى أن دعم استقلالية الطفل لا يعني تركه، الأكيد أن الحماية المفرطة للطفل تنتج أطفالا خجولين، لكن أيضا إجبار الطفل دائما على تولي شؤونه، يتسبب في شعور الطفل بالانزواء وانعدام الأمان.
أن نخلق لهم الفرص
إلى جانب الدارسة، سيكون من المفيد للطفل أن نساعده في الاندماج في أنشطة جماعية، بحيث لا يقتصر نشاطه بعد المدرس على الجلوس مساء لمشاهدة التلفاز أو اللعب بالحاسوب. من المهم أن نقدم فرصا للطفل لتكوين صداقات، فنمكنهم من الاجتماع بأصدقائهم في الحديقة والنادي، وتلبية دعواتهم لأعياد الميلاد أو اللعب في المنزل؛ بحيث نتيح للصغار حياة اجتماعية يتعلمون فيها مهارات اجتماعية ويمارسونها.
أن ندعو الأطفال إلى المنزل للعب معا، أو أن يذهب الطفل لأحد أصدقائه، ويكون قرار اختيار الصديق الذي يدعى إلى المنزل بيد الآباء، وهم من ينسقون ذلك لا الطفل نفسه. في عيد ميلاده حين ننظم حفلا ندعو إليه الجيران وزملاء المدرسة، فإن وجودهم في مكانه هو باعتبارهم مدعوين سيزيد من ثقته بنفسه، ومن المهم هنا ألا يزيد عدد المدعوين بحيث يشعر الطفل بالخجل، وجود عدد قليل سيزيد تدريجيا ثقته بنفسه. وعلى الآباء مدح الطفل والتصفيق لإنجازاته الصغيرة في هذه المواقف وإظهار المزايا والعيوب فيها.
إذا كان الطفل خجولا فالأمر يحتاج أن يدعم الوالدين ثقته بنفسه، ويمكن التعامل مع ذلك عبر دعوة طفل آخر وليس أكثر للعب معه في المنزل، بحيث يكون الطفل بين والديه ليشعر بالاطمئنان أكثر، ويمكن أن يشارك أحد الوالدين في اللعب مع الطفلين في البداية، ويحذر المتخصصون هنا من أن ينسق الطفل ذلك بنفسه فعلى الآباء أن يتولوا هم مسؤولية التنسيق واختيار من سيزور المنزل، ويمكن أيضا أن يختار الآباء نشاطا يحبه الطفل، ليمارسه خارج المنزل على أن يشاركاه فيه ويكونوا هم أصدقاؤه.
يبقى أن على الآباء متابعة ما يقوله الأطفال والبنات خاصة عن أصدقائهم، عليهم نصح الأبناء بتقبل الاختلاف بين أصدقائهم وبأن يحبوهم جميعًا لا يجب أن ندعم كآباء كلمة «صديقتي الوحيدة» فتعدد الأصدقاء أفضل لهم. وكآباء علينا أن نتابع الطفل وهو يمر بهذه المراحل لينمو ويتطور بشكل طبيعي، وعلينا ألا نفرض على الأطفال أصدقاءهم.
اكتشاف نقاط القوة والضعف لدى الطفل
في مرحلة ما قبل المدرسة: تحديدا تكون مهمة الآباء أن يكونوا قريبين لمتابعة الطفل وهو يتفاعل مع الأطفال الآخرين، ربما ستقتصر النصائح في البداية على ألا يتشاجرا، وسيمكن اكتشاف الطفل من خلال تفاعله وسنعرف نقاط القوة والضعف في التفاعل الاجتماعي للطفل، إذا كان الطفل خجولا، سيكون علينا أن ندمجه في حوارات وأنشطة يتفاعل بها مع غيره، وإذا كان اجتماعيًّا، سيكون علينا أن نعلّمه كيف يفسح المجال لأصدقائه الأكثر هدوءا.
مهارات يجب أن يتعلمها ليكون هو أيضا صديقا جيدا
يجب أن يعرف الطفل من هو الصديق الجيد ولماذا، وكيف يحتفظ بالصداقة الجيدة، وإلى جانب هذا عليه أن يتعلم أن الصديق الجيد يمكن أن يكون صديقا دائما، وبالتالي عليه أن يتعلم كيف يحافظ على هذه العلاقة ويرعاها يوما بعد يوما، في المدرسة، والنادي وغيرهما. التواصل مع من هم في مثل عمره، يجعل عالم الطفل غنيًّا وواسعًا. وعبر الآخرين يمكن للطفل أن يتعلم الكثير عن نفسه وعن الآخرين.
يجب أيضا أن نعلم الطفل كيف يكون صديقًا جيدًا بدوره:
أن يتعلم الطفل كيف يصالح زملاءه، وكيف يتجنب الخلافات معهم.
- أن يشارك ألعابه مع الأطفال الآخرين.
- أن يحاور الأطفال الآخرين ويفهمهم.
- أن يساعد صديقه إذا أخطأ ويشرح له لماذا يعد سلوكه خاطئًا.
- أن يهتم بزملائه.
- أن يسعى لأن يقدم لأصدقائه شيئًا مفيدًا.
- أن يستطيع مواساة صديقه إذا شعر بالحزن.
- أن يسعد بالإنجازات الإيجابية للآخرين.
- أن يهتم بصديقه إذا جُرح أو كان مريضا، وأن يظهر الحنان والاهتمام بأصدقائه.
علامات
reports_unit, آباء, أبناء, الأصدقاء, الأطفال, الصداقة, الطفل, تربية, تكوين صداقات, صحة نفسية, طفلك, علم اجتماع, علم نفس, مهارات, مهارات ينبغي أن يتعلمها طفلك