في البداية دعنا نتطرق إلى اللغة اللاتينية القديمة، والتي يقابل مصطلح الرفض فيها كلمة «rēicere»، والتي تعني باللاتينية أيضًا «الدفع إلى الخلف»، والكلمة تصف إحساس الرفض بامتياز؛ وذلك لأنه عندما نواجه بالرفض نشعر بأن هناك عائقًا ما ليس فقط يعرقل طريقنا نحو مسعانا؛ بل أيضًا يرجعنا أحيانًا لما قبل نقطة البداية.
الرفض -مثل الرفض في وظيفة أو في جامعة أو في علاقة اجتماعية- يزعزع ثقتنا بأنفسنا. وفي الحقيقة إنه على الرغم من أن مسألة آثار الرفض الشخصي -في علاقة اجتماعية أو في العمل أو الجامعة أو أي سياق كان- لا تحظى بالاهتمام الكبير؛ إلا أن الكثير من الدراسات العلمية أجريت على آثار تعرض الشخص للرفض في الناحية البدنية والنفسية والاجتماعية، وأظهرت تلك الدراسات نتائج سوف نتناولها معًا في هذا التقرير، بالإضافة إلى عدة نصائح لتجاوز الرفض الشخصي، وتجنب عواقبه غير الجيدة على الفرد.
لماذا يؤلمنا الرفض إلى هذا الحد؟
«من الأفضل أن نظل أصدقاء فقط»، «نحن نأسف لعدم اختيارك للوظيفة بالتوفيق في مكان آخر»، «نقدر اهتمامك بالدراسة في جامعتنا؛ ولكن للأسف أنت غير مؤهل للحصول على قبول»، كلها عبارات رفض قاسية يسمعها الكثيرون ولو مرة في حياتهم، البعض يتجاوز، والبعض الآخر يتأثر سلبيًّا، ولكن الجميع يتفق أن لا شيء يضاهي قسوة صفعة الرفض الأولى، خصوصًا عندما يعتقد الشخص أن لديه ما يؤهله لعلاقة عاطفية، أو يملك القدر الكافي من المهارات والخبرات لوظيفة، أو لبرنامج دراسي معين.
ومن المثير أن الشخص حينما يحكي تجربة تعرض فيها للرفض، يستخدم صيغة المبني للمجهول ويقول مثلًا: «أنا رُفضت» أو «لقد تم رفضي في…»، مما يدل أن الإنسان دائمًا يشعر أنه ضحية رغم عدم تقصيره في تهيئة نفسه لكي يناسب ما رُفض فيه.
يقول الباحثون في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا إن الرفض يجعلنا نشعر بالرغبة في عدم الانتماء. يميل الإنسان أساسًا للانتماء إلى مجموعة أو «جماعة»، وكلمة «جماعة» تشير إلى العلاقات الاجتماعية بالأصدقاء، أو بالمؤسسات أو الكيانات التي يرغب الفرد في الحصول على وظيفة فيها، أو البرامج الدراسية أو أي من البرامج التي تجمع مجموعة من الأفراد في مكان واحد، ويتم اختيارهم على أساس المهارات والمميزات. وعندما يرفض طلب الشخص أو تثبط محاولاته للانضمام إلى أي جماعة؛ قد يؤدي هذا إلى شعوره بالرغبة في عدم تكرار المحاولة للانتماء إلى الجماعة التي رفضته في المقام الأول.
بعض الدراسات العلمية تناولت جانبًا آخر من آثار الرفض، أو كيفية تحول الرفض الاجتماعي إلى دافع للإنسان لتبني السلوك العنيف؛ ففي عام 2001، أصدر الجراح العام للولايات المُتحدة تقريرًا يوضح أن أثر الرفض في المراهقين أبلغ من آثار المخدرات والفقر والانضمام إلى العصابات. وبعض الدراسات الأخرى أفادت أنه حتى الرفض الاجتماعي المُعتدل في سياقه؛ يدفع الناس في بعض الحالات إلى ممارسة سلوك عنيف ضد الأبرياء، مثل حوادث الاعتداء على المارة في الشارع، أو إطلاق النيران في المدارس، وهي الحادثة المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن يدفع الرفض بعض الذكور لممارسة العنف المنزلي ضد النساء.
آلام التعرض للرفض لا تقل عن الآلام الجسدية
أثبتت بعض الدراسات العلمية التي خرجت من جامعة ميتشجن الأمريكية، أن جسم الإنسان عندما يتعرض لرفض شخصي يفرز مجموعة من الهرمونات؛ لكي تقلل الآلام النفسية الناتجة من هذا الرفض، وهذه الهرمونات تعرف باسم «الإفيونات»، وهي الهرمونات نفسها التي يصدر مخ الإنسان قرار إفرازها عندما يتعرض الشخص إلى ألم جسدي.
وأثبت تلك الدراسات أيضًا أن قدرة الجسم على إفراز تلك الهرمونات تختلف من شخص لآخر، وهذا يفسر قدرة البعض على تجاوز الرفض الشخصي بسهولة عن هؤلاء الذين يحدث الرفض لهم آثارًا نفسية جسيمة، ربما جسدهم لم يفرز ما يكفي من «الأفيونات» عندما تعرض الشخص للرفض، ويقول الطب النفسي إن هؤلاء يمكن أن يتطور الألم النفس للرفض عندهم إلى «متلازمة القلق الاجتماعي»، وهي الخوف من أن يرفضه الآخرون أو يأخذون عنه انطباعات سلبية في المناسبات والمواقف الاجتماعية، وذلك قد يضعه في دائرة انحصار نفسي لا يخرج منها خشية التعرض للرفض مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، يقول الباحثون في جامعة كيس ويسترن الأمريكية إن الرفض العاطفي قد يصيب الشخص بخلل مؤقت في التفكير، وعقد الباحثون تجربة حقيقية على مجموعة من هؤلاء الذين يعانون من صدمات رفض عاطفية، وكانت النتيجة أن 25% منهم تعرضوا لخلل مؤقت في نسبة الذكاء المعروفة باسم «IQ»، وفي الوقت نفسه هناك 30% لا يمكنهم التفكير بالعقلانية المطلوبة، وهذا يفسر معاناة البعض من متابعة أعمالهم، خصوصًا التي تتطلب استخدام الذكاء أو الحس الإبداعي بعد تعرضهم مباشرة لصدمة رفض عاطفي.
كيف نتجاوز الرفض؟
في البداية يجب أن نعترف أن الرفض يؤلمنا لأننا لسنا مستعدين للخسارة، الإنسان دائمًا يسعى إلى المكسب، ويمكن أن نستدل على ذلك من خلال نظرية الاحتمالية «Prospect Theory»، للعالم دانيال كانيمان الحاصل على جائزة نوبل.
النظرية توضح كيف يتعامل الناس مع الخيارات والبدائل التي تضمن مخاطر مثل الرفض، أو الخسارة، وتوضح النظرية أيضًا كيف يقيم الإنسان المكسب والخسارة، وتقول إن رد فعل الإنسان على النتيجة العكسية يكون أكبر من رد فعله تجاه النتيجة الإيجابية، أي أن أثر خسارة الشخص 100 جنيه يتجاوز أثر مكسبه 100 جنيه.
لكن دائمًا هناك حلول، والنصائح التالية يطرحها المتخصصون النفسيون لكي تساعدك على تجاوز الرفض:
- في البداية وقبل أي شيء يجب أن تجهز نفسك أن احتمالية الرفض -في علاقة أو في مقابلة وظيفة أو ما شابه- تساوي احتمالية القبول؛ لأن جزءًا كبيرًا من الألم النفسي نتيجة عدم توقع احتمالية الرفض من البداية. ومن ناحية أخرى توقع الرفض يجعلك تقتنع أنك لا بد أن تبذل جهدًا أكبر لكي تتجنبه لاحقًا؛ ولكن بالتأكيد احذر أن يحدث العكس وتتخاذل لأنك أقنعت نفسك بأن الرفض احتمالية قوية؛ ولكن كما ذكرنا في البداية يجب أن تعد نفسك أن احتمالية القبول تساوي احتمالية الرفض.
- تنقسم المؤثرات النفسية في الإنسان إلى نوعين: أولًا مؤثرات خارجية مثل البيئة، المجتمع، الأصدقاء والأقران، زملاء العمل. النوع الثاني هو المؤثرات الداخلية مثل الأفكار والمشاعر والسلوك، عندما يتعرض الإنسان للرفض، يبدأ في التفكير في المؤثرات الخارجية كأنها المتحكم والمؤثر الأساسي في حياته، وهنا يبدأ بالشعور بعدم الثقة بالنفس، ويفقد الثقة في أي محاولة أخرى لتصحيح هذه الصورة، ويدخل في نوبة من الحزن قد تصل إلى الاكتئاب؛ لذلك لا يجب أن تهمل العوامل والمؤثرات النفسية التي كان لها دور في حصولك على الرفض، والتركيز عليها يساعدك في الحفاظ على ثقتك في نفسك، وتعلم من التجربة حتى تتجنب الرفض في المحاولات المستقبلية.
- تحدث عن ما حدث، أخبر أحدهم أن الرفض أحزنك وجعلك تشعر بالإحراج أو الألم، لا يجب أن تتجاهل مشاعر الرفض، سواء كان الرفض في وظيفة، أو في جامعة، أو حتى من شخص أردت أن تكون معه في علاقة عاطفية، أخبر شخصًا تثق فيه بما حدث، وإن كنت لا تثق في قدرة أحد على استيعاب مشاعرك؛ لا تتردد واذهب إلى طبيب أو معالج نفسي على الفور، حتى لا تتحول إلى سجين لتلك المشاعر والخبرات الحزينة.