مثّل إعلان الحكومة الإسبانية الجمعة 18 مارس (آذار) 2022 عن موقف جديد من قضية الصحراء تغيرًا جذريًا في الموقف الإسباني، حيث جاء في بيان أصدره الديوان الملكي المغربي بالمناسبة، أن رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز أكد في رسالة الى الملك المغربي محمد السادس أنه «يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب». وأن إسبانيا تعتبر «مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف».
وأكد وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس، مضمون الرسالة مشددًا على انطلاق مرحلة جديدة في العلاقة بين بلاده والمغرب، على أساس الاحترام المتبادل واحترام الاتفاقيات وعدم القيام بإجراءات أحادية الجانب، مضيفًا بأن هذه المرحلة تنهي بشكل رسمي الأزمة السابقة.
وعرفت العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية أزمة في الأشهر الأخيرة بعد استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج من مخلفات مرض الكوفيد. وقد رحبت المغرب بالموقف الإسباني، إذ جاء في بلاغ وزارة الخارجية المغربية «تثمن المملكة المغربية عاليًا المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية».
في المقابل استدعت الجزائر، السبت 19 مارس الجاري، سفيرها لدى إسبانيا سعيد موسي للتشاور، احتجاجًا على ما اعتبرته «الانقلاب المفاجئ» في موقف الحكومة الإسبانية إزاء ملف الصحراء. وفي نفس الاتجاه اعتبر زعيم البوليساريو ابراهيم غالي في تصريح للتلفزيون الجزائري أن موقف رئيس الحكومة الإسباني «رضوخ وخنوع مكشوف من طرف المملكة الإسبانية لحملات مغربية متتالية من الابتزاز والاستفزاز والضغط والتهديد باستعمال الإرهاب والمخدرات والتدفق البشري عبر الهجرة غير الشرعية المكثفة العلنية والممنهجة»، بحسب تعبيره.
ويذكر أن إسبانيا كانت قد استعمرت الصحراء مدة 91 سنة من سنة 1884 إلى حدود عام 1975 بالإضافة إلى أنها عضو في مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا.
الهجرة غير الشرعية.. كابوس إسباني
تعتبر الهجرة غير الشرعية من أهم المعضلات التي تواجه العلاقة المغربية الإسبانية، إذ كشف تقرير منظمة «كاميناندو فرونتيراس» الإسبانية عن وفاة أكثر من 4 آلاف و400 مهاجر أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا خلال عام 2021، ليصبح بذلك العام «الأكثر دموية على الإطلاق» حسب المنظمة الإسبانية، وجاء في نفس التقرير إن العدد الإجمالي للضحايا في عام 2021 ارتفع بنسبة 103% مقارنة بعام 2020.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد بينت أن 9 آلاف مهاجر غير شرعي من بينهم 1500 طفل وصلوا إسبانيا عبر سبتة في 48 ساعة خلال شهر مايو (أيار) 2021. ومثّل هاجس تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية، سببًا لطلب إسبانيا مساعدة السلطات المغربية على الحد من تدفقات المهاجرين عبر سبتة ومليلية، إذ صرح وزير الخارجية الإسباني في بداية شهر مارس الجاري بأن «مدريد على اتصال دائم بالرباط من أجل تصحيح الأوضاع الأمنية بتلك المعابر».
وشدد رئيس الحكومة الإسبانية، في رسالته إلى الملك المغربي محمد السادس على ضرورة التعاون بين البلدين جملة من التحديات المشتركة أهمها حسن إدارة «تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي».
وفي هذا السياق يعتبر أيمن اليزيدي الباحث في العلاقات الدولية من جامعة تونس المنار في تصريح لـ «ساسة بوست» إن «التغير في الموقف الإسباني، جاء نتيجة مسار من المفاوضات أعلن عنها الملك المغربي في 20 أغسطس (آب) 2021 والذي قال إنه يشرف عليه بنفسه».
واعتبر أيمن اليزيدي أن «من أهم الورقات التي فاوض بها الجانب المغربي هو مزيد من المساعدة على منع التدفقات الكبيرة للمهاجرين نحو إسبانيا»، وأضاف اليزيدي بأن «العدد الكبير من المهاجرين غير الشرعيين من المغرب وعدد من الدول الأفريقية تجاه إسبانيا عبر معبر سبتة ومليلية مثّل كابوسًا للسلطات الإسبانية، وهي متأكدة بأنها لن تستطيع إيقاف هذا الزحف دون مساعدة مغربية».
ورجح اليزيدي بأن «يكون ثمن دعم فكرة الحكم الذاتي في الصحراء هو أن تلعب المغرب دور شرطي الحدود الإسبانية في مواجهة تدفقات الهجرة غير الشرعية»، بحسب تعبيره. وفي الاتجاه نفسه صرح رئيس المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات محمد صالح عمر لـ «ساسة بوست» إن «المغرب أحسن استغلال ملف الهجرة غير الشرعية للتفاوض مع الجانب الإسباني ما جعلها تنتزع منه الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي»، مضيفًا من وجهة نظره أن «إسبانيا قدمت هذا الاعتراف حتى تخفف من الضغط الإسباني في قضايا أخرى منها المطالبة باستقلال سبتة ومليلية وترسيم الحدود البحرية».
الموقف الجزائري من الحرب في أوكرانيا.. سبب غير معلن
وفي سياق آخر ربطت أحزاب جزائرية الموقف الإسباني بما يحدث في أوكرانيا حيث جاء في بلاغ صادر عن حركة مجتمع السلم في إشارة الى موقف إسبانيا بأنه «ضغط وابتزاز تتعرض له الجزائر من طرف القوى الاستعمارية التقليدية، على خلفية الصدام الدولي بين روسيا والغرب»
وقالت الباحثة والمقررة السابقة لدى الأمم المتحدة هبة رحمان بأن «إسبانيا تبحث عن ورقة مساومة لجعل الجزائر ترضخ لطلب إعادة تشغيل خط المغرب العربي لنقل الغاز». وكانت إذاعة فرنسا الدولية قد ذكرت بأن الجزائر رفضت طلبًا قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تشغيل خط الغاز الذي يربط الجزائر مع إسبانيا عبر المغرب، والذي أعلنت الجزائر عن عدم تجديد عقد استغلاله في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
وذكرت الإذاعة الفرنسية أن نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان وخلال زيارة الجزائر في 10 مارس الجاري طلبت من السلطات إعادة تشغيل خط الغاز المغلق إلا أن الجزائر لا تريد زيادة الكمية التي تصدرها نحو أوروبا و المقدرة بـ11% من واردات الغاز الأوروبي بسبب موقفها الحذر من الحرب في أوكرانيا حسب الاذاعة الفرنسية.
ويرى السفير السابق التونسي أحمد بن مصطفى في تصريح لـ «ساسة بوست» أن «للحرب في أوكرانيا وموقف الجزائر منها ارتباط موضوعي مع موقف إسبانيا من الصحراء الغربية». ويضيف بن مصطفى إن «الموقف الإسباني يأتي في إطار مزيد الضغط المسلط من قبل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على الجانب الجزائري من أجل الموافقة على طلب إعادة فتح خط غاز الذي يمر عبر المغرب والرفع من حجم واردات الغاز نحو أوروبا في إطار تعويض الغاز الروسي وهو ما ترفضه الجزائر».
المغرب.. عمل متواصل للإقناع بمبادرة الحكم الذاتي
على خلاف التحليلات السابقة ترجع المغرب الموقف الإسباني إلى صلابة مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها منذ سنة 2007 بالإضافة إلى تطور موقعها الإستراتيجي وعملها الدبلوماسي المتواصل في هذا المجال، وهو ما أكده أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط موسى المالكي في تصريح لـ«ساسة بوست» قائلًا بأن «الموقف الإسباني لا علاقة له بخط الغاز الجزائري ولا بالخلاف بين الجزائر والدول الغربية حول الرفع من إمدادات الغاز».
ويرجع المالكي موقف إسبانيا إلى «جدية طرح مبادرة الحكم الذاتي في حل النزاع الحاصل في المنطقة بالإضافة إلى ما تشهده المغرب من تعزيز لموقعها الإستراتيجي، جعل من إسبانيا تراهن على علاقة متميزة معها، خاصة بعد إحداث ميناء طنجة وعودتها المؤثرة إلى العمق الأفريقي بالإضافة إلى حاجة إسبانيا لما تنتجه المغرب في مجال الطاقات المتجددة و تعويلها على خط الغاز الإستراتيجي الذي يربط بين نيجيريا والمغرب». ويعتبر المالكي أن الموقف الإسباني جاء أيضًا نتيجة عمل دبلوماسي ناعم ومتواصل من قبل السلط المغربية في اتجاه الإقناع برؤيتها حول ملف الصحراء
تحديات داخلية وخارجية أمام الحكومة الإسبانية بسبب موقفها
عوامل كثيرة ساهمت في تحول موقف إسبانيا من ملف الصحراء وتأثيرات عديدة لهذا الموقف في إسبانيا نفسها، خاصة وأن حزب بوديموس اليساري أحد مكونات الائتلاف الحكومي عبر عن رفضه لقرار رئيس الحكومة وصرحت زعيمة الحزب بيلار ليما، تعليقا على إعلان الحكومة، أن إسبانيا «يجب ألا تحيد عن القانون الدولي» وأن النزاع في الصحراء الغربية يتطلب «حلًّا سياسيًّا عادلًا ودائمًا ومقبولًا لجميع الأطراف وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وأكدت على اعتراف حزبها بالتزام «إسبانيا التاريخي تجاه الشعب الصحراوي وواجبها في إنهاء عقود من عدم الامتثال لقرارات الأمم المتحدة»، حسب تعبيرها.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسبانية تؤكد أن الجزائر «شريك إستراتيجي ذو أولوية وموثوق ترغب في الحفاظ على علاقة مميزة معه». فإن تأثيرات موقفها ستكون سلبية في العلاقات الجزائرية الإسبانية وهو ما أكده السفير التونسي السابق أحمد بن مصطفى لـ«ساسة بوست» معتبرًا أن «الجزائر رغم تأكيدها بأنها ليست طرفًا في الملف الصحراوي فإنها تعتبره من الملفات المهمة لأمنها الإقليمي»، ويؤكد بن مصطفى بأن الجزائر تعتبر «الموقف الإسباني تهديدا لأمنها الإقليمي بما سيؤثر سلبًا في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين».
ومن جانب آخر فإن الأمم المتحدة متمسكة بالعملية السياسية التي تقودها في علاقة بملف الصحراء، فقد أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن «موقف الأمم المتحدة سيظل مستندًا إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة الذي جدد تفويض بعثة الاستفتاء حول الصحراء الغربية -مينورسو- (المخالفة لمبادرة الحكم الذاتي)، ومن المهم للغاية بالنسبة لجميع الأطراف وأصحاب المصلحة الاستمرار في دعم جهود دي ميستورا»، فإلى أي مدى يمكن لموقف الحكومة الإسبانية الجديد في علاقة بملف الصحراء أن يصمد؟