مع اقتراب شهر يوليو (تموز) من كل عام، تسود حالة من الترقّب داخل الشارع المصري، وذلك تزامنًا مع بدء العمل بالموازنة الجديدة، فمنذ سنوات اعتاد المصريون على اتجاه الحكومة مع بداية كل عام ماليّ جديد لجني أكبر قدر من الأموال، من خلال زيادة وفرض الرسوم على كل شيء، وذلك لتحقيق حصيلة جيدة من خلال هذه الرسوم أو الضرائب أحيانًا. وليس هذا أمرًا مستحدثًا، لكن في ظل الواقع الاقتصادي الحالي الذي يمر به المواطن المصري فإن هذه الإجراءات ستمثّل عبئًا إضافيًّا، فيما لن تحقّق عائدًا اقتصاديًّا يُذكر –حسب بعض الخبراء– يعود بالنفع على المواطنين.

مؤخرًا كشفت الحكومة المصرية عن بعض ملامح الموازنة الجديدة، هذه الملامح تبدو إيجابية على الورق، فالبلاد على أعتاب العمل بــ«الموازنة الأكبر في تاريخ مصر»، ولكن هل ستعني هذه المؤشرات الإيجابيّة تحسن الوضع الاقتصادي للمواطن المصري؟ في الواقع يجب أن ندرك أن واقع الحكومة من ناحية الأرقام يختلف تمامًا عن واقع المواطن، فلن نكون مبالغين إذا قلنا إن انتعاش النمو الاقتصادي أو زيادة الإيرادات سيكون على حساب معاناة المواطن المصري، وذلك لأن هذا الانتعاش سيأتي من خلال إجراءات تقشفية، أبرزها: فرض المزيد من الضرائب والرسوم، وخفض الدعم ورفع أسعار السلع والخدمات.

اقرأ أيضًا: في ضوء الموازنات المعلنة.. خريطة شاملة لواقع الاقتصادات العربية في 2018

لذلك عندما تتحدث الحكومة عن تحسن مرتقب في النمو أو مؤشرات الموازنة بشكل عام، لا يعني ذلك أن النتيجة ستكون تغير الأوضاع الاقتصاديّة بصفتك مواطنًا مصريًّا، أو أنّك ستشعر بنوعٍ من الرفاهية من جرّاء هذه الميزانية، ولكن ربما يكون المعنى هو أن الحكومة تتحدث عن إصلاحات مالية تهدف في الأساس إلى حصولك على أقلّ نسبة من الدعم، مقابل دفع أعلى نسبة ممكنة من الضرائب.

وخلال السطور القادمة سنوضّح بشكل تفصيلي أكثر لماذا ستكون موازنة مصر الجديدة الأصعب على المواطنين والأفضل للحكومة؟

مؤشرات موازنة مصر 2018.. الأضخم على الإطلاق

في 10 مارس (آذار) الجاري، قال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية إن مصر تسعى لخفض العجز في ميزانيتها إلى 8.5% في السنة المالية 2018- 2019، في الوقت الذي تستهدف فيه عجزًا في الموازنة الحالية يتراوح بين 9.5- 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2017- 2018 التي تنتهي في يونيو (حزيران)، مقارنةً مع 10.9% في السنة المالية السابقة، و12.2% عجزًا بموازنة 2015- 2016. ويعدّ هذا الرقم طموحًا جدًّا؛ بينما سيكون إنجازًا كبيرًا حال تم تحقيقه، ولكن السؤال هو: كيف يمكن تحقيق مثل هذا الإنجاز؟

الإجابة جاءت على لسان وزير المالية عمرو الجارحي، الذي قال: إن تقديرات الموازنة الأولية تعكس نموًا سنويًّا للإيرادات العامة قدره 20%، مقابل نمو أقل للمصروفات العامة قدره 13.6%، وهي التقديرات التي تشير إلى قفزة كبيرة في إيرادات البلاد، تنتظر الحكومة أن تقود هذه الأرقام نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بواقع 5.5%، في الوقت الذي نقلت فيه وكالة «رويترز» عن مسؤولين كبار في الحكومة المصرية إنه تقرر تحديد سعر الدولار عند 17.5 جنيه في موازنة 2018- 2019، وسعر برميل النفط عند 65 دولارًا، كما تستهدف الحكومة تحقيق فائض أوّلي بنسبة 2%، وكذلك خفض نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي.

كيف ستنمو إيرادات الحكومة بنسبة 20%؟

تعدّ الضرائب في مصر مسؤولة عن أكثر من ثلثي حجم إيرادات الموازنة العامة للدولة، فهي تمثل 72% من إيرادات الموازنة للعام المالي 2017- 2018. وبحسب ما قال نائب وزير المالية المصري محمد معيط مؤخرًا، فإن الحصيلة الضريبية التي جمعتها بلاده في النصف الأول من السنة المالية الحالية ارتفعت 61% على أساس سنوي، لتبلغ 248.8 مليار جنيه مقارنة مع 154.6 مليار للنصف الأول من السنة المالية 2016- 2017.

هذه الزيادة تعني بالضرورة زيادة إيرادات البلاد، إذ إنها جاءت تزامنًا مع قرار حكومي يقضي برفع الحصيلة الضريبية المستهدفة بموازنة العام المالي الجاري 2017- 2018، لتصل إلى 611 مليار جنيه بنهاية يونيو المقبل، بدلًا من 604 مليارات جنيه، بينما كشفت الوزارة أنّها تستعدّ لتقديم ثلاثة مشروعات قوانين ضريبية للبرلمان لمناقشتها تمهيدًا لإقرارها، وتضم كلًّا من: قانون الجمارك الموحد، والإجراءات الضريبية، علاوة على قانون للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

كما أنه من المقرر أن يتم إجراء تعديل تشريعي على الإقرارات الضريبية خلال العام الحالي، وهو ما سيُسهم في زيادة الضرائب المستهدفة والمحصلة، وبالتالي زيادة إيرادات البلاد، وهو الأمر الذي يبرر استهداف الحكومة لنمو إيراداتها بواقع 20% بالموازنة الجديدة.

زيادة الإيرادات لن تتوقف على الضرائب فقط، فمصر تعتزم زيادة رسوم 20 خدمة، بهدف تحصيل موارد مالية استثنائية تقدر بنحو 10 مليارات جنيه سنويًّا، وذلك حسبما ذكر مسؤول مصري في تصريح لموقع «العربي الجديد»، وتشمل هذه الرسوم: الزيادة في أسعار خدمات الهاتف المحمول، وإقامة الأجانب، وإصدار جوازات السفر، وتراخيص السلاح.

اقرأ أيضًا: «اقتصاد الرسوم» في مصر.. رسوم على كلّ شيء لسد عجز الموازنة

ويأتي ذلك بعد إقرار رسوم جديدة على تراخيص تسيير السيارات الجديدة، وفرض زيادة في رسوم تجديد رخص تسيير السيارات بفئاتها المختلفة، بنسب تصل إلى ثلاثة أضعاف الرسوم الحالية، بالإضافة إلى زيادة في رسوم استخراج رخص القيادة بأنواعها، كل هذه الرسوم تم إقرارها مؤخرًا، وستظهر نتائجها بالموازنة الجديدة، وهو الأمر الذي سيسهم في زيادة الإيرادات.

على الجانب الآخر، لا يمكن إهمال الإيرادات الكبيرة التي ستجنيها الحكومة من برنامج طرح الشركات الحكومية في البورصة، والذي سيكون ممولًا أساسيًّا للموازنة الجديدة؛ إذ تعتمد خطة الحكومة خلال العامين القادمين في علاج عجز الموازنة على طرح أكثر من 20 شركة في البورصة، إذ سيتضمن البرنامج شركات في مجال الطاقة، والبتروكيماويات، والخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات.

Embed from Getty Images

ومن ناحية أخرى، سيكون نمو المصروفات أقل مقارنةً بالإيرادات، وذلك بسبب الإجراءات التقشفية، واستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تنفذه الحكومة بمساعدة صندوق النقد الدولي، إذ يعد رفع الدعم من أهم ملامح هذا البرنامج، وسيكون هنالك خفض ملموس في المصروفات؛ لأن البلاد ملتزمة بخطة زمنية لهذا البرنامج للحصول على الدفعات المتبقية من القرض، خاصةً أنّه من المتوقع أن تحصل مصر على شريحة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي قبل نهاية يونيو القادم.

اقرأ أيضًا: كيف قضى صندوق النقد الدولي على نصيب الفقراء في موازنة مصر الجديدة؟

وتشير المعطيات السابقة إلى أن نمو إيرادات الحكومة وخفض المصروفات، والذي يعد إنجازًا حكوميًّا ستكون تكلفته باهظة على المواطن المصري، وهو ما سيجعل الموازنة الجديدة صعبة على المواطنين، حتى في حال الوصول بالنمو الاقتصادي إلى المستوى الذي تستهدفه الحكومة.

كيف سيتضرر الاقتصاد من فرض الرسوم والضرائب؟

بالرغم من أن هذه الرسوم والضرائب تعد أهمّ إيرادات الدولة، ولكن زيادتها باستمرار لها آثار سلبية، إذ يرى محمد عبد الحكيم، خبير أسواق المال ورئيس قسم البحوث لدى شركة «ماسترز» لتداول الأوراق المالية، أن مقدار الرسوم يتناسب عكسيًّا مع معدلات الاستهلاك، إذ تنخفض شهية المستهلكين، خاصةً مع الثبات النسبي في الدخول، وفي اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على الاستهلاك، فإن زيادة الرسوم تتسبب في تعميق الركود.

وتابع عبد الحكيم خلال حديث سابق له مع «ساسة بوست» أن معدلات الضرائب كذلك تتناسب عكسيًّا مع معدلات الاستثمار، إذ تنخفض رغبة المستثمرين كلما ازدادت الأعباء الضريبية، وانخفض معدل الثبات النسبي في السياسة الضريبية، ولذلك فإن زيادة معدلات الضرائب يكون لها أثر سلبي في الاستثمار.

اقرأ أيضًا: خداع الأرقام.. كيف ينمو اقتصاد مصر دون أن يشعر المصريون

«زيادة في معدلات الركود، وانخفاض في معدلات الاستثمار يتبعه زيادة في معدلات البطالة، ثم انخفاض الإيرادات الضريبية؛ مما يؤدي إلى تفاقم العجز في الموازنة على المدى الطويل»، هكذا لخص الخبير الاقتصادي الآثار الناتجة من المبالغة في فرض الرسوم.

Embed from Getty Images

ومن جانبه، أكد مدحت نافع، أستاذ التمويل والخبير الاقتصادي المصري، أن الحكومة المصرية تحتاج إلى رؤية أشمل لتنويع الإيرادات، وتحفيز الإنتاج، لكنها ما زالت تتحرك برد الفعل، وتحاول سد العجز من جيوب المواطنين، متسائلًا عن أهمية تعديل قانون رسوم التنمية، ومؤكدًا أنّ الـسبعة مليارات جنيه المستهدفة لن تفعل شيئًا في عجز موازنة اقترب من 360 مليارًا.

وتابع نافع خلال حديث سابق لـ«ساسة بوست» أن هذا المسلك الذي تعتمد فيه الحكومة على الضرائب والرسوم سيثبط النشاط الاقتصادي، ويأتي بحصيلة أقل في نهاية الأمر في وقت ينمو به الدين المحلي بقوة، ولن تستطيع الحكومة الاعتماد على أوراق الدين بنفس المعدل في المستقبل، كما أنه لن يضيف سوى مزيد من الديون، والكساد التضخمي، وتراجع معدلات النمو.

المصادر

تحميل المزيد