من الطبيعي أن يرغب الإنسان في العيش داخل منزله بأمان منعزلًا عن كل ما هو خارج جدرانه، ولكنه يواجه مشكلة مع الحشرات، فالحشرة لا تحتاج منّا أن نفتح لها بابًا أو نافذة، فهي ستدخل بسهولة، ربما عن طريق الخطأ أو بهدف الإقامة لفترة قصيرة، ولكنها بعد وقت تفاجأ بأنها محاصرة فتضطر للإقامة والإنجاب، ورغم ذلك تظل في أماكنها السرية تستمتع بسيطرتها عليها، وتأكد أنك إذا التقيت بها فإنها صدفة غير مقصودة.

قبل الحديث عن فائدتها، ولماذا لا يجب قتل الحشرات؛ فإن الحشرات في البداية كائنات حيّة في ذاتها، ولها دورها المفيد في بقاء النظام البيئي متوازنًا، لذا علينا التوقف عن ملاحقتها بالمبيدات، وإذ لم تستطع التعامل مع هذه الحشرات على أنها جزء من منزلك وتقدّم لك النفع، فيمكنك القبض عليها وإطلاق سراحها خارج منزلك بدلًا من قتلها، حتى تجد لنفسها مستقرًا آخر. وهنا سنعرض لك عددًا من الحشرات التي يعتبر وجودها هامًّا في منزلك ومحيط منزلك، ويمكنها تقديم الخدمات المفيدة حقًا، والتي لا يجب قتلها أبدًا.

تأكل 50 حشرة ضارة.. الدعسوقة موجودة لحل المشكلات

الخنافس هي بالطبع مصدر إزعاج لمن يعيشون في المنزل معها، ولكن خنفساء صغيرة، مثل الدعسوقة، بظهر ملوّن، تعد أفضل صديق لشخص يهتم بنباتاته ويحب البستنة، وهي توجد في الهواء الطلق وتتنقّل بين الحدائق لتساعد النباتات على الازدهار والنمو، ويعتمد النظام الغذائي للدعسوقة على أكل آفات النباتات والعثّ الصغير.

إذا توافر للدعسوقة مكان في الهواء وسط النباتات أو في الحدائق، فإنها تقوم بوظيفة رائعة بأكلها 50 حشرة ضارة في اليوم، من حشرة المن التي تتغذى على عصارة النباتات، وحشرة العثّ التي قد تصيب الإنسان بالحساسية والربو والسعال، وأيضًا تأكل الدعسوقة ذباب الفاكهة، وحشرة التربس ألد أعداء المزارعين.

جاء حب المزارعين للدعسوقات بسبب حادثة جرت في العصور الوسطى، عندما دمرت أسراب من المن المحاصيل الزراعية على مساحات شاسعة في أوروبا، ووقتئذ دعا وصلّى المزارعون، لتأتي لهم المساعدة على هيئة حشرة الدعسوقة، وأطلقوا عليها منذ هذا اليوم اسم «السيدة دعسوقة» تبجيلًا لها.

العناكب تسيطر على أعداد الحشرات الأخرى

إن وجود العناكب بأرجاء المنزل يثير الذعر عند الكثير من الناس، وربما التهديد في بعض الثقافات، ولكن الحقيقة أن العنكبوت بالمنزل يعدّ أحد أفضل طرق مكافحة الآفات الأخرى المضرة؛ لأن العنكبوت يأكل أي آفة قد تغزو منطقته، حتى أنه يأكل أنواعًا من نفس فصيلته. فرغم النّظرة الشائعة بأن العنكبوت حشرة مخيفة بأرجل كثيرة وأغلب أنواعها سامة، إلا أن الكثير منها لها سم ضعيف لا يضر البشر، ولدغاتهم نادرة للغاية، حتى أن أنياب غالبية الأنواع لا يمكنها اختراق بشرة الإنسان. وتخشى العناكب مقابلة البشر، فهي لا تتحرك من مقرّها لتلقاهم، فبالنسبة لها يعد الإنسان خطيرًا ومخيفًا ويجب تجنبه.

Embed from Getty Images

العنكبوت الذئبي

وللعناكب مساهمة هامة في مكافحة الحشرات بيولوجيًا، لذا هم أنفع الموجودين في أي حديقة أو نظام بيئي، فيمكنها تناول طن من الحشرات والمفصليات الصغيرة كل عام. فضلًا عن كونها كائنات حية؛ فهي جزء مهم من الطبيعة والنظام البيئي في عالمنا، وبغض النظر عن حركتهم البطيئة وشكلهم المخيف، فإن نوعًا مثل العناكب الذئبية هي يدك اليمنى عند رغبتك في القضاء على حشرات منزلك الضارة، مثل النمل، وتسيطر بوجودها على التحكم في عدد الحشرات الموجودة وتكاثرها بالمنزل، مع مراعاة أننا نتحدث عن كافة أنواع العناكب؛ عدا الأرملة السوداء أو العنكبوت الناسك البنيّ لضررهما البالغ، وهذان النوعان ينتشران في أمريكا الشمالية بشكل رئيس.

وقد أجرى مات بيريوني الباحث في علم الحشرات بجامعة ولاية كارولينا الشمالية مسحًا بصريًا لخمسين منزلًا لجرد أي مفصليات تعيش بها. وكانت العناكب هي الحشرة الوحيدة التي أثبتت وجودها في كافة المنازل. فهي تبني شباكها في انتظار فريستها للقبض عليها، سواء من الحشرات التي تحمل الأمراض مثل البعوض المنتشر في أفريقيا، والآفات المزعجة، أو من العناكب الأخرى أبناء عمومتها لخداعهم والتغذي عليهم، فغالبًا تأكل العناكب أي شيء يمكنها اصطياده.

فكّر في تربية النحل

إن كنت تمتلك حديقة خلفية في منزلك، صغيرة كانت أو كبيرة، أو حتى مجرد مجموعة من النباتات تزين شرفة منزلك، فإنك على الأرجح سوف تقابل بعض أفراد النحل يوميًا. في النصف الثاني من عام 2016 تم إدراج النحل إلى قائمة الفصائل المهدّدة بالانقراض في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأصبح أكثر من 600 نوع نحل بريّ مهدّد بالانقراض في ألمانيا، بسبب استخدام المبيدات الحشرية المضرّة به في الأراضي الزراعية. فقد اختفت مستعمرات النحل بشكل تدريجي في الـخمسة عشر عامًا الماضية، فيما عُرف باسم «اضطراب انهيار المستعمرات»، والذي اختفى فيه ما وصل إلى 90% من النحل، تركوا خلاياهم في بعض المناطق، ولم يعودوا أبدًا.

Embed from Getty Images

يلقّح النحل والحشرات الأخرى موادًا غذائية بقيمة 500 مليار يورو سنويًا، وفق تقرير المجلس العلمي للتنوع البيولوجي. يلعب النحل دورًا مهمًّا في تلقيح الزهور والفواكه والخضراوات، وله دور في النظام البيئي والزراعي والاقتصادي أيضًا. يطوف النحل لجمع الرحيق وحبوب اللقاح، ودون أن يشعر يقوم بتلقيح الأزهار والمحاصيل الزراعية، ودون استمرار هذا الدور، سيأتي يوم نجد أرفف المحلات فارغة من السلع، بداية من التفاح وحتى الجوارب القطنية. يزور النحل بين 50 إلى 100 زهرة خلال رحلته الواحدة، لذا يُعد واحدًا من أهم الملقّحات، والحشرة الوحيدة التي تصنع طعامًا للبشر في معظم ثقافات العالم.

ينتج النحل العسل باعتباره مخزونًا غذائيًّا للخلية في فصل الشتاء، ولكن ينتجه بكمية تفوق احتياجهم لثلاث مرات، ولذلك يمكننا تحصيل الفائض، وتعليبه والتغذّي عليه، وهناك نصيحة لمن ينزعجون من كثرة النحل في حدائقهم وخوفهم من لدغاته، يمكنهم البحث عن مربّي نحل، للمساعدة في جمعه وتربيته، وسيكون مربي النحل سعيدًا بجمعه لإنتاج العسل.

ذات السيقان الطويلة في خدمتك

تشبه هذه الحشرة بسيقانها الطويلة أنواعًا سامّة من العنكبوت، ولكنها لا تنتمي لهذه الفصيلة، رغم أنها معروفة باسم عنكبوت القبو، والعنكبوت المزيف، ولكنها أقرب أكثر للعقارب منها للعناكب، فهي لا تنتج شباكًا حريرية أو تبني أعشاشًا مثل العنكبوت، ولا تمتلك أي غدد سمية، ولديها زوج واحد من العيون، وجسد مصقول في كتلة واحدة؛ على خلاف العناكب التي تتكوّن من جزء أمامي ثم خصر وجزء خلفي، حتى أنها تتغذّى على أنواع كثيرة من العناكب والحشرات، ما يجعلها بوابة حماية للمنزل من معظم الآفات.

Embed from Getty Images

تجلس ذات السيقان الطويلة دون حراك على أوراق الشجر، في انتظار الحشرة التي سوف تصطادها، وتتواجد أيضًا في الكهوف والجذوع وتحت الصخور، فهي تحب الأماكن الرطبة المظللة، ولذلك سُميت بعنكبوت القبو لأنها تنتشر في الأدوار الموجودة تحت الأرض من المنزل، ويعد وجودها بصحبة الإنسان آمنًا، فهي ليست ضارة أبدًا بالإنسان والمباني والمحاصيل، عكس بعض الحشرات التي تأكل الحشرات الضارة وتتغذى معها على المحاصيل مثل أنواع قليلة من العناكب.

ويطلق على ذات السيقان الطويلة أيضًا اسم «الحاصد» وذلك بسبب انتشارها في الحدائق والمزارع في أواخر الصيف، وتعد ذات السيقان الطويلة من أروع الحشرات الموجودة في المزارع، ويوجد منها 37 نوعًا مختلفًا، تتغذّى بالأساس على اللافقاريات الحية، ويأكلون الحشرات الحية والميتة، مثل النمل وحشرة المن، والخنافس وديدان الأرض، والذباب والعث والفطريات وبعض أنواع العناكب، وبعد أن تنتهي ذات السيقان الطويلة من وجبتها؛ تلعق أرجلها واحدة واحدة بفكيها.

فرس النبي.. الحشرة التي لا ترحم

ينتمي فرس النبي إلى فصيلة السرعوفيات، وهي حشرة فعّالة جدًا في قدرتها على أكل الحشرات الأخرى وكل فريسة صغيرة تأتي إلى محيطها، وتسمح رقبة فرس النبي له بلف رأسه حتى 180 درجة والبحث بسرعة عن وجبته التالية. ويمكن لفرس النبي خداع الحشرات بدمج جسده الأخضر الباهت أو البني الفاتح مع النباتات، فيتأهب على الأغصان للانقضاض على فريسته مستخدمًا أرجله الأمامية بأشواكها الداخلية الحادة للإمساك بها، وإن كان منزلك قريبًا من المساحات الخضراء أو المزارع فإنك على الأرجح ستواجه هذه الحشرة في منزلك أو شرفتك.

Embed from Getty Images

أدخل المزارعون الأوروبيون والصينيون حشرة فرس النبي إلى بلادهم منذ 75 عامًا باعتبارها المفترس الأكبر للآفات الحشرية الموجودة بمزارعهم، ورغبة منهم في السيطرة على ضررها البالغ. فيأكل صغار فرس النبي الحشرات بعيدًا عن حجمها سواء صغيرة أو كبيرة، ويأكل الصراصير وذباب الفاكهة وحشرة رأس الدبوس.

يشتري المزارعون بيض فرس النبي ويوزعونه في الحدائق حتى يفقس في الربيع حوريات، ولكن نموها يتأثر برش المبيدات الحشرية التي تقتل فرس النبي. ويرتبط فرس النبي بمعتقدات دينية قديمة، حتى أطلق عليه اليونانيون لفظ «مانتيس» بمعنى «الأنبياء»، وفي المعتقدات الصينية فإن لفرس النبي القدرة على علاج الأمراض، وفي بعض الحالات يستخدمون بيضه دواءً.

المصادر

تحميل المزيد