أجرى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، محادثات هاتفية مع رئيسة تايوان، تساي إنج وين، والتي هنأته بالفوز في الانتخابات الأمريكية على مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبحسب بيان أصدرته حملة ترامب، فقد بحث الجانبان العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة، وتايوان، كما هنَّأ ترامب، وين، بعد فوزها بالانتخابات التايوانية لتصبح أول سيدة تترأس تايوان، وذلك في يناير (كانون الثاني) من العام الجاري.

ويبدو أن هذه المحادثات ستتسبب في حدوث أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة، والصين، بسبب العلاقات المتوترة بين الصين، وتايوان، والتي على إثرها انقطعت العلاقات الأمريكية التايوانية بإغلاق سفارة الولايات المتحدة في تايوان منذ عام 1979، وذلك بناءً على طلب من بكين، ويعتبر ترامب الرئيس المنتخب الأول الذي يتحادث دبلوماسيًّا مع تايوان منذ حينها.


جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أغلقت سفارتها في تايوان، وذلك بعد التقارب التاريخي بين واشنطن، وبكين، والذي بدأ عن طريق الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون منذ أوائل السبعينات، وتحديدًا عام 1972. ومنذ ذلك الحين، انضمَّت الولايات المتحدة إلى ما يعرف باسم «سياسة الصين الموحدة»، والتي سنشرحها لاحقًا في هذا التقرير.

ردود الأفعال على المحادثات: ترامب يدافع عن نفسه

اختلفت ردود الأفعال على المحادثات؛ حيث أكد البيت الأبيض تمسكه بـ«سياسة الصين الموحدة»، وحسب التقارير الإعلامية، لم يتم إبلاغ البيت الأبيض والخارجية الأمريكية مسبقًا بالاتصال الهاتفي بين ترامب، ورئيسة تايوان، غير أن حملة ترامب أعلنت من جانبها أن مكالماته الهاتفية قبل تولي منصب الرئاسة رسميًّا لا تعتبر جزءًا من السياسة الخارجية الأمريكية، وأنها تُجرى لتلقي التهاني فقط.

ويبدو أن المحادثات جاءت محبطة ومفاجئة للجانب الصيني، حيث أبدت الصين احتجاجها الرسمي على المحادثات، معبرةً عن «قلقها الشديد» مما وصفته بالتقارب بين الولايات المتحدة، وتايوان، ومعربةً عن شكوكها بإلتزام الرئيس الأمريكي الجديد بسياسة الصين الموحدة.

وعلى الوجه الآخر، أعلن ترامب في مقابلة تليفزيونية الأحد، أنه لا يرى أن هناك أي سبب لاستمرار الولايات المتحدة في التنازل عن علاقتها مع تايوان في ظل عدم وجود تنزلات من قِبل الصين، إلا أن الصين سارعت بالرد عليه مشيرةً إلى أهمية وحساسية القضية التايوانية بالنسبة للجانب الصيني، بينما وصفت صحيفة «جلوبال تايمز» الصينية، ترامب بأنه «جاهل كالأطفال».

وأيضًا، عبَّر ترامب في عدة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، عن شكره للرئيسية التايوانية على تهنئتها له برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

التقارب بين ترامب وتايوان

الجانب التايواني كان له نصيب من ردود الأفعال المضادة لردود الأفعال الصينية على المكالمة، حيث أعلن مسئول تايواني رفيع المستوى لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن الرئيسة التايوانية تخطط لزيارة الولايات المتحدة خلال الشهر القادم رغم اعتراضات الجانب الصيني، وأنها ستقابل الرئيس المنتخب دونالد ترامب شخصيًّا، وذلك في إطار عدة زيارات لها تبدأ في السابع من يناير (كانون الثاني) 2017، وتستمر لمدة تسعة أيام، تزور فيها الرئيسة التايوانية عدة دول مثل الهندوراس، ونيكاراجوا، وجواتيمالا، والسلفادور.


كما استنكر ترامب رد الفعل الصيني، والرسمي في الولايات المتحدة، مستعجبًا «كيف للولايات المتحدة أن تبيع أسلحة ومعدات عسكرية لتايوان بتكلفة تبلغ مليارات الدولارات، بينما لا أستطيع أن أقبل مكالمة تهنئة منهم».

وكان ترامب قد أعلن في مقابلة سابقة له في بداية الشهر الجاري إن بلاده ليست ملزمة باعتبار تايوان جزءًا من الصين الموحدة بعد الآن، ذلك النهج الذي انتهجته طويلًا الولايات المتحدة، خاصةً إذا لم تقدم الصين تنازلات في مجال التعاون التجاري وأسعار صرف العملات، بينما ردت صحيفة صينية على هذا التصريح بأن «سياسة الصين الموحدة غير قابلة للنقاش»، مشيرةً إلى أنه في حالة إخلال ترامب بهذه السياسة فستقوم الصين بدعم أعداء الولايات المتحدة الأمريكية.

مبدأ الصين الموحدة: أين يكمن التوتر بين الصين وتايوان؟

يُعرَّف مبدأ الصين الواحدة أو الموحدة على أنه اعتراف دبلوماسي بالموقف الصيني القائل بأنه لا يوجد هناك إلا صين واحدة في العالم، وأن تايوان هي جزء من الصين. وبموجب هذا المبدأ فإن الولايات المتحدة الأمريكية تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين فقط، وليس مع جزيرة تايوان، وذلك باعتبار الصين ممثلة عنها، كما أنها تعتبر إقليمًا منشقًا عن الصين، وجزءًا من الصين المُوحدة، غير أن الصين منحت لها حكمًا ذاتيًّا فقط، ولكنها ما زالت بلا اعتراف دولي كامل.


ويمثل هذا المبدأ الجوهر الأساسي الذي يربط العلاقات الصينية الأمريكية، والذي بدونه لن تستكمل هذه العلاقات في سلام، وعلى الرغم من وجود تأكيد من الجانب التايواني بأنهم دولة مستقلة عن الصين، وتُدعى «جمهورية الصين» المستقلة، بينما تُلزم الصين، أي دولة تريد عقد علاقات دبلوماسية معها أن تقطع علاقتها مع تايوان، وألا تعترف باستقلاليتها.

التوتر بين الصين وتايوان يعود إلى عصر قديم، وما زال مستمرًا إلى الآن، ويُعتقد أن المستوطنين الأوائل الذين وصلوا إلى تايوان جاؤوا في الأساس من جنوب الصين، وكانت الصين قد أرسلت حينها قوة للتدخل السريع، وللمطالبة بحقها فيها، غير أنها أصبحت مستعمرة هولندية عام (1642-1661)، ثم استحوذت الصين عليها مرة أخرى عام 1683، وحتى عام 1895، وذلك بعد فوز اليابان في الحرب اليابانية الصينية الأولى.

ظلت العلاقات الصينية التايوانية في توتر على مدار أعوام، تصريحات عدوانية وغاضبة بين الطرفين، إلى أن بدأت العلاقات بينهما في التحسن في ثمانينيات القرن الماضي، بعدما طرحت الصين مبدأ «نظامين، ودولة واحدة»، والذي بموجبه منحت الصين تايوان الحكم الذاتي في حال وافقت تايوان على اعتبارها جزءًا من الصين الموحدة، كما أعلنت الصين إنهاء الحرب مع تايوان عام 1991.


غير أن القلق انتاب الصين مرة أخرى عام 2000 بانتخاب تشن شوي بان رئيسًا لتايوان، والذي أعلن دعمه لاستقلال تايوان عن الصين، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى عام 2004، مما دفع بكين لتمرير قانون مكافحة الانفصال عام 2005، والذي يشير إلى حق الصين في استخدام وسائل غير سلمية ضد تايوان إذا حاولت الانفصال عن الصين.

وجاء عام 2008، ليعلن بداية جديدة لتحسين العلاقات مع الصين، وذلك بانتخاب الرئيس ما يينج جيو، والذي عمل على تدعيم الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية بين تايوان، والصين.

وأخيرًا، وتحديدًا في يناير (كانون الثاني) 2016، فازت المرشحة تساي إنج وين بالانتخابات الرئاسية في تايوان، لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب في البلاد.

وربما ستشهد الفترة القادمة عديدًا من التغيرات فيما اعتادت عليه العلاقات الصينية التايوانية، في ضوء نوايا ترامب الجديدة، وحسب مواقفه إزاء الملف التايواني أثناء فترة رئاسته.

وجدير بالذكر أن وزارة الدفاع التايوانية أكدت منذ يومين أن حاملة طائرات صينية قد قادت مجموعة من السفن الحربية، ودخلت النصف الشمالي من بحر الصين الجنوبي بعد مرورها بجنوبي تايوان، وهو ما وصفته بكين بمناورات روتينية.

عرض التعليقات
تحميل المزيد