أثار سحب الجنسية الإسرائيلية من أحد مواطني إسرائيل – علاء زيود، منفذ عملية جان شموئيل – المنظمات الحقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، وحتى المنظمات داخل إسرائيل نفسها، وعدت الأمر سابقة خطيرة تخرج عن قواعد ومعايير القانون الدولي، ويبرهن هذا القرار الفريد من نوعه على أن مواطنة عرب 48 مهددة ومشروطة، فلا يُنظر إليها كحق أساسي للمواطن العربي، بل هو معرض لأن تسلب منه في أي وقت.
يشكل العرب داخل إسرائيل نسبة 21% من إجمالي سكانها البالغ عددهم 8.585 مليون نسمة، بينما يمثل اليهود النسبة الباقية من السكان وفق إحصائيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية بإسرائيل عام 2016، وأظهر التقرير ذاته تزايد عدد المسلمين والعرب بفارق نسبي عن معدل ارتفاع عدد اليهود، حيث بلغت نسبة زيادة المسلمين 2.4%، والعرب 2.2%، بينما بلغ معدل ارتفاع عدد اليهود 1.9%.
لكن هل يشكل العرب ثغرة في البناء الديموغرافي الإسرائيلي؟ وهل تعامل إسرائيل مواطنيها العرب كما تعامل اليهود؟ وهل يشعر العرب أنفسهم تجاه إسرائيل نفس ما يشعره المواطن اليهودي الإسرائيلي؟

علاء زيود بمحكمة الصلح في حيفا- المصدر: تايمز أوف إسرائيل
إسرائيل لم تحم مواطنيها العرب أثناء حرب لبنان 2006
أثناء المواجهات اللبنانية الإسرائيلية في يوليو (تموز) 2006، والتي استمرت 34 يومًا، تسببت هجمات حزب الله في مقتل 17 شخصًا من سكان المناطق العربية بشمال إسرائيل، وهو ما كان يمثل ثلث إجمالي القتلى المدنيين من الجانب الإسرائيلي حينها؛ لم يكن ذلك بسبب استهداف حزب الله السكان العرب، ولكن هناك عدة عوامل أسهمت في مقتل هذا العدد الكبير نسبيًا، وفقا لتقرير للـCNN أهمها عدم دقة بعض صواريخ حزب الله وقربها من التجمعات العربية، وأيضًا عدم وجود ملاجيء وغرف آمنة في المناطق العربية بخلاف المناطق اليهودية.

صاروخ لبناني يسقط على إحدى مباني حيفا
لم تخل الحرب من تمييز ضد العرب من دولة إسرائيل؛ حيث أظهر تقرير صدر حينها عن المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، انعدام الملاجيء والغرف الآمنة في المناطق العربية عكس باقي الأحياء والمناطق اليهودية، وأن السكان العرب اشتكوا أن الأوامر الطارئة للمواطنين كانت تصدر باللغة العبرية فقط، بالرغم من اعتبار العربية معترفًا بها كلغة رسمية في الدولة.
وأقرت المنظمة الحقوقية أن السلطات الإسرائيلية كانت ترشد المواطنين في المناطق ذات الأغلبية اليهودية على كيفية التعامل في حال سقوط صواريخ، لكنها لم تفعل الشيء ذاته مع العرب، وبعد مقتل طفلين عربيين نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن أحد مواطني الناصرة قوله: «لو كانوا – السلطات الإسرائيلية – أرشدتنا أن ندخل إلى مبان آمنة كالبلدات اليهودية، لما حصلت هذه المأساة في الناصرة».
وفي تلك الأثناء، كان المواطنون – بحسب تقرير السي إن إن – العرب يرفضون الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ويخشون في نفس الوقت من استهداف السلطات الإسرائيلية لهم بسبب موقفهم الرافض للحرب، فحتى أعضاء الكنيست من العرب قد نالهم تحريضًا مباشرًا ومعاملة عنصرية من الأعضاء اليهود بسبب موقفهم من الحرب الذي أعلنوا عنه داخل الكنيست، ووصل الأمر إلى أن قال أحد أعضاء الكنيست اليمينيين أن التجمع الذي كان يرأسه «عزمي بشارة» داخل الكنيست، يتلقى دعمًا وأموالًا من حزب الله، ووصفوا كذلك الموقف الرافض من اعضاء الكنيست العرب للحرب بأنه دعم للإرهاب، بل اتهمهم البعض بأنهم بمثابة «طابور خامس».

تدمير قاعدة الأمم المتحدة بلبنان أثناء حرب 2006
يرى إسرائيليون أن «العرب» يشكلون تهديدًا محتملًا لهم، لكونهم لا ينتمون إلى العنصر اليهودي المكون الأساسي لدولة إسرائيل القومية، وكذلك لا يشعر العديد من العرب بانتماءهم لدولة إسرائيل، بالرغم من وقوعهم داخل حدودها وحملهم جنسيتها، ولا يعاملون معاملة المواطنين اليهود، وهناك عدة حوادث مؤخرًا تدلل على تخلل البناء داخل المجتمع الإسرائيلي، سواء من علاقة السلطة الحاكمة بمواطنيها من «العرب» الحاملين لجنسيتها، أو علاقة المجتمع نفسه وتقبله للعنصر العربي الذي يمثل 21% من بناءه السكاني؛ سنسرد ها هنا أبرزها.
هل تعامل الدولة الإسرائيلية مواطنيها العرب واليهود على قدم المساواة؟
في الاحتفالات القومية لإسرائيل مثلًا لا يذكر العناصر الأخرى المكونة لهذه الدولة، كالدروز والعرب، ولا حتى على مستوى الديانة، سواء من المسلمين والمسيحيين أو غير المتدينين من الأساس، ففي أبريل (نيسان) عام 2013 تحديدًا في ذكرى الهولوكست، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اجتماع الحكومة الأسبوعي أن عدد اليهود في اسرائيل تعدى الستة ملايين يهودي، وهو رقم يساوي عدد اليهود الذين قتلوا في المحرقة حسب وجهة النظر الإسرائيلية. وقال نتنياهو في مراسم يوم إحياء ذكرى المحرقة: «اليوم، للمرة الأولى منذ قيام الدولة، أكثر من ستة ملايين يهودي يسكن في دولة إسرائيل. أنتم، سكان إسرائيل، الشهادة على انتصارنا. من هاوية المحرقة، تسلقنا إلى قمة صهيون، من البئر العميق صعدنا إلى القمة».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
سحب الجنسية الإسرائيلية من «علاء زيود»
في 11 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، اتهمت السلطات الإسرائيلية علاء زيود – عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية من أم الفحم – بالقيام بعملية دهس في جان شموئيل باسرائيل، حيث قالت إنه قام بدهس وطعن أربعة مواطنين إسرائيلين منهم جنديان، أصيب بعضًا منهم بحالة خطرة، بينما أكد علاء ومحاميه أنه حادث سير عادي، وليس حادث اعتداء. لكن تقول الرواية الإسرائيلية إن زيود قام بدهس جندية إسرائيلية بسيارته، ثم انتهى منها ليطعن ثلاثة أشخاص آخرين؛ مما تسبب في إصابتهم بإصابات خفيفة ومتوسطة.
زيود الذي لم يتعد عمره 20 عامًا في ذلك الحين، يعمل ويعول أسرته بعد مرض والده، أتهم الشرطة الإسرائيلية بمحاولة تلفيق تهمة «الدهس» له، وأن الحادث كان حادث سير عادي، حيث كان يقود سيارته حين اصطدمت بسيارة مدنية أخرى، لكن كان بها جنود إسرائيليين، وبمجرد خروجه من سيارته لمعاينة الأضرار انهال عليه الجنود بالضرب فدافع عن نفسه بسكين كان بحوذته.
علاء زيود ينكر التهم المنسوبة إليه
https://www.youtube.com/watch?v=tCDX24vekr4
شقيق علاء زيود يؤكد أن أخاه ليس لديه ميول سياسية
في يونيو (حزيران) من العام التالي، أصدرت المحكمة المركزية في مدينة حيفا حكمًا بالسجن 25 عامًا على علاء زيود، لتنفيذه عملية دهس وطعن، وأدانته بأربع محاولات قتل، وحيازة سكين، وقالت إن الحادث عنصري، وكذلك فرضت عليه غرامة مالية تصرف للمصابين بلغ مجملها 340 ألف شيكل، واعترف زيود – بالرغم إنكاره السابق – للمحققين أن هجومه كان بسبب دوافع قومية، حسب تايمز أوف إسرائيل، و«أنه أراد الانتحار عن طريق قتل اليهود».
في السادس من أغسطس (آب) الحالي، قامت محكمة الصلح في حيفا بسحب الجنسية من علاء زيود إثر طلب تقدم به وزير الخارجية الإسرائيلي «ارييه درعي» في مايو (آيار) الماضي. إضافًة لذلك، أبلغت السلطات الإسرائيلية عائلة زيود أن إقامة والده –غير الحامل للجنسية الإسرائيلية – لن يتم تجديدها.
وصرحت منظمة «هيومن رايتس ووتش» على لسان «عمر شاكر» مدير مكتبها في الأراضي المحتلة، أن قرار سحب الجنسية من زيود يعتبر خرقًا لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقرار المحكمة بسحب الجنسية من مواطن إسرائيلي هو قرار غير مسبوق ولم يحدث قط لأي مواطن «يهودي».
وبالرغم من تبرير «افراهام الياكيم»، نائب رئيس محكمة الصلح في حيفا، القرار باعتبار أن «زيود» لم يحافظ على ولاء الدولة بتنفيذه أعمالًا إرهابية تستهدف أذية السكان وتهديد أمنهم، واعتبار ذلك يخرجه من المجتمع العام في البلاد، إلا أن المحكمة نفسها رفضت سحب جنسية «يغال عمير»، الذي قام باغتيال «إسحاق رابين» الرئيس الاسرائيلي السابق في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995. أقدم عمير، اليميني المتطرف، على تنفيذ محاولة اغتيال ناجحة لاسحاق رابين أثناء مشاركته في مهرجان أقيم في تل أبيب للاحتفال بالسلام مع الفلسطينيين ، حيث لم ترض أحزاب اليمين المتطرفة في إسرائيل عن اتجاهات رابين المائلة لحل الدولتين والسلام مع الفلسطينيين.
وزير الخارجية الإسرائيلي الذي تقدم بطلب سحب جنسية زيود، علق بعد ذلك على القرار قائلًا: «قرار المحكمة يعزز الرادع ويعزز حملتنا للدفاع عن امن البلاد، ويعلن بدون لبس إن أي شخص يؤذي الدولة أو مواطنيها لا يمكن أن يكون جزءا منها».
«لاهافا» واعتداءات عنصرية لمنع الزواج المختلط
لا يقتصر عداء العرب على الحكومة الإسرائيلية، بل إن عداء الحكومة يعبر بشكل ما عن العداء السائد بين قطاعات عريضة في الشعب اليهودي للعرب ووجودهم، ففي أبريل (نيسان) الماضي اعتقلت الشرطة الإسرائيلية ستة إسرائيليين اعتدوا على فلسطينيين اعتداءات «إرهابية وعنصرية» لمنع يهوديات من الارتباط بعلاقات مع عرب.
وكان العنصر المحرك للمتهمين فيديو بثته منظمة «لاهافا» العنصرية التابعة لليمين المتطرف تدعو فيه لإنقاذ يهوديات متزوجات من عرب، ولاهافا هي منظمة يهودية يمينية أسسها الناشط المتطرف «بن تيسون جوفشطاين» في بداية الألفية الجديدة، وتعمل المنظمة على منع الزواج المختلط بين اليهود و«الأغيار»، ومنع «انغماس اليهود في الديار المقدسة» وقد سبق تورطها بعدة اعتداءات لفظية وجسدية على عرب لردهم عن الارتباط بفتيات يهوديات، وتعود أفكارها لحركة «كاخ» العنصرية المحظورة ومؤسسها «مئير كاهانا» عام 1971.
وزيرة الثقافة الإسرائيلية «ميري ريغاف» والعداء للعرب
ظهر عداء «ميري ريغاف» وزيرة الثقافة الإسرائيلية الشديد للعرب في أكثر من موقف فقبل توليها الوزارة وأثناء عضويتها في الكنيست الإسرائيلي عام 2012، وصفت أعضاء الكنيست العرب بأنهم مثل «حصان طروادة» وأنهم «خونة» وقالت إن عليهم الذهاب إلى غزة أو سوريا؛ حيث يمكنهم خدمة حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية بشكل أفضل، بحسبها.

وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف
وبعد توليها الوزارة في سبتمبر (أيلول) 2016 انسحبت ريغيف من حفل توزيع جوائز للإنتاج السينمائي في جنوب إسرائيل، ففي إطار احتفال توزيع جوائز «أوفير» للأفلام والانتاج السينمائي في مدينة أسدود، أدى مغني الراب العربي «تامر نفار» أغنية «بطاقة هوية» من كلمات «محمود درويش»، وأثناء أدائه للأغنية غضبت ريغيف وتركت المنصة اعتراضًا على الأغنية، وقالت: «القصيدة تبدأ بأنا عربي، وجميعنا موافقون، ولكنه في نهاية القصيدة، يقول إنه سيأكل لحم الشعب اليهودي أي لحمنا جميعًا، لذا لا أنا ولا أنتم يجب أن توافقوا على سماع الأغنية»، وذلك في إشارة منها إلى نهاية القصيدة التي تقول:
أنا لا أكره الناس
و لا أسطو على أحد
و لكني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي
و من غضبي
وقالت لو أنها كانت تعرف أن الحفلة ستكون فيها أغنية لمحمود درويش كانت سترفض الحضور، وأضافت: «لا أحد يلزمنا أن نحترم ثقافة تعمل ضدنا».
"النجمة المكروهة".. وزيرة إسرائيلية تترك حفلا بسبب قصيدة للشاعر محمود درويش##القدس#جاهزين#الأقصى#حصار_غزة#رياضة#متابعة#شاهد#شارك#راح_نفلسكم#الهند#تعاون_عسكري#كشمير#المسلمين#تطوير_السلاح#ليش_خايفين#محمود_درويش
Geplaatst door Ahmed H. Sa op Vrijdag 23 september 2016
ريغيف تغادر حفل جوائز «أوفير» اعتراضًا على قصيدة درويش
شرعت ريغيف كذلك لإلغاء مشاركة «تامر نفار» في الحفل الإفتتاحي لمهرجان مركز يوسف نافيه الجماهيري، وهو لقاء للثقافة اليهودية – العربية بمدينة حيفا، وحاولت عبر فيسبوك إقناع رئيس بلدية حيفا «يونا ياهف» بإلغاء مشاركة نفار في الحفل حيث كتبت ريغيف قائلة: «يقلقني أن مهرجانا مثل مهرجان حيفا للأفلام، الذي أصبح رمزا للجودة وتقارب الشعوب والدول، اختار إعطاء منصة لفنان مثل تامر نفار، الذي يستغل كل فرصة وكل منصة ممكنة للخروج ضد فكرة دولة إسرائيل ووجودها كدولة يهودية»، وقد أعلنت البلدية بعدها بأن حفل نفار قد يتم تقليص مدته وربما لا يقام مطلقًا.
ولكن، بعد تذبذب، أكدت البلدية على استمرار الحفل وتأكيد مشاركته كما هو مقرر له. وفي نفس التوقيت قام ناشطون من اليمين المتطرف التابعين لحزب الليكود الإسرائيلي، بالتهديد بتفجير العرض، لكن قامت الشرطة باحتجازهما حتى انتهاء الحفل.
صراع ريغيف والفن العربي لم يكن يقتصر على صراعها فقط مع «تامر نفار»، بل امتد كذلك لنشاط المسرح العربي بحيفا، حيث حاولت ريغيف منع عرض مسرحية «الزمن الموازي» وهي مستوحاه من قصة أسير عربي «وليد دقة» من مواطني إسرائيل تم اتهامه باختطاف وقتل جندي إسرائيلي، وقامت ريغيف بعد ذلك بتجميد التمويل لمسرح الميدان بسبب عرضه للمسرحية. ولكن استطاع المسرح أن ينتصر قانونيًا ويستعيد تمويله مرة أخرى.
جدير بالذكر أن موقع تايمز أوف إسرائيل في نسخته الإنجليزية، وصف المسرحية بأنها «إرهابية» وأنها تدور حول حياة «إرهابي» فلسطيني – إسرائيلي قام بخطف وقتل جندي إسرائيلي، بينما في نسخته العربية لم يصف المسرحية سوى باسمها، ووصف بطل قصتها بـ«أسير عربي من مواطني إسرائيل أٌدين باختطاف وقتل جندي إسرائيلي».