لعقود طويلة تلت الحرب العالمية الثانية اختبأ هذا الرجل تحت اسم مستعار في أمريكا، وكذلك فعل أبناؤه، فهم لا يفضلون يومًا أن يتعرف العالم إليهم باعتبارهم من سلالة أدولف هتلر، الزعيم النازي الذي أشعل الحرب العالمية الثانية، واستلذ بمقتل الملايين من الأبرياء.
القدر.. أب نمساوي وأم أيرلندية وطفل إنجليزي
اطمأن المؤرخون فور انتهاء الحرب العالمية الثانية أن سلالة هتلر انتهت بموته، وأن الجين القاتل لم يورث، وبالأخص أن الأخت باولا الشقيقة الوحيدة لهتلر ماتت دون أن تتزوج أو تنجب أطفالًا، أما هتلر نفسه فكان مدة زواجه 45 دقيقة قبل انتحاره مباشرة، لكن هذه النتائج لم ترضِ بعض المؤرخين الذين قرروا البحث والتنقيب عن عائلة هتلر، وكانت المفاجأة أن والد هتلر ألويس تزوج قبل كلارا -والدة هتلر- وباولا، بسيدة تدعى فران وأنجبت منه ألويس وأنجيلا.
ألويس هتلر الأخ غير شقيق لهتلر ووالد ويليام
في العاصمة الأيرلندية دبلن، وفي أحد عروض الخيل، التقى الشاب النمساوي ألويس هتلر بفتاة أيرلندية تدعى بريدجيت داولينج عام 1909، أحبا بعضهما وقررا الزواج، إلا أن والد الفتاة رفض هذا الزواج وبالأخص أنه اكتشف أن ألويس يعمل نادلًا في فندق، هربت بريدجيت وألويس إلى إنجلترا وتحديدًا مدينة ليفربول وتزوجا عام 1910، حاول والد الفتاة الإبلاغ عن ألويس بتهمة اختطاف ابنته، إلا أنه في عام 1911 قرر أن يذهب إلى ليفربول ويحضر معمودية حفيده ويليام باتريك هتلر.
ويليام ألويس هتلر، هذا هو الاسم الأبرز في عائلة هتلر، ابن الأخ غير شقيق لهتلر، والذي عاش متخفيًا في أمريكا، وحين عُثر على أسرته في نهاية القرن العشرين كان ميتًا، المثير في شخصية ويليام أنه ارتبط بعمه هتلر في بادئ الأمر، ثم سخط عليه وتركه، بل وحارب ضده.
لعم النازي أفضل من البطالة
عمل ألويس في الفنادق وفتح مطمعًا صغيرًا؛ وحاول العيش في إنجلترا، لكنه أفلس في نهاية الأمر فترك زوجته الأيرلندية وابنه الصغير ويليام؛ وسافر إلى ألمانيا، كبر ويليام وانتقل إلى لندن، وتزامن ذلك مع صعود عمه أدولف هتلر إلى مناصب عليا في ألمانيا، وبعد توتر العلاقات بين إنجلترا وألمانيا، وبسبب اسمه الأخير طرد من وظيفته، وتكرر الطرد أكثر من مرة بسبب الاسم.
القائد النازي أدولف هتلر
قرر ويليام السفر إلى ألمانيا والاستفادة من وصول عمه إلى منصب مستشار الرايخ في ثلاثينيات القرن الماضي، وهناك ساعده عمه في الحصول على وظيفة مريحة في بنك، وهو المنصب الذي شغله في معظم سنوات الثلاثينيات، وعلى الرغم من إحباط ويليام أن وظيفته منخفضة المكانة، إلا أن اسمه ساعده في الانفتاح على المجتمع الثري في ألمانيا، فوجد الشاب نفسه مدعوًا لحفلات عشاء، وصار ضيفًا مرغوبًا في عطل نهاية الأسبوع، في منازل ريفية تجمع النخب النازية.
رغم أن أبواب الحياة فتحت لويليام، إلا أنه لم يكن راضيًا عن وظيفته بأي حال، طلب من عمه مرارًا وتكرارًا أن يجد له وظيفة مناسبة أكثر، إلا أن الزعيم النازي أدولف هتلر كان ردّه الدائم أنه لا يريد أن يتهم بمحاباة الأقارب، ولن يسمح لأحد أن يتسلق على ظهره، ومع كثرة الشكوى والاحتجاج أرسل أدولف هتلر ابن أخيه ويليام إلى وظيفة في مصنع سيارات «أوبل».
لم يرضَ ويليام عن وظيفته الجديدة في مصنع «أوبل» للسيارات، ووجد أن عمه لن يساعده في الحصول على وظيفة مرموقة؛ لذا قرر ابتزازه، وهدده ببيع قصص محرجة عن عائلة هتلر، ومن ضمن هذه التهديدات أنه سينشر إشاعة بأن جد هتلر لأبيه كان في الحقيقة تاجرًا يهوديًّا -هذه الإشاعة لم تثبت إلى الآن- لم يتعامل أدولف هتلر بجدية مع تهديدات ابن أخيه، بل كان يصفه أمام الناس بأنه «ابن أخي الكريه»، في النهاية طلب أدولف هتلر من ويليام أن يتنازل عن جنسيته البريطانية ويصبح مواطنًا ألمانيًّا ليمنحه وظيفة مناسبة، لكن ويليام شعر بأن عمه ينصب له فخًّا، فغادر ألمانيا.
«لماذا أكره عمي»
عاد ويليام هتلر إلى إنجلترا، ثم غادر مع والدته إلى أمريكا عام 1939، ليقدم جولة في ولايات أمريكا المختلفة بعنوان «عمي أدولف»، كان ويليام وضع العديد من الملاحظات المتعمقة عن أدولف هتلر، وبدأ في إلقاء محاضرات عن عمه، وفي بادئ الأمر جذبت هذه المحاضرات اهتمامًا كبيرًا، ولكن بمجرد أن اضطرت أمريكا دخول الحرب العالمية الثانية في نهاية عام 1941، بدأ الاهتمام بتلك المحاضرات يتضاءل.
صورة من مقال «لماذا أكره عمي» في مجلة لوك لويليام هتلر- مصدر الصورة: boingboing
منذ وصول ويليام إلى أمريكا كان عليه أن يجذب الجمهور إلى محاضراته؛ لذا لجأ إلى الكتابة في الصحف عن عمه هتلر، وكان أبرز ما كتب مقال بعنوان «لماذا أكره عمي» والذي نشر في مجلة «لوك» الأمريكية في يوليو (تموز) عام 1939، وتحدث عن لقائه الأول بعمه أدولف هتلر؛ جاء فيها: «صعقت من شدته، وحركاته الأنثوية».
سرد ويليام في هذا المقال بعض الأحداث الذي شهدها مع عمه هتلر؛ مثل أنه هدده للتراجع عن مقالاته والتي كان كتبها ويليام في ذلك الوقت عن العائلة في إنجلترا، وهدده في حال وجد أي شيء آخر مكتوب عن حياته الخاصة، بل إن هتلر حذره من أن يذكر لأحد أنه ابن أخيه، وكان غاضبًا منه ولوح له بسوطه، قال ويليام في المقال: «لن أنسى أبدًا آخر مرة رأيته، كان في حالة غضب شديد حين وصلت، وظل يذهب ويجيء أمامي، وهو يلوح بسوط حصانه، ثم صرخ في وجهي كأنه يؤدي خطبة سياسية».
ويليام هتلر في البحرية الأمريكية بأمر روزفلت
بعد أن هدأت الأضواء حول ويليام هتلر؛ كان عليه أن يجد وظيفة، فقرر الالتحاق بالبحرية الأمريكية لكن كان هذا صعبًا، فهو إنجليزي ومن سلالة العدو أدولف هتلر، وبعد أن حاول أكثر من مرة ورفض، قرر اللجوء إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت؛ كتب إليه مباشرة للسماح له بالخدمة في الجيش الأمريكي، جاء في خطابه إلى روزفلت: «أنا واحد من كثيرين لكن يمكنني تقديم خدمة لهذه القضية العظيمة».
ويليام هتلر يقسم اليمين في البحرية الأمريكية
مرر روزفلت خطاب ويليام هتلر إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ والذي فحص ملف ويليام وخلفيته وفي النهاية قبل ويليام وخدم في البحرية الأمريكية، وأدى ويليام هتلر يمين القسم في نيويورك عام 1944، في الفيلق الطبي للبحرية الأمريكية، وأصبح مواطنًا أمريكيًّا يشارك ضد قوات عمه في الحرب العالمية الثانية.
خرج ويليام من البحرية الأمريكية بعد أن أصيب بشظية عام 1947، ومنح وسام القلب الأرجواني، وتزوج من فيلبس وهي ألمانية الأصل، وكان التقى بها في ثلاثينات القرن العشرين في ألمانيا مع شقيقها، وحين سافرت إلى نيويورك أرسل شقيقها إلى ويليام هتلر ليعتني بشقيقته، فأحبها وتزوجها بعد الحرب عام 1947، وأنجب منها أربعة أطفال، ثلاثة منهم أحياء إلى الآن هم: أليكس، ولويس، وبريان.
النهاية في مقبرة كاثوليكية باسم مستعار
اختفي ويليام عن الجمهور إلى الأبد بعد زواجه، وغيّر اسمه إلى ويليام ستيوارت هيوستن، وعاش في مجتمع ريفي على جزيرة لونج آيلاند في نيويورك مع زوجته وأبنائه، حتى مات عام 1987، ودفن إلى جوار أمه في مقبرة كاثوليكية، كتب عليها اسمه المستعار، رأى أبناؤه أن هذا الاسم هو ما يستحقه؛ لأنه جلب له السلام وليس الاسم الحقيقي.
ويليام هتلر مع والدته في نيويورك
منذ أن وصل الصحافيون إليهم استمر أبناء ويليام وزوجته فيلبس في الدفاع عن سمعة والدهم الراحل، مؤكدين أنه بطل حرب وأصيب أثناء الخدمة العسكرية، وأنه آمن بالحلم الأمريكي. على أي حال مات الرجل، أما أولاده فلم يتزوجوا أبدًا وليس لديهم أطفال، ولكنهم نفوا أنهم أبرموا اتفاقًا ينص على أن سلالة هتلر يجب أن تنتهي.