ارتبط الحديث عن الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من تونس، بالحديث عن سيكولوجية الجماهير وتحركها بشكل لا واعٍ، والتساؤل عما يوجهها وكيفية تحريكها ودفعها في اتجاه ما، وكيف تذوب بين الجماهير شخصية الفرد مهما كانت أفكاره، ومهما اتفقت مع أفراد الجمهور، فيتحرك بطريقة مختلفة تمامًا عما كان سيفعله لو كان منعزلًا.

ويعود الحديث عن الجماهير دائمًا مع كل حدث سياسي، ومع كل نجاح أو إخفاق في تحقيق الأهداف التي انطلق من أجلها الربيع العربي، إذ تتجدد الحاجة لفهم الأبعاد النفسية التي تحرك الجماهير والتفكير غير العقلاني للحشود، والوسائل التي تتملقها بها السلطة لتحول دون انفجار مدمر لها، فتزيف وعيها وتسيطر دائمًا على انفعالها.

فُز بالجماهير

أطلقت أكاديمية التغيير في الذكرى السادسة لبداية الربيع العربي في 17 ديسمبر (كانون الأول)، أول لعبة تعليمية تقدّمها الأكاديمية، باسم «فُز بالجماهير»، وتقوم فكرتها على تنافس اللاعب مع النظام في كسب الجماهير وحشدهم، بإمكانات بسيطة لا تتجاوز مبلغًا بسيطًا من المال ومجموعة صغيرة من الأفراد يخوض اللاعب المنافسة مع نظام قوي، وبتنزيل اللعبة سيتوفر لدى المستخدم مختصر لأهم ما كُتب حول سيكولوجية الجماهير ليمكنه الاطلاع عليها في دقائق قبل البدء، وخلال سعيه لحشدهم يتبين للاعب سيكولوجية الجماهير وخصائصهم، وكيفية التأثير في الرأي العام.

وسيكون الهدف المطلوب تحقيقه هو الفوز بـ50% من الجماهير، ويخسر اللاعب بحصول المنافس (النظام) على تأييد 50% من الجماهير، ولكن الفوز ليس سهلًا، وفي كل مرة يخسر فيها اللاعب سيمكنه استخلاص دروس مستفادة عن سبب فشله في حشد الجماهير.

الواقع بشيء من الخيال

رغم أن اللعبة يغلب عليها الواقع بدرجة كبيرة، إلا أنها تدمج بين الواقع والخيال أيضًا باعتبار أن التغيير في جانب منه يتطلب المزج بين المعرفة بالواقع، وتحقيق ما يبدو لنا ضربًا من الخيال، وقد قدّمها مصمموها للأعمار المختلفة، وتتوفر حاليًا على الهواتف بنظام «أندرويد»، ومتوقع أن تُتاح لاحقًا على الهواتف بنظام «IOS».

ومع إطلاقها أعلنت الأكاديمية عن تخصيص قسم على موقعها للنقاش حول اللعبة، وكيفية تطويرها، والاستفادة منها في مجال التدريب، وكانت الأكاديمية قد أعلنت منذ نحو ثلاثة أشهر عن بدء العمل على إعداد اللعبة وفتحت باب المشاركة فيها، من خلال عرض أبرز الوسائل التي تستخدمها الأنظمة للسيطرة على الشعوب، وكسب تأييدها من وجهة نظر المشاركين.

إنفاق متزايد على الألعاب

يأتي إطلاق هذه اللعبة ضمن مشروع لأكاديمية التغيير لتحويل المواد والدراسات التي تقوم بالتدريب عليها إلى مواد تفاعلية، ولعل الدخول إلى عالم الألعاب سيجذب فئة جديدة لاختبار المواد التي تقدمها، خاصة مع تزايد الإنفاق على الألعاب الإلكترونية حول العالم بشكل عام، إذ يُتوقع أن يصل مع نهاية هذا العام إلى 99.6 مليار دولار، لحوالي 2.1 مليار شخص حول العالم، وفقًا
لتقرير موقع «Newzoo»، وتمثل نسبة مستخدمي ألعاب الهواتف الذكية منهم 37%، بينما يُنفق حوالي 316.2 مليون لاعب على مختلف الأجهزة في منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا حوالي 3.2 مليار دولار بنسبة تزيد 26% مقارنة بالعام الماضي.

ما الذي تهدف إليه «أكاديمية التغيير»؟

تُعرف أكاديمية التغيير نفسها على أنها مؤسسة علمية بحثية تأسست عام 2006 في لندن، بهدف توفير البحث العلمي لبناء قدرات المجتمع للتحول الحضاري، وتقوم على جهد تطوعي، وتركز في أغلب أنشطتها على نشر ثقافة التغيير وإستراتيجيات التحول الحضاري، وتقديم الأدوات العلمية المساهمة في إحداث ثورات حضارية في عالم الفعل الاجتماعي والسياسي، وتدريب كوادر مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب على إستراتيجيات ووسائل التغيير، ولعل هذه الأهداف هي ما جعلتها محلّ جدل إذ شككت بعض الجهات في الممول الأساسي لها، والهدف الذي أنشئت حقيقة من أجله.

واعتبرت العديد من التقارير الإخبارية «أكاديمية التغيير» فاعلًا مهمًا في أحداث الثورة المصرية، وفي المظاهرات التي سبقتها منذ عام 2006 في حملة استقلال القضاء، إذ كانت نافذة لنشطاء مصر، وأعضاء حركة 6 أبريل تحديدًا، للتعرف على حركات العصيان المدني خارج العالم العربي، وكانت الكتب التي أصدرتها حول النشاط السلمي مثل «حلقات العصيان المدني»، و«حرب اللاعنف.. الخيار الثالث»، و«زلزال العقول»، ضمن السبل التي نشرت من خلالها الأساليب الجديدة للاحتجاج.

وتنقسم مجموعات البحث في الأكاديمية إلى مجموعة ثورة العقول، ومجموعة أدوات التغيير، ومجموعة ثورة المشاريع، وهي تعمل على تحويل المادة البحثية التي تقدمها إلى أشكال متنوعة؛ بين دراسات علمية، وإصدارات أدبية، وأفلام، وكتب، والمجال الذي طرقته أخيرًا؛ الألعاب الإلكترونية، بحيث تعزز انتشارها بين قطاعات واسعة من الجهات البحثية والمثقفين والدارسين والقراء.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد