هل للقدرة على التعامل مع التوتر وإدارة الضغوط علاقة فعلًا بنوع الشخص، ذكر أو أنثى؟ وهل الرجال أكثر احتمالًا للضغوط من النساء؟ حسنًا ماذا عن تأثير التوتر واضطرابات القلق في صحة المرأة؟ وهل يختلف التأثير بين الرجل والمرأة أصلًا؟
«أعلم أنني قلقة ومتوترة تجاه المواقف المختلفة حين أجدني أكثر عصبية وأقل قدرة على التصرف بشكل صحيح، فجأة يتأثر نومي فيصيبني الأرق، وإذا نمت تطاردني الكوابيس والأحلام السيئة، وأستيقظ عقب هذا كله مرهقة أشعر بالثقل والإنهاك» تتحدث ندى سامي، الأم الشابة التي لم تتجاوز عامها الثلاثين، والتي تعتقد أنها شخص مصاب بالقلق والتوتر بدرجة متوسطة، إلى «ساسة بوست» وتحكي كيف لا يلبث شعورها بالتوتر أن ينعكس على صغيرها الذي يدرس بعامه الأول الدراسي: «لا أحتمل صغيري وأبدأ في الشجار مع زوجي؛ ما يزيد من شعوري بالذنب والعجز وقلة الحيلة».
النساء أكثر قلقًا من الرجال.. والوضع خطير
«أتمنى أن أمشي في الشوراع العربية فلا أرى التوتر الشديد الذي جربته وشاهدته، أتمنى أن يختفي التوتر من الشارع العربي وأن تصبح وجوه الناس سعيدة، عندئذ سأستطيع أن أتحدث عن مصر الحقيقية أو سوريا الحقيقية» *نوبواكي نوتوهارا من كتاب «العرب: وجهة نظر يابانية»
لم يعد القلق شعورًا زائرًا، صار مقيمًا وقائمًا بشكل مخيف، فبحسب دراسة تعود إلى عام 2016، فإن انتشار اضطرابات القلق مرتفعة في جميع أنحاء العالم أما المفاجأة، فهي أن النساء يعانين من الإجهاد والقلق الحاد بمقدار الضعف، مقارنة بالرجال، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فالفجوة بين الجنسين تزداد عامًا بعد عام؛ إذ تُبلِّغ النساء باستمرار عن مستويات أعلى من التوتر، ليبقى السؤال «إلى أين يمكن أن تصل الأمور؟».
صحيح أنه شعور واحد، لكن التفاعل مع القلق والإجهاد يختلف باختلاف الجنس، فيتفاعل الرجال والنساء مع التوتر بشكل مختلف، بحسب ما أوضحته دراسة بعنوان «اختلافات الجنس في ردود الفعل نحو التوتر»؛ إذ تبين عبر البحث أن ردود الفعل ليست وحدها التي تتأثر، لكن حتى الأمراض المترتبة على الشعور بالتوتر والإجهاد تختلف.
فيتوتر الرجل إلى درجة معينة يصبح معها عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، وارتفاع ضغط الدم والسلوك العدواني وتعاطي المخدرات، أما النساء حين يقعن تحت طائلة التوتر؛ تصير أجسادهن عرضة للإصابة بحالات مثل أمراض المناعة الذاتية، والألم المزمن، والاكتئاب، واضطرابات القلق.
والمرأة تتعامل مع اضطرابات القلق بشكل أفضل
«يظنون أن الأطفال لا يفهمون شيئًا وهم مخطئون؛ فالأولاد وإن تغاضوا عن كل التوتر المحيط بهم، فهم يدركونه في أعماقهم» *جنى فواز الحسن، رواية «أنا، هي والأخريات»
تختلف ردود الفعل الصادرة تجاه التوتر باختلاف النوع، جسديًّا وعقليًّا، وذلك بحسب جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، كذلك تختلف طريقة إدارة التوتر بل طريقة إدراك القدرة على فعل ذلك بين النساء والرجال.
صحيح أن النساء أكثر عرضة للإبلاغ عن ارتفاع مستويات التوتر، ومن ثم الإبلاغ عن الأعراض الجسدية والعاطفية المرتبطة بالتوتر (28% مقابل 20% للرجال)، إلا أنهن أكثر قدرة على إدارة القلق والتعامل معه بشكل أفضل، ومن بين أشهر أعراض القلق التي يُعانى منها:
- الصداع.
- الرغبة في البكاء.
- اضطراب المعدة.
- عسر الهضم.
- التعب.
- الشعور بالعصبية والغضب.
- الاستيقاظ في الليل بسبب الإجهاد.
- اضرابات النوم (33% فقط من السيدات حصلن على قسط كافٍ من النوم).
وتختلف تلك الأعراض بين المرأة المتزوجة والعازبة، فقد أبلغت النساء المتزوجات عن مستويات أعلى من التوتر مقارنة بالنساء العازبات! وفي العموم تبين أن نصف السيدات اللائي شملتهن الاستطلاعات خلال السنوات الخمس الماضية، زاد التوتر لديهن بنسبة 49%، مقارنة بنسبة 39% من الرجال.
ربما من الأمور القليلة التي تخفف من الضغط، بل تحسن من طريقة إدارته لدى السيدات، هو وجود روابط وعلاقات اجتماعية وعائلية أفضل، مقارنة بالرجال، كذلك التواصل مع الآخرين ما يجعل إستراتيجية إدارة الإجهاد والتوتر أفضل؛ إذ يخفف التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة من الشعور بالضغط النفسي.
بالنسبة لندى سامي فهي تواجه القلق بالتركيز على مشاعرها فتقول خلال حديثها مع «ساسة بوست»: «صرت أركز على مشاعري ولا أتجاهلها، أتحدث بصوت عالٍ وأسأل نفسي بوضوح، ما الذي يجعلني أشعر بالتوتر؟ أحاول أن أمسك بالسبب، حين ألمسه وأراه حقيقة أشعر بضآلته، أحيانًا ألجأ إلى الكتابة إن كان هناك وقت، يجعلني هذا أخرج مشاعري من الداخل إلى الخارج فأراها أمامي، ثمة حلول سريعة أيضًا، كأن أغير مكاني، فأخرج إلى الشرفة لأستنشق الهواء، أو أمشي لفترة، فهذا يساعدني على أن أكون أهدأ، كما يساعدني على استجماع نفسي وتشتيت انتباهي عما يضايقني».
لم تلجأ ندى للأدوية من قبل كي تعالج التوتر والقلق، لكنها تناولت دواء مضادًا للاكتئاب بحسب وصفة طبية، وتضيف: «أعتقد أنه يساهم في تهدئة القلق لدي، كما أنني أجرب أعشابًا مهدئة مثل الكاموميل والبنفسج؛ إذ يجعلاني أفضل حتى وإن كان الأمر مجرد إيحاء».
لكن.. لماذا تقلق السيدات أكثر من الرجال؟
«إن التفكير الجيد يتعامل مع الأسباب والمؤثرات ويؤدي إلى التخطيط المنطقي والبناء فيما يؤدي التفكير السيئ عادة إلى التوتر والانهيار العصبي» *ديل كارينجي
بحسب تقرير منشور عبر الموقع الرسمي لجمعية علم النفس الأمريكية (APA) يتبين أن الأسباب التي تقف وراء التوتر لدى الجنسين مختلفة، فمثلًا تقلق السيدات لأسباب مادية واقتصادية بنسبة 68% مقارنة بـ61% لدى الرجال، بينما يتبين أن السبب الذي يثير توتر الرجال وقلقهم هو العمل نفسه 76%، مقارنة بـ65% من السيدات.
في حديث لها مع جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تُرجع الطبيبة النفسية إيرين جويس، السبب إلى أن النساء يقمن بأعمال منزلية غير مدفوعة الأجر أكثر من الرجال، صحيح أن الرجال يشعرون بالضغوط نفسها التي تشعر بها النساء، فيما يتعلق بالوفاء بالمسئوليات في العمل والمنزل، وأن الجميع مرهقون، لكن الاختلاف هنا يكمن في طبيعة ونطاق هذه المسئوليات في بيئة المنزل على وجه الخصوص، حتى إن الأمم المتحدة ذكرت أن النساء يقمن بما يقرب من ثلاثة أضعاف ما يقوم به الرجل من الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، والمشكلة هنا أن تلك الأعمال غالبًا ما يجري تجاهل أنها «عمل» رغم أنها غالبًا ما تكون شاقة مثل أي وظيفة لها أجر.
وهكذا تتغير حياة النساء تحت وطأة الضغط
«يعيش الإنسان اليوم في حالة توتر دائم، وهو يقف وجهًا لوجه أمام الدمار والموت والتعذيب والوحدة، إنه إنسان الحالات المتطرفة وقد بلغ – أو على وشك بلوغ – نهاية وجوده، والأدب الذي يصف أو يفحص لا يمكن أن يكون شيئًا آخر عدا كونه أدب الحالات الاستثنائية». إرنستو ساباتو
لأنهم أكثر قلقًا وعددًا فيما يتعلق بالإصابة والمعاناة والأسباب، فهن الأكثر تأثرًا أيضًا بحسب الأبحاث التي تشير إلى مزيد من الآثار المؤذية للقلق، لعل أخطرها دراسة حول تأثير القلق في الأجهزة التناسلية والقدرة على الإنجاب لدى المرأة!
توضح الدراسة كيف أن الإجهاد يتسبب في إفراز هرمون يتسبب في تثبيط الجهاز التناسلي الأنثوي؛ ما يتسبب لاحقًا في انقطاع الطمث الناتج عن الإجهاد، كما لوحظ أن القلق والاكتئاب وسوء التغذية واضطرابات الأكل والأمراض المناعية والالتهابات جميعًا، نتائج تترتب عاجلًا أو آجلًا على القلق المستمر.
وعلى جانب آخر، فالتفاوت في الشعور بالضغط والقلق، لا ينتج منه فقط مشاعر وأمراض ومعاناة مختلفة، لكنه يخلف وراءه أزمات متكررة من عدم التفاهم، وكذلك عدم التقدير من جانب الرجل للمرأة، فكثيرًا ما يشعر الشريك بأن زوجته تبالغ أو أنها تقلق كثيرًا دون داعٍ؛ ما يجعل الاحتواء والمساندة أقل!
وكيف السبيل إلى النجاة؟
«إن القلق حالة من التوتر تنتابنا حينما ننقسم في داخلنا ونشهد رغباتنا وهي تقتتل وتتصارع، إنها اللحظة الأليمة التي تتجلى فيها عداوتنا لأنفسنا، وهي عداوة مفزعة؛ لأن لا شيء فيها يمكن لمسه بالإصبع أو رؤيته رؤية العيان» د. مصطفى محمود، كتاب «الأحلام»
يتضح عقب الكثير من الأبحاث والأدبيات أن القلق والتوتر مثل كرة الثلج، تبدأ بشعور وتنتهي إلى أمراض بدنية ونفسية وحياة كاملة تصير على المحك، فلا يعود التعامل مع التوتر والشعور بالضغط رفاهية، مهما كانت الأسباب التي أدت إليه، بل يجب الوضع في الحسبان أن الأمر يتزايد ما لم يوضع حد له، وهناك ثمة تدابير سريعة يمكن فعلها من أجل وضع حد للتوتر والقلق منها:
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- عمل مساج لفك توتر العضلات.
- التنفس بعمق.
- تناول طعام صحي ومتوازن.
- تهدئة السرعة وتقليص مصادر الضغوط.
- الحصول على عطلة.
- تخصيص وقت لممارسة الهوايات.
- التحدث بشأن المشكلات.
- تحديد مصادر الإزعاج والتحكم فيها.
- وأخيرًا: لا أحد كامل، تقبلوا إمكانياتكم.