يقول علماء النفس الشرعيون والمختصون الجنائيون إن النساء اللواتي يقتلن لديهن خلفيات ودوافع غالبًا ما تكون مختلفة تمامًا عن نظرائهن من الرجال؛ فمقارنة بالرجال عادة ما تكون النساء أكثر صلة بضحاياهن، ويقل احتمال التخطيط المسبق لهن ويقل احتمال استخدامهن للعنف الشديد.

لكن ماذا عن محاولات اغتيال الشخصيات العامة في المجتمع التي قامت بها النساء، ماذا كانت دوافعهن؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا التقرير.

1. فاني كابلان.. المرأة التي حاولت اغتيال لينين

في وقت متأخر من مساء يوم 30 أغسطس (آب) 1918، خرج الزعيم فلاديمير لينين من اجتماع في مصنع هامر آند سيكل في موسكو، فاقتربت منه امرأة غير معروفة نادت باسمه وهو على وشك ركوب سيارته، ومن ثم أطلقت عليه في التو ثلاث رصاصات من مسدسها. أخطأته واحدة وأصابت زميله في كوعه، في حين اخترقت الرصاصة الثانية رقبته والثالثة كتفه الأيسر، لكن لينين لم يمت في هذه الحادثة، وبذلك يكون قد نجا من محاولة اغتياله الثانية خلال سبعة أشهر فقط.

أما التي حاولت قتل لينين فهي فاني كابلان البالغة من العمر 28 عامًا، ولدت في أوكرانيا خلال عام 1890 ومنذ صغرها انجذبت إلى السياسة الثورية. ففي سن السادسة عشر انضمت إلى جماعة أناركية مقرها كييف، وحين بلغت سن العشرين حاولت قتل حاكم المدينة لكن القنبلة التي أعدتها انفجرت في غرفتها مما أدى لتضرر عينيها بشكل بالغ. بعدها أُلقي القبض عليها وبسبب حداثة سنها لم تواجه حكم الإعدام وحُكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة في سيبيريا، وخلال فترة عملها القسري تدهور بصرها إلى درجة قريبة جدًا من العمى.

فاني كابلان – مصدر الصورة: روشيان 7

بعد ثورة فبراير (شباط) عام 1917 والإطاحة بنيكولاس الثاني آخر قيصر روسي؛ أُطلق سراح فاني كابلان مع آخرين بعفو سياسي.

بعد سلسة مكثفة من العلاج تمكنت كابلان من استعادة جزء من بصرها لتشق طريقها بعد ذلك إلى موسكو من أجل الانضمام إلى الحزب الاشتراكي الثوري الذي كان يتوقع تقاسم السلطة مع زملائهم الاشتراكيين البلاشفة.

ولأن هذا الأمر لم يحدث، حاولت كابلان اغتيال لينين، وبعد القبض عليها واستجاوبها صرحت قائلة: «اليوم أطلقت النار على لينين، فعلت ذلك بمفردي، لن أقول من أين حصلت على مسدسي ولن أعطي أي تفاصيل، كنت قد عقدت العزم على قتل لينين منذ فترة طويلة لأني أعتبره خائنًا للثورة»، وفي الرابعة من صباح يوم 3 سبتمبر (أيلول) أُعدمت كابلان برصاصة واحدة في مؤخرة رأسها.

بعد أن أُصيب لينين نُقل إلى الكرملين، وكان خائفًا بشدة من وجود قتلة آخرين ينتظرونه بالخارج ولذلك رفض الذهاب إلى المستشفى. وهكذا أُجبر الأطباء على إجراء الجراحة في منزله لكنهم لم يتمكنوا من إزالة الرصاصة المستقرة في رقبته بسبب صعوبة الوصول للمعدات الطبية، وعليه فقد ظلت الرصاصة في رقبة لينين حتى أزالها جراح ألماني بعد الحادث بأربع سنوات.

ومع مرور أقل من شهر على إزالة الرصاصة أُصيب لينين بأول سكتة دماغية، مما أدى لشلل النصف الأيمن من جسده ثم جاءت السكتة الثانية فأصبح معاقًا حتى مات، وذلك بعد حادثة الاغتيال بخمس سنوات ونصف.

2. فيوليت جيبسون.. التي حاولت اغتيال موسوليني

صبيحة يوم 7 أبريل (نيسان) عام 1926، كان الحاكم الإيطالي بينيتو موسوليني يلقي خطابًا سياسيًا في روما حين اندفعت امرأة من بين الحشود وأطلقت عليه النار من مسافة قريبة. لكن موسوليني استدار في اللحظة المناسبة لتخترق الرصاصة أنفه.

وفي أثناء محاولتها إطلاق الرصاصة الثانية، تعطّل المسدس وفشلت تلك المرأة في اغتياله. وهو الأمر الذي أثار غضب موسوليني بشدة؛ إذ لم يغضب بسبب محاولة قتله ولكنه استاء بشدة لأن التي حاولت قتله امرأة، إذ صرخ موسوليني قائلًا: «امرأة وقبيحة أيضًا»، ثم أضاف ساخرًا بأنه كان مستعدًا لموت جميل ولكن المرأة العجوز القبيحة البغيضة لم تكن هي النوع التي يريد أن يقتله.

ولدت فيوليت جيبسون التي حاولت اغتيال موسوليني في العاصمة الأيرلندية دبلن عام 1876 لعائلة أرستقراطية. وقتذاك كانت أيرلندا جزءًا من المملكة المتحدة، وكان والدها إدوارد جيبسون محاميًا وسياسيًا أيرلنديًا.

في شبابها عانت جيبسون من مشكلات نفسية إذ خُطبت في الحادية والعشرين من عمرها لكن خطيبها توفي بعد عام واحد من الخطبة، وهو الأمر الذي سبب لها صدمة نفسية.

بعد ذلك انخرطت جيبسون في المجال العام وانضمت لمجموعة من المنظمات السلمية وسافرت كثيرًا إلى أوروبا، كما قررت دراسة الثيوصوفية (Theosophia) وهو معتقد روحي مسيحي، انتشرت دراسته في أواخر القرن التاسع عشر.

بعد ذلك زاد هوس جيبسون بالدين، وقد أدى سلوكها الغريب بشكل متزايد إلى دخولها مرتين مستشفى الأمراض العقلية.

مصدر الصورة: إيريش أيتمز

في خلال عام 1916 اعتكفت جيبسون في أحد الأديرة وطغت عليها فكرة التخلص من الشر، وبحلول عام 1925 سافرت إلى روما وهناك حاولت الانتحار بإطلاق النار على نفسها لكنها لم تمت، لتمكث بعد تلك المحاولة في أحد الأديرة بصحبة مساعدتها الأيرلندية، وفي أحد الأيام خرجت جيبسون من الدير ومعها مسدس لقتل موسوليني رغبة منها في إنقاذ العالم من الشر.

بعد إطلاقها للنار سُجنت جيبسون لفترة قصيرة جدًا ثم أُخذت إلى مستشفى هارلي ستريت في لندن، وهناك صدر تقرير طبيّ بأن جيبسون مجنونة، لتنتقل بعدها إلى مصحة نورثهامبتونشاير حيث بقيت لآخر عمرها. ومن داخل تلك المصحة كتبت جيبسون رسائل إلى ونستون تشرشل والملكة إليزابيث، تقترح فيها خططًا لإنقاذ العالم!

3. إيزولا كاري.. المرأة التي أقدمت على اغتيال مارتن لوثر كينج

في 20 سبتمبر عام 1958 كانت إيزولا كاري تخضع للاستجواب في مركز شرطة نيويورك بسبب طعنها الناشط مارتن لوثر كينج أثناء حفلة توقيع كتابه «Stride toward freedom»، وقتذاك لم تحصل الشرطة سوى على إجابات مشوشة وغير متماسكة من كاري، إذ قالت لهم إنها كانت تعتقد أن كينج شيوعي ويتجسس عليها وفي غضون شهر نُقلت كاري إلى مصحة للأمراض العقلية، لكن يا ترى ما هي قصتها؟

ولدت إيزولا كاري عام 1916 بإحدى القرى البعيدة في ولاية جورجيا وفي صغرها حصلت على قسط صغير من التعليم في المرحلة الابتدائية لتتزوج بعدها وتنفصل في مرحلة مبكرة جدًا من شبابها.

بعد ذلك انتقلت كاري إلى نيويورك وهناك عملت خادمة في المنازل، وبعد مرور عدة أعوام بدأت تراودها الأوهام حول الجمعية الوطنية لتقدم الملونين، إذ كانت تعتقد أنها جمعية شيوعية، وحين لمع نجم الناشط مارتن لوثر كينج تزايدت أوهامها بشدة.

مصدر الصورة: موقع بينترست

خططت كاري لجريمتها جيدًا وحين جاء يومها الموعود وفي أثناء حفلة توقيع الكتاب تأنقت وارتدت أفضل الملابس وشقت طريقها عبر الحشد إلى الطاولة التي يجلس عليها كينج؛ وهناك سألته: هل أنت مارتن لوثر كينج وحين رد بالإيجاب طعنته بسكينها!

في أثناء القبض عليها قالت كاري إنها سعيدة جدًا بقتله بعد أن ظلت تلاحقه سنوات. وفي 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1958، وجهت لها هيئة المحلفين الكبرى تهمة القتل العمد من الدرجة الأولى وحُكم عليها بالسجن لمدة 25 عامًا، لكن اكتشف الأطباء النفسيون أن كاري مصابة بالفصام المصحوب بجنون العظمة ولهذا أُودعت بمستشفى ماتيوان الحكومي للأمراض العقلية.

تاريخ

منذ سنتين
من القرصنة إلى اغتيال لينكولن.. 5 «مجرمات» خلقن الفوضى في البر والبحر

المصادر

تحميل المزيد