بالرغم من أن الجميع يؤكد أن هناك أكثر من قطاع اقتصادي في قطر قد استفاد بشكل مباشر من الأزمة الخليجية الحالية، سواء كان القطاع الزراعي، أو الموانئ، أو قطاع الصناعة المحلية، وغيرها من القطاعات التي وجدت نفسها أمام طريق واحد، وهو الاعتماد على النفس، ولكن على ما يبدو فإن القطاع السياحي سيكون أكثر المستفيدين من هذا الحصار؛ إذ تسير الدوحة بخطى ثابتة نحو جعل هذا الصناعة التي ظلت ناشئة على مدار الأعوام الماضية أحد الأعمدة الأساسية في مسيرة البلاد نحو التنوع الاقتصادي، فباتت الآن تمتلك إمكانيات هائلة وأمامها فرص كبيرة للنمو.
ومع انعقاد يوم السياحة العالمي في الدوحة، اليوم الثلاثاء 27 سبتمبر (أيلول)، تحت شعار «السياحة المستدامة أداة التنمية»، تسعى قطر لاستغلال هذا الحدث العالمي الذي تستضيفه لأول مرة، الذي يتم الاحتفال به منذ عام 1980 في 27 سبتمبر (أيلول) – اليوم الذي دخل فيه النظام الأساسي لمنظمة السياحة العالمية حيّز النفاذ – إذ تعرض قطر الإستراتيجية الوطنية لقطاع السياحة، التي تعزّز النُهُج المستدامة، حيث تندرج هذه الإستراتيجية في إطار رؤية قطر الوطنية 2030 التي تولي الأولوية للسياحة كقاطرة للتقدّم نحو اقتصاد أكثر تنوّعًا.
يحضر لفيف من الشخصيات البارزة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، بداية من طالب الرفاعي، الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، ووزير السياحة الجامايكي، ووزير السياحة الكرواتي، وعدد من وزراء السياحة بعدد من الدول، وممثلين عن هيئات ووزارات السياحة من شتى أنحاء العالم، إذ وجهت الهيئة العامة القطرية للسياحة الدعوة إلى الأعضاء الأساسيين والمنتسبين للمنظمة التي تضم 156 دولة، وستة أعضاء منتسبين و500 عضو منتسب، يمثلون القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والجمعيات السياحية وسلطات السياحة المحلية على مستوى العالم.
وكانت الجمعية العامة لمنظمة السياحة العالمية، اختارت دولة قطر لاستضافة فعاليات الاحتفال بيوم السياحة العالمي من خلال التصويت الذي أجرته الجمعية العامة الـ 21 لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، والتي انعقدت في كولومبيا في عام 2015، حيث تكتسب هذه المناسبة أهمية مضاعفة لدى دولة قطر، وذلك لكونها تأتي في وقت يشهد فيه قطاع السياحة في البلاد تغيرات كبيرة ومثيرة.
مثل هذا الاهتمام ينم في نظر العديد من المراقبين الاقتصاديين عن أن الدوحة مصرة على النهوض بهذه الصناعة؛ إذ لم تترك مثل هذه الفرصة بدون أن تستغلها أكبر استغلال، وذلك في وقت تحتاج الدوحة فيه لتعزيز مثل هذا الوجود الدولي، بعد أن أعلنت السعودية وحليفتاها: الإمارات والبحرين، في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، إجراءات غير مسبوقة ضد قطر، تم ذلك بمشاركة مصر وعلى خلفية اتهامات لقطر بتمويل الإرهاب وتوجيهه، كان أهم هذه الإجراءات هو الحصار الاقتصادي من خلال إغلاق الدول الثلاث لمنافذها البرية والجوية والبحرية، وهو ما من شأنه أن يقضي على صناعة السياحة التي مازالت في طور بدايتها.
كيف دعم الحصار السياحة القطرية؟
في الواقع يبدو هذا السؤال صعبًا من الناحية النظرية، ولكن بالنظر إلى قرارات الدوحة التي تصب في مصلحة القطاع مؤخرًا، نجد أن أنها تتسم بكثير من الجرأة، إذ أن هناك عدة خطوات ربما لم تكون الدوحة تخطط لها، ولكن بعد الحصار بات لابد منها، وهو ما يمكن أن يساهم في تسريع نمو القطاع في البلاد، أغلب هذه القرارات تدور حول التأشيرات، والميزات الاستثمارية بالقطاع، وكذلك التطور الهائل بميناء حمد وشركة «القطرية»، والتي جاءت لمواجهة الحصار، وهو ما سنناقشه في فقرات قادمة من التقرير.
الحصار أتاح الفرصة لقطر لتحديد مواطن القوة وتعزيزها، ومعالجة أوجه القصور لضمان المحافظة على مرونة الاقتصاد القطري والنمو المستدام – وزير الاقتصاد القطري.
لكن عمومًا، جعلت الأزمة الخليجية الحالية من الدوحة محور اهتمام الكثيرين، وحازت على ذكر إعلامي دولي متميز، وهو الأمر الذي يساعد القطاع السياحي بشكل أو بآخر، هذا المعنى جاء على لسان وزير الاقتصاد والتجارة القطري، أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، إذ قال إن إجراءات الحصار أثرت بشكل إيجابي على اقتصاد قطر، مشددًا على أن بلاده نجحت في إنشاء طرق تجارية بديلة ومباشرة مع عدد من المناطق الإستراتيجية في جميع أنحاء العالم في غضون أيام، واستفادت الدولة من مطار حمد الدولي الذي يعد من أفضل مطارات العالم لضمان حركة الطيران والبضائع بوتيرة طبيعية لأكثر من 150 وجهة حول العالم عبر الخطوط الجوية القطرية.
نواف علي العبيدلي، مدير عام منتجع شاطئ سيلين، الذي تملكه كتارا للضيافة قال في حوار له مع جريدة «الوطن الاقتصادي» القطرية: إن أثر الحصار على قطاع السياحة كان إيجابيا، موضحًا: «معظم زوار منتجع شاطئ سيلين من القطريين والمقيمين ولذلك فإن الحصار ساهم في تحقيق المزيد من الإشغال، وذلك بسبب عزوف الكثير من الأسر عن السفر للخارج، الأمر الذي عزز مستويات الإقبال في المنتجع».

وفي الوقت ذاته لم تقف الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية في قطر، مكتوفة الأيدي، إذ رفعت المئات منها العديد من الشعارات الجاذبة للسياحة الوافدة، في موسم الصيف، مثل: «تستطيع الحصول على ليلة مجانية عند إقامتك عندنا – تستطيع تناول غداءك مجانًا لمرة واحدة في مطعمنا»، وغيرها من الشعارات الأخرى، التي ترفعها المرافق السياحية للزوار العرب والأجانب، للاستمتاع بالفعاليات الصيفية التي تجرى في قطر.
بينما قامت الخطوط الجوية القطرية بإطلاق عروض خاصة تتمثل في خصومات تصل إلى 40% على تذاكر السفر للرحلات القادمة من الكويت وسلطنة عمان، وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في زيادة زوار قطر خلال الفترة الماضية، وذلك تزامنًا مع إطلاق مهرجان صيف قطر 2017، والذي انتهت فعالياته ببداية سبتمبر (أيلول) الجاري، بمشاركة 77 منشأة فندقية والعديد من مراكز التسوق.
قفزة كبيرة في عائدات وأعداد السياح
رقميًا يمكن الجزم بأن السياحة في قطر تشهد طفرة كبيرة، فبحسب وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية، فإن الإنفاق السياحي بشقيه الداخلي والخارجي حقق للبلاد قيمة مضافة بلغت عام 2015 قرابة 11 مليار دولار، بعد أن كان ستة مليارات عام 2011، وقالت الوزارة في تحليل أعدته حول القطاع السياحي، ونشر في فبراير (شباط) الماضي: إن القيمة المضافة تضاعفت خلال خمس سنوات؛ إذ قدرت بنحو 21.2 مليار ريال في العام 2011، ثم أخذت بالارتفاع تدريجيًا وصولًا إلى 41.3 مليار ريال في العام 2015.

التحليل ذكر كذلك أن عدد السياح الأجانب ارتفع من 1.7 مليون في عام 2010 إلى حوالي 2.9 مليون في عام 2015، أي بنحو 11% بالمتوسط سنويًا، وحول السياحة الداخلية، فقد ارتفع إنفاق المواطنين والمقيمين على السياحة الداخلية من 7.2 مليار ريال إلى 11.6 مليار ريال خلال الفترة نفسها، وهو ما يعني وصول إجمالي حجم الإنفاق الكلي على الأنشطة المحلية المرتبطة بالقطاع السياحي إلى نحو 36 مليار ريال في عام 2015.
وحاليًا، تشير أحدث البيانات الصادرة الرسمية إلى أن نسبة المساهمة الكلية لقطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015 بلغت 4.3%، فيما بلغت المساهمة الكلية للقطاع في الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي نحو 8.8%، ومن المقرر أن تشغل مشروعات الهيئة العامة للسياحة نسبة 5.2 % من إجمالي إسهام قطاع السياحة بحلول عام 2030 محققة بذلك نسبة 9.7 % من الاقتصاد غير النفطي.
وارتفع إجمالي عدد الزوار القادمين إلى قطر بنسبة 1% في النصف الأول من 2017 ليسجل 1.46 مليون زائر مقارنة بنحو 1.45 مليون زائر في الفترة نفسها من عام 2016، حققت الأسواق الأوروبية أعلى معدلات النمو، حيث ارتفعت أعداد الزوار القادمين منها بنسبة 10% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016، فيما ارتفعت أعداد الزوار القادمين من الأمريكتين بنسبة 7% مقارنة بالعام الماضي.
على الجانب الأخر، سجلت قطر نموًا ملحوظًا في أعداد البواخر السياحة وركابها الذين وصلوا إلى الشواطئ القطرية، بلغ إجمالي أعداد السياح الذين استقبلتهم الدولة عبر البواخر السياحية في هذا الموسم 47 ألف زائر، بزيادة في عدد البواخر نسبتها 120 %، كما سجل عدد الزوار الذين وصلوا إلى الشواطئ القطرية على متن 22 سفينة سياحية وباخرة عملاقة واحدة ارتفاعًا كبيرًا تجاوزت نسبته 1000%، وتسعى قطر لمضاعفة هذا الرقم ثلاث مرات خلال السنوات الثلاثة المقبلة؛ ما يرفع عدد سياح الرحلات البحرية إلى 300 ألف زائر تقريبًا في موسم «2019-2020».
الإعفاء من تأشيرة الدخول بوابة إنعاش القطاع
لا شك أن أهم القرارات القطرية التي سيكون لها أثر إيجابي بالغ على قطاع السياحة، هو قرار إعفاء مواطني 80 دولة من تأشيرة الدخول إلى قطر، اعتبارًا من التاسع من أغسطس (آب) الماضي؛ إذ يُسمح لبعض الجنسيات بقضاء 90 يومًا في قطر (إعفاء متعدد الدخول)، أو سيكون ساريًا لمدة 30 يومًا من تاريخ الإصدار، ويمنح الزائر الحق في قضاء مدة لا تتجاوز 30 يومًا في قطر مع إمكانية التقدم بطلب لتمديد الإعفاء 30 يومًا أخرى.
يأتي القرار بهدف جعل «قطر أيقونة للسياحة، وسيضعها على رأس الدول المنفتحة للسياحة في المنطقة، حيث إن عدد الجنسيات التي يحق لها الدخول إلى قطر بلا تأشيرة أصبح الآن هو الأعلى في المنطقة» على حد قول الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر، بينما يعتبر القطريون أن هذه الخطوة سوف تشكل علامة فارقة على طريق تطوير صناعة السياحة في البلاد وتنميتها.

وفي 26 سبتمبر (أيلول) 2016، تم تطبيق نظام التأشيرات السياحية الذي يمنح المسافرين العابرين «الترانزيت» من الدوحة والذي يسمح للركاب الذين يقضون خمس ساعات على الأقل كوقت عبور في مطار حمد الدولي، بالبقاء في قطر لمدة تصل إلى 96 ساعة دون حاجة للتقدم بطلب مسبق للحصول على تأشيرة دخول، وهو ما يجعل من التوقف في قطر أسهل وأكثر جاذبية لدى المسافرين الدوليين على متن الخطوط القطرية، فضلًا عن كونها تستهدف تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة قطر كوجهة سياحية جاذبة.
وفي 21 سبتمبر (أيلول) 2016، أعلنت الهيئة العامة للسياحة بالتنسيق مع وزارة الداخلية وشركة قطر لإدارة الموانئ، عن تدابير جديدة تستهدف تسهيل دخول البواخر السياحية ونزول ركابها في الموانئ القطرية بسهولة ويسر، دعمًا لقطاع السياحة البحرية، إذ شملت الإجراءات، إرسال قوائم الركاب، والتي تتضمن تفاصيل جوازات سفرهم وتفاصيل طاقم السفينة إلى مسؤولي الهجرة والجوازات قبل 48 ساعة من وصول الباخرة السياحية إلى قطر منح الإذن بالدخول للركاب قبل رسو السفن.
ويتوقع الخبراء أن يتدفّق الآلاف من السياح تباعًا في أعقاب هذه القرارات، إذ إن تسهيل الإجراءات على الزائرين بشكل عام يصب في مصلحة أي بلد، ويساهم في تنشيط حركة السياحة والأعمال، في المقابل فإن وضع أية قيود يضر بحركة الاقتصاد، وتنقسم الدول المعفاة إلى قائمتين، القائمة الأولى تتضمن 47 دولة، وبإمكان مواطني هذه الدول دخول قطر دون ترتيبات مسبقة، أما الثانية، فتتضمن 33 دولة يمكن لمواطنيها الحصول أيضًا على تأشيرة لدى وصولهم إلى قطر.
وفي نفس الاتجاه أعلنت قطر عن تدابير جديدة يحصل بموجبها مواطنو المغرب والجزائر على تأشيرة الدخول إليها عند الوصول إلى أحد منافذها الحدودية، وبدأ تطبيق هذه التدابير، اعتبارًا من 15 سبتمبر (أيلول) الجاري، على أن يحصل زوار البلدين على إخطار سفر إلكتروني، عبر تعبئة طلب على الإنترنت قبل السفر بـ48 ساعة على الأقل، من خلال صفحة خدمات الفيزا لقطر.

كما أعلنت الهيئة العامة للسياحة في قطر (حكومية)، عن افتتاح أول مكتب تمثيلي لها في العاصمة الصينية بكين، فيما يتْبعه مكتبان فرعيان آخران في مدينتي شنغهاي وجوانجتسو، وذلك بعد منح دولة قطر رسميًا، صفة الوجهة السياحية المعتمدة في الصين، وتعد هذه خطوة جوهرية إذ إن عدد السياح الصينيين تجاوز في العام الماضي 130 مليون سائح؛ مما جعلهم محط أنظار العديد من الدول، وينضم المكتب الجديد بذلك إلى شبكة دولية واسعة تغطي حاليًا المملكة المتحدة وأيرلندا وفرنسا وألمانيا والنمسا وسويسرا وإيطاليا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وأسواق دول مجلس التعاون الخليجي وجنوب شرق آسيا.
مطار حمد الدولي.. بوصلة الانتعاشة
ينظر إلى مطار حمد الدولي الذي حقق رقمًا قياسيًا جديدًا في حركة المسافرين والطائرات خلال عام 2016 باستقبال عدد 37.3 مليون مسافر و245.800 حركة هبوط وإقلاع للطائرات خلال نفس العام، على أنه بوصلة انتعاش قطاع السياحة في قطر، إذ يقدم المطار حاليا خدماته لـ 30 مليون راكب سنويًا، وعند الانتهاء من مشروع التوسع في 2021، سيرتفع هذا العدد إلى نحو 53 مليون راكب سنويا، وتم تخطيط هذا التوسع استراتيجيًا لمواكبة النمو المستمر في حركة الركاب.
يشار إلى أن مطار حمد الدولي، استقبل خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) من العام 2017 نحو 19 مليون مسافر، وسجل المطار نموًا في أعداد المسافرين خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت نسبته 8% مقارنة بأعداد نفس الفترة من العام الماضي البالغة 17.6 مليون مسافر.
كأس العالم 2022.. فرصة جوهرية لنقلة نوعية
لا شك أن بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها قطر، أحد أهم أوجه التنمية الاقتصادية التي تشهدها البلاد، إذ سيكون لقطاع السياحة نصيب كبير من هذا التطور، حيث سيستفيد القطاع من تطوير البنية التحتية في مجال الضيافة، وجذب الاستثمارات المحلية والعالمية التي من شأنها تعزيز مكانة قطر كوجهة سياحية عالمية، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية لسياحة المعارض والمؤتمرات والفعاليات الكبرى، حسبما أكد حسن الذوادي الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث.
وعلى كلٍّ فسيكون قطاع السياحة المتنامي في قطر أكبر المستفيدين، من الفنادق وغيرها من خيارات الإقامة الأخرى التي ستكون إرثًا تتركه بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، وذلك بجانب ما تتمتع به قطر من شهرة عالمية في مجال استضافة الفعاليات الرياضية؛ ما يعني وجود طلب دائم على أماكن الإقامة فيها.